شتان
بين أن تكون فوق الحصان أو أن تكون تحت الحصان
, آسف , أي , أن تكون تحت الحصار . فالفرق يبدو بسيطا . ولكن وضع حرف الراء
مكان النون يقلب كل شيء , فتصبح تحت الحصار , أي في أكبر سجن عرفته البشرية .
فأن تكون فوق الحصان لتنطلق في العدو بحرية في
الهواء الطلق , دون حاجز , دون خوف من عدو متربص , أو صاروخ يقطعك أشلاء تمحي
إمكانية معرفتك , تمحي صورتك الانسانية .
أن تكون فوق الحصان , أنت عنترة إبن شداد يسابق
الريح مدافعا عن حياض قبيلته .
أن تكون فوق الحصان , أنت
راعي البقر في براري أمريكا , بقبعته وبنطاله الجينز يلملم قطيع أبقاره مع غروب
الشمس عائدا بسلام الى حظيرته .
وتحت الحصان ـ آسف تحت الحصار ـ ممنوع أن تنظر فوق , فطائرات
الاستطلاع فوقك ولو لم ترها , فإنها تراك , إحذر أن تكون في حالة يشك فيها موجه
الطائرة أن معك مدفع , أو تتهيء للمقاومة ولو على ظهر حمار . وليحظر الأطفال ألا
يلعبوا ببندقية بلاستيك , فالصاروخ في الانتظار دائما , وكل التكنولوجيا العلمية
مسخرة وموجهة إليهم .
تحت الحصار في غزة
المنكوبة , شتان لسفينة تأتي من عرض البحر
تحمل اليسار المتضامن معنا ,ـ مع ساكني السجن الكبير ـ شفقة علينا من تحت الحصار ,
وسفينة تغدو وتروح في أي بحر في العالم دون رقيب أو تهديد .
فعلا ،
شتان ما فوق الحصان وما تحت الحصار , فالحصان تحت اليد وجاهز للامتطاء وقت ما تشاء
, يسير بك الى حيث تشاء . أما تحت الحصار و فلا سفر الا بتصاريح لا عد لها و
ومواعيد وحجوزات تصل الى الشهور , إلا من رحم ربي .
وتحت الحصار , فالماء
ليس للزراعة ولا للشرب . فأنت لا تستطيع
أن تزرع , فإن تسقي الزرع , لابد أن تموت عطشا , وإن شربت الماء مات زرعك , ومت
جوعا , وعليك أن تحلم بشاحنة طحين للأونروا , ربما أصابك منها نائبا , أو بعض شيء
من ملحقاتها , من معلبات جُدد تاريخ
صلاحيتها لتناسبك .
تحت الحصار لا تستطيع أن
تقترب من أرضك حتى أكثر من نصف كيلومتر , فالقناص في انتظارك . فالقرب من الحدود
لا تستطيع أن تجري , أن تحفر , أن تبني , ولا أن تلحق بإحدى ماشيتك التي اقتربت من
الحدود .
تحت الحصار , عليك أن تنتظر
فتح "كرم أبو سالم " وتحلم بنصف
الاسم "كرم " , في انتظار الفاكهة التي لم تجد من يشتريها
من " تنوفا " ـ شركة
التسويق الزراعي الاسرائيلية ـ . وفي السوق , تسمع الباعة , تفاح , موز ,
مشمش , أفوكادو , المعبر مغلق , " أكلة والوداع " .
وآخر ينادي , الفرسمول , فيقول
آخر : الفرسمول يضر المعدة , فيعلق ثالث بقوله : يضر المعدة !!! , المعدة تكيفت على السموم والعفونة ,والمعلبات المحفوظة
كيميائيا , وإذا أصابك مغص أو سخونة فبنادول
صحية الوكالة جاهز , وإذا مش
معجبك المقبرة جاهزة , أحسنلك من هالعيشة
.
في الحصار أكثروا من الصلاة
, ففي الصلاة أمل بجنان لم ترها عين , ولم تسمع بها أذن , وكل شيء , كل ما هو
ممنوع تحت الحصار موجود في الجنان , فأكثروا من الصلاة واحلموا في الجنان , وإن لم
تحلموا بها , صلوا قيام الليل , وضاعفوا
الصلوات , وأكثروا من الدعاء , ممكن الله يستجيب لدعائكم , ويرفعكم فوق الحصان .
صلوا , وادعوا , واحلموا ,
يا أهل غزة المنكوبة في كل شيء , في الماء والكهرباء والغذاء والسفر و حتى البحر
محاصر وقل خيره , فعائلات الصيادين يشموا ريحة السمك ولا يأكلوه , فالصيادون غالبا
ما يعودون بخفي حنين , ولا يصطادون ما يسد الرمق لعائلاتهم .
تحت الحصار , لا عمل , البطالة تغطي الطبقة
العاملة بصورة شبه كاملة . إما تعمل لك بسطة في السوق , أو تسوق لك على سيارة !!!
وفي السوق , الباعة أكثر من
المشترين , لا عمل إلا البيع , والكل يبيع على بعضه و وتسمع في السوق نغمة " أي حاجة , بأي حاجة " .
أن
تسوق على سيارة أجرة , تلاحقك الرسوم والضريبة وتجديد الرخصة والمخالفات والطرق
الغير معبدة وارتفاع أسعار قطع الغيار وندرتها وأُجرة الصيانة , وارتفاع أسعار
المحروقات الدورية وطلبات الزبائن حتى باب البيت . وفي الغالب لا يعود سائق سيارة
الأجرة الى البيت بغلّة تكفي لإعالة أُسرته .
تحت الحصار , الطلبة
يسافرون يوميا الى الجامعات , وفوق رسوم الجامعة , يحتاجون أُجرة مواصلات والأب
مُطالب بمليء البطون ودفع ضريبة الحصار , كومة من العذابات اليومية .
في الحصار , الماء لا يصلح
للاستخدام الآدمي , لا للشرب ولا للطبخ و طعمها اقترب من طعم مياه البحر .
في الحصار , الكهرباء ليس
لها مواعيد , فمواعيدها حسب نشرة شركة الكهرباء محددة حسب النشرة فقط و وفي
الواقع مثل مواعيد عرقوب . وعدنا الى لمبة
الكاز والفوانيس والمجمرة للتدفئة في شتاء قارس لم نشهد له مثيل .
في الحصار , لا تسأل عن حال
أهالي البيوت التي دمرتها حملة الرصاص المصبوب الاسرائيلية . فأي تعويض لا يمكن أن يعوضهم عن تدمير بيوتهم وتشريدهم ,
وفقدان العديد من أبناءهم أو مصادر
أرزاقهم .
في الحصار , سوق أطباء
الشغلة التانية بعد الدوام , الكشفية , حسب السوق , لكن لا تقل عن 40 شاقلا , وفي
المستشفى لا يعيرك الطبيب انتباها إن لم تكن زبونه في العيادة الخاصة . وأسعار
الأدوية حدث ولا حرج .
ودائما نواجه في الشارع وفي
السوق , في الجامعة بالسؤال متى ؟ متى ينتهي الحصار , وما زاد الطين بله وجود الانقسام , وأخبار المصالحة مثل قميص عثمان
, والكل يظهر بتمسكه بشعرة معاوية .
فشتان أن تكون فوق الحصان
أو تكون تحت الحصان , آسف , تحت الحصار ......
فدعنا نقول ما لم يقال !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق