الاثنين، 12 مايو 2014

أسباب القصور في العقل العربي

يعيش الناس هذه الأيام في حالة من الضبابية الفكرية والتميع المواقفي ومتابعة الأحداث العالمية بشكل انتقائي مشحون باللامبالاة , وإذا واجهت شخصا لديه بعض الاهتمام , فستجد اهتمامه نابع من الهموم الشخصية أكثر منه انشغالا بهموم المجموع . وتغلب على آرائه النزعة الشخصية الآنية المفرطة , والمشحونة بالأنانية الفردية , وهذا الإحساس يضعنا أمام السؤال:
هل العولمة وتفشي منطق القطب الواحد هي سبب هذه الظاهرة ؟ أم أن شدة الأزمة الاقتصادية التي أصابت عددا من البلدان الأوروبية , تركت انعكاسات لها على العالم بأسره , بما فيها المنطقة العربية , وتأثر منها ساكن المدينة وساكن الصحراء , أم أن انتشار التكنولوجيا الناعمة قد ميع الاهتمام بغيرها , وقد سيطرت على زمان الناس وجعلتهم في حالة من الانحسار إلى الذات , أم هي سيطرة للشيئية على العالم – أي أصبح الإنسان شيئا فقط ، أم هي سيطرة النفعية التي غلفت العلاقات بين البشر .
وهل صدقت المقولة التي تقول : إن الناس ينسون مبادئهم وأفكارهم أسرع من نسيان فقدان أشيائهم وممتلكاتهم بحيث ألقت الاهتمام بالأفكار الفلسفية والاجتماعية جانبا , أم إن واحدية القطبية في العالم وسيطرة القطب الرأسمالي وأفكاره على العالم بعد تفكك منظومة الدول الاشتراكية قد أفقدت الثقة بالأيدولوجيا , وعززت الإهمال للمبادئ والأفكار الجماعية , وبالمقابل نشرت وعززت الفردية والسلوك الأناني عند إنسان هذا الزمان في العالم .
والأهم من هذا ، هل أن التوجه الديني في المنطقة العربية يعود إلى العجز عن فهم زمان هذه المنطقة و طبيعة متناقضاتها ، وبالتالي ، الفشل في وضع الحلول العلمية والمناسبة زمانيا ، أم هو الهروب إلى وهم الحلول المستوحاة من الميراث المقدس ؟

ومن الأسباب الذاتية لوجود حالة القصور في العقل العربي نرى ما يأتي :
1- تشوه معالم النمو والتطور في البنية التحتية الاقتصادية وضعفها لاعتمادها على الخارج وعدم القدرة على التخلص من ارتباطات استعمارية سابقة لكونها حديثة الاستقلال .
2- التفاوت في استشراف النمو الاقتصادي حيث اقتربت بعض الدول العربية من حافة معالم الرأسمالية الصناعية في حين بقيت أغلبية الدول العربية تعيش مرحلة الاقطاع بكامل تأثيره الاجتماعي والفكري .
3- تنوع أشكال الاستعمار للدول العربية مما فرض تنوع في استراتيجيات التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي .
4- تنوع معالم التشكل الاجتماعي الطبقي وتشوهه فلم تظهر معالم طبقية واضحة تتشابه مع مستويات التشكل الاجتماعي الطبقي الحادثة في الدول الرأسمالية .
5- تشوه تركيبة الجمعيات ومؤسسات النضال التي تدافع عن مصالح الطبقات المُستَغَلة .، من نقابات ونوادي وتجمعات ثقافية وحزبية . وسيطرة الدولة عليها وتحجيم نشاطاتها .
6- وجود بُنى فوقية متخلفة عشائرية واقطاعية وكمبرادورية وبرجوازية وطنية غير مخلصة ، تتناسب مصالحها مع التأخر الاقتصادي والاجتماعي اخلاصا منها لارتباطاتها الخارجية .
7- مع الحصول على الاستقلال السياسي الشكلي ، صعدت أنظمة حكم بشعارات قومية كان لها الأثر في تزييف الوعي الطبقي والنضالي .
8- التذرع بالخصوصية الجغرافية فكرا ومنهجا مما كان له الأثر في عدم استشراف معالم طريق للتطور من الآخر وتجاربه .
9- الانحسار داخل الخصوصية الفكرية والدينية للتميز بها عن دول الاستعمار السابق .
10- الاعتقاد بالتميز - خير أمة أخرجت للناس - والاكتفاء بالميراث المقدس والخصوصية العلاقاتية ، والسخرية من الآخر الشاذ .
11- قصور اللغة العربية والنهج العربي التعليمي المعتمد اسلوب التحفيظ والتكرار ، عن اللحاق بمفاهيم مثل التغير والتطور ومنعكساته الاجتماعية والفكرية
12- انعدام الديمقراطية واعتماد اسلوب الغاء الآخر بكل أساليب القهر والاعتقال والابعاد للمعارضين السياسيين ومنتسبي الأحزاب المعارضة لأنظمة الحكم .
13- انعدام الحرية وغياب مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة ، وانعدام المساواة بين مكونات المجتمع العرقية والدينية .
14- تشويه المناضلين ومنتسبي الأحزاب المعارضة بمسميات دينية - كافر ، ملحد ، مستغرب .
15- كل هذا أثر على العقل العربي في السعي الى التحرر مما وضعه في حالة دفاع في مواجهة التخلف والقهر الطبقي والفكري ، والمواجهة على جبهات متعددة في اتجاهات مختلفة بدلا من تركيزها في اتجاه التنبيه لمنافذ التطور الفكري والاجتماعي .
16- كثافة المغريات المالية التي لا يمكن نسيان تأثيرها على أشخاص وعلى النضال الاجتماعي فكرا وسلوكا .
17- تسارع التغيرات السياسية عربيا - تعدد الانقلابات العسكرية ، تأثر الأفكار بأحداث مشكلة فلسطين وملحقاتها السلبية
18- لا يمكن نسيان تأثير البترودولار الواقع تحت سيطرة أنظمة حكم اقطاعية وسلطانية والتي تقاوم التغيرات الاجتماعية وتتحالف مع المنظمات والأحزاب ذات الفكر الأصولي .
19- تحالف البترودولار مع الكتلة الاستعمارية الرأسمالية ودول حلف الناتو- دعاة الحرية الزائفة - أثناء الحرب الباردة ضد قوى السلم والاشتراكية الداعمة لتحرر الشعوب من القيود الاستعمارية ، مما شوه التوجه نحو التحرر الحقيقي .
20- تحالف تجار الميراث المقدس الديني وتبني أدبيات الأيديولوجيا الرأسمالية في صراعها مع قوى التحرر والاشتراكية الديمقراطية .

كل هذا كان له أثر بشكل أو بآخر على عدم الانفلات من القيود التي كرسها الاستعمار بالتحالف مع الرجعية العربية الاقطاعية والقومية المتحالفة مع دعاة الأصولية الدينية ، مما خلق اشكالية أمام دعاة التحرر الحقيقي للشعوب العربية ،ن مما كان له تأثير سلبي على تحرر العقل العربي ، وأظهره في حالة من القصور والتردي وعدم القدرة على مواكبة التطور الحضاري ماديا وفكريا وعلميا واجتماعيا وسياسيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...