اٍن أبسط
تعريف للفلسفة هو " حب الحكمة " ، حب المعرفة , هي حب معرفة الحقيقة
.الفلسفة هي نشاط عقلي انساني هادف الى معرفة الحقيقة , هي
حالة الرغبة للمعرفة التي تثيرها حالة الاندهاش والتساؤل التي تصيب الانسان من ملاحظته للظواهر الكونية
والطبيعة والمجتمع والانسان والعضويات النباتية والحيوانية .
ومن يدرس الفلسفة تنمو لديه فكرة البحث وتتوسع
بصيرته وتقوى لديه المقدرة على الفهم وسبر غور ما يمر به من أحداث يومية ، وما
يدور في العالم المحيط به .
ولكن هل من
الممكن أن يتكون لدى جميع الناس فلسفة واحدة وحيدة لتفسير ما يجري حولهم من أحداث
؟ بالطبع
، لا .
ولما كانت الفلسفة مجمل لأفكار وخبرات تتراكم من خلال تفاعل الناس مع الطبيعة ومع
بعضهم البعض , ونتيجة لهذا التفاعل تتكون عنها مفاهيم في أدمغة الناس ، ولما كان الناس يختلفون في
مستوياتهم الاقتصادية , فانهم حتما سيختلفون في الطرق والوسائل التي يحصلون فيها
على الغذاء ،وهذا التمايز الاجتماعي لا بد أن يخلق فئات اجتماعية ، طبقات اجتماعية
، تختلف في مصالحها عن بعضها البعض ، لهذا
كان من الطبيعي ظهور آراء وفلسفات مختلفة في المنطلق ، وفي النتائج . وكل طبقة
اجتماعية تحاول تسييد مفاهيمها عن الحياة
وطريقتها في تنظيم المجتمع .
ولما كانت
الحقيقة هي أفكارنا ، فهمنا لما يجري في الواقع ، ولما كان هناك اختلاف بين الناس
في فهم الواقع ومجريات الأحداث حولهم ،
اذا لابد من وجود اختلافات فيما يحمله الناس من أفكار ونظرات عن الواقع في عقولهم
، أي في نظرتهم الفلسفية للحياة .
والآن ، لابد
من السؤال : هل من الممكن أن تتكون لدى جميع
الناس نظرة صحيحة ، نظرة علمية
لمجريات الأحداث ومسبباتها الواقعية ؟ بالطبع , لا ، وذلك لأن لكل طبقة مصالحها وتتبنى من الأفكار
ما يخدم هذه المصالح ويدافع عنها ،
وبالتالي نرى في المجتمع خليطا من النظرات ، خليطا من الفلسفات ، منها من يكون
أقرب الى
الواقع ، الى العلم في تفسيره للأحداث الدائرة حولنا ومنها ما هو أبعد في
تفاسيره عن الواقع ، عن العلم ، عن التجربة المعاشة ، بل الأقرب الى الخيال، الى
الخرافة ، الى الميثولوجيا الاٍجتماعية ، أقرب الى التفسيرات الشعبوية ليس للأحداث
الاجتماعية ، بل وحتى الأحداث الطبيعية الصرفة ، مثل كسوف الشمس وخسوف القمر ،
ومسببات الأعاصير والزلازل والبراكين والحرائق .
ان التفسير
والفهم الفلسفي العلمي ينطلق من الواقع ويساير العلم والمكتشفات العلمية لكى تكون
حية وحيوية في استيعابها لكل جديد ومتطور في جميع جوانب الحياة المادية والفكرية .
ان العلوم ، الأحياء ، الفيزياء ، الجيولوجيا ،
والفلك ، وفروع الطب وغيرها تتخصص في دراسة وفهم وتفسير قسم من الظاهرات في العالم ، كل في مجاله . أما
الفلسفة فهي شمولية في دراستها للظاهرات ، وتعتمد على المنجزات العلمية في تدعيم
تفسيراتها لما يدور في الكون من أحداث وظاهرات ، لهذا فان الفلسفة لا تستطيع
الاٍستغناء عن منجزات العلوم الأخرى ، والفلسفة من هذا الطراز ، أي التي ترتكز على
العلم ، هي الفلسفة التي يسعى الناس لامتلاكها ومعرفتها ودراستها .
من هنا أصبح معنى الفلسفة في هذا العصر هي النظرة الشاملة لما يجري من
تغيرات على الموجودات المادية والعضوية والاٍجتماعية ، وهي بهذا العلم عن القوانين الأكثر شمولا التي تخضع لها كل الظاهرات في
العالم , القوانين التي بموجبها تتطور الطبيعة والمجتمع والفكر البشري .
ولكن ما هو المغزى من دراسة الفلسفة ؟ يجيب على هذا السؤال ، كارل ماركس ، حيث يقول
:" دأب الفلاسفة على تفسير الظاهرات والأحداث التي تحدث في العالم والمجتمع ،
ولكن المهم هو تغييره ".
ولا عجب اذا رأينا في المجتمع طبقات ، وفئات
اجتماعية لا يعجبها التفسير العلمي ولا الفلسفة التي تؤمن بالتطور والتغيير، لأنها
تتعارض مع مصالحها . فاذا عرف الناس الفهم السليم الواقعي لمجريات الأحداث في
المجتمع ،أي اٍذا فهم الناس أسباب الظلم الاجتماعي ، أسباب الفقر ، أسباب التمايز
الاجتماعي وانقسام المجتمع الى طبقات فان
هذه المعرفة ستدفع الجماهير الفقيرة الى الثورة ، الى محاولة التغيير ، متخذة من
الفلسفة الشمولية الواقعية نسقا فكريا ، أيديولوجيا لها في حراكها الاجتماعي نحو
بناء المجتمع الأفضل .
ان الطبقات
التى تملك السلطة بحكم موقعها الاقتصادي القوي تتبنى فلسفة غير علمية تزيف الواقع
وتزيف الفهم الحقيقي للفوارق الاجتماعية وتشوه العملية التطورية للمجتمع الانساني
، وتتبنى فلسفة غير منهجية ، لا يمكن على أساسها بناء مجتمع خالي من الأزمات
الاقتصادية والارهاصات الاجتماعية .
أما
الطبقات الفقيرة والتي تشكل الجماهير الغفيرة من العمال والفلاحين والذين يقع على
كاهلهم مهمة انتاج الخيرات المادية اللازمة لاستمرار الحياة ، ومهمة تطوير الحياة
ووسائل العيش ، هذه الطبقات لا يمكن لها اٍلا أن تتسلح بالنظرة الفلسفية الأكثر
تقدما ، الأكثر طليعية في التعامل مع الواقع الاجتماعي ، مع الفكر الانساني .
ان النظرات
الفلسفية تختلف في النظر الى المسائل المتعلقة بمعنى الحياة ، والسعادة والحرية
والاستقلال والبناء والتطور . فالشعوب المناضلة من أجل الحرية تتناقض مع التفسيرات
الفلسفية التي تنشرها الدول الامبريالية .
فأنظمة الحكم
الديكتاتورية والملكية والوراثية تتبنى فلسفة تتناقض مع فلسفة شعوبها الطامحة
للتغيير ، وتحاول جعل فلسفتها هي السائدة وتنشر المفاهيم المضادة للتطور والتقدم
والتغيير .
فالفلسفة التي ترتكز على العلم اذن ليست
مع الجميع الظالم والمظلوم ، السيد والعبد ، البرجوازي والعامل ، الاقطاعي والفلاح
، الكمبرادوري والمستهلك . بل تكون مع , وضد ، أي تدافع عن مصالح ضد مصالح ، أي
مصالح الذين تخدمهم ، أي لا يمكن أن تكون محايدة ، بل منتمية ومتحزبة ، والفلسفة
العلمية هي التي تتحزب وتدافع عن مصالح الفقراء والمظلومين في المجتمع .
على مر التاريخ
كانت هناك نظرات فلسفية متعددة بتعدد الطبقات الاجتماعية ، ولما كانت هناك طبقات
حاكمة ، سائدة ، ظالمة ، تملك السلطة والمال وتجير القوانين لصالحها وتنشر لدى
الجماهير فلسفة القناعة والقبول بالوضع
الراهن وعدم المحاولة للتغيير ، اٍن هذه الفلسفة هي الفلسفة المثالية ، التي كانت
دوما تدافع عن مصالح الطبقات الفوقية .، الأغنياء ، السادة ، الاقطاعيين ،
البرجوازيين ، الأريستقراطيين .
وبالمقابل كانت هناك طبقات محكومة ، فقيرة ،-
عمال وحرفيين وفلاحين - مضطهدة ، مظلومة لا تملك المعرفة ولا التعليم ، ولكن لديها
حس بأن السلطة ظالمة ، ولكن لا تعرف السبيل الثوري للتغيير . ان لدى الفقراء دوما
نزوعا للتغيير واصلاح الوضع الاجتماعي , وتتكرر المحاولات للتغيير , ولكن لا تصل
الى النتيجة المرجوة , وذلك بسبب غياب الفكر الارشادي الثوري عن الحراك الاجتماعي
, ومن هنا وفي ظل تكون الظروف الموضوعية الملائمة للثورة لا بد من أن تظهر البؤرة
المتعلمة والتي تكشف للجماهير الفلسفة الثورية
، النظرة الفلسفية المادية ، العلمية ، والتي تكشف اِسباب البؤس والظلم
الاجتماعي وسبل التحرر الاجتماعي . إن الفلسفة الثورية هي التي تضع المبرر
التاريخي للحراك الاجتماعي ، للثورة ، للتطور ، للسير نحو المجتمع الأفضل .
اذنْ هناك
نظرتان فلسفيتان الى العالم : نظرة فلسفية مثالية ، ونظرة فلسفية مادية . هناك من
يقول أن من يملك الاقتصاد – الأرض والمصانع
- يملك البلاد ، أي يسيطر على جهاز الدولة والجيش والشرطة ويفرض القوانين ، لهذا نجد الطبقات السائدة ، الحاكمة تعمل
جاهدة للبقاء في السلطة للأبد لهذا تبنت الفلسفة المثالية ، وفي نفس الوقت عملت
بكل قوة على تزييف المفهوم الحقيقي
للفلسفة المادية ، فجعلت الناس ينظرون للمادي ، بأنه شخص أناني ومحب للشهوات ويهتم بالمصالح
الشخصية ، أما المثالى فشخص يخدم المًثل ،
من حق وخير ، ومنزه عن الغرض ، وذو أخلاق مثالية .
ان دعاة المُثل والأخلاق والعفاف من الطبقات
الحاكمة والأغنياء هم أكثر الناس شبقا وحبا للشهوات ونهما في اغتراف اللذات . وهذا
واضح في حفلات الزواج لديهم والأعياد و المناسبات المتعددة الأشكال والألوان .
ومما يثير
العجب أن " القطط السمان " وهم الأكثر انتفاخا والاكثر بذخا يكثرون من
التشدق بالمًثل و دعوة الفقراء الى القناعة ، وعدم النظر الى ما متع الله به
الأغنياء من نعم ، وما الغنى والفقر الا منحة مقدرة من الله وتفضيل للناس بعضهم
على بعض ، فلا يمكن ان يخلق الله الناس متساوين ، وهذه سنة الحياة أن يكون بين الناس
فقراء وأغنياء ، وينشرون أن الفرق الحقيقي بين الأغنياء والفقراء هو في التقوى ، وليس
في الدرجة الإقتصادية والمراكزية ، أو امتلاك المال ، وتجدهم يُكثرون من سرد
الآيات والأحاديث النبوية لإقناع الفقراء
بالاستسلام لقدر الله عليهم ، فإن له حكمة في ذلك .
وكثيرا ما نراهم
ينشرون بعض الآراء الكاذبة بقولهم أن
الأغنياء حصلوا على أملاكهم لأنهم نشيطين وكانوا يعملون ليل نهار حتى ادخروا ما
يملكون ، بينما الفقراء كسالى ولا يعرفون كيف يدخرون المال .
إن هذه الأكاذيب لا تقنع إلا السذج والبسطاء من الناس ،
فواضح من هو الأكثر نشاطا في المجتمع ، ومن هو الذي يعمل من الصباح الى المساء ، وواضح من هو الأقل نشاطا والأقل في ساعات
العمل ، فطبقة الأغنياء لا يعملون بل يؤجرون الآخرين لينجزوا أعمالهم . ولو بحثنا
كيف حصل الأغنياء على أملاكهم لوجدت أنهم مارسوا ، هم أو آبائهم أساليب ملتوية لا
يعرفها الفقراء ، وحصلوا بعدها على هذه الأملاك .
إن هذه
التبريرات تهدف الى ترسيخ تقسيم للعمل بأن الفقراء مخلوقون للعمل الجسدي ، بينما
الأغنياء بأجسامهم المنتفخة وتنعم جلودهم ، هم وزوجاتهم اللامعة المرفهة ، غير مناسبين للعمل الجسدي ، ويحاولون بكل
الوسائل للحفاظ على هذه التقسيمة في المجتمع ، ونراهم يسلكون الطرق السرية والعلنية
لتنمية رؤوس أموالهم أضعافا مضاعفة باختراق كل القوانين الوضعية والوصايا الدينية
لتغطية مصاريفهم الماجنة .
بينما الفقراء ليس لديهم ما يسد الرمق بالكاد . و بالكد المتواصل يحصلون على قوت
يومهم ، فليس لديهم لا الأرضية الاقتصادية ولا الإمكانية المالية للبذخ والاغتراف
مما لذ و طاب .
ان هذا الفهم
بعيد كل البعد عن المعني الفعلي لكل من المفهومين الفلسفيين ، المادي والمثالي في النظرية والتطبيق .
ان الفلسفة
المادية ، تنطلق من الواقع ، من الأحداث الجارية ، من الأسباب المادية ,الواقعية
للظواهر الطبيعية والاٍجتماعية ، وتقدم لها الحلول الواقعية حسب خطوات المنهج
العلمي ، وأن كل توقع لحدث ما ، يرتكز على
المعطيات والامكانات الواقعية ، ومدى الاحتمال الأكثر احتمالا وامكانية .
أما الفلسفة المثالية ، فتبدأ من الخيال
والقدرية والغيب ، وهذه القوى لا يمكن اخضاعها للتجربة ، ولا يمكن توقع الحدث
القادم من الغيب ، ولا مداه ولا زمانه ولا مكانه ، وقد تكون نتائجه سلبية لأًناس
أكثر اٍيمانا ، ولا مانع في ذلك ، لأن المؤمنون أشد بلوة . فالحدث القدري لا يمكن
توقع نتائجه ، ولا تحاشي الأضرار الناتجة عنة ، لأنه غيبي يسقط عليك دون ٍاٍنذار .
هذا هو الفرق
الفعلي بين الفلسفة المادية والفلسفة المثالية في النظرية والتطبيق ، وعلى الجموع
الغفيرة أن تختار بين الفلسفة المثالية
التي تبرر الظلم وتزينه وتعمل على
تمييع الصراع الطبقي بالنصائح الدينية ، وتجعل الناس يؤمنون بأبدية الفوارق
الاٍجتماعية ، وأن الحياة الأفضل هي في علم الغيب ، وسنحصل عليها بعد الموت . ان
هذه دعوة للتواكل وعدم الثورة وعدم الميل للتغيير وبناء المجتمع الأفضل .
بينما الفلسفة المادية توضح الأسباب الواقعية للظلم الاجتماعي ،
للفوارق بين الناس ،ان الفلسفة المادية لا تؤمن بقدرية وأبدية الفوارق الطبقية بين
الناس , بل تؤمن ان هذه الفوارق جاءت بسبب الخلل في تقسيم خيرات البلاد لصالح
مجموعة صغيرة من الناس , وتحاول إقناع الناس أن هذا الوضع هو الوضع الطبيعي , ولا
داعي للتغيير , بل لا يمكن تغيير الفوارق الطبقية بين الناس لأنها إرادة إلاهيه ,
فالله جعل الناس درجات , ويجب عدم الثورة لتغيير هذه الدرجات , " ولا تمدن
أعينكم للذي متعنا به غيركم " – قرآن كريم .
ان الفلسفة المادية تؤمن أن الفوارق الطبقية هي
فوارق اقتصادية مصطنعة , أي فوارق يسببها
الخلل في تقسيم خيرات البلاد بين الناس ,
ويتم هذا بطرق ملتوية باسم الميراث , أو باسم الهبات المصطنعة من الحاكم , وفي
إطار العمل يتم عن طريق استئثار المالك
بكامل الربح الذي يقوم به العامل في المصنع أو في المزرعة .
ان الفلسفة
المادية تؤمن بإمكانية تغيير هذا الوضع الغير انساني وغير العادل , و تبين الطرق
والوسائل الاجتماعية الممكنة لبناء المجتمع الأفضل . انها توضح المبررات التاريخية
للتغيير ، للثورة ، للتطور العلمي والاجتماعي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق