آدم بين المعيار الديني والمعيار العلمي
كنت أقرأ موضوع عن الكمية والكيفية , فالكيفية هي مجموع الخواص للشيء , وهي التي تحدد كيفية الشيء وتميزه عن الأشياء الأُخرى , وكل كيفية لها كمية تناسبها وتعبر عنها . فمثلا : لا يمكن أن نجد اٍنسان طوله خمسة أمتار ووزنه طن .
وكنت قرأت مقالا عن ثوب آدم الذي طوله حسب ما ورد في الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ..... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) . رواه البخاري ( 3336 ) ومسلم ( 7092( .
... "وتنتشر على الشبكة العنكبوتية مجموعة صور لثوب يحاكي ثوب آدم عليه السلام الذي يماثل طول اهل الجنة وهو 60 ذراعا، وهو ثوب عجيب قياسا مع احجام بني البشر اليوم.
وهذا الثوب ـ حسب موقع فتكات ـ يثير التساؤلات ويدفع بنا الى البحث والتمحيص في واحدة من المسائل المثيرة جدا حول اذا ما كان فعلا حجم الانسان آخذ في الانكماش مع مرور الوقت؟! وكيف بامكاننا ان نفسر هذه الظاهرة ومثيلاتها؟!
كثيرا ما نقرأ في السيرة والاحاديث النبوية ان طول آدم عليه السلام 60 ذراعا، لكن الشاب السعودي حمدان المسعودي استهوته الفكرة ليصنع بمساعدة 4خياطين ثوبا يحاكي ذاك الطول،الذي يماثل طول اهل الجنة .
ويقول الشاب المسعودي الذي يقطن في قرية البدع بمحافظة تبوك شمالي السعودية ان الفكرة نشأت من قراءته لسيرة آدم عليه السلام، مؤكدا ان طول الثوب يزيد على 60 ذراعا، وقد استغرقت خياطته 18 يوما ".
واشار الى انه استخدم في صناعة الثوب 40 لفة قماش، و30 الف بكرة خيط، موضحا ان طول الثوب 29 مترا وعرضه ما بين الكتفين 9 امتار وعرضه من الاسفل 12 مترا، وفيما كان طول الكم 10 أمتار، وقطر الرقبة 6 امتار ومحيطها نحو مترين. بالصور .. ثوب آدم عليه السلام - " شبكة حوار بوابة الاقصى ".
وبالنظر الى حجم البشر الحالى والذي نادرا ما يزيد طول الانسان فيه على مترين , وعرض يتراوح بين نصف متر وسبعين سنتيمرا للبالغ . ان هذا التصور لآدم يثير التساؤلات في كل الاتجاهات المعيارية والحياتية والبيولوجية والتاريخية .
وبهذا هاجمتني عديدا من التساؤلات , فقلت لقد وُجدت الأشجار والحيوانات قبل الانسان , أي قبل آدم , وكان أضخم وأطول كائنات الأرض الديناصورات , وأكبر ديناصور يبلغ طوله من رأسه الى ذيله ما يقرب من ثلاثة طوابق , أي حوالي عشرة أمتار , ولما كان طول آدم يبلغ حوالي 30 مترا , أي حوالي تسعة طوابق ,فهذا يعني أن طول آدم يعادل ثلاثة ديناصورات متراصة فوق بعضها البعض . فكيف كان يأكل , ويتحرك بين الغابات المتداخلة والمتشابكة .
ولو افترضنا أنه كان يأكل من رؤوس الأشجار ــ كما هو حال الزرافة التي يتناسب طولها مع ارتفاع الأشجار ــ, اذا لا بد أن ينحني ليلتقط طعامه والانحناء المتكرر لا بد أن يُحدث تقوس في هذا الجسم ويُسرع في انقراضه , ولما عاش طويلا ـ عاش آدم ألف سنة ـ, اذا لا بد من وسيلة أُخرى للحصول على الطعام , حيث هذا الجسم الضخم يحتاج الى كمية كبيرة تعادل ما تحتاجه عشرة أفيال يوميا .
ولو افترضنا ان بيننا وبين آدم من 10 الى 12 ألف سنة , ونحن من نسله ونكتسب بالوراثة جيناته الوراثية , فكيف قصر طول الانسان الى هذا الحد , وهل هناك أسبابا غيبية أو بيئية أدت الى هذا , أم أن التصور أن حجم آدم يبلغ هذا ليس له سند واقعي .
ولو افترضنا كذلك أن بيننا وبين الفراعنة من 5 الى 6 آلاف سنة وأطوال المومياءات نفس طول الانسان الحالي تقريبا , وأن أحفاد آدم قصُرت أطوالهم وصغرت أحجامهم , فان 5 الى 6 آلاف سنة لم تُظهر هذا بيننا وبين الفراعنة , فكيف يمكن تفسير الفرق بين حجم وطول آدم البالغ 60 ذراعا , بالمقارنة مع حجم أحفاده من البشر الحاليين ؟ .
ان أول ظهور للبشر أو أشباه البشر ظهروا في أفريقيا ، فأين ظهر آدم , وأين عاش وأين تناسل ؟ وهل كان آدم أسود البشرة ؟
وهل تنوع الأجناس البشرية هو تباعد حياتي وتنوع اختلاف بيئي , أم أن اختلاف الأجناس البشرية دلالة على التنوع الأصلي , أو تنوع للفروع التي تطورت منها هذه الأجناس ؟
فما دام آدم أبو البشر , فلماذا لم يورثهم صفاته الجسدية , ولماذا لم تظهر جينات متنحية من آن لآخر حسب قانون "مندل " في الوراثة , ويُولد انسان يقارب طول آدم , فلو حدث هذا , فان هذا يدل على أن هناك جينات متنحية كانت منذ القدم , وظهرت الآن , مما يؤكد صحة نظرية الأصل الضخم .
ولما كان عمر أدم على الأرض لا يزيد عن 12000 ألف سنة , فما علاقة أدم بسكان الأمريكتين واستراليا ,الذي وجودهم في تلك المناطق يزيد 12000 ألف سنة, هل هم من نسله , أم هم فروع من أسلاف بشرية تطورت واتخذت هذا الشكل بحكم بيئتها واسلوبها في الحصول على الغذاء ؟
وهل كان آدم عالم , يعرف كل شيء , حيث تعلم الأسماء كلها ؟ اذا كان كذلك , فلماذا لم يُعلم ذريته هذا العلم وتلك المعرفة والخبرات الحياتية التي تعلمها , حيث هناك فرق شاسع في المعرفة بين الأجناس البشرية , وهناك تنوع متعدد الجوانب في التراث الحضاري لهذه الأجناس على الأرض . فلو كان الأصل المعرفي واحد , اذا لعرف التاريخ نوعا من التجانس المعرفي والحضاري بين البشر في كل القارات .
وبالعودة الى طول آدم , وأن أهل الجنة تبلغ أطوالهم مثل آدم , فكيف سيأكلون ويشربون وكم من الغذاء يحتاجون ما دامت الفواكه والثمار مثل ثمار الأرض , والزرع مثل زرع الأرض ؟ كما ورد في الآية " هذا الذي رُزقنا من قبل " , و " أُتوا به متشابها " – قرآن كريم " .
كل هذه التساؤلات هاجمتني فوجدت فرقا شاسعا بين المعيار الديني لطول آدم وحركته وغذاءه بالمقارنة مع أجناس البشر الحاليين , والمعيار العلمي والحياتي الذي يؤمن بالمبررات السببية الطبيعية والاجتماعية والحياتية لكل ظاهرة .
من هنا فاٍن حجم آدم ليس له أية أسانيد علمية , طبيعية وحياتية , ولم يكن كذلك , بل كان تعبيرا عن الأنسنة , أي كان آدم هو النقلة الانسانية للبشرية من مرحلة الوحشية والبربرية .
وفي هذا يقول عبد الجبار العبيدي في مقاله " لماذا تعددت الرسالات " , ايلاف , قال :
بأن آدم ليس بالضرورة أبو البشرية ، ولكنه أبو الأنسنة التي جاءت بعده حين أضاف عليها بُعدا انسانيا ، أخلاقيا ، وليس أبويا " .
ليس من المسلمات عدم وجود بشر قبل ادم ففي جامعة ام القرى قسم التاريخ يقولون ان هناك في مكه اثار لبشر قبل 200000 سنه وعمر سيدنا ابراهيم 2950 سنه قبل الميلاد , ونوح عشرة الاف سنه , وادم اثناعشر الف سنه .
وحول هذا الموضوع يطرح الدكتور " حسين مؤنس " رأيا في كتابه " الحضارة " حيث يقول : " ان الرأي العلمي اليوم يميل الى اعتبار النماذج البشرية التي وُجدت في الحفائر , مثل النياندرتال وكرومانيون أجناسا من البشر , لا علامات على طريق تطور الانسان . ويذهب العلماء على أن طول العصور التي قضاها الانسان في انتقاله من الوحشية الى البدائية , ومن البدائية الى التحضر , لم يكن وقتا ضائعا , وانما هو الوقت الذي استلزمه ليصل طبيعيا الى طور الوعي بنفسه وشعوره بمكانه على الأرض وامتيازه على غيره من الحيوان .
وقد وُجدت آثار أقدام البشر بعد أن وصلوا الى هذه المرحلة منذ 300 ألف سنة , وانتقل الانسان من العصر الحجري الأول الى الثاني خلال فترة تتراوح بين سبعين وأربعين ألف سنة , ثم دخل العصر البرونزي بعد عشرين ألف سنة و وانتقل من انتقل من جماعاته البدائية الى الحضارة قبل الميلاد بعشرة آلاف سنة " . من كتاب " الحضارة " حسين مؤنس ـ ص 94 .
من هنا فان ما طُرح حول آدم , حجمه وثوبه لا يتقابل مع هذا الطرح لا تاريخا ولا حجما .
ومن الملاحظ أن لدى كل الشعوب قصصا وأساطير عن كيفية وجودهم على سطح الأرض , ولكن ما انتشر واكتسب ثباتا وشرعية هو ما جاء في الأديان الكتابية , حيث ارتدى هذا التصور التاريخي رداء القداسة الذي لا يحتمل النفي أو الشك .واذا دخل الشك الى هذا التأريخ عن نشأة البشرية فسيدخل الى أفكار أُخرى ، تعتمد عليه , وتصبح الأيديولوجيا الدينية كلها في خطر , مما يؤثر على التركيبة الاجتماعية والبناء الفوقي والقانوني ومستوى الخوف من المجهول عند البشر , خاصة في الدول ذات الحكم الفردي , العائلي , السلطاني والملكي .
ان سيادة الأيديولوجيا الغيبية في مجتمع تجعل المبررات الدينية تحل محل الأسباب العلمية للظواهر في الطبيعة والمجتمع , وتنعدم الحلول الواقعية لمشاكل مثل الفقر والمرض والفساد والحروب .كما يؤثر هذا على تأخر البحوث العلمية في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية .
**************************
ملحق للمقال :
بعد نشر المقال وردت تعليقات كثيرة منها من يقول أن هناك شكا في إسنادات الحديث ، ومنها من أصابه الاندهاش من فكرة أن طول آدم ستون ذراعا ، وأن الناس في الجنه سيكونون بهذا الطول .
ومن خلال التعليقات ظهر أن بعض المؤرخين والدعاة وقعوا في اشكالية من طول آدم هذا ومنهم -الحافظ ابن حجر (العسقلاني) استشكل شيئاً بخصوص هذا الحديث .. قال: هذا الحديث بظاهره يخالف ما عُرف ورُئِيَ من آثار الأقوام البائدة كمساكن ثمود – عقلية علمية هنا .. – وأبنية لهم في الحجر وغيره .. قال: واضح من مساكنهم ومن آثارهم أنهم لم يكونوا أعظم منا، ولا أطول منا، (مثل ما نقول الآن: المومياءات المصرية في طولنا وأحياناً أقصر قليلاً منا ... من آلاف السنين) و(يقول الحافظ ابن حجر) أنه من مساكن ثمود، أنهم كانوا في مثل قاماتنا، على أن المسافة (الزمنية) بينهم وبين أبيهم آدم أدنى من المسافة التي بينهم وبيننا (... عقلية علمية، ثم قال الحافظ ابن حجر:)، ولم يقع لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال.
نقول: نعم، استشكل ابن حجر في فتح الباري على حديث طول آدم، ورغم أن ابن حجر نفسه لم يكن هو من أثار الاستشكال، بل كان -ابن التين- (عبدالواحد السفاقسي المالكي)، كما أشار ابن حجر نفسه في كلامه، إلا أن ابن حجر لم يستطع إزالة الإشكال، واعترف أنه قد استعصى عليه.
وبعد تحليل الاستشكال كما جاء أعلى، وكما عُدنا إليه في فتح الباري، وجدنا أنه سيظل قائما مع بقاء المعلومات الآتية مُصَدقَّة جميعاً:
1- أن ثمود أقرب إلى آدم منها إلى أمة محمد صلى الله علي وسلم.2- أن أبنية الحِجْر التي نعهدها بأبوابها الصغيرة تعود إلى ثمود. (شكل (4))3- أن طول آدم ستون ذراعاً وطول الرجل من أمة محمد دون الأربعة أذرع، كما نعهد ذلك.
وإذا صدقت هذه المعلومات جميعاً، فالجمع بينها ممتنع، فلا يمكن أن يكون آدم ستون ذراعاً ويكون من بنيه في أقل من 20 قرناً -إنسانياً- فقط بعد آدم (10 قرون بين آدم ونوح، ومثلهم بين نوح وعاد كي يتهيأ من تعداد الناس ما يبلغون به أمة مثل أمة عاد)، ثم يكون طولهم مثل طولنا، ونحن الذين بيننا وبين آدم قروناً كثيرة، كما قال الله تعالى - وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا-(الفرقان:38)
وكان من المقبول أن تقع أطوال ثمود في منزلة بين آدم وبيننا. أما وأن أبنيتهم تقول أن أصحابها في مثل طولنا، فهذا مستحيل. وعليه لا يمكن أن تصح هذه المعلومات جميعاً. وهذا هو الإشكال الذي استعصى على ابن حجر تفكيكه، وتفنيد شيئاً منه فيذوب معه الإشكال.
= الداعية عدنان إبراهيم في خطبة له يقول:
" -إسمعوا الآن كيف سأشكل على هذا الحديث من باب آخر بطريقة علمية. هذا الحديث لو سمعه أي عالم متمرس في علم الأحياء، سيردُّه مباشرة، ويقول: أنتم قوم تهرفون بما لا تعرفون. تعرفون لماذا؟
سأوضح هذا. .. . (هناك) قانون في علم الأحياء (يقول) الزيادة في وزن الجسم الحي المخلوق، تتناسب طردياً مع مكعب ... الزيادة في أبعاده الخطية، ... ولكن الزيادة التي يكتسبها الجسم؛ الهيكل، بالذات الهيكل العظمي – مقطع العظم – لمقاومة الثقل والوزن تتناسب مع مربع الزيادة في أبعاده الخطية؛ بمعنى ... آدم خلقه الله وطوله ستون ذراعاً ... في المتوسط – بين الذراع الشرعية والذراع الهاشمية – 30 متراً، يعني تقريباً أزيد منا بنحو 20 مرة. الآن، (إذا) ضوعف حجمه عشرين ضعفاً عنا – في الأبعاد الخطية، أي الطول – كم سيتضاعف وزنه التناسب هنا مع المكعب فسنقول: 20 * 20 * 20 أي 8000 مرة (و) هيكله العظمي، كم سيتضاعف كي يحتمل هذا الثقل الزائد؟ لاحظ أنه مع المربع وليس مع المكعب، (أي) 20*20، أي 400 مرة
مرة والوزن 8000 مرة، حتماً يقول لك أي عالم في البيولوجيا: مستحيل أن يُخلق هذا الخلق على الكوكب الأرضي، لماذا؟ - لأنه سينهار مباشرةً تحت ثقله ووزنه
من هنا فانكشاف الكثير من المعلومات يستدعي الانسان أن يراجع معلوماته ، ويربط فيه بين المعقول والغير معقول
فهناك أسئلة يجب أن يُجاب عليها وهي : كم عمر آدم على الأرض ؟ وكم حجمه الذي يجب أن يتناسب مع الطول الذي قال به الحديث ؟ وكيف سيمشي ويعمل ويأكل ؟ وما هو الفرق الزمني بين الفراعنه وبينه ؟ وكم هو البعد الزمني بيننا وبين الفراعنة وهل حجم الفراعنة يتقارب ويتشابه مع الانسان الحالي طولا وعرضا أم يختلف ؟
فلو قارنا أدلة النقص في الطول التي ذكرها الموضوع مع أدلة أن طول آدم لم يكن هكذا لوجدنا فرقا شاسعا بين العلم وفكرة الستون ذراعا لآدم !!!
ان من يربط هذه المعطيات ربطا واقعيا سيصل الى نتيجة واقعية ، أما من يرتكز على نصوص وفرضيات ويعتبرها من المسلمات التي لا تقبل المراجعة ، فلن يصل الى نتيجة علمية -احترم العلم
أخيرا لنا رأي واستنتاج أخير : القرآن ليس موسوعة تاريخية تسلسلية لنجعله مرجعا لنا في كل شيء ، فكل ما ذكره القران عموميات فقط ولم يذكر شيئا عن التاريخ منذ الف وأربعمائة سنة ، فهو لم يعرف شيئا عن أنظمة الحكم وتطور الآلات والأسلحة والعمران البشري والعلم والذرة والكهرباء
فالمعقولية هي الأساس الان وليس روايات الميراث المقدس التي كانت نتيجة ظروف ومستوى من المعرفة أدنى بما لا يقاس مع زماننا هذا .
لكل زمان مقال ونظام ومستوى علم وعمل
كنت أقرأ موضوع عن الكمية والكيفية , فالكيفية هي مجموع الخواص للشيء , وهي التي تحدد كيفية الشيء وتميزه عن الأشياء الأُخرى , وكل كيفية لها كمية تناسبها وتعبر عنها . فمثلا : لا يمكن أن نجد اٍنسان طوله خمسة أمتار ووزنه طن .
وكنت قرأت مقالا عن ثوب آدم الذي طوله حسب ما ورد في الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ..... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) . رواه البخاري ( 3336 ) ومسلم ( 7092( .
... "وتنتشر على الشبكة العنكبوتية مجموعة صور لثوب يحاكي ثوب آدم عليه السلام الذي يماثل طول اهل الجنة وهو 60 ذراعا، وهو ثوب عجيب قياسا مع احجام بني البشر اليوم.
وهذا الثوب ـ حسب موقع فتكات ـ يثير التساؤلات ويدفع بنا الى البحث والتمحيص في واحدة من المسائل المثيرة جدا حول اذا ما كان فعلا حجم الانسان آخذ في الانكماش مع مرور الوقت؟! وكيف بامكاننا ان نفسر هذه الظاهرة ومثيلاتها؟!
كثيرا ما نقرأ في السيرة والاحاديث النبوية ان طول آدم عليه السلام 60 ذراعا، لكن الشاب السعودي حمدان المسعودي استهوته الفكرة ليصنع بمساعدة 4خياطين ثوبا يحاكي ذاك الطول،الذي يماثل طول اهل الجنة .
ويقول الشاب المسعودي الذي يقطن في قرية البدع بمحافظة تبوك شمالي السعودية ان الفكرة نشأت من قراءته لسيرة آدم عليه السلام، مؤكدا ان طول الثوب يزيد على 60 ذراعا، وقد استغرقت خياطته 18 يوما ".
واشار الى انه استخدم في صناعة الثوب 40 لفة قماش، و30 الف بكرة خيط، موضحا ان طول الثوب 29 مترا وعرضه ما بين الكتفين 9 امتار وعرضه من الاسفل 12 مترا، وفيما كان طول الكم 10 أمتار، وقطر الرقبة 6 امتار ومحيطها نحو مترين. بالصور .. ثوب آدم عليه السلام - " شبكة حوار بوابة الاقصى ".
وبالنظر الى حجم البشر الحالى والذي نادرا ما يزيد طول الانسان فيه على مترين , وعرض يتراوح بين نصف متر وسبعين سنتيمرا للبالغ . ان هذا التصور لآدم يثير التساؤلات في كل الاتجاهات المعيارية والحياتية والبيولوجية والتاريخية .
وبهذا هاجمتني عديدا من التساؤلات , فقلت لقد وُجدت الأشجار والحيوانات قبل الانسان , أي قبل آدم , وكان أضخم وأطول كائنات الأرض الديناصورات , وأكبر ديناصور يبلغ طوله من رأسه الى ذيله ما يقرب من ثلاثة طوابق , أي حوالي عشرة أمتار , ولما كان طول آدم يبلغ حوالي 30 مترا , أي حوالي تسعة طوابق ,فهذا يعني أن طول آدم يعادل ثلاثة ديناصورات متراصة فوق بعضها البعض . فكيف كان يأكل , ويتحرك بين الغابات المتداخلة والمتشابكة .
ولو افترضنا أنه كان يأكل من رؤوس الأشجار ــ كما هو حال الزرافة التي يتناسب طولها مع ارتفاع الأشجار ــ, اذا لا بد أن ينحني ليلتقط طعامه والانحناء المتكرر لا بد أن يُحدث تقوس في هذا الجسم ويُسرع في انقراضه , ولما عاش طويلا ـ عاش آدم ألف سنة ـ, اذا لا بد من وسيلة أُخرى للحصول على الطعام , حيث هذا الجسم الضخم يحتاج الى كمية كبيرة تعادل ما تحتاجه عشرة أفيال يوميا .
ولو افترضنا ان بيننا وبين آدم من 10 الى 12 ألف سنة , ونحن من نسله ونكتسب بالوراثة جيناته الوراثية , فكيف قصر طول الانسان الى هذا الحد , وهل هناك أسبابا غيبية أو بيئية أدت الى هذا , أم أن التصور أن حجم آدم يبلغ هذا ليس له سند واقعي .
ولو افترضنا كذلك أن بيننا وبين الفراعنة من 5 الى 6 آلاف سنة وأطوال المومياءات نفس طول الانسان الحالي تقريبا , وأن أحفاد آدم قصُرت أطوالهم وصغرت أحجامهم , فان 5 الى 6 آلاف سنة لم تُظهر هذا بيننا وبين الفراعنة , فكيف يمكن تفسير الفرق بين حجم وطول آدم البالغ 60 ذراعا , بالمقارنة مع حجم أحفاده من البشر الحاليين ؟ .
ان أول ظهور للبشر أو أشباه البشر ظهروا في أفريقيا ، فأين ظهر آدم , وأين عاش وأين تناسل ؟ وهل كان آدم أسود البشرة ؟
وهل تنوع الأجناس البشرية هو تباعد حياتي وتنوع اختلاف بيئي , أم أن اختلاف الأجناس البشرية دلالة على التنوع الأصلي , أو تنوع للفروع التي تطورت منها هذه الأجناس ؟
فما دام آدم أبو البشر , فلماذا لم يورثهم صفاته الجسدية , ولماذا لم تظهر جينات متنحية من آن لآخر حسب قانون "مندل " في الوراثة , ويُولد انسان يقارب طول آدم , فلو حدث هذا , فان هذا يدل على أن هناك جينات متنحية كانت منذ القدم , وظهرت الآن , مما يؤكد صحة نظرية الأصل الضخم .
ولما كان عمر أدم على الأرض لا يزيد عن 12000 ألف سنة , فما علاقة أدم بسكان الأمريكتين واستراليا ,الذي وجودهم في تلك المناطق يزيد 12000 ألف سنة, هل هم من نسله , أم هم فروع من أسلاف بشرية تطورت واتخذت هذا الشكل بحكم بيئتها واسلوبها في الحصول على الغذاء ؟
وهل كان آدم عالم , يعرف كل شيء , حيث تعلم الأسماء كلها ؟ اذا كان كذلك , فلماذا لم يُعلم ذريته هذا العلم وتلك المعرفة والخبرات الحياتية التي تعلمها , حيث هناك فرق شاسع في المعرفة بين الأجناس البشرية , وهناك تنوع متعدد الجوانب في التراث الحضاري لهذه الأجناس على الأرض . فلو كان الأصل المعرفي واحد , اذا لعرف التاريخ نوعا من التجانس المعرفي والحضاري بين البشر في كل القارات .
وبالعودة الى طول آدم , وأن أهل الجنة تبلغ أطوالهم مثل آدم , فكيف سيأكلون ويشربون وكم من الغذاء يحتاجون ما دامت الفواكه والثمار مثل ثمار الأرض , والزرع مثل زرع الأرض ؟ كما ورد في الآية " هذا الذي رُزقنا من قبل " , و " أُتوا به متشابها " – قرآن كريم " .
كل هذه التساؤلات هاجمتني فوجدت فرقا شاسعا بين المعيار الديني لطول آدم وحركته وغذاءه بالمقارنة مع أجناس البشر الحاليين , والمعيار العلمي والحياتي الذي يؤمن بالمبررات السببية الطبيعية والاجتماعية والحياتية لكل ظاهرة .
من هنا فاٍن حجم آدم ليس له أية أسانيد علمية , طبيعية وحياتية , ولم يكن كذلك , بل كان تعبيرا عن الأنسنة , أي كان آدم هو النقلة الانسانية للبشرية من مرحلة الوحشية والبربرية .
وفي هذا يقول عبد الجبار العبيدي في مقاله " لماذا تعددت الرسالات " , ايلاف , قال :
بأن آدم ليس بالضرورة أبو البشرية ، ولكنه أبو الأنسنة التي جاءت بعده حين أضاف عليها بُعدا انسانيا ، أخلاقيا ، وليس أبويا " .
ليس من المسلمات عدم وجود بشر قبل ادم ففي جامعة ام القرى قسم التاريخ يقولون ان هناك في مكه اثار لبشر قبل 200000 سنه وعمر سيدنا ابراهيم 2950 سنه قبل الميلاد , ونوح عشرة الاف سنه , وادم اثناعشر الف سنه .
وحول هذا الموضوع يطرح الدكتور " حسين مؤنس " رأيا في كتابه " الحضارة " حيث يقول : " ان الرأي العلمي اليوم يميل الى اعتبار النماذج البشرية التي وُجدت في الحفائر , مثل النياندرتال وكرومانيون أجناسا من البشر , لا علامات على طريق تطور الانسان . ويذهب العلماء على أن طول العصور التي قضاها الانسان في انتقاله من الوحشية الى البدائية , ومن البدائية الى التحضر , لم يكن وقتا ضائعا , وانما هو الوقت الذي استلزمه ليصل طبيعيا الى طور الوعي بنفسه وشعوره بمكانه على الأرض وامتيازه على غيره من الحيوان .
وقد وُجدت آثار أقدام البشر بعد أن وصلوا الى هذه المرحلة منذ 300 ألف سنة , وانتقل الانسان من العصر الحجري الأول الى الثاني خلال فترة تتراوح بين سبعين وأربعين ألف سنة , ثم دخل العصر البرونزي بعد عشرين ألف سنة و وانتقل من انتقل من جماعاته البدائية الى الحضارة قبل الميلاد بعشرة آلاف سنة " . من كتاب " الحضارة " حسين مؤنس ـ ص 94 .
من هنا فان ما طُرح حول آدم , حجمه وثوبه لا يتقابل مع هذا الطرح لا تاريخا ولا حجما .
ومن الملاحظ أن لدى كل الشعوب قصصا وأساطير عن كيفية وجودهم على سطح الأرض , ولكن ما انتشر واكتسب ثباتا وشرعية هو ما جاء في الأديان الكتابية , حيث ارتدى هذا التصور التاريخي رداء القداسة الذي لا يحتمل النفي أو الشك .واذا دخل الشك الى هذا التأريخ عن نشأة البشرية فسيدخل الى أفكار أُخرى ، تعتمد عليه , وتصبح الأيديولوجيا الدينية كلها في خطر , مما يؤثر على التركيبة الاجتماعية والبناء الفوقي والقانوني ومستوى الخوف من المجهول عند البشر , خاصة في الدول ذات الحكم الفردي , العائلي , السلطاني والملكي .
ان سيادة الأيديولوجيا الغيبية في مجتمع تجعل المبررات الدينية تحل محل الأسباب العلمية للظواهر في الطبيعة والمجتمع , وتنعدم الحلول الواقعية لمشاكل مثل الفقر والمرض والفساد والحروب .كما يؤثر هذا على تأخر البحوث العلمية في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية .
**************************
ملحق للمقال :
بعد نشر المقال وردت تعليقات كثيرة منها من يقول أن هناك شكا في إسنادات الحديث ، ومنها من أصابه الاندهاش من فكرة أن طول آدم ستون ذراعا ، وأن الناس في الجنه سيكونون بهذا الطول .
ومن خلال التعليقات ظهر أن بعض المؤرخين والدعاة وقعوا في اشكالية من طول آدم هذا ومنهم -الحافظ ابن حجر (العسقلاني) استشكل شيئاً بخصوص هذا الحديث .. قال: هذا الحديث بظاهره يخالف ما عُرف ورُئِيَ من آثار الأقوام البائدة كمساكن ثمود – عقلية علمية هنا .. – وأبنية لهم في الحجر وغيره .. قال: واضح من مساكنهم ومن آثارهم أنهم لم يكونوا أعظم منا، ولا أطول منا، (مثل ما نقول الآن: المومياءات المصرية في طولنا وأحياناً أقصر قليلاً منا ... من آلاف السنين) و(يقول الحافظ ابن حجر) أنه من مساكن ثمود، أنهم كانوا في مثل قاماتنا، على أن المسافة (الزمنية) بينهم وبين أبيهم آدم أدنى من المسافة التي بينهم وبيننا (... عقلية علمية، ثم قال الحافظ ابن حجر:)، ولم يقع لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال.
نقول: نعم، استشكل ابن حجر في فتح الباري على حديث طول آدم، ورغم أن ابن حجر نفسه لم يكن هو من أثار الاستشكال، بل كان -ابن التين- (عبدالواحد السفاقسي المالكي)، كما أشار ابن حجر نفسه في كلامه، إلا أن ابن حجر لم يستطع إزالة الإشكال، واعترف أنه قد استعصى عليه.
وبعد تحليل الاستشكال كما جاء أعلى، وكما عُدنا إليه في فتح الباري، وجدنا أنه سيظل قائما مع بقاء المعلومات الآتية مُصَدقَّة جميعاً:
1- أن ثمود أقرب إلى آدم منها إلى أمة محمد صلى الله علي وسلم.2- أن أبنية الحِجْر التي نعهدها بأبوابها الصغيرة تعود إلى ثمود. (شكل (4))3- أن طول آدم ستون ذراعاً وطول الرجل من أمة محمد دون الأربعة أذرع، كما نعهد ذلك.
وإذا صدقت هذه المعلومات جميعاً، فالجمع بينها ممتنع، فلا يمكن أن يكون آدم ستون ذراعاً ويكون من بنيه في أقل من 20 قرناً -إنسانياً- فقط بعد آدم (10 قرون بين آدم ونوح، ومثلهم بين نوح وعاد كي يتهيأ من تعداد الناس ما يبلغون به أمة مثل أمة عاد)، ثم يكون طولهم مثل طولنا، ونحن الذين بيننا وبين آدم قروناً كثيرة، كما قال الله تعالى - وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا-(الفرقان:38)
وكان من المقبول أن تقع أطوال ثمود في منزلة بين آدم وبيننا. أما وأن أبنيتهم تقول أن أصحابها في مثل طولنا، فهذا مستحيل. وعليه لا يمكن أن تصح هذه المعلومات جميعاً. وهذا هو الإشكال الذي استعصى على ابن حجر تفكيكه، وتفنيد شيئاً منه فيذوب معه الإشكال.
= الداعية عدنان إبراهيم في خطبة له يقول:
" -إسمعوا الآن كيف سأشكل على هذا الحديث من باب آخر بطريقة علمية. هذا الحديث لو سمعه أي عالم متمرس في علم الأحياء، سيردُّه مباشرة، ويقول: أنتم قوم تهرفون بما لا تعرفون. تعرفون لماذا؟
سأوضح هذا. .. . (هناك) قانون في علم الأحياء (يقول) الزيادة في وزن الجسم الحي المخلوق، تتناسب طردياً مع مكعب ... الزيادة في أبعاده الخطية، ... ولكن الزيادة التي يكتسبها الجسم؛ الهيكل، بالذات الهيكل العظمي – مقطع العظم – لمقاومة الثقل والوزن تتناسب مع مربع الزيادة في أبعاده الخطية؛ بمعنى ... آدم خلقه الله وطوله ستون ذراعاً ... في المتوسط – بين الذراع الشرعية والذراع الهاشمية – 30 متراً، يعني تقريباً أزيد منا بنحو 20 مرة. الآن، (إذا) ضوعف حجمه عشرين ضعفاً عنا – في الأبعاد الخطية، أي الطول – كم سيتضاعف وزنه التناسب هنا مع المكعب فسنقول: 20 * 20 * 20 أي 8000 مرة (و) هيكله العظمي، كم سيتضاعف كي يحتمل هذا الثقل الزائد؟ لاحظ أنه مع المربع وليس مع المكعب، (أي) 20*20، أي 400 مرة
مرة والوزن 8000 مرة، حتماً يقول لك أي عالم في البيولوجيا: مستحيل أن يُخلق هذا الخلق على الكوكب الأرضي، لماذا؟ - لأنه سينهار مباشرةً تحت ثقله ووزنه
من هنا فانكشاف الكثير من المعلومات يستدعي الانسان أن يراجع معلوماته ، ويربط فيه بين المعقول والغير معقول
فهناك أسئلة يجب أن يُجاب عليها وهي : كم عمر آدم على الأرض ؟ وكم حجمه الذي يجب أن يتناسب مع الطول الذي قال به الحديث ؟ وكيف سيمشي ويعمل ويأكل ؟ وما هو الفرق الزمني بين الفراعنه وبينه ؟ وكم هو البعد الزمني بيننا وبين الفراعنة وهل حجم الفراعنة يتقارب ويتشابه مع الانسان الحالي طولا وعرضا أم يختلف ؟
فلو قارنا أدلة النقص في الطول التي ذكرها الموضوع مع أدلة أن طول آدم لم يكن هكذا لوجدنا فرقا شاسعا بين العلم وفكرة الستون ذراعا لآدم !!!
ان من يربط هذه المعطيات ربطا واقعيا سيصل الى نتيجة واقعية ، أما من يرتكز على نصوص وفرضيات ويعتبرها من المسلمات التي لا تقبل المراجعة ، فلن يصل الى نتيجة علمية -احترم العلم
أخيرا لنا رأي واستنتاج أخير : القرآن ليس موسوعة تاريخية تسلسلية لنجعله مرجعا لنا في كل شيء ، فكل ما ذكره القران عموميات فقط ولم يذكر شيئا عن التاريخ منذ الف وأربعمائة سنة ، فهو لم يعرف شيئا عن أنظمة الحكم وتطور الآلات والأسلحة والعمران البشري والعلم والذرة والكهرباء
فالمعقولية هي الأساس الان وليس روايات الميراث المقدس التي كانت نتيجة ظروف ومستوى من المعرفة أدنى بما لا يقاس مع زماننا هذا .
لكل زمان مقال ونظام ومستوى علم وعمل
انت حيوان
ردحذفرووووووووعة
ردحذف