الثلاثاء، 27 مايو 2014

مقال أعجبني : ماذا بدأ علماء الأحياء يفعلون؟




               مقال أعجبني :
 
ماذا بدأ علماء الأحياء يفعلون؟                                   بقلم: الدكتور مجيد البلوشي

لقد بدأ العلماء، وعلى رأسهم العالم الأمريكي الدكتور كرايغ فينترCraig Venter ، يخلقون كائنات دقيقة حية في مختبراتهم مستخدمين مواد كيميائية صرفة، وفي كثير من الحالات في ظروف شبيهة بالظروف التي أدّت إلى تكّون وانبعاث الحياة على كرتنا الأرضية كما هو الحال مع "معجل هاردون التصادمي الهائل" Large Hardon Collider الذي بدأ تدشينه عام 2010 م، وكلّف ثلاثة مليارات يورو، وذلك تأكيداً لنظرية النشوء والارتقاء الشهيرة للعالم الإنجليزي الفذّ تشارلز داروينCharles Darwin ، وهي النظرية التي تزداد عمقاً وقوةً مع ازدياد الأبحاث والاكتشافات العلمية، ومنها، على سبيل المثال، ما يتعلق بـ"الحلقة المفقودة"، التي تم الكشف عن معطيات جديدة عنها، منها ما جاء في موقع هيئة الإذاعة البريطانية بتاريخ 10 / 4/ 2006م بعنوان "الحلقة المفقودة: لغز التطور ينجلي" حيث نقرأ: " اكتشف العلماء الأمريكيون بقايا أول مخلوق يخرج من الماء لكي يعيش على اليابسة. ويُطلق على هذا المخلوق اسم "تيكتاليك" Tiktaalik، وقد عاش قبل 376 مليون سنة مضت. وقد اكتشفت بقاياه في كندا. ويقدم هذا الاكتشاف معلومات مهمة بشأن بداية التطور من الحياة في الماء إلى العيش على اليابسة" [1].

وقبل التطرق إلى التفاصيل المتعلقة بعنوان مقالنا هذا، دعونا نتوقف معكم قليلاً عند العلاقة بين العلماء المسلمين وبخالق هذا الكون – في نظرهم - وهو الله، وهي بلا شك علاقة تقوى وخشوع، كما جاء في الآية القرآنية رقم 28 من سورة فاطر القائلة "إنما يخشى الله من عباده العلماء". ولا نناقش هنا مسألة ما إذا كان المقصود من العلماء في هذه الآية هو مجموعة ما يسمّى علماء الدين والفقه أم مجموعة علماء الرياضيات والكيمياء والفيزياء ... إلخ، وشتـّان بين هاتين المجموعتين. ولكن دعونا نحكي لكم حكاية ذات صلة بالموضوع، وهي أننا كثيراً ما نشير إلى هذه الآية، كمثال، عند شرح موقع الفاعل والمفعول به في الجملة، سواء أكان ذلك عند تدريس النحو والصرف في اللغة العربية أو تدريس قواعد اللغة الإنجليزية. ففي اللغة العربية، كما هو معروف، يمكن للفاعل أن يتقدم على المفعول به، والعكس بالعكس، أي يمكن للمفعول به أن يتقدم على الفاعل كما في الآية المذكورة هنا، وذلك خلافاً للغة الإنجليزية حيث الفاعل دائما يسبق المفعول به وفي جميع الحالات إلاّ في حالة المبني للمجهول Passive Voice حيث يسبق المفعول به الفاعل عندما يكون هذا الأخير مجهولاً أو ليس بذي أهمية بالنسبة للمتكلم. والغريب أنه حدث ذات مرةٍ أننا كلّفنا طلبتنا بتشكيل الآية السابقة – التي كتبناها على السبورة لغرض التوضيح – فوجدنا، وهنا وجه الغرابة، أن الكثيرين منهم يرفعون اسم "الله" بالضمة وينصبون اسم "العلماء" بالفتحة، ظناً منهم أن "الله" فاعل وأن "العلماء" مفعول به. فقلنا لهم أن ذلك لا يجوز – في الإسلام - إذ كيف يمكن لله أن يخشى العلماء أو يخاف منهم وهو خالقهم القويّ الجباّر! والأغرب من ذلك أن أحد الطلبة أصرّ على رأيه – أي أن الفاعل هو "الله" وأن المفعول به هو "العلماء" – وقال مبرراً موقفه بما معناه، وبكل جرأة وإصرار، أن العلماء قد اكتشفوا الكثير من الحقائق المتعلقة بأصل الإنسان وقوانين الطبيعة وأسرار الكون، ولا بدّ وأنهم سيكتشفون حقيقة أو عدم حقيقة ما جاء في الكتب الدينية المقدسة، بل حقيقة وجود الإله نفسه أو عدمه أصلاً، ولذا يخشاهم الله.

والحق أن الالتباس الذي وقع فيه طالبنا هذا قد وقع فيه العديد من أوائل المسلمين قبل تشكيل حروف القرآن، بل أن سبب التشكيل هو وجود مثل هذه الآيات التي قد تؤدي إلى الالتباس إذا لمْ يتم تشكيل حروفها، ومنها، مثلاً، الآية رقم 3 من سورة التوبة (أو سورة براءة) والقائلة " أن الله بريء من المشركين ورسوله ". فإذا رفعنا كلمة "رسول" ووضعنا ضمةً عليها لأصبح المعنى أن الله ورسوله – كليهما – بريئان من المشركين، وهذا هو المعنى الذي تعنيه الآية حسب المفهوم الإسلامي العام، أما إذا جررنا كلمة "الرسول" – كما هو الحال مع كلمة "المشركين" المجرورة بالياء والنون - ووضعنا تحتها كسرةً لأصبح المعنى أن الله بريء من المشركين ومن الرسول أيضاً، وهذا أمر لا يجوز حتماً عند المسلمين باعتبار أن الرسول لمْ يصبح رسولاً إلاّ بأمر من الله ، فكيف يتبرّأ الله منه؟

وهاهم العلماء يؤكّدون على ما قاله ذلك الطالب الجريء ولو بصورة غير مباشرة، وذلك بتقليدهم للإله في خلق كائنات حية. فلنقرأ معاً، على سبيل المثال، بعض ما جاء في المجلات والدوريات العلمية والإنترنِت وتحت العناوين التالية، والذي نسرده هنا بصورة مختصرة جداً تفـادياً للملل الذي قد يصيب القارئ من ذكر التفاصيل والمصطلحات العلمية والتقنية:

نجاح العلماء في الخلق الصناعي الكامل للحياة
نجح بحث قام به علماء ألمان في خلق حياة صناعية في المختبر. فقد خلقوا جُزيئات قادرة على أن تستنسخ نفسها (أي تنسخ نفسها بنفسها دون الحاجة إلى مـَن يقوم بنسخها). فقد قال البروفيسور الألماني غونتر فون كيدروفسكي Guenter Von Kiedrowski الذي قاد هذا البحث: " أن الحياة البدائية كانت عبارة عن جُزيئة قريبة من الحمض النووي الريبي المنزوع الاوكسجين Deoxy-ribo-Nucleic-Acid (DNA) ، وهي الجُزيئة المعروفة بإسم الحمض النووي الريبي Ribo-Nucleic- Acid (RNA) والتي تمكنت من التكاثر - أي استنساخ نفسها – وتطورت لتصبح أكثر تكـّيفاً للبقاء والتكاثر ... فالأكثر ملائمةً يبقى في الصراع من أجل البقاء. هذه هي كيفية عمل التطور كما اكتشفها تشارلس داروين ". [2]

نجاح العلماء في خلق مايكروبات حية
لقد ذكر الدكتور كرايغ فينتر أن خلق مايكروبات من صُنع الإنسان من مجموعة من الجُزيئات molecules من المواد الكيميائية – وهو الأمر الذي تحقق فعلاً - يمكن أن يكشف عن كيف تطورت الحياة للمرة الأولى على الأرض. ويعمل الدكتور فينتر على خلق كائن دقيق سماه "مايكوبلازما جينيتالِـيَم" Mycoplasma Genitalium، وهذا الكائن يمتلك أصغر عدد من الجينات في خليته الحية مقارنةً بأيّ كائن حيّ آخر: حوالي 470 جيناً مقارنةً مع 000 80 - 1000000 جين لدى الإنسان.

ومن المعروف أن المخطط الوراثي لكل الكائنات الحية مدوّن في جُزيئات الحمض النووي منزوع الأكسجين. وبما أن العلماء يستطيعون - وبفضل "النانو تكنولوجيا" – أن يرتـّبـوا محتويات جُزيئات هذا الحمض ترتيباً معيناً وفقاً لما يصبون إليه، فمن الممكن جداً تصميم مخطط وراثي لمايكروب بسيط من صُنع الإنسان. وفي هذا الصدد يقول الدكتور فينتر: "كثير من الناس يستنكرون مثل هذا المخطط لأنه الخطوة النهائية للعلماء ليلعبوا دور الإله... ". ويقول أيضاً عن هذه الخطوة: " إنها خطوة فلسفية مهمة في تاريخ الجنس البشري ... إننا لسنا خائفين من انجاز أشياء مهمة لا لشيء سوى أنها تحفز على التفكير بأشياء أخرى ... إننا نتعامل مع أفكار كبيرة، إننا نحاول خلق نظام جديد للحياة ". أما عن فوائد مثل هذه التجارب للبشرية، فإن الدكتور فينتر يخمن إمكانية خلق بكتيريا قادرة على امتصاص ثنائي أكسيد الكربون الزائد في الجو، وبذلك يمكن حل مشكلة الاحتباس الحراري، أو خلق بكتيريا قادرة على انتاج وقود مصنوع كُلياً من السُكر مثل البوتان butane أو البروبان propane . [3]

نجاح العلماء في خلق خلية اصطناعية بسيطة من محلول كيميائي
قام فريق من الباحثين ترأسهم الأستاذة المساعدة في الكيمياء كريستين كيتينغ Christine Keating ببناء خلية نموذجية، مستخدمين محلولاً بوليميرياً polymer مكوناً من "بولي-إثيلين غلايكول" Polyethylene Glycol ودكستران Dextran ، وقام الباحثون بتغليف هذا المحلول البوليميري في داخل غشاء خلوي ثم قاموا بتعريض ذلك إلى محلول سُكّري عالي التركيز، ومن خلال عملية التناضح osmosis انتقل الماء من المحلول البوليميري إلى المحلول السُكري الموجود خارج الخلية، ونتيجةً لذلك قلّ حجم المحلول البوليميري داخل الغشاء ... ومع غشاء خلوي كبير جداً نسبياً تحولت الخلية إلى شكل متبرعم. هذا التركيب الجديد أظهر ما يسمى الاستقطاب polarization ، وهذا الاستقطاب ، كما تقول الاستاذة كيتينغ، حاسم جداً لنظرية النشوء، " إنه أول خطوة مهمة في نشوء كائن حيّ معقد متعدد الخلايا، مثل الإنسان، فيه خلايا متنوعة تقوم بانجاز مختلف الوظائف". [4]

نجاح العلماء في خلق الحامض النووي "دي إن ايه" DNA
أعلن كيميائيون يابانيون خلق أول جُزيئة للحامض النووي الريبي المنزوع الأكسجين DNA في العالم، وذلك بصورة كاملة من أجزاء اصطناعية، مما قد يؤدي إلى تحسينات في العلاج الجيني. وبيّن الدكتور ماساهيكو انويي Masahiko Anuyi وزملاؤه أن العلماء حاولوا ولسنوات خلق نسخة صناعية من الحمض النووي "دي إن ايه" من أجل نشر قدرتها المدهشة على خزن المعلومات. وبما أن مخطط كل شكل من أشكال الحياة هو الـ"دي إن ايه"، فإنه تم استعمال نفس الطقم المتكون من أربع كُتل بناء أساسية تُعرف بـ"القواعد الأربع" (وهي: أدينين adenine وسيتوزين cytosine وغوانين guanine وثيمين thymine) لتشفير أنواع البروتينات المستعملة في وظائف الخلية الحية وتطورها. وقد استخدم الباحثون معدات ذات تقنية عالية لصناعة الـ"دي إن ايه" لرتق أربع قواعد جديدة اصطناعية بصورة كاملة مع بعضها البعض داخل إطار جُزيئة الـ"دي إن ايه" في أساس من السُـكر. وقد أدى هذا إلى تكّون مركبات ثابتة بصورة غير اعتيادية ذات تركيب مزدوج الظفائر مثل الـ "دي إن ايه" الطبيعي [5].

أصل الحياة على كُرتنا الأرضية: العلماء يفكّون لغز الآلة الجُـزيئية
لقد تم حل جزء كبير حول أصل الحياة، فبموجب دراسة نُشرت في مجلة "الطبيعة" طرح عالمان من جامعة مونتريال، وهما البروفيسور سيرغي ستينبيرغ Sergey Steinberg وطالبه كونستاتين بوكوف Konstantin Bokov ، نظرية جديدة، تدعم نظرية التطور لـتشارلس داروين، وهي عن الكيفية التي استطاعت من خلالها آلة جُزيئية عامة، هي الرايبوسوم Ribosome، أن تركب نفسها بنفسها (لاحظوا: نفسها بنفسها أي بدون تدخـّل أية قوة ميتافيزيقية خارجية) كخطوة حاسمة في تكّون كل الحياة على كُرتنا الأرضية، ... وذلك بالرغم من أن الرابيوسوم تركيب معقد إلا أنه يظهر تدرجاً واضحاً نشأ على مبادئ كيميائية أساسية [6].

ونكتفي بهذا القدر من الأمثلة، وهو غيض من فيض. والحق أن ما حققه العلماء حتى الآن في هذا المجال يُعتبر خطوة جبارة تخطوها البشرية في تاريخها المديد والمجيد.

ومن الملاحظ في هذه الأمثلة أن العلماء قد نجحوا في خلق كائنات دقيقة حية كالبكتيريا أو خلق أجزاء أساسية للكائن الحي كالحمض النووي "دي إى ايه" وغيره، ولمْ نجد مثالاً على خلق كائن حي أكبر، كدودة أو نملة أو ذبابة أو غيرها، إلا أننا واثقون من أن قيام العلماء بخلق مثل هذه الكائنات، بل وأكبر منها، ليس ببعيد إنْ لمْ نقل أنهم قد بدأوا بـه فعلاً ، فالمخفي أعظم! ثم أن هؤلاء العلماء ليسوا إلاّ بشر، وليسوا آلهة – إنْ كان هناك فعلاً ما يسمّى آلهة – بل أن البشر هم خالقو الآلهة، وما أكثرها! إسألوا إخواننا الهندوس.

______________________
هوامش:
[1] BBCArabic.com، 10 / 04 / 2006.
[2] News.bbc.co.uk ، 18 نوفمبر 1998.
[3] جريدة "الغارديان The Guardian ، 6 اكتوبر 2007.
[4] "جريدة العلم اليومية" Science Daily ، 16 مايو 2008.
[5] "جريدة العلم اليومية" Science Daily ، 7 يوليو 2008.
[6] "جريدة العلم اليومية" Science Daily ، 1 مارس 2009.

الدكتور مجيد البلوشي
majeed@delmon.bh
 
 

الجمعة، 23 مايو 2014

ما لم يُقال عن حماس وفتح والانقسام

ما لم يُقال عن حماس وفتح والانقسام
بعد الاقتراب من اكتمال سبع سنوات على استيلاء حماس على السلطة الادارية في قطاع غزة لا يمكن لمراقب أن يتساءل : لماذا حدث هذا وكيف ؟ وللإجابة على هذا التساؤل لا بد أن نصل الى هذه الرؤى والاستنتاجات :

إن الأشكال االحركية التي مارستها حماس في حراكها نحو الاستيلاء على مراكز السلطة في غزة ، كانت منفصلة عن مشاركة الشعب في غزة في التغيير ، أي لم يرتدي الحراك الحمساوي شكل انتفاضة شعبية على السلطة ، بل كان حراكا تنظيميا نابعا من التصارع التنظيمي على تبوء الصدارة الادارية والمالية في قطاع غزة . وقد حاولت حماس إلباس توجهاتها السلطوية على أنه جرى بسبب الاختلاف والصراع بين الرؤى السياسية ومن له الأهلية التنظيمية لتصدر الأحداث لإدارة التوجه الوطني للقضية الفلسطينية وأنها تريد تعديل الانحراف الذي تمارسه " فتح " على اعتبار أن فتح تطرح برامج سياسية تصفويه لحل المشكلة الفلسطينية .

ان عدم مشاركة الجماهير في التغيير ، وانفراد حماس ممثلة بجهازها العسكري في الحراك الانقلابي والذي ارتدى الشكل العسكري الدموي ، يدل على أن القرار الأساسي لهذا التغيير هو قرار اتخذته قيادة حماس بسبب المعاناة والابعاد والثانوية التي مارستها بحقها أجهزة السلطة ، وخاصة جهازي الأمن الوقائي والمخابرات .

لا يعني هذا أن جماهير الشعب في غزة كانت راضية كل الرضى عن أداء حركة فتح اداريا وسلوكيا ، أو كانت راضية عن أداء أجهزة السلطة وخاصة جهازي الأمن الوقائي والمخابرات والشرطة ، لا ، فإن أغلبية الشعب كان متذمراً من تفشي الفساد الاداري والمالي في أروقة أجهزة السلطة .

أما من الناحية السياسية ، لما كانت أهداف الثورة الفلسطينية هي التحرر من الاحتلال واقامة دولة مستقلة تكون موطنا وملاذا آمنا لشعب فلسطين ، ولقد طال الانتظار ولم يتحقق هذا الهدف ، والظروف العالمية لا تبشر بخير ، والمنظمات الفلسطينية تخوض ما يشبه الصراع على السلطة للسيطرة على المنافذ المالية التي ليس لها غير هدف واحد وهو اخراج الثورة الوطنية الفلسطينية من المسار الوطني الى المسار الاقتصادي ، فإسرائيل أفشلت كل الحلول الممكنة والمطروحة للحل ، والمشكلة الفلسطينية دخلت نفقا مظلما لا يمكن التعرف على نهايته 0 وبهذا أصبح الشعب ينظر بعين اللامبالاة الى أين تسير المفاوضات والحلول .

إن ما يعنيه ، هو كيف يعيش اللحظة ، وكيف الطريق لتأمين معاشه مع غياب الرؤى لحل منظور ووسط حصار لا يرحم لا الانسان ولا الحيوان ، ووسط تتالي الحروب التدميرية على غزة .

ومن خلال ما حدث ممكن استخلاص دروس هامة :

دروس ورؤى من انقلاب حماس :

1- عدم اشتراك جماهير الشعب في هجمة مسلحي حماس على أجهزة السلطة .

2- وقوف الشعب على الحياد ورفضه الصراع الدموي بين فصائل من الشعب الفلسطيني 0

3- انتقائية الأهداف والتركيز على قيادات الأمن الوقائي والمخابرات والوطني .

4- تركيز دعاية حماس المضادة باتجاه أجهزة ، ثم أفراد .

5- التواصل وتعزيز شبكة اتصالات بين الأفراد والقيادة المحلية وبين القيادة المحلية والقيادة المركزية عند حماس ، وبالمقابل تفكك التواصل الحراكي بين قطاعات السلطة المسلحة .

6- الاعداد المسبق للصدام مع اجهزة السلطة ، وذلك بحفر الأنفاق وتجهيزها حتى صدور الأوامر بالتنفيذ .

7- السيطرة على الأبراج المحيطة بمراكز السلطة وتقوية الحصار حولها والسيطرة على الطرق المؤدية اليها .

8- رفع مستوى الصدام من الفرد الى كامل الجهاز .

9- رفع كتائب القسام لمستوى استخدام السلاح الى أعلى مستوى ، واستخدام السلاح بمزيد من الحزم .

10- استخدام اسلوب الحصار لإجبار المجموعات المسلحة للاستسلام .

11- عدم التواصل بين المجموعات المتفرقة للسلطة بين بعضها البعض ، ومع القيادة .

12- عدم فهم وتفسير أفراد السلطة وفتح لما يحدث ، وما هو رد الفعل المطلوب .

13- عدم وجود مقاومة مسلحة فعلية من جانب مجموعات السلطة المتفرقة هنا وهناك .

14- عدم وجود أمر قيادي بمقاومة هجمات المجموعات المسلحة لحماس وذلك بسبب عدم وجود قيادة موحدة لمجموعات السلطة المسلحة وتشتتها وتباعدها .

15- عدم التحضير المسبق لمثل هذا النوع من الصدام .

- العبر والدروس التي يجب على فتح أن تتعلمها وتدرسها بتمعن لكي تجيب على السؤال : لماذا لم تصمد فتح في الصراع مع حماس في غزة ؟

بدراسة متفحصة لما حدث ممكن استنتاج ما يلي :

1- تحطُم الخلية التنظيمية - البنية الأساسية للتنظيم وهلاميتها في التركيبة التنظيمية لفتح .

2- دخول الراتب وملحقاته كعنصر أساسي لترويض العناصر ذات الميل لتبني الخط المسلح في الصراع الوطني .

3- الافتتان بالمراكز وملحقاتها .

4- تفكك التسلسل التنظيمي من القمة الى القاعدة وبالعكس .

5- دمج العناصر التنظيمية في أجهزة السلطة بطريقة عشوائية .

6- التأخر في تقدير الحدث ، والاكتفاء بالدعاية بالتركيز على التاريخ ووهمية التضخم .

7- اهمال التحالف مع المنظمات الأخرى الموجودة على الساحة .

8 – الضعف الشديد في الوعي التنظيمي والترشيدي لدى أفراد التوجيه السياسي .

9- تميز مواضيع التوجيه السياسي بالتكرارية المملة ، وبالتالي فشل جهاز التوجيه السياسي في رفع الوعي لمستوى الحدث .

10- فشل جهاز التوجيه السياسي في التواصل مع عناصر التنظيم ومع الجماهير .

11- ابقاء قطاعات مسلحة تابعة للسلطة خارج دائرة الحدث .

12- وجود عناصر غير مؤهلة في مراكز السلطة ، لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب ..
13- التميع الاداري والفساد المالي في مؤسسات السلطة .

14- النظر الى السلطة بعين المصلحة والفائدة ، وليس بعين الانتماء العطائي والتفاعل .

15- وجود التنسيق الأمني بين السلطة التي تسيطر عليها فتح بحكم اتفاقية أُوسلو – وما له من آثار سلبية على الطموح الوطني ، وما له من خلط للمفاهيم مثل : من هو العدو .

رغم هذا لا يمكن انكار وجود الترابط النفسي والاجتماعي بين عناصر فتح ، وهذا ما ظهر بوضوح في الاحتفالية بيوم الانطلاقة التي كشفت عمق فتح الجماهيري في قطاع غزة .
والآن هل تتعلم فتح وتأخذ العبرة من هذه الدروس وتبني نفسها على أسس قوية وترابط تنظيمي وتحافظ على تاريخها ؟ ان المستقبل سيكشف ما اذا كانت فتح قادرة على ذلك .

والملاحظ أن المصالحة تسير في ممر محفوف بالمخاطر ، ومن هذه المخاطر ، المحاصصة ، أي ادارة انقسام ، وذلك باهمال التواصل مع باقي المنظمات الفلسطينية والتي هي صمام الأمان لعدم التوقف والاستمرار في المصالحة ، فالاشراك يمنع التراجع من أي من الفصيلين عن السير حتى النهاية لانهاء الانقسام .

الخميس، 15 مايو 2014

إما لي وإما خراب !!!


    في رواية من الأدب الروسي يطرح الكاتب تساؤلا على لسان مواطن يقف على الرصيف أثناء مرور موكب لقيصر روسيا المحاط بحراسه المدججين بالسلاح ويرى الموكب يمر ويتوسطه القيصر جالسا على عربة تجرها الخيول المزينة .

  حملق هذا الرجل في وجه القيصر متفرسا ملامحه وكأنه يبحث عن شيء، ولما لم يجد ما يبحث عنه ، أطلق تساؤله قائلا :

 أهذا هو القيصر الذي يقول عنه البلاشفة أنه يظلم الناس ويعتقلهم . ان وجهه طيب ، وملامحه هادئة ، ولا تبدو عليه القسوة والشراسة .

  وبعد سقوط القيصر انكشف المستور ، واكتشف هذا المواطن كم كان هذا الوجه الهادىء الطيب يخفي وراءه فظائع من الظلم والفساد الذي لا يترك بقعة من الوطن الروسي اٍلا وشملها . وأدرك هذا المواطن كم كان مخدوعا في منظر القيصر الطيب ، بل كم كان ساذجا .

  ان رجالات الحكم الفردي لهم مظهران ، منفصلان ، لا يتشابهان فقط ، بل يتعارضان في المظهر والجوهر ، في الشكل والمحتوى . فهم بين الجماهير والناس طيبون ، هادئون ، وفي السر وبين الحاشية والحفنة المقربة لا يكشفون الا العصا والأوامر بالاٍعتقال والاٍعدام ، واٍطلاق الرصاص  على المتظاهرين ، أفراد الشعب ، المتمردين ، المخربين ، العصاة ، المغرر بهم .  هذا الحاكم الطيب ، لا يتورع عن قتل شعبه ، فرادى وجماعات .

 هؤلاء هم الحكام الفرديون دوما ، الديكتاتوريون ، المتغطرسون الذين لا يروا حاجات شعوبهم الا تحت الضغط وقوة الجماهير .

 فتحت ضغط الجماهير وثورتها ، يصرح بن علي  رئيس تونس السابق :

" أن لا  رئاسة مدى الحياة " .

 ان الرؤساء والملوك يظهرون أمام الناس بوجوه مبتسمة وهادئة وعطوفة القسمات ، ويحاولون اٍظهار الود للأطفال والتسامح ومشاعر التعاطف مع المرضى والفقراء في بعض الأحيان .

 كما ويحاول الحكام استغلال المناسبات الانشائية لكي يظهروا على أنهم بناة ، ويقوموا بافتتاح مشاريع  للاٍسكان والطرق والبنية التحتية .

  كما يتدخل الرؤساء والملوك في شئون التعليم ، وقد يكون الرئيس أو الملك لا يملك من الشهادات ما يؤهله لتعليم الصفوف الابتدائية . فيظهر على أنه محب للتعليم والتعلم ، وأنه من مؤيدي التعليم بأرقى درجاته العلمية والأكاديمية . وأحيانا يظهر الرؤساء والملوك وكأنهم يدعمون الكتاب والمؤلفين ، ويظهرون السخاء الكاذب تجاه الكتاب ، من أجل شراء الذمم والأقلام .

  وترى الرؤساء والملوك يظهرون وكأنهم الراعون المخلصون لمدخرات الوطن ، والأوفياء للشعب ، ويحرصون كل الحرص دوما على راحة المواطن ، وأمن الوطن .

   ولا ينسى الرؤساء والملوك التنويه بدعمهم للشباب الذين هم الدم الجديد الذي لابد منه للبناء والتطوير ، والذين هم القوة الدافعة للتجديد ، واظهار أن البلد غنية بشبابها .

 وفي الجانب الاجتماعي الآخر تتوكل زوجة الرئيس بالاهتمام بكل شيء يخص المرأة والأطفال والمرضى والمعاقين، كما يتم تجنيد مجموعات متنوعة كل في مجاله الفكري أو الاجتماعي من المنافقين والانتهازيين وأصحاب الألسنة الدعائية التي لا غنى عنها لتزيين وجه النظام وأفعاله وأنشطته من أجل أن يظهر وكأن  كل شيء على ما يرام .

 وفي الجانب الدعائي لا يمكن أن ينسى النظام الفردي ، ملكيا أو جمهوريا وراثيا ، دور صناع الفتاوي ومنافقي السلطة من المشايخ وخريجي المعاهد الدينية الذين يجيرون الآيات والأحاديث الداعمة لهذا النظام أو ذاك أيا كان نوعه ملكي وراثي أو  جمهوري أو عسكري .

 كما وتقوم النظم الفردية الديكتاتورية والملكية بتقوية المؤسسة العسكرية من جيش وشرطة وأمن داخلي ومباحث ومخابرات وأمن مركزي وعصابات سرية تحت اٍشراف وبعلم وزير الداخلية شخصيا ، هذا في الجانب العلني ، أما في الجانب السري ، فهناك فرق الموت والتهديد والارهاب والترويض لكل من يحاول التمرد على النظام بالكلمة أو بالفعل ، أو يحاول الخروج من القطيع .

 ولتبييض الوجه تقوم بعض النظم بفبركة  مسرحية  الانتخابات ، حيث تقوم مؤسسات الدولة بنشاط مميز لخداع جماهير الشعب بشعارات اقتصادية واجتماعية وٍانسانية  براقة ووعود بالاٍصلاح والتغيير والتطوير ، بينما يحدث التزييف بحيث تكون النتيجة معروفة للحاكم سلفا .

  وشعارهم ، صوتوا كما تشاءون ، وانتخبوا من تشاءون ، فلكم حرية انتخاب السيد ، الرئيس ، الحاكم ، ولكن لا تزعلوا اٍذا نجح الرئيس نفسه دوما في كل دورة انتخابية . فالطريقة معروفة وهي ان الأنظمة الجمهورية تؤمن باللا تغيير اٍلا في حالة واحدة تكون مخلصة فيها ، وتقوم بالواجب على أكمل وجه ، وهو تغيير صناديق الانتخابات .

  كما أن الشعار المحبب للحكام وخاصة العرب الذي يحاولوا  اٍقناع الشعب

 به وهو :  " كل شيء اٍلا السياسة " .

  اٍزرع ، اٍقلع ، غنِ ،وانشد النشيد ، اكتب  ، اسهر و نمْ ، العب كورة ، البس كاو بوي، وقِصر الجلابية وطوّل الدقن ،  واحفظ القرآن والسيرة النبوية . لكن لا تقترب من الحاكم والحكومة ووزارة المالية ، فهذه من المحرمات .

 واذا خطرت على بالك  أفكار شاذة – على حد قولهم - مثلا ، قلت نريد حرية ، وديمقراطية وأحزابا  وانتخابات نزيهة وصادقة ، وتدعو للتغيير وتكافؤ الفرص والمساواة وحرية السفر والصحافة ، والمساواة في حق العمل للرجل والمرأة .

  اذا فكرت في هذا ، فهذا سياسة ، ووزارة الداخلية لك بالمرصاد ، من شرطة ومخابرات وسجون ومباحث أمن دولة ن وكتائب خاصة بالرئيس ، والتهديد بالفصل من العمل ، وأخيرا الاٍجبار بكل الوسائل على الصمت ، الصمت ، الصمت .

 ونسأل ، هل المطالبة برغيف الخبز ، سياسة أم اقتصاد ؟

اذا اجتمع أكثر من اٍثتين وتكلموا عن  رغيف الخبز وحجمه  وغلاء أسعار المواد الأساسية ، فهو سياسة ، أي الدخول في المحرمات .

 واذا تكلم أكثر من ثلاثة ، أن هذه مزرعة ثانية للوزير خلال سنة ، وله خمس استراحات وشاليهات متوزعة على الشواطىء والأرياف ، فهذه سياسة يعاقب عليها القانون ، أي هناك أًناس من ذوي الطبقات الملتصقة بالسلطة ، اٍنهم من طبقة ال" VIP " ، وحولهم حراس ولا يجب أن تذكرهم اٍلا بكل خير .

 وفي الجانب الدعائي والاعلام ، فرؤساء الجمهوريات والملوك الفرديون في الحكم لا يؤمنون اٍلا بالانسان ذي البعد الواحد عقليا وحركيا ، ويوضع في مسار واحد ، منذ الطفولة ، ولا يجب أن يخرج منه حتى الممات .بل ويجب على الأجهزة الأمنية ألا تسمح له بالخروج عن هذا المسار ومن يحاول فهو المخرب ، الاٍرهابي ، العاصي ، المغرر به ، المتمرد .

    كما يجب على المتعلمين والمثقفين أن يكونوا الدعامة في تعليم النشء ضمن البرامج والمناهج الحكومية .

   كما أن لهم موقفا متميزا من الأحزاب ، فشعارهم ، " من تحزب خان " ، و " الأحزاب تؤدي الى التفرقة  " .

  ومن يروج للفكر الضال ـ حسب زعمهم ـ  أو للأحزاب ذات الأفكار الهدامة مثل الشيوعية واليسارية والديمقراطية ، أو التي تدعو الى الحرية والمساواة وتغيير النظام ، فوزارة الداخلية ـ قسم الأحزاب ـ  له بالمرصاد ، والوسائل معروفة ، التهديد بالفصل من العمل ، او الاعتقال حتى التراجع والتوبة ، أو الموت  تحت التعذيب ، أو الموت من ربنا بيد زبانية وزارة الداخلية ، واذا خرج فالسلامة بعيدة عنه ، فهو اٍما مختل العقل ، ليس منه رجاء ، لا للأحزاب ولا للوطن ، واذا استعصى عليهم الأمر لأسباب خاصة ، يمنع من السفر ،او ينفى خارج البلاد .

      وفي نفس الوقت ينشىء الحاكم ،أو الرئيس حزبا تتجمع فيه حفنة من البرجوازيين والتجار ورجال الأعمال وأصحاب الشركات التجارية والمقاولات والاستيراد والتصدير .

 وشعارهم جميعا : " لا وطن اٍلا لنا ".، ولا مال في الوطن اٍلا لنا ، ولغيرنا الفتات .  فالوطن " اما لنا واٍما خراب  " .وقد رضعوا هذا من ملكهم أو رئيسهم ،  " اٍما لي ، واٍما خراب  " .نحن حُماة القانون ، نحن حماة الدستور ، الحكم دوما لنا ، دوما لنا  !!!  ،  وان لم تقبلوا ، فالموت لكم ، الخراب لكم ، ولبيوتكم ، الخراب لكم ولوطنكم ، فاٍننا سنغادركم ، ولن تستطيعوا أن تديروا دولة بدوننا ، فنحن القادة ، الحكام السادة ، لنا كل شيء ، ولكم الفتات . أنتم دوما الرعاع ،  الأُجراء ، الخدم دوما ، واذا رفضتم وتريدون تغيير هذا ، فأنتم تريدون تغيير اٍرادة الله الذي جعلنا فوق وجعلكم تحت ، لهذا  فأنتم  المخربون ،  المتمردون  ، العٌصاة  ،  الارهابيون ، الاٍنقلابيون.

  ويكثرون من القول : " الله ، الوطن  ، الملك " ، الله ، الوطن ، الرئيس " .   والملاحظ أنها شعارات معنوية ما عدا الملك ، أو الرئيس ، فهما الموجودان فوق الكرسي الحكومي وتحت أمره المال والسلاح .

 ان مجريات الأحداث التي جرت أثناء الثورة  في تونس ومصر  ، وما يحدث الآن في ليبيا واليمن وسوريا  يؤكد ما ذكرناه .

  واذا طالب الشعب ، الجماهير بالانتخابات ، المساواة ، الحرية ، الديمقراطية ...  لا وألف لا ، أنتم غير مؤهلين لهذا ، انها الفوضى ، هذه مؤامرة على الوطن ، تدعمها أيادٍ خارجية .

  لا تصدقوا من يحرضكم باسم الحرية والديمقراطية ، انه يخدعكم .انه يدفعكم  الى  الهاوية ، الى الحرب الأهلية التي ستكونون أنتم وقودها .

 وكثيرا ما يلجئون الى الفتاوي الدينية التي يطلقها أساطنة الدين المدجنون لصالح النظم الفردية والديكتاتورية ، ومن هذه فتوى تحرم التظاهر في الساحات العامة ، كما هناك استغلال لآيات قرآنية وأحاديث نبوية ، مثل " وخلقناكم درجات" ، ... و" أطيعوا  أولي الأمر منكم " ، " ولا تمدن أعينكم للذي متعنا به غيركم " ، فلا يجب الاعتراض على حكم الله وقدره ، ولا يجب أن تثوروا ، أو تتجمهروا ، أو تتمردوا على أًولي الأمر ، واذا رأيتم أنه فاسد ويسرق ، فحكمه عند الله ، فهو الذي سيعاقبه في الآخرة على جميع أعماله ، وليس انتم المسئولين عن محاسبته في الدنيا .

  وفي دول المشرق العربي ، فلا يمكن أن ترى رئيسا أو ملكا دون مرافقة اثنين : أولهما : الشيخ ، مفتي الديار ،مفتي الجمهورية ، وثانيهما : وزير الدفاع ، أو وزير الشرطة باللباس العسكري .

  ودعوة  الرئيس أو الملك للجمهور، كونوا هادئين ، مستسلمين وديعين ، مطيعين ، أنا ولي أمركم ، أنا قدركم ، والله هو الذي اختارني لأكون في هذا المكان ، واسمعوا فتاوي مفتي الديار ، واذا بقيتم هادئين ، فلكم الحلوى والمكافآت . وان لم تقبلوا ، فاٍنكم ستضطروني  الى استخدام العصا ، ووزير الداخلية بشرطته وسجونه وأجهزة المباحث والمخابرات وأدواته السرية والعلنية جاهزة لاٍجباركم على العودة الى السابق ، الى ما كان .

 وان لم يستطع وزير الداخلية أن يقوم بهذه المهمة ، فالجيش – الذي هو درع الوطن وحارسه – جاهز للتدخل بقواته العسكرية المنظمة والمدربة ودباباته ، جاهز للتصدي للجماهير ولتفريق المظاهرات الشعبية التي _ حسب رأي الحاكم _  تخل بالأمن في الشوارع ، وتطالب باسقاط  النظام

 والآن في عصر العولمة ، عولمة الاتصالات ،عولمة المعلومات ، عولمة الأسرار، فلا شيء يمكن اٍخفاءه عن الناس ، عن الشعب .

 وفي عولمة الاتصالات ألقيت جواز سفري وأجهزة المخابرات ، فبضغطة اٍصبع أًسافر الى كل العالم ، فلست بحاجة الى جواز السفر ، وبضغطة اصبع أحصل على كل المعلومات المحرمة التي يحجبها النظام عني ، فقديما كانت الأسرار تذاع بعد ثلاثين سنة ، والآن صارت الأسرار متاحة ، ولكن ليس بعد موت الحاكم الذي قد يتمسمر في الحكم من جيلين الى ثلاثة ، أو بعد موت حفيد الحاكم ، فالاٍعلام والوثائق التي تكشف المستور لا تخفي شيئا ، والمعلومة لا تستطيع  أجهزة الدولة أن تحجبها لفترة طويلة متى ما دخلت الكمبيوتر الذي هو على ارتباط بالشبكة العامة للفرع ، وشبكة الفرع مرتبطة مع شبكات الفروع الأخرى في الدولة ، فبطريقة أو بأخرى ممكن أن تصل المعلومة الى الشعب ، واذا وصلت الى الشعب ،وخصوصا العنصر الشاب ، واقتنع بها ، تصبح قوة مادية ، فاعلة ، مُحركة . حيث اذا اقتنع بهذه الأفكار يصبح لديه انتماء وتعاطف ، انتماء إما معها أو ضدها ، و إذا اقتنع المجموع بهذه الأفكار الناقدة للظلم و الفساد و الاستغلال ، فإنها تصبح دافعاً للحراك الشعبي ،الجماهيري ، و في التجمهر تتولد الجرأة ، و السخرية ، و الاستهتار بالوضع السائد ، و بالتجمهر تشعر الجماهير بقوتها و فاعليتها فتتولد لديها الرغبة في التغيير ، تغيير كل ما هو موجود .

    إن التجمهر هو إشارة الخطر العلنية الأولى ضد النظام ، و في حالة أية جمهرة يهب سدنة النظام و أدواته الإعلامية و المادية ، أي التجهيلية و العسكرية لردع الفتية المغرر بهم و المخربين ، المتآمرين مع الخارج ضد الوطن و المواطن .

    إن النظم الفلكية و الملكية و الجمهورية الوراثية تكثر دوماً من الأجهزة الأمنية و المخابراتية ، و المباحث ، و فرق الموت ، و الكتائب الخاصة على حساب الدخل الوطني ، و تُجَيِّر هذه الأجهزة في النهاية لخدمة أشخاص معينين في الدولة ، كوزير الداخلية ، أو نائب الرئيس، أو وليّ العهد ، أو رئيس الاستخبارات ، أو رئيس الوزراء ، أو رئيس التشريفات في مجلس الوزراء .

    و حسب نوعية التجمهر الأول ، و ردّة الفعل ، فإن السلطة تواجهه بإحدى أسلوبين ، الأول : الإسلوب المخابراتي ، الترهيبي ، و ذلك باعتقال المتجمهرين والتحقيق معهم .

الثاني : الإسلوب السلاحي لإرهاب المتجمهرين و منعهم من التجمهر مستقبلاً .

   إن النظام الغير ديمقراطي ، الفردي ، الديكتاتوري يلجأ إلى العنف السلاحي من أول مواجهة ، ليثبت قوته ، و ليرهب كل مَن يفكر في التجمهر و المطالبة بالإصلاح و التغيير .

   وفي حالة سقوط قتلى من الشعب تصبح المواجهة ثأرية ، يتغير فيها الشعار الثوري من إصلاح إلى تغيير ، إلى إسقاط النظام .

   و حينما يستشعر النظام الخطر يبدأ بالمهادنة و إبداء بعض التنازلات : من إعلان الرئيس أنه لن يترشح لمرة أخرى ، و لا لحكم مدى الحياة ، وإلغاء قانون الطوارئ إلى إلغاء جهاز أمن الدولة ، و السماح للأحزاب بالعمل ، ونعم للديمقراطية ، نعم للإنتخابات ، و نعم لتداول السلطة .

   و إذا تكرر الصدام يرتفع سقف الشعار الجماهيري ، ويرتفع سقف الأهداف السياسية و الاجتماعية ، و هنا تصل المواجهة إلى نقطة اللاعودة للسابق ، لنظام الحكم السابق سواء كان ملكيا وراثيا  ، أو أتوقراطيا ، أو جمهوريا وراثيا أو فرديا عسكريا .

   و حينما يشمل الشعار الجماهير في كافة أطراف البلاد و مركزها العاصمة ، يصبح المسار العام ثورياً تغييرياً شاملاً و جذرياً لكل مرافق الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، أي يهدف الى  القطيعة الكاملة مع الحكم السابق و رجالاته و أجهزته القهرية .

   هذه المرحلة هي الأرضية المناسبة لإرساء نظام جديد ديمقراطي ، انتخابي محدد المدة دستورياً ، مجتمع حرّ ، ليس به أجهزة إرهابية أمنية ، قائم على المواطنة الحقة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للجميع بغض النظر عن اللون و الدين و الجنس  و العقيدة .

ما لم يقال عن حصار غزة !!!


 شتان بين أن تكون فوق الحصان أو أن تكون تحت الحصان  , آسف , أي , أن تكون تحت الحصار . فالفرق يبدو بسيطا . ولكن وضع حرف الراء مكان النون يقلب كل شيء , فتصبح تحت الحصار , أي في أكبر سجن عرفته البشرية .

    فأن تكون فوق الحصان لتنطلق في العدو بحرية في الهواء الطلق , دون حاجز , دون خوف من عدو متربص , أو صاروخ يقطعك أشلاء تمحي إمكانية معرفتك , تمحي صورتك الانسانية .

   أن تكون فوق الحصان , أنت عنترة إبن شداد يسابق الريح مدافعا عن حياض قبيلته .

 أن تكون فوق الحصان , أنت راعي البقر في براري أمريكا , بقبعته وبنطاله الجينز يلملم قطيع أبقاره مع غروب الشمس عائدا بسلام الى حظيرته .

    وتحت الحصان ـ آسف  تحت الحصار ـ ممنوع أن تنظر فوق , فطائرات الاستطلاع فوقك ولو لم ترها , فإنها تراك , إحذر أن تكون في حالة يشك فيها موجه الطائرة أن معك مدفع , أو تتهيء للمقاومة ولو على ظهر حمار . وليحظر الأطفال ألا يلعبوا ببندقية بلاستيك , فالصاروخ في الانتظار دائما , وكل التكنولوجيا العلمية مسخرة وموجهة إليهم  .

  تحت الحصار في غزة المنكوبة  , شتان لسفينة تأتي من عرض البحر تحمل اليسار المتضامن معنا ,ـ مع ساكني السجن الكبير ـ شفقة علينا من تحت الحصار , وسفينة تغدو وتروح في أي بحر في العالم دون رقيب أو تهديد .

    فعلا ، شتان ما فوق الحصان وما تحت الحصار , فالحصان تحت اليد وجاهز للامتطاء وقت ما تشاء , يسير بك الى حيث تشاء . أما تحت الحصار و فلا سفر الا بتصاريح لا عد لها و ومواعيد وحجوزات تصل الى الشهور , إلا من رحم ربي .

      وتحت الحصار , فالماء ليس للزراعة ولا للشرب . فأنت  لا تستطيع أن تزرع , فإن تسقي الزرع , لابد أن تموت عطشا , وإن شربت الماء مات زرعك , ومت جوعا , وعليك أن تحلم بشاحنة طحين للأونروا , ربما أصابك منها نائبا , أو بعض شيء من ملحقاتها , من معلبات  جُدد تاريخ صلاحيتها لتناسبك .

 تحت الحصار لا تستطيع أن تقترب من أرضك حتى أكثر من نصف كيلومتر , فالقناص في انتظارك . فالقرب من الحدود لا تستطيع أن تجري , أن تحفر , أن تبني , ولا أن تلحق بإحدى ماشيتك التي اقتربت من الحدود .

  تحت الحصار , عليك أن تنتظر فتح  "كرم أبو سالم " وتحلم بنصف الاسم "كرم " , في انتظار الفاكهة التي لم تجد من  يشتريها  من " تنوفا " ـ شركة  التسويق الزراعي الاسرائيلية ـ . وفي السوق , تسمع الباعة , تفاح , موز , مشمش , أفوكادو , المعبر مغلق , " أكلة والوداع " .

  وآخر ينادي , الفرسمول , فيقول آخر : الفرسمول يضر المعدة , فيعلق ثالث بقوله : يضر المعدة !!! , المعدة  تكيفت على السموم والعفونة ,والمعلبات المحفوظة كيميائيا , وإذا أصابك  مغص أو سخونة  فبنادول  صحية  الوكالة جاهز , وإذا مش معجبك  المقبرة جاهزة , أحسنلك من هالعيشة .

 في الحصار أكثروا من الصلاة , ففي الصلاة أمل بجنان لم ترها عين , ولم تسمع بها أذن , وكل شيء , كل ما هو ممنوع تحت الحصار موجود في الجنان , فأكثروا من الصلاة واحلموا في الجنان , وإن لم تحلموا بها ,  صلوا قيام الليل , وضاعفوا الصلوات , وأكثروا من الدعاء , ممكن الله يستجيب لدعائكم , ويرفعكم فوق الحصان .

  صلوا , وادعوا , واحلموا , يا أهل غزة المنكوبة في كل شيء , في الماء والكهرباء والغذاء والسفر و حتى البحر محاصر وقل خيره , فعائلات الصيادين يشموا ريحة السمك ولا يأكلوه , فالصيادون غالبا ما يعودون بخفي حنين , ولا يصطادون ما يسد الرمق لعائلاتهم .

   تحت الحصار , لا عمل , البطالة تغطي الطبقة العاملة بصورة شبه كاملة . إما تعمل لك  بسطة  في السوق , أو تسوق لك على سيارة !!!

  وفي السوق , الباعة أكثر من المشترين , لا عمل إلا البيع , والكل يبيع على بعضه و وتسمع في السوق نغمة  " أي حاجة , بأي حاجة " .

    أن تسوق على سيارة أجرة , تلاحقك الرسوم والضريبة وتجديد الرخصة والمخالفات والطرق الغير معبدة وارتفاع أسعار قطع الغيار وندرتها وأُجرة الصيانة , وارتفاع أسعار المحروقات الدورية وطلبات الزبائن حتى باب البيت . وفي الغالب لا يعود سائق سيارة الأجرة الى البيت بغلّة تكفي لإعالة أُسرته .

  تحت الحصار , الطلبة يسافرون يوميا الى الجامعات , وفوق رسوم الجامعة , يحتاجون أُجرة مواصلات والأب مُطالب بمليء البطون ودفع ضريبة الحصار , كومة من العذابات اليومية .

  في الحصار , الماء لا يصلح للاستخدام الآدمي , لا للشرب ولا للطبخ و طعمها اقترب من طعم مياه البحر .

  في الحصار , الكهرباء ليس لها مواعيد , فمواعيدها حسب نشرة شركة الكهرباء محددة حسب النشرة فقط و وفي الواقع  مثل مواعيد عرقوب . وعدنا الى لمبة الكاز والفوانيس والمجمرة للتدفئة في شتاء قارس لم نشهد له مثيل .

 في الحصار , لا تسأل عن حال أهالي البيوت التي دمرتها حملة الرصاص المصبوب الاسرائيلية . فأي تعويض لا  يمكن أن يعوضهم عن تدمير بيوتهم وتشريدهم , وفقدان  العديد من أبناءهم أو مصادر أرزاقهم .

 في الحصار , سوق أطباء الشغلة التانية بعد الدوام , الكشفية , حسب السوق , لكن لا تقل عن 40 شاقلا , وفي المستشفى لا يعيرك  الطبيب انتباها  إن لم تكن زبونه في العيادة الخاصة . وأسعار الأدوية حدث  ولا حرج .

  ودائما نواجه في الشارع وفي السوق , في الجامعة بالسؤال متى ؟ متى ينتهي الحصار , وما زاد الطين بله  وجود الانقسام , وأخبار المصالحة مثل قميص عثمان , والكل يظهر بتمسكه بشعرة معاوية .

   فشتان أن تكون فوق الحصان أو تكون تحت الحصان , آسف , تحت الحصار ......
  فدعنا نقول ما لم يقال   !!!

الأربعاء، 14 مايو 2014

فلسفة الفقراء وفلسفة الأغنياء



   اٍن أبسط تعريف للفلسفة هو " حب الحكمة " ، حب المعرفة , هي حب معرفة الحقيقة .الفلسفة هي نشاط عقلي انساني هادف الى معرفة الحقيقة  , هي  حالة الرغبة للمعرفة التي تثيرها حالة الاندهاش والتساؤل  التي تصيب الانسان من ملاحظته للظواهر الكونية والطبيعة والمجتمع والانسان والعضويات النباتية والحيوانية .

   ومن يدرس الفلسفة تنمو لديه فكرة البحث وتتوسع بصيرته وتقوى لديه المقدرة على الفهم وسبر غور ما يمر به من أحداث يومية ، وما يدور في العالم المحيط به .

      ولكن هل من الممكن أن يتكون لدى جميع الناس فلسفة واحدة وحيدة لتفسير ما يجري حولهم من أحداث ؟  بالطبع  ، لا .

   ولما كانت الفلسفة مجمل لأفكار وخبرات  تتراكم من خلال تفاعل الناس مع الطبيعة ومع بعضهم البعض , ونتيجة لهذا التفاعل تتكون عنها مفاهيم  في أدمغة الناس ، ولما كان الناس يختلفون في مستوياتهم الاقتصادية , فانهم حتما سيختلفون في الطرق والوسائل التي يحصلون فيها على الغذاء ،وهذا التمايز الاجتماعي لا بد أن يخلق فئات اجتماعية ، طبقات اجتماعية ، تختلف في مصالحها عن بعضها البعض ،  لهذا كان من الطبيعي ظهور آراء وفلسفات مختلفة في المنطلق ، وفي النتائج . وكل طبقة اجتماعية تحاول  تسييد مفاهيمها عن الحياة وطريقتها في تنظيم المجتمع .

   ولما كانت الحقيقة هي أفكارنا ، فهمنا لما يجري في الواقع ، ولما كان هناك اختلاف بين الناس في فهم الواقع ومجريات الأحداث حولهم  ، اذا لابد من وجود اختلافات فيما يحمله الناس من أفكار ونظرات عن الواقع في عقولهم ، أي في نظرتهم الفلسفية للحياة .

  والآن ، لابد من السؤال : هل من الممكن أن تتكون لدى جميع  الناس نظرة صحيحة ، نظرة علمية  لمجريات الأحداث ومسبباتها الواقعية ؟ بالطبع , لا  ، وذلك لأن لكل طبقة مصالحها وتتبنى من الأفكار ما يخدم هذه المصالح ويدافع عنها  ، وبالتالي نرى في المجتمع خليطا من النظرات ، خليطا من الفلسفات ، منها من يكون أقرب  الى  الواقع ، الى العلم في تفسيره للأحداث الدائرة حولنا ومنها ما هو أبعد في تفاسيره عن الواقع ، عن العلم ، عن التجربة المعاشة ، بل الأقرب الى الخيال، الى الخرافة ، الى الميثولوجيا الاٍجتماعية ، أقرب الى التفسيرات الشعبوية ليس للأحداث الاجتماعية ، بل وحتى الأحداث الطبيعية الصرفة ، مثل كسوف الشمس وخسوف القمر ، ومسببات الأعاصير والزلازل والبراكين والحرائق .

  ان التفسير والفهم الفلسفي العلمي ينطلق من الواقع ويساير العلم والمكتشفات العلمية لكى تكون حية وحيوية في استيعابها لكل جديد ومتطور في جميع جوانب الحياة المادية والفكرية .

  ان العلوم  ، الأحياء ، الفيزياء ، الجيولوجيا ، والفلك  ، وفروع الطب وغيرها  تتخصص في دراسة وفهم وتفسير  قسم من الظاهرات في العالم ، كل في مجاله . أما الفلسفة فهي شمولية في دراستها للظاهرات ، وتعتمد على المنجزات العلمية في تدعيم تفسيراتها لما يدور في الكون من أحداث وظاهرات ، لهذا فان الفلسفة لا تستطيع الاٍستغناء عن منجزات العلوم الأخرى ، والفلسفة من هذا الطراز ، أي التي ترتكز على العلم ، هي الفلسفة التي يسعى الناس لامتلاكها ومعرفتها ودراستها .

   من هنا أصبح معنى الفلسفة  في هذا العصر هي النظرة الشاملة لما يجري من تغيرات على الموجودات المادية والعضوية والاٍجتماعية ، وهي بهذا  العلم عن القوانين  الأكثر شمولا التي تخضع لها كل الظاهرات في العالم , القوانين التي بموجبها تتطور الطبيعة والمجتمع والفكر البشري .

  ولكن ما هو المغزى من دراسة الفلسفة  ؟ يجيب على هذا السؤال ، كارل ماركس ، حيث يقول :" دأب الفلاسفة على تفسير الظاهرات والأحداث التي تحدث في العالم والمجتمع ، ولكن المهم هو تغييره ".

 

    ولا عجب اذا رأينا في المجتمع طبقات ، وفئات اجتماعية لا يعجبها التفسير العلمي ولا الفلسفة التي تؤمن بالتطور والتغيير، لأنها تتعارض مع مصالحها . فاذا عرف الناس الفهم السليم الواقعي لمجريات الأحداث في المجتمع ،أي اٍذا فهم الناس أسباب الظلم الاجتماعي ، أسباب الفقر ، أسباب التمايز الاجتماعي وانقسام المجتمع الى طبقات  فان هذه المعرفة ستدفع الجماهير الفقيرة الى الثورة ، الى محاولة التغيير ، متخذة من الفلسفة الشمولية الواقعية نسقا فكريا ، أيديولوجيا لها في حراكها الاجتماعي نحو بناء المجتمع الأفضل .

 

  ان الطبقات التى تملك السلطة بحكم موقعها الاقتصادي القوي تتبنى فلسفة غير علمية تزيف الواقع وتزيف الفهم الحقيقي للفوارق الاجتماعية وتشوه العملية التطورية للمجتمع الانساني ، وتتبنى فلسفة غير منهجية ، لا يمكن على أساسها بناء مجتمع خالي من الأزمات الاقتصادية والارهاصات الاجتماعية .

  أما الطبقات الفقيرة والتي تشكل الجماهير الغفيرة من العمال والفلاحين والذين يقع على كاهلهم مهمة انتاج الخيرات المادية اللازمة لاستمرار الحياة ، ومهمة تطوير الحياة ووسائل العيش ، هذه الطبقات لا يمكن لها اٍلا أن تتسلح بالنظرة الفلسفية الأكثر تقدما ، الأكثر طليعية في التعامل مع الواقع الاجتماعي ، مع الفكر الانساني .

 

  ان النظرات الفلسفية تختلف في النظر الى المسائل المتعلقة بمعنى الحياة ، والسعادة والحرية والاستقلال والبناء والتطور . فالشعوب المناضلة من أجل الحرية تتناقض مع التفسيرات الفلسفية التي تنشرها  الدول الامبريالية .

  فأنظمة الحكم الديكتاتورية والملكية والوراثية تتبنى فلسفة تتناقض مع فلسفة شعوبها الطامحة للتغيير ، وتحاول جعل فلسفتها هي السائدة وتنشر المفاهيم المضادة للتطور والتقدم والتغيير .

 

   فالفلسفة التي ترتكز على العلم  اذن  ليست مع الجميع الظالم والمظلوم ، السيد والعبد ، البرجوازي والعامل ، الاقطاعي والفلاح ، الكمبرادوري والمستهلك . بل تكون مع , وضد ، أي تدافع عن مصالح ضد مصالح ، أي مصالح الذين تخدمهم ، أي لا يمكن أن تكون محايدة ، بل منتمية ومتحزبة ، والفلسفة العلمية هي التي تتحزب وتدافع عن مصالح الفقراء والمظلومين في المجتمع .

  على مر التاريخ كانت هناك نظرات فلسفية متعددة بتعدد الطبقات الاجتماعية ، ولما كانت هناك طبقات حاكمة ، سائدة ، ظالمة ، تملك السلطة والمال وتجير القوانين لصالحها وتنشر لدى الجماهير فلسفة  القناعة والقبول بالوضع الراهن وعدم المحاولة للتغيير ، اٍن هذه الفلسفة هي الفلسفة المثالية ، التي كانت دوما تدافع عن مصالح الطبقات الفوقية .، الأغنياء ، السادة ، الاقطاعيين ، البرجوازيين ، الأريستقراطيين .

 

   وبالمقابل كانت هناك طبقات محكومة ، فقيرة ،- عمال وحرفيين وفلاحين - مضطهدة ، مظلومة لا تملك المعرفة ولا التعليم ، ولكن لديها حس بأن السلطة ظالمة ، ولكن لا تعرف السبيل الثوري للتغيير . ان لدى الفقراء دوما نزوعا للتغيير واصلاح الوضع الاجتماعي , وتتكرر المحاولات للتغيير , ولكن لا تصل الى النتيجة المرجوة , وذلك بسبب غياب الفكر الارشادي الثوري عن الحراك الاجتماعي , ومن هنا وفي ظل تكون الظروف الموضوعية الملائمة للثورة لا بد من أن تظهر البؤرة المتعلمة والتي تكشف للجماهير الفلسفة الثورية  ، النظرة الفلسفية المادية ، العلمية ، والتي تكشف اِسباب البؤس والظلم الاجتماعي وسبل التحرر الاجتماعي . إن الفلسفة الثورية هي التي تضع المبرر التاريخي للحراك الاجتماعي ، للثورة ، للتطور ، للسير نحو المجتمع الأفضل .

 

   اذنْ هناك نظرتان فلسفيتان الى العالم : نظرة فلسفية مثالية ، ونظرة فلسفية مادية . هناك من يقول أن من يملك الاقتصاد – الأرض والمصانع  - يملك البلاد ، أي يسيطر على جهاز الدولة والجيش والشرطة ويفرض القوانين  ، لهذا نجد الطبقات السائدة ، الحاكمة تعمل جاهدة للبقاء في السلطة للأبد لهذا تبنت الفلسفة المثالية ، وفي نفس الوقت عملت بكل قوة على تزييف المفهوم الحقيقي  للفلسفة المادية ، فجعلت الناس ينظرون للمادي ،  بأنه شخص أناني ومحب للشهوات ويهتم بالمصالح الشخصية ، أما المثالى  فشخص يخدم المًثل ، من حق وخير ، ومنزه عن الغرض ، وذو أخلاق مثالية .

  ان دعاة المُثل والأخلاق والعفاف من الطبقات الحاكمة والأغنياء هم أكثر الناس شبقا وحبا للشهوات ونهما في اغتراف اللذات . وهذا واضح في حفلات الزواج لديهم والأعياد و المناسبات المتعددة الأشكال والألوان .

 

  ومما يثير العجب أن " القطط السمان " وهم الأكثر انتفاخا والاكثر بذخا يكثرون من التشدق بالمًثل و دعوة الفقراء الى القناعة ، وعدم النظر الى ما متع الله به الأغنياء من نعم ، وما الغنى والفقر الا منحة مقدرة من الله وتفضيل للناس بعضهم على بعض ، فلا يمكن ان يخلق الله الناس متساوين ، وهذه سنة الحياة أن يكون بين الناس فقراء وأغنياء ، وينشرون أن الفرق الحقيقي بين الأغنياء والفقراء هو في التقوى ، وليس في الدرجة الإقتصادية والمراكزية ، أو امتلاك المال ، وتجدهم يُكثرون من سرد الآيات والأحاديث النبوية  لإقناع الفقراء بالاستسلام لقدر الله عليهم ، فإن له حكمة في ذلك .

 وكثيرا ما نراهم ينشرون بعض الآراء الكاذبة  بقولهم أن الأغنياء حصلوا على أملاكهم لأنهم نشيطين وكانوا يعملون ليل نهار حتى ادخروا ما يملكون ، بينما الفقراء كسالى ولا يعرفون كيف يدخرون المال .  

إن هذه الأكاذيب لا تقنع إلا السذج والبسطاء من الناس ، فواضح من هو الأكثر نشاطا في المجتمع ، ومن هو الذي يعمل من الصباح الى المساء  ، وواضح من هو الأقل نشاطا والأقل في ساعات العمل ، فطبقة الأغنياء لا يعملون بل يؤجرون الآخرين لينجزوا أعمالهم . ولو بحثنا كيف حصل الأغنياء على أملاكهم لوجدت أنهم مارسوا ، هم أو آبائهم أساليب ملتوية لا يعرفها الفقراء ، وحصلوا بعدها على هذه الأملاك .

  إن هذه التبريرات تهدف الى ترسيخ تقسيم للعمل بأن الفقراء مخلوقون للعمل الجسدي ، بينما الأغنياء  بأجسامهم المنتفخة  وتنعم جلودهم ، هم وزوجاتهم اللامعة المرفهة  ، غير مناسبين للعمل الجسدي ، ويحاولون بكل الوسائل للحفاظ على هذه التقسيمة في المجتمع ، ونراهم يسلكون الطرق السرية والعلنية لتنمية رؤوس أموالهم أضعافا مضاعفة باختراق كل القوانين الوضعية والوصايا الدينية لتغطية مصاريفهم الماجنة .

بينما الفقراء ليس لديهم ما يسد الرمق  بالكاد . و بالكد المتواصل يحصلون على قوت يومهم ، فليس لديهم لا الأرضية الاقتصادية ولا الإمكانية المالية للبذخ والاغتراف مما لذ و طاب . 

 

 ان هذا الفهم بعيد كل البعد عن المعني الفعلي لكل من المفهومين الفلسفيين  ، المادي والمثالي  في النظرية والتطبيق .

 ان الفلسفة المادية ، تنطلق من الواقع ، من الأحداث الجارية ، من الأسباب المادية ,الواقعية للظواهر الطبيعية والاٍجتماعية ، وتقدم لها الحلول الواقعية حسب خطوات المنهج العلمي ، وأن كل توقع لحدث ما ،  يرتكز على المعطيات والامكانات الواقعية ، ومدى الاحتمال الأكثر احتمالا وامكانية .

  أما الفلسفة المثالية ، فتبدأ من الخيال والقدرية والغيب ، وهذه القوى لا يمكن اخضاعها للتجربة ، ولا يمكن توقع الحدث القادم من الغيب ، ولا مداه ولا زمانه ولا مكانه ، وقد تكون نتائجه سلبية لأًناس أكثر اٍيمانا ، ولا مانع في ذلك ، لأن المؤمنون أشد بلوة . فالحدث القدري لا يمكن توقع نتائجه ، ولا تحاشي الأضرار الناتجة عنة ، لأنه غيبي يسقط عليك دون  ٍاٍنذار .

  هذا هو الفرق الفعلي بين الفلسفة المادية والفلسفة المثالية في النظرية والتطبيق ، وعلى الجموع الغفيرة أن تختار بين الفلسفة المثالية  التي تبرر الظلم وتزينه وتعمل على  تمييع الصراع الطبقي بالنصائح الدينية ، وتجعل الناس يؤمنون بأبدية الفوارق الاٍجتماعية ، وأن الحياة الأفضل هي في علم الغيب ، وسنحصل عليها بعد الموت . ان هذه دعوة للتواكل وعدم الثورة وعدم الميل للتغيير وبناء المجتمع الأفضل .

   بينما الفلسفة المادية  توضح الأسباب الواقعية للظلم الاجتماعي ، للفوارق بين الناس ،ان الفلسفة المادية لا تؤمن بقدرية وأبدية الفوارق الطبقية بين الناس , بل تؤمن ان هذه الفوارق جاءت بسبب الخلل في تقسيم خيرات البلاد لصالح مجموعة صغيرة من الناس , وتحاول إقناع الناس أن هذا الوضع هو الوضع الطبيعي , ولا داعي للتغيير , بل لا يمكن تغيير الفوارق الطبقية بين الناس لأنها إرادة إلاهيه , فالله جعل الناس درجات , ويجب عدم الثورة لتغيير هذه الدرجات , " ولا تمدن أعينكم للذي متعنا به غيركم " – قرآن كريم .

   ان الفلسفة المادية تؤمن أن الفوارق الطبقية هي فوارق اقتصادية مصطنعة , أي فوارق  يسببها الخلل في تقسيم  خيرات البلاد بين الناس , ويتم هذا بطرق ملتوية باسم الميراث , أو باسم الهبات المصطنعة من الحاكم , وفي إطار العمل يتم عن طريق استئثار  المالك بكامل الربح الذي يقوم به العامل في المصنع أو في المزرعة .

 

  ان الفلسفة المادية تؤمن بإمكانية تغيير هذا الوضع الغير انساني وغير العادل , و تبين الطرق والوسائل الاجتماعية الممكنة لبناء المجتمع الأفضل . انها توضح المبررات التاريخية للتغيير ، للثورة ، للتطور العلمي والاجتماعي .

الاثنين، 12 مايو 2014

الحجاب هو حجاب على العقل

أنا أعمل في الجهاز الصحي ومن خلال تجربتي أرى أن الحجاب الذي يغطي الوجه عند التي تعمل كمعلمة أوممرضة أو طبيبة أو مساعدة صحية أو فنية أشعة يعيق عملها المهني ، ويشوه علاقاتها العادية والاٍنسانية بالمرضى وزملائها ، فالبسمة لها مدلولاتها على المرضى وتعبيرات الوجه لها مدلولاتها في التعبير سواء بالرفض أو بالاٍيجاب أو الاٍستنكار ، وغطاء الوجه يولد الاْنعزالية ويدفع الفتاة الى عدم المشاركة في حفلات وداع الزملاء المغادرين أو استقبال الزملاء الجدد ، مما يؤدي الى عدم اكتساب الخبرات المهنية والاٍجتماعية وإرساء علاقات اجتماعية راقية حتى بين زملاء المهنة الواحدة .
ان حجاب المرأة يحمل بين ثنايا مؤثراته تعميق السلوك الانعزالي وتكريس عدم تنمية التفكير بطريقة طبيعية ومتوازنة اجتماعيا ومهنيا ويبقى العقل محصورا في التحجب وهذا حلال وهذا حرام ، وبهذا يصبح الحجاب بهذا الفهم والتطبيق ، حجابا على العقل والتفكير السليم وتصبح المرأة كائنا سلبيا في المجتمع ولا تستطيع أن تقوم بواجبها كمعلمة أو مربية و تعليم النشء الجديد التعليم الذي يدفعه اٍلى التفاعل الاٍيجابي مع المجتمع ، وذلك لأن المجتمع ينظر اليها ككائن سلبي وغير متفاعل فكيف تعلم الجيل التفاعل والاٍيجابية .
وبالحجاب فاٍن الفتاة تزيد من عزلتها النفسية والاجتماعية والمعرفية ، والفائدة من النقاب ضعيفة إن لم تكن معدومة ، والنقاب يعدم امكانية تنمية شخصية المرأة ويساعد على تقزيم تفاعلها الاجتماعي واستيعابها العلمي ، بل ويجعلها ذات بُعد واحد ومشوه للحياة والعصر والمجتمع . ولو تصورنا حياة جميع النساء ، أي نصف المجتمع بالحجاب ، بالقناع ، كأن المجتمع يقتل نصف المواليد تحت دعاوي لا تخص الحياة على الأرض بل بسبب خوف من عقابات نابعة من ميثولوجيا شعبية قديمة ارتدت صفة القداسة ، بأن المرأة هي الخطيئة ، وهي مركز الغواية ومصدر الخطيئة .
إن الدعوة الى تحجيب المرأة تحمل في طياتها تأنيث المؤسسات التي من الممكن أن تعمل بها المرأة ، وبهذا لا يتم فقط العزل الاجتماعي بين الجنسين بل النفسي والفكري ، ونشوء تصور مغلوط لكل جنس عن الآخر ، ليس في الشارع ، بل وفي المعايشة الأسرية أيضا .
وبهذا تكون مقولة المرأة نصف المجتمع مقولة كاذبة في التطبيق ، أُنظر وضع المرأة في ليبيا وموريتانيا واليمن والصومال وعُمان وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج والسودان ، انها لن تزيد عن وعاء لإنتاج الوَرَثه ، وأداة للمتعة ، وإذا لم تستطع القيام بهذه المهمة بسبب جسدي فممكن التخلي عنها بالطلاق وقذفها بلا حقوق الى مصيرها المجهول .
فالحجاب عادة وليست عبادة ، فلم نرى أي نص قرآني على ضرورة حجاب المرأة بهذا الشكل ، ولو طرحنا فكرة ما المقصود بالحجاب على عشرة من دعاة الاسلام لوجدنا صعوبة في التوفيق بينهم في فهمهم لمعنى الحجاب ، فمنهم من يربط فكرة الحجاب بالحرائر ، ويرفضه على غيرهن من النساء – وهذا المفهوم غير موجود في زماننا ، فليس هناك حرائر ولا إماء – ومنهم من يقصد بالحجاب غطاء الصدر ، ومنهم من يرى فيه غطاء للصدر والرأس ، ومنهم من يزيد ليشمل الوجه ، أي البرقع – ومنهم من يزيد ليشمل اليدين والقدمين ، ومنهم من يقصد اختفاء المرأة تحت عباءة فضفاضة وبعين واحدة . وكل داعية يتهم الآخر بعدم التعمق بفهم معنى الحجاب ، وقد يصل الاتهام الى التكفير .
ماذا يعني هذا ؟ ان هذا يعني أن الاسلام " حمال أوجه " ، وليس لديه مقياس موحد للحقيقة ، فنرى التميع الشديد في تعريف الحجاب ليس بين الدعاة ، بل في الأسرة الواحدة .
إن الدعوة الى حجاب المرأة تحمل في ثناياها تجاهل التطور الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي الذي يتطلب مشاركة جميع أفراد المجتمع – بما فيها المرأة - في العمل والانتاج الاجتماعي .
وما دامت المرأة أُم و"مدرسة إذا أعددتها ، أعددت شعباً طيب الأعراق " ، فلنهيء لها المجال لتتعلم كيف تربي الجيل الجديد معنى الحياة معنى التفاعل ، معنى الابداع .
هناك من يقول أن الاسلام لم يقصد بالحجاب ، حجب المرأة عن العمل والمشاركة في بناء الوطن وممارسة حقها في القول والفعل ، وكي نرد عليه نقول : انظر ماذا يقول بعض دعاة الاسلام ، وعليك أن تستنتج ماذا سيكون أثر هذا في التطبيق :
إليك ما يقوله ممثلو الاسلام السياسي عن حرمان المرأة حقها في الانتخاب ، فقد جاء في ( مجلة الإخوان المسلمين – 5 يوليو 1947) : " يعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورة - أي خطأ وتمرد - علي الإسلام وثورة علي الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة علي الإنسانية بنوعيها لمناقضته ما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها في الوجود، فانتخاب المرأة سبة في النساء ونقص ترمي به المرأة ".
أما رأي الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 فهو مدون في " حديث الثلاثاء "، يقول : " ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوي من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال، وهم أكمل عقلا من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين؟!"
إن هذا لا يعني ارتداء حجاب بل يعني عزل المرأة عن كامل النشاط الاجتماعي والانتاجي ، وأنها لا تملك الأهلية العقلية ، فقط هي مؤهلة لتكون وعاء لتكثير العشيرة ، ومن يملئون البيت ولا مستقبل لهم ، ففي المجتمعات الاسلامية كل دقيقة يولد جاهل .
ان هذه الآراء تغلق المنافذ أمام كل الدعوات لتحرير المرأة لكي تحصل على حقوقها كإنسانه .
وما يثير العجب أحيانا من أننا نرى قبول للمرأة المسلمة بوضعها العبودي وذلك يعود ليس الى العادات والتقاليد الصحراوية ، بل أيضا الى الميراث المقدس والمعتقد الديني الذي تتشربه الفتاة من الأسرة والمجتمع الذي يرسم لها طريق الحياة منذ ولادتها الى مماتها حيث يجري تزييف ممنهج لوعيها ، فنجدها تسخر من مفاهيم مثل الحرية وحقوق الانسان والوعي والتعليم . ذلك لأن ممثلي التراث المقدس ينشرون هذه المفاهيم للأجيال الجديدة بطريقة مشوهة .
لهذا نجد المرأة المسلمة تنظر الى نفسها ليس كإنسانة مثل باقي نساء العالم ، بل تضع نفسها في موقع وكأنها يجب أن تختلف عن باقي نساء العالم ولا تتشبه بهن ، ويجري التركيز في الاختلافات على الشكل ، والمظهر ، واظهار الحرية على أنها التقليد الشكلي للمرأة في الغرب .
ان هذا الفهم شكلي للتحرر وتشويه للجوهر والسلوك الواعي الهادف للحرية ، وهي بهذا نراها ترفض شكل المرأة المتبرجة ، المسترجلة ، فهي لا تطمح للتحرر بهذا الشكل ، وبهذا لا يمكن للمرأة في الاسلام أن تعي معنى الحرية بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي .
فهي بمستواها الفكري والنفسي تقبل أن تكون ربع انسانة ، أي لها ثلاثة ضراير، وتقبل أن تكون وعاء للولادة ، وتقبل أن تكون ناقصة عقل ودين ، وتقبل أن تبقى في قفص الرجل والمجتمع دنيا وآخرة ، وتقبل أن تكون نكرة وعاجزة عن أن تدبر شئونها بنفسها ، فهي بهذا كالعصفور الذي ولد في القفص ، ويقدم له الطعام والشراب في القفص ، وكل حركته وعالمه لا يخرج عن أسوار القفص . فاذا ما أخرجته من القفص عاد اليه وأصر على العودة ، وذلك لأن ليس لديه فكرة عن الحياة والحرية خارج القفص .
ان السبب الأساسي في وضع المرأة المسلمة هذا يعود الى أن تفكيرها لا زال لم ينفصل عن المجتمعات الصحراوية والزراعية ومستوى الوعي في هذه المجتمعات الذي لا يسمح للمرأة الخروج من قفص التراث والميراث المقدس .
أما في المجتمعات الصناعية فهناك قيمة للزمن وللانسان وحقه في العمل ، فإن الحاجة الى عمل جميع أفراد المجتمع تستدعي نشر التعليم وفتح المدارس والجامعات ، لأن التطوير والتنمية تحتاج لجهد الجميع ، جميع أفراد المجتمع من الجنسين ، فالجميع يجب أن يتعلم ، وأن يعمل ويشارك في الانتاج وزيادة الدخل الوطني .
وبهذا فان المرأة في المجتمعات الصناعية تأخذ حظها من التعليم والحق في العمل وفق مستواها الأكاديمي ، ووفق مواهبها وإبداعاتها في كل المجالات الانتاجية أو الأكاديمية أو الفنية .
ان هذا يمنحها الشعور بمكانتها كإنسانة ايجابية منتجة لها دورها في البناء الاقتصادي والاجتماعي . كما أن وعيها لهذه المكانة تجعلها تشارك في صنع القرار الاجتماعي والسياسي . وقد أثبتت المرأة أنها تستطيع أن تتبوأ أعلى المناصب سواء في الجامعات أو في السلك الدبلوماسي أو الدولة .
إن وضع المرأة وعملها ومشاركتها والطريقة التي يتم التعامل معها بها هي من العلائم الأساسية التي تدل على رقي المجتمع وتحضره .
أخيرا لو عرفت المرأة المسلمة معنى الحرية الحقيقي وتهيء لها هذا الوعي لناضلت بأسنانها وأظافرها من أجل حريتها وأهليتها أن تكون مسئولة عن نفسها ، وأن لا تكون ربع انسانة وناقصة عقل ودين .

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...