لم يشهد التاريخ البشري بشاعة وقذارة ولا أخلاقية أسوأ من ابتكار الإنسان ووصول عبقريته الدموية المتعطشة للأذى إلى اختراع التعذيب تلك الفكرة الجهنمية التي اسست لسلسلة لا تنتهي من الالام، منذ فجر التاريخ يعذب البشر بعضهم بعضًا؛ من أجل إرضاء غريزة العدوان التي تعيش داخلهم، هذه الغريزة التي لم تُعرف بين الحيوانات المفترسة فهي عندما تتقاتل يكون ذلك بهدف الحصول على الطعام أو حماية أولادها، بدليل أنها تتوقف عن القتال عندما تَشبَع ويتحقق لها الأمان، فلم نر من قبل حيوانات تعذِّب بعضها بهدف الاستمتاع والتسلية، أو أنهم مثلًا اخترعوا أساليب مُبتكرة لفعل ذلك كما يحدث في عالم البشر.
شهدت الحضارات المختلفة ظهور الكثير من وسائل وأساليب التعذيب التي سُجلت في كتب التاريخ من بشاعتها، فحين يتعلق الأمر بإيقاع الأذى بالآخرين يتبارى البشر فيما بينهم لجعل هذه العملية أشد إيلامًا ووحشية.
على أيدي الإغريق والرومان كانت البداية
لا يوجد تاريخ مؤكد ومحدد لبداية التعذيب بشكل رسمي، ورغم عدم ذكر التعذيب في القانون البابلي ، فإنّ المراجع التاريخية اكدت ان العبرانيين القدامى كانوا يخصون الأسرى، ويعدمون المجرمين إمّا برجمهم أو نشرهم إلى نصفين أو بحرق أجسادهم، كما وُجدت عند الآشوريين والمصريين تدابير تشريعية لاستخدام التعذيب، وكانت هذه التدابير موجودة أيضًا عند الفرس والإغريق والقرطاجيين والرومان.
اعتبر الإغريق التعذيب وسيلةً لانتزاع الحقيقة، فقد وصفه الفيلسوف «أرسطو» أنه: «نوع من الدليل الذي يحمل معه مصداقية مطلقة لأنّ نوعًا من الإكراه قد تمَّت ممارسته»، وعلى الرغم من أنّ التعذيب كان يتعرَّض له العبيد والأسرى في العادة، ولم ينجو منه بعض الاحرار الذي كانت ادواته المخلّعة والكرة النحاسية والعجلة.
تعكس هذه الوسيلة أقصى درجات الوحشية عند الإغريق، فهناك كاتب إغريقي يُدعى «لوشيان» يصف لنا نوعًا آخر من التعذيب أكثر رعبًا فيحكي كيف خطط مجموعة من الرجال للإمساك بامرأة عذراء لكي يحشوها في بطن حمار مقتول حديثًا ويخيطوا بطنه عليها، وكان رأسها فقط هو الظاهر منها؛ لمراقبة تألمها وعذابها، ليس فقط لأنها ستُشوى بأشعة الشمس بل كونها ستتعذب جوعًا وعطشًا، وما ميز هذه الخطة الشيطانية أن يداها ستكونان محجوزتين داخل جثة الحمار المتعفنة مما يعيق قدرتها على الانتحار، وكانت نهاية هذه المرأة المسكينة بأن أتت الطيور لأكل جثة الحمار التي تضم جثتها المتعفنة داخل بطنه.
أتى الرومان بعد ذلك ليستكملوا ما بدأه الإغريق من وحشية في التعذيب، فاخترعوا «الحصان الخشبي» ومن أشهر ضحايا التعذيب في العصر الروماني «القديس بانتاليمون»
اما في العصور الوسطى.. فكانت محاكم التفتيش
حيث اتخذت الكنيسة المسيحية موقفًا ضد التعذيب في بداية الأمر لما لقيه المسيحيون الأوائل من أذى شديد من طرف الأباطرة الرومان، لكن لم تمر قرون قليلة حتى تغير الموقف الرسمي للكنيسة تجاه التعذيب فتفشى
ووصلت ذروة التعذيب في الكنيسة خلال العصور الوسطى، ففي تلك الفترة لم يُستخدم التعذيب للحصول على الاعتراف من المتهم بل من أجل تقصّي «القول الإلهي» الفاصل في اعتباره متهمًا أو برئيًا، فكان الضحية يتعرض لألوان من الألم لبيان «حكم الله» في شأنه، فقد كان المعتقد السائد آنذاك أن الله سيُنقذ المتهم من العذاب إن كان بريئا
وفي الاسلام شرع نبيه
مُحَمَّدالقتل والاغتصاب والسبي في حق كل من لايؤمن به نبياً من (الله) وحاكماً بأمره، من أشهر أقواله: “جئتكم بالذبح”، “جُعِلَ رِزقي تحت ظلِّ رُمحي”، “بُعِثتُ بجوامع الكَلِم ونُصِرتُ بالرُّعْب”، ومن أسمائه: “الضحوك القتَّال”.. أمر أصحابه وأتباعه بالقتال حيث قال: “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد.. سلَّط الله عليكم ذُلاً لن يَنزَعْه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم”، هذا بالإضافة إلى عشرات النصوص القرآنية التي يأمر فيها بالقتال.. من أشهر وأقسى عملياته هي قتله لبني قريظة في المدينة بعدما استسلموا له، حيث ذبح مُحَمَّد كل رجالهم ومن (أنبت شعراً) من فتيانهم بعدد تقريبي 900 إنسان، قطع أعناقهم ذبحاً واحداً تلو الآخر في نهار يومٍ واحد، ثم أخذ أجمل نسائهم (صَفِيَّة بنت حُيَّيْ) (زوجة) لنفسه
و استكمالا لمسيرة التاريخ المعذب ما بدأه الأمويون أكمله العباسيون
ففي عهد «معاوية بن أبي سفيان»، وكان العراق مركزًا نشطًا لمعارضة حكمه
حيث تولى الامر «زياد بن أبيه» الذي أظهر مواهب نادرة في العنف، ففي عهده شهد العراق لأول مرة منع التجول والقتل الكيفي بمعنى القتل على الظن، وكذلك قتل البريء لإخافة المذنب الذي طبقه على فلاح خرج ليلًا للبحث عن بقرته الضائعة في ظل منع التجوال، ومما ذكره الطبري عن التعذيب في عصر «زياد بن أبيه» أن وكيله على البصرة الصحابي «سمرة بن جندب» أعدم ثمانية آلاف من أهلها تطبيقًا لمبدأ زياد في القتل على التهمة، ويروي «السمعاني» في كتابه «الأنساب» أن «زياد» أمر بقطع لسان الصحابي «رشيد الهجري» وصلبه؛ لأنه تكلم بالرجعة وتعني «العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت»، ويعد ذلك الحكم تطورًا فاصلًا للتعذيب في العصور الإسلامية. ثم اتى
«الحجاج بن يوسف الثقفي»، ففي عصره انتشر إرهاب الناس بصورة يومية عاشوها على اختلاف طبقاتهم، ومن «إنجازاته» إنشاء سجن «الديماس» الشهير الذي كان بلا سقف، وقُدر عدد من كانوا فيه عند وفاته بعشرة آلاف من الرجال والنساء، وكان من أشهر أساليبه القتل الكيفي بقطع الرأس بالسيف، وأضاف بعد ذلك الصلب للأشخاص الذين لهم وزن في المعارضة.
توقف التعذيب لفترة قصيرة في خلافة «عمر بن عبدالعزيز»، ليعود بعد ذلك على يد «هشام بن عبدالملك» في الشام وولاته التابعين له في الأقاليم، وقد أقام «هشام» بنفسه حد القتل بقطع الأيدي والأرجل في بعض الحالات المشددة ومن أبرز الحالات التي سُجلت في عهده إعدام «غيلان بن مسلم الدمشقي» بتهمة القول بالقدر، وقد نفذ فيه حكم الإعدام ذبحًا، وقد وصل الأمر إلى أن «خالد القسري» والي العراق في عهد «هشام بن عبدالملك» أصدر تحذيرًا لمن يطعن في الخليفة أن يُصلب في البيت الحرام، وبالطبع ذلك ينافي تحريم الشريعة قتل الحيوان في هذا المسجد، كما يؤكد «الطبري» أن القتل بالإحراق اُستخدم في خلافة «هشام بن عبدالملك» لإعدام داعية من غلاة الشيعة هو «المغيرة بن سعيد العجلي» الذي كان قد خرج على الدولة في الكوفة خلال ولاية «القسري».
وفي العصر العباسي كانت البداية مع «أبو مسلم الخراساني» صاحب الدعوة العباسية في «خراسان» وواليها بعد ذلك، فقد بلغ عدد من أعدمهم 600 ألف بين رجل وامرأة وغلام، وكان زعيم الدعوة «إبراهيم الإمام» قد كتب إليه بقتل أي غلام بلغ خمسة أشبار إذا شك في ولائه.
مع ازدياد المعارضة ضد الخلافة العباسية تطورت أساليب القتل والتعذيب، فيذكر لنا الأديب «أبو الفرج الأصفهاني» في كتابه «مقاتل الطالبيين» أن الخليفة «أبو جعفر المنصور» قتل بعض العلويين بدفنهم أحياء، بل تطور أسلوب القتل بعد ذلك إلى التقطيع، ومن ثم زاد عدد الأوصال المُقطعة فبعد أن كانت تتمثل في الأيدي والأرجل التي تُقطع دفعة واحدة، أصبحت هذه الأجزاء تقطع إلى عدة أوصال يُضم إليها أجزاء أخرى من الجسم، وقد أوصلها الخليفة «هارون الرشيد» إلى أربعة عشر قطعة.
ظهر بعد ذلك في عهد الخليفة العباسي «المعتضد بالله» التعذيب بالسلخ ففي كتاب «الكامل في التاريخ» لـ«ابن الأثير» يروي لنا أن قائدًا من الخوارج يُدعى «محمد بن عَبادة» أُسر في أيام «المعتضد بالله» فُسلخ جلده كما تُسلخ الشاة، كما يوجد حادث مشابه كان ضحيته «أحمد بن عبد الملك بن عطاش» صاحب قلعة أصفهان، فبعدما حاصر السلاجقة القلعة بقيادة السلطان «محمد بن ملكشاه» افتتحوها وأسروا «ابن عطاش»، الذي كانت نهايته بسلخ جلده حتى مات ثم حُشي جلده تبنًا؛ بهدف تعريضه للتشهير وتخويف المعارضين من بعده.
كان «المعتضد بالله» وفقًا للمؤرخ «المسعودي» شديد الرغبة في التمثيل بمن يقتله، إذ يذكر لنا أشهر الأساليب التي اتبعها «المعتضد» في كتاب «مروج الذهب» قائلًا: «كان الرجل يُؤخذ فيُكتف ويُحشى القطن في أذنيه وخيشومه وفمه، ثم توضع منافخ في دبره حتى ينتفخ ويتضخم جسده، ثم يُسد الدبر بشيء من القطن، وبعدها يفصد من العرقين فوق حاجبيه حتى تخرج الروح من ذلك الموضع».
من أشهر وسائل التعذيب التي اختُرعت في العصر العباسي «تنور الزيات» الذي اخترعه «محمد بن عبدالملك الزيات» وزير الخليفة «الواثق بالله»؛ بغرض تعذيب عمال الخراج المختلسين، وكان التنور يُصنع من خشب تخرج منه مسامير حادة، وفي وسطه خشبة معترضة يجلس عليها الضحية، ومن المثير للعجب أنه قد عُذب فيه صانعه بعد عزله في زمن «المتوكل بالله» بسبب إهانة كان قد وجهها إليه قبل أن يتولى الخلافة.
والان وفي عصرنا الحديث
ما يزال التعذيب هو الاسلوب الاول والاكثر وحشية وهمجية في اذلال الانسان وتخويفه وانتزاع حريته وكرامته وحياته في زمن حقوق الإنسان والمعلوماتية وغزو الفضاء وتخصص له دائما اساليب وابتكارات اكثر تطورا ورعبا واجراما....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق