الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

شهر عسل جديد


سمعت من أحد الذين سافروا للخارج مراراً بأنه حدث أن حضر قاعة محكمة حيث قال لي:

ازدحمت قاعة المحكمة بالحضور، من متَهَمين ومتًهِمين، مدعين ومدعى عليهم، محامين وكتبة، قضاة وحاجب، مرافقين وفضوليين.

في قاعة المحكمة، كثيرة هي الاثنينيات، الهمسات، الإشارات، النظرات، وكثيرة هي الدعوات إلى الصمت والهدوء.

لا حد يثبت في مكانه، الكل يتحرك، يتزحزح، العيون تتغامز، ترفض، توافق، لا تدري على ماذا، لا تدري ماذا يحمل كل واحد من هموم، ما يدور في خلده من أفكار، كأنما أنت أمام خلية نحل.

وفجأة، فتح باباً جانبياً، خرج منه ثلاثة قضاة، اتخذ كل منهم مجلسه في صدر المحكمة، اتخذ وكيل النيابة مجلسه أيضاً.

سادت فترة صمت ...

هنا رفع الحاجب صوته قائلاً: محكمة.

ساد صمت، الكل شاخص في انتظار من سيبدأ الكلام أولاً، القاضي، وكيل النيابة.

استطرد الحاجب منادياً: القضية رقم "1"..... وأخذ ينظر إلى الحضور، ونادى:

مستورة عبد الستار، محفوظ عبد الحفيظ.

وهنا انتصبت على الفور امرأة من الحضور، وفي الجهة المقابلة وقف رجل وأعلن حضوره.

عدل القاضي من جلسته، رفع عينيه عن أوراق كانت أمامه، أخذ ينقل بصره يمنةً ويسرة بين الحاضرين في القاعة، ركز نظره على الرجل والمرأة طرفي القضية، ثم أدار بصره إلى وكيل النيابة الذي وقف بدوره يتلو حيثيات القضية، حيث قال:

بينما الكل شاخص إلى وكيل النيابة برهافة سمعٍ وشديد انتباه.

هذه المواطنة الجالسة أمامكم تستحق العطف والإنصاف، ورفع الظلم الواقع عليها من ذلك الرجل، وأشار إلى رجل يجلس على الجهة المقابلة.

فسأل القاضي: وما شكل الظلم؟

فأخذ وكيل النيابة يتلوا شكوى الزوجة قائلاً:

أولاً: عاشرت هذه المرأة هذا الرجل مدة عشرين عاماً حسب طلبه.

ثانياً: قامت بتحضير الطعام له بمعدل عشرون ألف مرة.

ثالثاً: قامت بغسل صحون بمعدل 100 ألف صحن.

رابعاً: عناية يومية بالمنزل طوال عشرين عاماً.

خامساً: عناية بملابس هذا الرجل بمعدل ثلاثة ألاف مرة من غسيل وكي.

لهذا أطلب تعويضاً يناسب الجهد الذي بذلته هذه المرأة المسكينة.

أحد الحضور في نفسه - حيث زوجته كثيرة الشكوى ومريضة -:كم هي امرأة قوية، تعمل كل هذا ولم تصبح هرمة، إنها بصحتها، لو أنها زوجتي لجعلتها لا تشكو من أي شيء، يا بخته، الله بيعطي الفول للي ملوش أسنان.

إحدى الحضور في نفسها: يا ريت جوزي عايش وأغسله قد هيك مرتين وأكثر، وأعمله البدع، وأضويله أصابعي شمع، وما أخليه ينام إلا على كفوف الراحة.

فأصلح القاضي من جلسته ونظر إلى الزوج قائلاً:

ما هو دفاعك عن نفسك؟

                             

فقال الزوج: أنا زوج تلك المرأة، قمت بواجباتي الزوجية على أكمل وجه، وكنت ألبي طلبات زوجتي وبيتي دون تقصير، وما قامت به من أعمال والتي وردت على لسان وكيل النيابة - قامت بها - بموافقتها السلفية على أن نعيش سوياً، وهذا يستدعي منها القيام بكل هذه الأعمال كزوجة.

وكيل النيابة في نفسه: لو أنك زوجتي لأطلقك من الصبح، أما انك زوجة مفترية.

واستطرد الزوج قائلاً: أما مطالبتها بالتعويض، فهذا يعني أنه وقع عليها ضرر، فما هو شكل الضرر؟ هل ضربتها يوماً؟ هل كسرت لها ضلعاً؟  لا ......

فأنا الأحق بالمطالبة بالتعويض، فأين دخلي المالي طوال عشرين عاماً، لقد ذهب على طلباتها، فلم أسمع منها غير كلمة، هات، جيبلي معاك !!!

فهي تتذكر حقها وتنسى حقوق غيرها، فهي أرادت مني أن أسحب عربة الحياة لوحدي، وهي تقود العربة فقط.

ومعنى مطالبتها بالتعويض، أن أبقى أشد العربة لوحدي وتصر أن لا تشاركني سحب عربة الحياة.

أحد الحضور - في نفسه -: ما إحنا كلنا زيك وساكتين، هو حد بقدر يقول لا لستات الأيام هذه.

الحاجب في نفسه: والله لو أنك مرتي ما أدخلك داري.

فقال القاضي: ما رأيك يا امرأة فيما سمعت؟

فقالت: أنا لا أطلب من التعويض غير المعاشرة الصادقة دائماً، والبسمة والعطف من هذا الزوج مقابل ما قمت به من أعمال، حيث أن الحياة معه هذه الأيام أصبحت جافة وليس بها رحيق عاطفي، ودائماً يشخط وينفر وصار عصبي في المدة الأخيرة.

أحد الحضور - في نفسه -: هذه بدها شهر عسل يصير طوله عشرين سنة، أي نعمة إن ظل شهرين بعد شهر العسل، ومرات بتخرب بعد يومين، والباين عليكي إنك أنت منبع النكد، وأنت مخلياه عصبي .... والله إنه مظلوم معاكِ.

فتوجه القاضي إلى الزوج سائلاً: وأنت، ماذا تقول بعد ما سمعت رأي زوجتك؟

فقال الزوج: آه، عرفت السبب، سنتزوج من جديد ونعيش شهر عسل جديد.

وهنا أخذ القاضي ينقل بصره بين الزوج وزوجته وابتسم  .  وتمتم: زوج عاقل.          

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...