لم أقصد من هذا المقال سرد آيات وأحاديث تثبت أن
العنف ينبع من النصوص المقدسة ومن الأقوال الصادرة عن المشايخ المسلمين ، بل ما يعنينا
هنا ما يحدث ، ولماذا ؟ أي ما هو الهدف النهائي للعنف الاسلامي ، وهل يمكن للاسلام
ألا يكون عنيفا ؟
من خلال تراكم الأحداث الجارية والأكثر اثارة هي
أحداث العنف الجارية باسم الأديان وفتاويها ، وخاصة ممارسات الجهاديين الاسلامين في
العالم ، أي ما يحدث في العالم الشرقي والعربي في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا
ومصر واليمن والصومال ودول الصحراء الكبرى ، وما يحدث في العالم الغربي على يد الاسلاميين
من عنف .
ومن الملاحظ
أن العنف في الاسلام ظاهرة تنبع من النصوص المتعددة المغروسة في ثنايا القرآن والأحاديث
والفتاوي المتعددة والشواهد ومواقف المسلمين اتجاه الآخرين على طول تاريخ الاسلام منذ
تكوين دولة نبي الإسلام مرورا بالخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين
الى يومنا هذا .
والسؤال : لماذا العنف الاسلامي ؟ وهل الهدف من العنف
الاسلامي في زماننا هذا أن يطرح الاسلام نفسه كبديل اقتصادي واجتماعي عن الرأسمالية
؟
من المعروف أن الأساس الاقتصادي هو جوهر تشخيص النظم
والبنى الفوقية ، السياسية والفكرية والثقافية والفنية والأخلاقية ، ومن الملاحظ
أن العلائم الاقتصادية السائدة في العالم الاسلامي هي علائم النظام الرأسمالي ، من
حيث الملكية الخاصة والمنافسة بين الشركات وتكدس الثروة في يد أصحاب الرساميل .
ورغم أن
الرأسمالية العالمية يزداد توحشها وطغيانها
وهيمنتها وتشتيتها للعقول ، ولم تبدو علي الساحة حتي اليوم رؤية شاملة أو مذهب كلي
قادر علي نقض التجربة الرأسمالية ، وهناك تشتت في اختيار البديل الحقيقي لها. نرى أن
الاسلام لا يمكن أن يكون هذا البديل .فكل العلائم
تشير أن الرؤى الاسلامية الاقتصادية لا تختلف عن الأُسس الاقتصادية الرأسمالية وتتوافق
معها ، وليس هناك من تصادم أساسي تناحري بين الاسلام والاقتصاد الرأسمالي .
فمثلا
إن عقيدة الاخوان المسلمين الاقتصادية القائلة بالاقتصاد الحرّ غير المقيَّد بتدخل
الدولة هي أكثر انسجاماً مع المذهب النيوليبرالي من واقع الرأسمالية السائدة في ظل
مبارك. و“جوهر الرؤية الاقتصادية للإخوان، إذا صنفناهم بطريقة كلاسيكية، هو الرأسمالية
القصوى”، على حد قول سامح البرقي، العضو السابق في الجماعة [...] [2] .»_ ( مقال :
الرأسمالية المتطرفة للاخوان – جلبير الأشقر )
ورغم فشل
التجربة السوفييتية ، إلا أنه لا تزال الاشتراكية مطروحة بقوة علي العقل العالمي بوصفها
لا تزال البديل المنطقي والاقتصادي والعلمي والعملي للرأسمالية . وكل الاصلاحات واقتراحات
الاصلاح للأزمات المتلاحقة التي تمر بها الرأسمالية مستوحاة من الخطط الاقتصادية للاشتراكية
. فالاشتراكية لم تُسقط النظام الرأسمالي
.. نعم ، ليس لأن الرأسمالية نظام صالح للانسان والانسانية ، وليس بسبب عدم كفاية الأدلة
الفكرية ، بل بسبب عدم كفاية أدوات الاسقاط وظروف الحرب الباردة بين المعسكرين
التي أدت الى تضخم الأجهزة العسكرية والمخابراتية والبيروقراطية ، ووجهت المنتوج الاقتصادي
السوفياتي لصالح التسلح العسكري ، ولصالح مساعدة شعوب العالم الثالث التي تناضل من
أجل الاستقلال الوطني ، والتي اختارت طريقا مختلفا عن الرأسمالية . وقد ترك التحالف الغير مقدس بين الرأسمالية العالمية
ودول النفط الخليجي المحافظة أثره في اطالة عمر الرأسمالية العالمية ، حيث كانت
دول الخليج تسارع في حل أزمات الدول الرأسمالية وتشاركها في تنفيذ وتمويل مخططاتها
الموجهة ضد كل حراك ثوري ليس في المنطقة العربية بل وفي العالم .
من هنا كان
العنف الاسلامي له هدف جزئي يرمي الى احلال الاسلام كبديل فكري وأخلاقي مرتبط بالسلوكات
الفردية ، وليس كبديل اقتصادي .
وكذلك يحاول الاسلام كأيديولوجيا أن يطرح نفسه كبديل
عن المنهجية الفلسفية والعلمية في التفكير ، ويقف موقف الرفض أو التشكيك لكل ما أبدعته
البشرية من منجزات ونظريات علمية ، مثل عدم مركزية الأرض وأزلية المادة والطاقة ولا
نهائية الكون ووحدته المادية ، وأن الوعي نتاج اجتماعي وخاصية مادة راقية متطورة ،
ونظرية النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي لداروين .
ومن المفارقات
العجيبة أن الدعاة والفقهاء المسلمين أدركوا أنهم لا يستطيعون مصادمة مكتشفات العلم
التجريبي ، فسارعوا انطلاقا من " ما فرطنا في الكتاب من شيء " الى حشر النصوص
الدينية في العلم ، أو حشر النظريات العلمية في النصوص الدينية ، لدرجة أنهم ادعو أن
القرآن موسوعة علمية ، وأن كل العلوم قال بها مسلمون وسبق الرمز اليها في القرآن .
في ظل الصراع
الطبقي فالفقراء من عمال وفلاحين الغير مالكين لوسائل انتاج الغذاء ، والأغنياء بملكياتهم
وأموالهم وسلطتهم يجدون في ثنايا النصوص الدينية الاسلامية ما يبررون به مواقفهم ،
مع أنهما طبقتان يقوم بينهما صراع تناحري وتقفان على فوارق وأرضية اقتصادية وفكرية
متعارضة ، ونرى أن الاسلام لا يوفر الأرضية الفكرية الثورية لطبقة العمال والفقراء
لكي يدافعوا بها عن حقهم في حياة حرة كريمة ، وتغيير التقسيم الجائر للمنتوج الوطني
الذي بحكم القوانين الرأسمالية موجه لصالح الطبقات البرجوازية والعقارية والتجارية
.
أما في
اطار صراع الحضارات ، فالتطور الاقتصادي العالمي
قد جعل من الصعوبة بمكان ايجاد علائم اقتصادية اسلامية بالمعنى الاقتصادي للكلمة ،
حيث لا تستطيع أي دولة اسلامية أن تنحى بنفسها بعيدا عن الاقتصاد الرأسمالي ، بل حدث
توالف بين الاسلام والرأسمالية المتوحشة التي لا تترك مجالا لقوانين ولا جمعيات حقوقية
تدافع عن العمال .
من هنا فالاسلام لا يستطيع أن يميز نفسه في زمن صراع
الحضارات وصراع طبقات الفقراء مع الأغنياء إلا بممارسة العنف والتمظر بالشكليات التي
لها دلالات دينية ، كالحجاب والبرقع الأسود والزبيبة والدشداشة القصيرة واللحية والعمامة
والانعزال ورفض كل مظاهر الحضارة الاجتماعية والسياسية والفكرية والفنية .
إن الاسلام يعيش حالة من
القصور الذاتي وعدم القدرة على مجاراة الصيرورة التطورية للمجتمع البشري في جميع
مظاهرها الاجتماعية والسياسية والعلمية والفكرية والقيمية .
إن القصور الذاتي للاسلام
الذي ينطلق من نصوصه المقدسة ، قد وضعه في حالة من العدائية المركبة لحضارة هذا
الزمن ، حيث يعيش المسلم وكأنه مصاب بصدمة حضارية فيرتد للماضي متجلببا بالنصوص
ومظاهر الحياة الصحراوية المتخلفة ، ويصاب بحالة من اليأس في رسم ما يريد ، فيلجأ
الى أشد أساليب العنف قسوة وشراسة لكي يفرض رؤاه السياسية والاجتماعية والأخلاقية
.
فالاسلام
في هذا الزمن لا يمكن إلا أن يكون عنيفا ، وبدون العنف لن يستطيع أن يميز نفسه
، وما المظاهر السلمية والاعتدالية إلا مظاهر مؤقتة خبيثة وماكرة ، تعيش على جمرة العنف ، وتنتظر الفرصة التي تسنح لها بالهجوم العنيف على
الآخر . فالاسلام في النظرية والتطبيق يبطن
الرفض للآخر ، أيا كان الآخر .
وأما الدعوات
الى الاعتدال ومحاولة التمسك بالوسطية فهي دعوات خجولة ، وتوجه هجومها على الضالين
ممن استطاعت " قاعدة بن لادن " أن تغزو عقولهم وتقنعهم أن طريق التغيير
هو بممارسة العنف . فقاعدة ابن لادن واضحة
في عدائها للآخر سواء كان الغرب الكافر ، أو أنظمة الحكم الاسلامية المتعاونة
مع الغرب ، أو الليبراليين والعلمانيين والمسيحيين والشيعة أو ضد أتباع بوذا
وكونفوشيوس وغيرهم .
ان الإسلام الذي يرتدي شكل
الاعتدال والوسطية ، هو اسلام مُخادع ، فان كل أدبياته التربوية للأطفال في
المدارس والخطب التي يلقيها وعاظ المساجد كلها ترفض الآخر وتهيء الأطفال نفسيا
لممارسة العنف ، وعندما يكبرون يصبحوا جاهزين للالتحاق بقاعدة ابن لادن .
ولا يُستثنى من هذه التفردات تحت مسمى " مسلم
" إلا المؤمنين البسطاء بالدين ، وهو ايمان الوهن الجسدي ما قبل الموت ،
إيمان التراث والتقاليد ، حيث يشبع لديهم الاطمئنان أن هناك غاية من وجودهم ، ويوفر
لديهم العزاء والبديل الذي يعدهم بحياة سعيدة وشباب لا يشيخ بعد الموت . وتوجد مثل
هذه الشريحة من المؤمنين البسطاء في كل الأديان الكتابية وغيرها .
ونرى المسلم
في العمل ، يعمل مثل الآخرين ، ولكن اذا ما حاولت اخذ رأيه في أي قضية عصرية ، كالديمقراطية
والعلمانية والمساواة والحرية والمرأة و..و.. و ، فانك ستكتشف أن هذا الكائن يعيش بعقلية
ما قبل العصور الوسطى رغم أنه يعيش بجسده في هذا العصر ويتمتع بالمكتسبات الحضارية
التي انتجها التطور العلمي والحضاري البشري ، وما حياته إلا مجاراة مؤقته لما حوله
من مجتمع أو قوانين أو معتقدات سياسية ، ولكنه يرفضها ويستهزئ بها ، ويتحين الفرصة
للتمرد عليها .
من هنا نجد
أن العنف متأصل نظرية وتطبيقا في ثنايا وفروع الاسلام ، فقديما كان الغزو وحديثا
تفعيل شعار الجهاد . فلا يمكن للإسلام في هذا العصر إلا أن يكون عنيفا منهجا وتطبيقا
، فالعنف هو الصورة التي يعلن عن نفسه بها والتي تشبع غروره ودوافعه الايمانية التي
تقف من مظاهر الحضارة العلاقاتية والأخلاقية موقف الرفض والشك .
ولكن الى
أين يوجه الاسلام عنفه ؟ الاسلام يؤمن بالعالمية ولا يعترف بالحدود السياسية ولا بالمسميات
القومية ولا العرقية ، لهذا فعنف الاسلام الجهادي ليس له حدود ولا موانع ، فهو موجه
ضد الآخر ، أيا كان الآخر !!! ففي مصر ضد المسيحيين وضد كل من ليس معه من المسلمين
، وفي العراق وسوريا ، ضد الشيعة ، وفي الصومال ضد الحكومة الاسلامية ، وفي أفغانستان
ضد الحكومة وحلفائها ومن يتعاون معها من المسلمين ، وتقوم طالبان بفرض العقوبات المستوحاة
من الدين على القرى الواقعة تحت سيطرتها ، خصوصا بالنسبة للمرأة حيث تقوم بمنعها من
الخروج من البيت للتعليم أو للعمل ، مما أدى الى اغلاق مدارس البنات .
فالاسلام
ضد الآخر بكل مسمياته السياسية والدينية ، فهو ضد أتباع الديانات الأخرى ، الكتابية
منها والأرضية ، والنحل والفِرق المتولدة عنها بكل مسمياتها ، حتى لو كانت متفرعة من
التصور الديني الاسلامي ، وضد كل مفاهيم العصر السياسية كالحرية والديمقراطية والعلمانية
والليبرالية والشيوعية والمساواة والدولة المدنية ، وضد ليس المنظمات والجمعيات والأحزاب
المنادية بها فقط ، بل يرفض كل العلاقات الاجتماعية والأخلاق والمظاهر المتولدة عنها
.
من هنا ،
فالعنف الاسلامي هو المظهر الأكثر وضوحا في هذا العصر ، والذي يلغي كل النداءات للجنوح
بالاسلام نحو الوسطية والاعتدال ، فمن هذه الوسطية وذاك الاعتدال وأموالهما نمت القاعدة
وترعرعت وانتشرت وأفرخت وتأثرت بها جميع دول العالم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق