الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟


لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجميع , بعكس الخطوط العريضة التي تتمتع بتقبل واسع يمثل القاسم المشترك بين جميع الاتجاهات , فالدولة بالخطوط العريضة هي تنظيم سياسي يقوم على ثلاثية الجغرافيا والشعب والحكم , وما يميز الدول عن بعضها البعض يخص العامل الثالث أي الحكم , انه فيدرالي أو ملكي دستوري , أو جمهوري أو نيابي أو تيوقراطي الخ , اضافة الى ذلك يريد الفهم الماركسي تحديد طبقة مهيمنة ومسيطرة هي الطبقة العاملة المنتجة ,أما فرنسيا فيتم التركيز على اقتصاد السلطة المركزية , وألمانيا تعني دولة ماكس قيبر المؤسسة الادارية , التي تقوم شرعيتها على احتكار العنف للحفاظ على الدولة ,التي تقوم على الجغرافيا واحتكار العنف وموظفين اختصاصيين وبيوقراطية حاكمة , كل ذلك يمثل تطور مفهوم الدولة من أرسطو حتى يومنا هذا .
دولة ماكس فيبر الألمانية هي دولة “الحق” أودولة القانون أو الدولة الدستورية التي تتكفل بحماية المواطن من تعسف السلطة بواسطة القانون , الذي يمثل غيابه فقدان الحرية والديموقراطية للمعنى والدلالة, القانون يحمي الدولة ويمنع السلطة من التمادي , نود طرح السؤال التالي والمتعلق بتعريف الدول , هل للدولة دين ؟
ألانسان كائن بشري له معتقدات روحية ومادية يؤمن بها , وهناك معتقدات لايؤمن بها , تتمثل معتقدات الديانات الابراهيمية الثلاثة بشكل عام بفكرة الاخرة والثواب والعقاب ,باستثناء الكنيسة , التي تنصلت مؤخرا من مفهوم الجنة وجهنم , ممارسة الشعائر الدينية حسب معتقدات من يعتنقها هي المعيار الذي ستتم محاسبة الابراهيمي بواسطته قبل الوصول الى الجنة أوالنار , ومن هذه الأحكام بالنسبة للبعض ممارسة الصلاة والصوم والزكاة والجهاد والحج ….الخ
يظن البعض بوجود دولة مؤمنة ودولة كافرة , بغض النظر عن كون كل مكونات الشعب مؤمنة أو كافرة ,في الدولة الدينية ستكون المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية اما مؤمنة أو كافرة , وستتم محاسبتها في الحياة الاخرة بناء على ممارساتها من صوم وزكاة وحج ..الى آخره , لكن الدولة كيان سياسي لايمارس شعائر دينية يمكن للخالق محاسبتها عليها في الاخرة ,لذلك لانستطيع القول هناك دولة مؤمنة و دولة كافرة , لانه في مكون الشعب هناك المؤمن والكافر ,كذلك المؤسسات الاخري الاقتصادية او الاجتماعية , لذا لايمكن القول هناك شركة كافرة واخري مؤمنة, لان الكيانات السياسية او الاقتصادية تختلف عن الكيان البشري, فالإيمان بالغيبيات هو شأن خاص وليس اجتماعي ,والدولة منظومة اجتماعية وليست مؤسسة خاصة في جميع الدول المتقدمة , باستثناء الدول المسماة مؤمنة , فالأصل في هذه الدول هو رفض الآخر المختلف , لتعارض الاختلاف مع التوحيد الرافض للاختلاف , كيف ستتقبل هذه الدولة وجود الممارس لشعائر تتعارض مع مبدأ التوحيد ؟ لاعلاقة للكيانات التي تعتبر نفسها دولا دينية مؤمنة بمفهوم الدولة …هذه عشائر وطوائف وليست دولا,
نريد الآن الاجابة على السؤال التالي , ماهي الدول التي يقول دستورها بوجود دين رسمي للدولة ؟؟؟ا يفاجئ الجواب على هذا السؤال السائل بواقع لم يكن متوقعا , كنا نتصور مثلا بأن الهند دولة دينها الرسمي هو الهندوسية, لكن في الحقيقة الهند ليست دولة دينية ولا وجود لدين رسمي في دستورها , بينما ديانة كمبوديا الرسمية هي البوذية, الدول الأسيوية , التي ليس لها دين رسمي في الدستور هي ميانمار, لاوس,ماليزي, الفلبين, اليابان, كوريا الجنوبية, كوريا الشمالية ,استراليا,جويانا الجديدة , الصين, منغوليا, روسيا, كازخستان, أوزبكستان ، قرغيزستان ,توركمانستان,أذربيجان, جيورجيا, ولبنان , بالنسبة لسوريا مثلا هناك تحديد لدين رئيسها ,تركيا تحولت الى دولـة لا دينية عـام ١٩٢٤, من الدول الأوربية اللادينية إيطاليا ( ماعدا الفاتيكان !) , وكذلك فرنسا , والنمسا , وهولندا , وبلجيكا , وايرلندا , والبرتغال , وسويسرا , وجمهورية سان مارينو, وليشتنشتاين , ولوكسمبورج , بولندا , لاتفيا, استونيا, كرواتيا,بوسنيا والهرسك ,رومانيا هنغاريا, سلوفاكيا, التشيك,الماني,سلوفينيا, مولدوفيا, اوكراني, بيلاروسيا,مقدونيا,ألبانيا ,توجد في إنجلترا وكذلك في فنلندا بعض الحماية للكنيسة , إلاّ أنها لا تعتبر رسمية, ومن الدول العربية التي لا لايقول دستورها بدين رسمي للدولة دولة لبنان والآن تونس وجيبوتي على اساس اعتبارها دولة عربية , اما في أفريقيا فنجد الـدول التالـية اللادينية : النـيـجر, بـنـين, توجو, غـانا , ساحل العاج, ليبيريا, جويان, غينيا بيساو , السنيغال, بوركينا فاسو,ليبيريا , سيراليون, جويانا , جامبيا,مالي, موزامبيق, بوتسوانا, ناميبيا, أنجولا, زمـبابوي , دولتا الكونغو , مدغشقـر , ملاوي , تـنزانيا , ايرتيريا , أثـيوبـيا , روانـدا, أوغـندا , كينيا, تـشاد , أفريقيا الوسطى, الكاميرون, الجابون, جويانا الاستوائية , نيجيريا , بوتسوانا , سوازيلاند , وجنوب أفريقيا , وفي قارة أستراليا ..و جويانا الجديدة لا يوجد دين رسمي للدولة ,في قارة أمريكا الشمالية ثلاث دول فقط هي: الولايات المتحدة, وكندا, والمكسيك, وكلهم بدون دين رسمي للدولة !, وفي أمريكا الوسطى, واللاتينية جواتيمالا , وبيليز , والهندوراس , ونيكارغوا, وبنما, وكوبا, والبهاما ,كلها دول لا دين رسمي لها ,أمّا في السلفادور وهاييتي فرغم الإعتراف الخاص في الدستور بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلاّ أنه ليس لها ديناً رسميا , لا يختلف الوضع كثيراً عنة في أمريكا الجنوبية , هناك تسع دول لا دين رسمي لها من مجموع 13 دولة هي : البرازيل (الدولة الخامسة من ناحية المساحة في العالم), فنزويلا, تشيلي, الأكوادور , كولومبيا , أورغواي, سورينام, غويانا, أمّا الباراغواي, فتتمتع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فيها باعتراف خاص منذ دستور ١٩٩٢, ولكنها لا تعتبر الدين الرسمي للدولة ,بل ينص الدستور علي علمانية الدولة .
جمعا يكون عدد الدول التي لادين لها ١٢٨ دولة ,والدول السبع الأكبر من ناحية المساحة في العالم وهي روسيا, كندا,الصين , الولايات المتحدة , والبرازيل ,استراليا , والهند هم دولا لا دينية ,بالنسبة لعدد السكان , أكثر من ٨٠٪ من سكان العالم يعيشون في دول علمانية , وهذه الدول تختلف جدا في تركيبتها الاجتماعية والاثنية وفي طوائفها وتطوراتها التاريخية , ولكنها جميعا تقريبا في مستوى معيشتها ومراعاتها لحقوق الانسان وكرامة الانسان ورفاهيته والعمل من أجل مستقبله أفضل بكثير من الدول التي تعتمد دينا رسميا , في هذه الدول تحول رجال الدين الى ملحقات للسياسة أو بالعكس ,
= من صفحة /


الأحد، 24 سبتمبر 2023

غسان كنفاني: أن تعيش أطول من الكيان لوي ألداي، ترجمة جنان أبو اشتيةالخميس 21 أيلول 2023

 

غسان كنفاني: أن تعيش أطول من الكيان

الخميس 21 أيلول 2023
تصميم محمد شحادة.

النص التالي هو ترجمة للمقدمة التي كتبها المؤرّخ والكاتب لوي ألداي، لكتاب «غسان كنفاني» والذي كتبته آني كنفاني، زوجة غسان. وفي الكتاب تعرّفنا آني على غسان عن قرب، بوصفه زوجًا وأبًا، إضافة إلى كونه مناضلًا صلبًا، وقد كتبته بعد عام على استشهاده، وفي الذكرى الخمسين لصدوره أعيد نشره، وقد صدرت ترجمته إلى العربية مؤخرًا. نشرت المقدمة في موقع موندو وايز، وتنشر الترجمة بإذن من الموقع وكاتب النص لوي ألداي.

«بوجود غسان كنا نشعر أن هناك من يهتم بنا».[1]
– سميح القاسم (1939- 2014)

«أستطيع القول، من دون مبالغة، إنّ غسان كان نابغة. كان استشهاده فاجعة أصابتني في القلب، لكن عزائي أنه موجود في قلب كل إنسان حرّ وضميره».[2]
– جورج حبش (1926-2008)

إنّ مقبرة شهداء فلسطين التي تقع بالقرب من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، بلا شك مكان فريد من نوعه: إذ يرقد في جوفها اللا-مذهبي أناس من مختلف الأديان والقوميات والأعراق والتوجهات السياسية، تجمعهم تضحيتهم السامية التي قدموها بشهادتهم في سبيل القضية الفلسطينية. فالمقبرة في الواقع ما هي إلا معرض يضيء على القصص المتشابكة ومعالم نضالات الثورة الفلسطينية وأولئك الذين قاتلوا ورحلوا من أجلها. وفي هذا تجسيد لمقولة غسان كنفاني بأن فلسطين هي «قضية كل ثائر، أينما هو، قضية الجموع المضطهدة والمقموعة».[3] يليق بغسان أن يرقد بسلام هناك بعد اغتياله على يد عملاء إسرائيليين في الثامن من تموز عام 1972، بعدما حرم من أن يدفن في تراب فلسطين الحبيبة، حيث ولد في التاسع من نيسان في عام 1936.

في أحد أيام آب الحارة والرطبة، وبعد مرور ما يقارب خمسين عامًا على اغتيال كنفاني، عزمتُ على أن أجد المقبرة التي دفن فيها لأؤدي التحية للرجل البطل. عرفت غسان لأول مرة عندما أصبحت مناصرًا للقضية الفلسطينية في سنوات المراهقة، وقرأت له روايته الشهيرة رجال في الشمس في سنواتي الجامعية. ولكنني أصبحت أكثر انشغالًا بأعماله وحياته بعد اطلاعي على كتاب مؤثر بعنوان «غسان كنفاني» من كتابة أرملته، آني، والذي يسعدني أن أكتب مقدمته هنا.

عند وفاته، جسّد كنفاني عدة أمور في آن واحد ومنها أنه كان أديبًا شهيرًا، وماركسيًا-لينينيًا، وقوميًا عربيًا،[4] ورفيقًا، لاجئًا وفنانًا، بالإضافة إلى كونه زوجًا وخالًا وأبًا. لذا، كان وقع موته متفاوتًا على الناس، ولعل أحد أهم جوانب رثاء آني له هو تعبيرها الدقيق عن كون خسارته عميقة ومتعددة الأوجه. استطاعت آني فعل ذلك باستعمالها لمذكراتها بالإضافة إلى رسائل التعزية، والصور، ومقتطفات من كتابات غسان، والأعمال الفنية له ولآخرين. بفعل ذلك، يتموضع موت غسان في سياق نضال ثوري مستمر، ويبعث برسالة تحدٍ لمن اقترف هذا الفعل.

إن مقتل غسان في جوهره فاجعة بالنسبة لعائلته، خاصة لرحيل ابنة اخته لميس نجم معه، التي أحبها غسان والعائلة حبًا جمًا، عندما كانت ما تزال ابنة 17 ربيعًا.[5] كذلك، كان اغتيال غسان حدثًا مدمرًا لرفاقه في الجبهة الشعبية وغيرهم على المستوى الشخصي والسياسي. وكان أكثر من تأثر بذلك هو صديق غسان المقرب، أستاذه، وزميله، عضو الجبهة الشعبية، جورج حبش، الذي كان قد قابله لأول مرة قبل عقدين من وفاته في دمشق، حيث كان غسان الصبي لاجئًا مع عائلته عقب النكبة. يصف حبش يوم اغتيال غسان كواحد من أكثر أيام حياته إيلامًا، ويستذكر الصعوبة التي واجهها أثناء كتابته رسالة عزاء لآني، راجيًا أن تكون كفيلة بالتعبير عن ثقل الخسارة التي ألمت به.[6]

لم يكن على جورج أن يقلق، لأن رسالته، التي نشرت كاملة في رثاء آني، هي لوحة بديعة رسمت بكلمات كادت لا تكفيه للتعبير عن حب مخلص وصمود ثوري.

متألمًا لعدم قدرته على حضور الجنازة ومواساة آني،[7] يكتب حبش: «آني، إني أعرف جيدًا جدًا ما تعنيه خسارة غسان بالنسبة لك. لكن أرجوك أن تتذكري أن لديك فايز وليلى والآلاف من الإخوة والأخوات أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفوق كل هذا لديك القضية التي حارب غسان من أجلها».[8]

عندما توفي غسان خسِرت آني «إنسانًا مميزًا» كان لها زوجًا، رفيقًا، أستاذًا وأبًا محبًا لولديها.[9] تكتب في وداعها المؤثر له مخاطبة إياه «كنتَ بفكرك وبراحتيك الطيبتين الجميلتين، معطاءً لنا وللناس».[10]

كنت أجوب شوارع شاتيلا المكتظة باحثًا عن مدخل المقبرة، بينما تجول في فكري كل تلك الرسائل والمشاعر الثقيلة. اعتقدت بأني قد وجدتها، فدخلت وسألت رجلًا كان يكنس الأرض من حول أحد الأضرحة بسكينة، عما إذا كان يعلم أين يقع قبر الشهيد غسان كنفاني. هز كتفيه معتذرًا، وسرعان ما أدركت بأني في المكان الخاطئ: فكانت تلك مقبرة إسلامية قريبة، وليست مقبرة شهداء فلسطين. بينما كنت أبحث عن طريقي، توجه لي رجل في منتصف العمر على دراجة نارية وسألني عما إذا كنت احتاج إلى المساعدة. وما لبثت من إنهاء سؤالي عن مكان قبر كنفاني، حتى قال لي «اطلع»، ووجدت نفسي أجلس خلفه على الدراجة النارية، مبتعدًا عن المقبرة متجهًا نحو شارع منعرج حول نفسه، يعج بالناس. بعد مرورنا بحاجز للجيش اللبناني على مدخل شاتيلا – وهذه إهانة يومية يتعرض لها الفلسطينيون في لبنان- أوصلني إلى مدخل مقبرة شهداء فلسطين. بعدها أشار بشيء من الغموض إلى ضريح غسان، ومن ثم توارى بذات الخفة التي حضر فيها.

وقع اغتيال كنفاني خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينيات واستمرت حتى الثمانينيات، بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار (أهمها في فيتنام والجزائر).

قبل ذهابي إلى المقبرة، كنت قد شاهدت مقطعًا مصورًا من جنازة غسان، ودهشت لكمية أشجار الصنوبر في الخلفية؛ فكانت تلك صورة نادرة في مشهد بيروت العصري. فكرت في ذات الشيء من جديد عندما لاحظت بأن تلك الأشجار ما زالت واقفة في مكانها حتى بعد مرور خمسة عقود. كنت قد نسيت أن أحضر معي نظاراتي الشمسية، فاضطررت أن أغلق عيني لشدة سطوع الشمس التي انعكس ضوؤها مع لمعان حجارة القبور الرخامية الباهتة. ولكن، بعد أن بحثت لعدة دقائق في المقبرة الهادئة والتي بدت فارغة -إلا من بعض القطط التي استلقت في الظل- وجدت قبر كنفاني. حصل ذلك عندما وقع نظري على علم صغير أحمر باهت اللون كان موضوعًا على القبر، وهو علم الجبهة الشعبية. وفي ظل كل الهدوء الذي ساد، كدت لا أصدق أنني تمشيت قبلها بقليل في شوارع شاتيلا المكتظة.

حول قبره وقبر لميس الموجود في الجهة المعاكسة[11] شاهدت زهورًا، بان بعضها وكأنه زُرع للتو. عندما رأيتها تذكرت رسالة كان قد كتبها فايز ابن غسان نعيًا له واستحضر فيها أباه واصفًا إياه عندما كان: «يزرع الزهور بيدين رقيقتين»[12] كل يوم أحد معه ومع أخته الصغيرة ليلى. كما تذكرت الحديقة التي وصفتها آني بأنها كانت مفخرة غسان[13] وهي ذاتها الحديقة التي لعب فيها أبناء حبش وكنفاني في الأعياد والمناسبات الخاصة.[14] إن رسالة فايز إلى أبيه واحدة من الصفحات المؤثرة في رثاء آني لزوجها. فكلمات فايز الذي كان ما يزال ابن التاسعة عند اغتيال والده، جلية وبينة بشكل موجع. وما هي إلا تذكرة بأنّ ما وراء الصورة المثالية والمحتفى بها لمن استشهد من أجل قضية فاضلة، عائلة ثكلى، وأطفال حيارى، مضطرون أن يستكشفوا هذا العالم وحدهم دون والدهم.

عندما قرأت رسالة فايز لأول مرة، حضرتني رسالة تشي جيفارا التي كان قد كتبها لأبنائه متوقعًا رحيله قبل سنتين من مقتله، مثل غسان، على يد الرجعيين.[15] «كان أبي رجلًا طيبًا»، كتب فايز فخورًا؛ «تبع أبوكم إيمانه، وكان مخلصًا لقناعاته»، خاطب تشي أبناءه. «أريد أن أكون مثل والدي وأناضل من أجل العودة إلى فلسطين، وطن أبي» يؤكد فايز باعتزاز؛ أما جيڤارا، فيوصي أبناءه أن «يصبحوا ثوريين شرسين». في الحالتين، حرم الآباء من رؤية أبنائهم يكبرون، ثوريين أو غير ثوريين.

يوم زرت قبر غسان المتواضع، لفتت نظري ورقة مغلفة تحمل كلمات غسان: «أجرؤ على الاعتقاد بأن كتاباتي انطلقت دائمًا من الإيمان بأن الإنسان هو المسؤول عن مصيره، وهو القادر على اجتراحه أو تغييره.. وفي أحيان كثيرة قادر على إحراز شرف الموت في سبيله..» مقولة ملهمة بامتياز. لم يكن كنفاني خائفًا من الموت، كما لم يخف منه تشي صاحب الجرأة الأسطورية، التي اعتبرها البعض تهورًا. قبل موت كنفاني بمدة وجيزة، سأله صحفي عما يعني له الموت. فأجاب كنفاني: «بالطبع، الموت يعني الكثير. الشيء الأهم هو معرفة السبب. إن التضحية بالنفس، في سياق الحراك الثوري، ما هي إلا تعبير عن أعلى درجات فهم الحياة والنضال من أجل حياة يستحقها الإنسان».[16] ومثله، آمن تشي بأن الكفاح المسلح هو «الوسيلة الوحيدة للشعوب التي تناضل من أجل التحرير» واعتبر أنه «يضحي بنفسه من أجل معتقداته».[17]

عانى الرجلان من مرضين مزمنين هددا حياتيهما -كنفاني كان مصابًا بالسكري وعانى تشي من الربو- وربما كان من شأن ذلك أن يخفف من خوفهما من الموت. ولكن الصفات التي جمعتمها، ولربما عززتها ظروفهما الصحية، هي شغفهما وإرادتهما في مناهضة الظلم في حياتيهما، مهما طالتا. في أسلوبه المؤثر والمقتضب، قال حبش إنّ صديقه « كان يعرف أن حياته ستكون قصيرة، لكنه أرادها ممتلئة، حافلة وذات مغزى، وهكذا كانت».[18]

لم يكمل تشي أو كنفاني الأربعين من عمرهما، إلا أنهما استطاعا بعنادهما وإخلاصهما وتفانيهما تحقيق الكثير خلال حياتيهما القصيرتين. وكما تكتب آني، كان غسان «مشغولًا دائمًا، يعمل وكأن الموت يطرق أبوابه».[19] عندما كان ابن 36 عامًا، وفي مقابلة أجراها قبل مقتله بأسابيع عدة، كشف كنفاني عن الضغط المستمر والعمل الشاق اللذين يقعان على عاتقه في إطار تحريره لجريدة الهدف.[20] عانت الهدف بشكل مستمر من نقص الأيادي العاملة، الأمر الذي تطلب منه العمل لمدة 13 أو 14 ساعة يوميًا، وذلك في ظل تعرضها لانتقاد شديد من كل الجهات.[21]

في رثائها له، تتحدث آني عن القواسم المشتركة بين زوجها، وبين تشي، وثوريين آخرين قتلوا من قبلهم:

«حب الحياة يحتاج إلى عنف. لم يكن غسان مسالمًا. وقد قتل في صراع طبقي، مثل كارل ليبنخت، وروزا لكسمبرغ، وارنست تالمان، ولومومبا وتشي جيفارا. كما أحبوا الحياة هم، أحبها هو».[22]

 في الحقيقة، لا يكتمل الفهم العميق لمقتل غسان في غير هذا السياق. إذ وقع اغتياله خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينيات واستمرت حتى ثمانينيات القرن الماضي. حدث كل ذلك بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار (أهمها في فيتنام والجزائر)، بالإضافة إلى فترات عدم استقرار متواصل على المستوى المحلي في الولايات المتحدة وصعود قوة أيديولوجية، واقتصادية وسياسية مضادة تمثلت بالاتحاد السوفييتي، كان من شأنها تهديد الهيمنة الغربية الامبريالية عالميًا، أكثر من أي وقت مضى.

كان كنفاني أمميًا بامتياز[23] يؤمن بشدة بالطابع العالمي للنضال ضد الإمبريالية التي «ألقت بجسدها على كل أنحاء العالم. حيث يقع رأسها في شرق آسيا، أما قلبها فموضعه الشرق الأوسط، وتمتد شرايينها من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية. فأينما صعقتها، ستفتك بها، وتكون بذلك قد خدمت الثورة العالمية».[24] قتلت القوات الإمبريالية (أو مفوضوها) عددًا كبيرًا من القادة الثوريين والمثقفين خلال ثورة مضادة شرسة امتدت على مدار ثلاثة عقود عالميًا. فباتريس لومومبا (1961)، والمهدي بن بركة (1965)، ومالكوم اكس (1965)، وتشي چيفارا (1967)، ومارتن لوثر كينج (1968)، وفريد هامبتون (1969)، واميلكار كابرال (1973)، وسلڤادور أييندي (1973)، وستيڤ بيكو (1977)، ووالتر رودني (1980) وتوماس سانكارا (1987) ما هم إلا بعض ضحايا الاغتيالات التي حدثت خلال تلك الفترة الدامية.

على وجه الخصوص، كان مقتل كنفاني جزءًا من حملة عنف وقتل عالمية شنتها «إسرائيل» -بدعم كامل من الولايات المتحدة- ضد حركة التحرير الفلسطينية وداعميها. في أعقاب اغتيال كنفاني، أشار الصحفي الإسرائيلي أوري دان الذي كان حليفًا مقربًا لآرييل شارون إلى الدافع الوحشي وراء ذلك في صحيفة معريڤ الإسرائيلية قائلًا إن:

«على أعضاء «الجبهة» الفلسطينيين أن يفهموا بأن «إسرائيل» قادرة أن تضرب في أي مكان، ويجب أن يكون مقتل غسان بمثابة إنذار واضح بالنسبة لهم. يجب ألّا يتم التعامل مع مقتل غسان على أنه حدث معزول، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، على القيادة الفلسطينية أن تكون مستعدة لإرهاب شخصي. أثبت مقتل غسان بأن ذلك ممكنًا، وأنه يمكن فعل ذلك بدون أي عوائق تذكر».[25]

لم يكن أي ممن استُهدف في مثل هذه الحملة -ولم تقتصر تلك المجموعة على أعضاء الجبهة حصرًا- موهومًا بالنسبة لخطر الموت الذي لحق به. عندما قرأ كمال ناصر، الشاعر والمثقف الشهير والمتحدث باسم منظمة التحرير الفلسطينية، رثاء محمود درويش لكنفاني، شكا درويش، بدعابة تراجيدية بعض الشيء، قائلًا: «ماذا يستطيع الشاعر أن يكتب بعد اليوم؟ هل بقي شيء تكتبه عند موتي؟».[26]

بعد أقل من سنة، جاءت ساعة ناصر، كما توقع، عندما قتل مع كمال عدوان ومحمد يوسف النجار، أعضاء منظمة التحرير -بالإضافة إلى تسع ضحايا آخرين بمن فيهم رسمية، زوجة نجار- في بيروت، حيث قامت بذلك فصيلة اغتيال إسرائيلية بقيادة إيهود باراك، الذي أصبح لاحقًا رئيس حكومة الدولة الصهيونية.[27]

مرددًا مواقف ناصر وكنفاني، صرّح نجار في مقابلة كان قد أجراها قبل أسابيع من مقتله، بأنه لم يتوقع حدوث الانتصار على يد أبناء جيله من الفلسطينيين، إنما هم «يزرعون البذور، ليحصدها القادمون (..) غالبًا سنموت كلنا، قتلًا، في مواجهة عدو شرس. ولكن الشباب سيحلون مكاننا».[28]

نشر مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير في بيروت رثاء آني لزوجها. قام المركز الذي تأسس في العام 1965 بنشر العديد من الكتب والمنشورات ومواد أخرى عن القضية الفلسطينية وعن الصهيونية، بما فيها كتاب غسان «في الأدب الصهيوني»، والذي صدر في العام 1967.[29] بعد مرور ما يقارب أسبوعًا على مقتل كنفاني، أرسل الإسرائيليون رسائل مفخخة لفلسطينيين بارزين آخرين في لبنان، وكان من بينهم، المدير العام لمركز الأبحاث، أنيس صايغ. أصيب صايغ، الذي كتب افتتاحية كتاب «في الأدب الصهيوني»، بجراح خطيرة بسبب التفجير، ولكنه نجا بحياته.[30] لاحقًا، عندما اجتاحت «إسرائيل» لبنان، بعد مرور ما يقارب العقد على مقتل كنفاني، قامت قواتها بالسطو على مكتبة مركز الأبحاث ونهب ما يقارب «25 ألف مجلد (..)، بالإضافة إلى آلة طابعة ومجموعة من الأشرطة المصغرة والنصوص ومواد أرشيفية أخرى»[31] ومن ثم قامت بتفجير المكاتب، مما أدى إلى مقتل عشرين شخصًا على الأقل، بينما جرح آخرون.[32] كانت هذه الهجمات جزءًا من هجمات إسرائيلية أوسع قامت خلالها قوات الاحتلال بـ«محو أغلب المؤسسات التربوية والثقافية الفلسطينية [في لبنان] التي تمكنوا من الإمساك بها».[33]

على ما يبدو، فهم الإسرائيليون مدى خطورة انتشار تحليل تاريخي موثق للمشروع الصهيوني الاستعماري -خاصة في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية- على الاحتكار الوهمي للخطاب العام الذي تحظى به الرواية الصهيونية حتى اليوم، خاصة في الغرب. إن عدم انخراط كنفاني، وناصر وصايغ وكثير مثلهم من المتحدثين والمثقفين في القتال لم يمنحهم أي حماية. على العكس تمامًا، فبسبب فصاحتهم، وفطنتهم وموهبتهم في التواصل كانوا عرضة للخطر، وأصبحوا رجالًا مهددين. كما تكتب آني في رثائها:

«كنتَ قادرًا على تفسير أكثر الأفكار السياسية تعقيدًا، باستعمال أسهل المصطلحات؛ ولهذا السبب استمع الناس إليك، وقرأوا كتبك ومقالاتك، وسيستمرون في فعل ذلك. ولهذا السبب، أيضًا، أُجبِر أعداؤك على اغتيالك».[34]

كان كنفاني يعي أهمية المشهد الثقافي في النضال الثوري. فمن سنوات الستينيات حتى مماته كان «في آن واحد ينظّر لأدب المقاومة في سياق نضال تحرير العالم الثالث ونضال الفلسطينيين، يستند تارة إلى فكر الماوية، وتارة أخرى إلى الخطابات الواقعية الاشتراكية السوڤييتية في الإنتاج الأدبي الفلسطيني، ملهَمًا بأفكار الحداثة الأمريكية، بينما يقرأ بتمعن الأدب الصهيوني».[35]

ختم كنفاني مقدمة كتابه «في الأدب الصهيوني» بقوله الواضح إن دراسته هذه أجريت إيمانًا بمبدأ «اعرف عدوك».[36] كانت دراسته نقدًا أدبيًا من النوع الأكثر خطورة، ومن بعد خمس سنوات قتله ذلك العدو نفسه الذي أراد أن يعرف عنه.

لم تخف وطأة حملة العنف الإسرائيلية حتى بعد مرور نصف قرن على اغتيال كنفاني. قامت «إسرائيل» باغتيال عدد لا يحصى من القادة الفلسطينيين، والمثقفين والمقاتلين في السنوات التي تبعت اغتيال غسان، وما زال البعض مستهدفين حتى هذه اللحظة. إن معظم الذين قتلوا كانوا أصحاب شخصيات مبدئية مستقيمة. جمعت تلك الشخصيات، مثل كنفاني، ما بين روح القتال والصرامة الفكرية، خليط لربما تجلى مؤخرًا في شخصية باسل الأعرج، الذي قتل على يد «إسرائيل» في العام 2017.[37]

لا يمكن وصف الثناء الواسع الذي حظيت به روايات غسان وقصصه القصيرة إلا بأنه مستحق. فبأدبه المتجدد والمعقد ومتعدد الأوجه، يعلمنا كنفاني عن القضية الفلسطينية، وعن الصهيونية والضائقة الإنسانية، بطريقة لا مثيل لها. وكما كتب ناهض حتر:

«أحسب أن أحدًا لم يمنح الكتابة ساعات يومه ووهج قلبه وخلاصة عقله، كما فعل كنفاني، متألقًا، متأنقًا، جميلًا، طيبًا، ينبض بصرخات المعذبين والعشاق في آن واحد. فمن المستحيل أن تقرأ كنفاني، ثم لا تفكّر بفلسطين، ولا تفكّر بحريتك الشخصية، وبتحرير بلدك، وتحرير عقلك!».[38]

كانت تطغى كتابات كنفاني الأدبية عادة على التزاماته، ومواقفه وكتاباته السياسية، وفي بعض الأحيان كانت الأخيرة مبهمة عن عمد.[39] تشيع هذه الظاهرة غالبًا في الأنچلوسفير، وذلك ليس فقط لندرة ترجمة دراسات غسان غير الروائية، إنما هو انعكاس لمشاكل بنيوية تطغى على حركة التضامن الغربية مع فلسطين. تعزف هذه الحركة بمعظمها عن التضامن مع حركة المقاومة والتحرير الفلسطينية في كل أشكالها -بما يشمل الكفاح المسلح- وتكتفي بدعم حملة حركة المقاطعة (BDS) ووسائل سلمية أخرى للمقاومة.[40]

فلمسألة الكفاح المسلح مكانة خاصة في الحديث عن كنفاني وإرثه. وكما كتبت الديلي ستار في نعيها، كان كنفاني «المقاتل الذي لم يطلق رصاصة أبدًا»، ولكنه كان مؤمنًا بأن الكفاح المسلح -للفلسطينيين وكل الشعوب المقموعة- شرعي وضروري. لم يقصِ نفسه عن العنف الثوري للجبهة الشعبية أو أي فصائل فلسطينية أخرى خاضت الكفاح المسلح. برفضه «الأخلاقيات البرجوازية»،[41] أصرّ كنفاني باعتزاز على أن للشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل أرضه وكرامته حقًا أخلاقيًا في الكفاح المسلح. آمن كنفاني بأن ذلك «أفضل أشكال الترويج» وأنه رغم «عظمة منظومة البروباغندا الأمريكية» فإن «الأمور تحسم في النهاية» بنضال الشعوب لتحرير ذاتها من خلال الكفاح المسلح.[42]

كان إيمان كنفاني بضرورة الكفاح المسلح عميقًا، وعندما عاد من زيارة لغزة في العام 1966 كتب بأنه يشعر:

«أكثر من أي وقت مضى، كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح، وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه».[43]

للمزيد أدخل الى الرابط :  





https://www.7iber.com/culture/%d8%b9%d9%86-%d8%ba%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%83%d9%86%d9%81%d8%a7%d9%86%d9%8a/?utm_source=yarpp&utm_medium=post&utm_campaign=related


الثلاثاء، 12 سبتمبر 2023

ملاحظات عامة عن القرآن:

 كتب الباحث الحصيف والمفكر العميق الدكتور د. حسين دزيري :

1. النص القرآني يعتمد على الغموض "المقصود"، بداية من الحروف الطلاسمية في أوائل بعض السور، و استعمال ألغاز وتشفيرات، يحار فيها و"يعجز" عن فهمها أصحاب الألباب. تنقصه الدقة في التعبير في وصف الأحداث والقضايا المختلفة. معظم الآيات هي عموميات، أغلبها مبهمة وتقريبية ومعظم الضمائر لا ندري على من تعود إلا ظنا. كما أنه يحتمل تأويلات كثيرة، ظنية غير قاطعة، تستوجب حتما الاختلاف في الفهم، ومِن ثَمّ في التطبيق... نص مقتبس: "يحتوي القرآن على جمل غير كاملة وغير مفهومة بدون تفسير؛ كلمات أجنبية؛ كلمات عربية غير مألوفة؛ وكلمات مستخدمة بمعاني غير مألوفة؛ صفات وأفعال مصرفة بطريقة لا تتفق مع الجنس والعدد؛ ضمائر غير منطقية وغير متفقة مع قواعد اللغة وأحيانا لا تشير إلى شيء؛ والخبر في كثير من الأحيان بعيد عن المبتدأ بسبب متطلبات السجع".
2. كتاب مفكك، أفكاره غيره مرتبة، لا تتبع منطقا واضحا، ومواضيعه متداخلة، فنجد آيات مُقحمة بين أخرى لا توجد علاقة واضحة بينها، كما نجد في نفس الآية انتقال من موضوع إلى آخر بدون فاصلة أو توقف و لا أحد يفهم السر في ذلك، مثلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ...) (المائدة/1)، (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...)(النساء/3). (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج/5). مقتبس: "في كثير من الأحيان، لا توجد أيّة علاقة منطقية على الإطلاق بين المواضيع المختلفة في السور الطويلة. فالقرآن هو كتاب مفكك وغير منتظم. فهو مجموعة من فقرات قصيرة موضوعة في النص بدون أي اعتبار للتسلسل المنطقي أو للموضوع."
3. فيه تكرار كثير حدّ الملل، أحيانا في نفس السورة عِدّة مرات، وأحيانا موزع على المصحف وبنفس العبارات والجمل القصيرة أو الطويلة المتكررة، بحيث لو نزعنا التكرار ما بقي الثلث من المصحف، مثلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة/73) و (التحريم/9) بالضبط، حرفا بحرف. (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (البقرة/49) و (الأعراف/141) ومثلها في (إبراهيم/6). ذكرت "غفور رحيم" 49 مرة، "اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" 35 مرة، " تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" 34 مرة، " فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " 31 مرة، " بكل شيء عليم" 20 مرة، "سميع عليم" 16 مرة، " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ" 12 مرة، "وَمَا اللَّهُ (ربك) بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" 9 مرات، " مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ" 7 مرات، "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مذكر" 4 مرات، تكرار القصص و خاصة قصة موسى، الخ.
4. الأسلوب العام والغالب المتبع للإقناع بصدق الرسالة هو التخويف من "عدم تصديقها" وتكذيبها، بالعذاب الدنيوي و الأخروي و الخلود في النار. أما الدعوة إلى التدبر في الخلق، فكل ما ذكر هي أمور ظاهرة لكل الناس، ثم تُنسب إلى الله: هو الذي سخر لكم ما في السماوات و الأرض، هو الذي أنزل من السماء ماء، هو من يمسك الطيور في السماء، هو الذي خلق كذا وكذا، الخ.
5. المتأمل لمجموع النص القرآني يجد فيه تأثير البيئة الصحراوية عليه بشكل ملحوظ. طبعا المدافعون يقولون، أنه نزل على قوم وسط بيئتهم، فلابد من مخاطبتهم بما يعرفون، و لكن القرآن مرسل إلى كل البشر في كل أنحاء الأرض و في كل العصور. فنجد فيه و بكثرة، الحديث عن عادات و تقاليد ومفاهيم محلية (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا) (النحل/80)، )حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) (الرحمن/72)، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) (النجم/14)، (السدرة شجرة شوك بالصحراء تعطي النبق)، و طقس محلي (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (الواقعة/30) ، (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا =عيدان تدق في الأرض لتثبيت الخيام) (النبأ/7)، و حيوانات محلية (الإبل). فمثلا، حيوان الرنة (الآيل) أو اللاما الموجودان في الشمال هما يشبهان الأنعام لكنهما غير مذكورين من بينهم. و صعوبة العمل بأوقات الصلاة و الصيام في مناطق قريبة من القطبين، الخ.
6. القرآن (مُحدث)، جاء مرتبطا بأحداث يتفاعل معها ويعالجها عند حدوثها. حتى أنه يلجأ إلى النسخ و التبديل والتعديل والتصحيح، حسب تفاعل الناس، كما تدل عليه روايات أسباب النزول المختلفة. ولولا تلك الروايات، لما فهم المفسرون معظمه. نجد مثلا، حديث في البخاري ومسلم يروي أن الآية نزلت في أول الأمر بدون "غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ" ثم غيٌرها الرسول استجابة لابن أم مكتوم الأعمى؟؟؟ عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي (ص) حين نزلت عليه "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" ولم يذكر أولى الضرر، فقال ابن أم مكتوم: كيف وأنا أعمى لا أبصر، قال زيد: فتغشى النبي في مجلسه الوحي، فاتكأ على فخذي، فو الذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها، ثم سرى عنه فقال: اكتب "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر" فكتبتها. كذلك تبرير زواج الرسول من زوجة دعيه زيد، تبرير قطع نخل بني النضير و هم محاصرون في حصونهم، و إعلان خصومات مع أشخاص معينين (أبو لهب، أبو جهل، الوليد بن المغيرة، العاص بن وائل، ابن أبي سلول...)، الخ.
7. هناك فضاءات واسعة خصصها القرآن لقضايا لا تهم الإنسان اليوم، و تلاوتها في القرآن لا تفيد شيئا و لا حتى أي عِبر منها، مثلا: كثرة تكرار وتفصيل قصة موسى مع فرعون، بقرة بني إسرائيل، عدد أصحاب الكهف، الخصومات الشخصية للرسول، سبع آيات عن "النجوى" ثم تنسخ، كل ما قيل أنه منسوخ و باق في المصحف... الخ. كان الأولى الكلام عن قضايا أهم، كتربية و حقوق الأطفال، الحرية و حقوق الإنسان، الترغيب في العمل الدنيوي وطلب العلم الدنيوي و البناء والصناعة، بعض مبادئ نظام الحكم (السياسة) الذي تخبط فيه المسلمون منذ وفاة الرسول إلى اليوم، و سالت بسببه دماء الصحابة و من جاء بعدهم، الخ.
8. إضافة إلى الكثير من التناقضات مع العلم و الواقع والمنطق السليم، --------------------------------------------
قال في سورة النمل ان الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم اعمالهم
وتاني في نفس السورة قال و زين لهم الشيطان اعمالهم

الاثنين، 5 يونيو 2023

العلمانية والإباحية


( الـعَلمانية .. و الأباحية ) ..!
من ضمن وسائل مُحاربة المنهج الـعَلماني التي أشاعها و يردّدها باستمرار مُعارضوها ، و يحاولون ترسيخها في أذهان الناس .. هي أن العلمانية ( تدعوا ) للأنحلال الخُلـقي و الأباحية ..! و يستشهدون بذلك في ملابس النساء في الدول العلمانية أو أن النساء معروضات في ( الـفترينات ) لغرض الجنس ..؟؟
وهم بهذا يلعبون على وتر حسّاس عند العقل الأسلامي / المُجتمعي ، وهو موضوع ( الـشرف و الغيرة ) ..! و يبدوا لي أن هذا هو الـوتر الأخير الذي يعزفون عليه نغماتهم النشاز ..! أذ لم يتبّـق من ( مثالب ) يأخذونها على العلمانية سوى اللعب على هذا الوتر ..!
---
أقول هنا : الدولة العلمانية أو المنهج العلماني في أدارة الدولة يفصل بين العام و الخاص في شؤون الناس أو المواطنين .. بمعنى أن الدولة تأخذ على مسؤوليتها ومن واجباتها ، أدارة الشأن العام للمواطن .. كالأمن و الخدمات و الدفاع و التعليم و الصحة و الرعاية الأجتماعية و الكهرباء و الطرق و تنظيم المرور .. ألخ و تنظّم كل ذلك بقوانين و تشريعات تُلـزِم جميع المواطنين بها دون تمييز ..! و تترك الشأن الخاص للمواطن هو مَن يٌـقرّر و يختار شؤونه الخاصة مثل اللبس و الزّي و الأكل و الشرب و السفر و أختيار السكن و المهنة و التخصّص و النشاط الأجتماعي و العلمي و العلاقات الأجتماعية ، و الديانة و الطائفة و طقوس و متطلبات هذه الديانة و الطائفة ، و حرية الأعتقاد و الفكر و حرية اللا تديّن و الألحاد ..! بشرط أساسي أن لا تتعارض كل عناوين الشأن الخاص مع قوانين و تعليمات الشأن العام ..! لأن الشأن العام مُلك للجميع ، و الشأن الخاص مُـلك للمواطن ..! من هنا نرى في الدول العلمانية مَن تعمل رائدة فضاء و مَن تعمل عاهرة ..! و نرى مَن تلبس حجاب و جُبـّـة و مَن تلبس تنورة قصيرة أو شورت في الشارع ..! و مَن هي مؤمنة بدين معيّن و مَن هي مُلحدة ..! لأن هذا يدخل في نطاق اختيارها و حريتها الـشخصية .. و ليس شيئاً تفرضـهُ الدولة العلمانية أو تطلبهُ من المواطنين أو تُـلزِم أحد بأن يمتهن المهنة الفلانية أو يلبس اللبس الـفلاني .. كما يروّج مُعارضي الـعَلمانية ..!
مع ملاحظة هامة ان كل تفاصيل الحرّيات و الشأن الخاص يجب أن لا تتقاطع أو تتعارض مع الذوق العام و الآداب العامة التي صاغها المجتمع و الناس لحياتهم وفق منظورهم و قناعاتهم .. أي أنك لا ترى مثلاً في الدول العلمانية امرأة تمشي عارية تماماً في الشارع .. و ستجد مباشرة أن الشرطة ستأخذها أو تحجزها ، لأن سلوكها هذا خارج الآداب العامة أو السلوك المُتعارف عليه مجتمعياً في هذه الدولة أو تلك ..! و لذلك نجد الأختلافات في العديد من التفاصيل بين علمانية أمريكا و علمانية السويد مثلاً .. أو علمانية فرنسا و علمانية تركيا ..! تبعاً للأختلافات المجتمعيّة و الـقيميّـة بينهم ..!!
و عليه لا يتصوّر أحد أن المنهج العلماني في دولنا كالعراق مثلاً سيكون نسخة مُستـنسخة عن النموذج الكوري أو الدانماركي أو البريطاني ..! بل المجتمع العراقي و الناس و الأعراف ، سيضعون ملامح الآداب العامة و أشتراطات الذوق العام و القيَم الأخلاقيـة التي يرونها مناسبة لهم ، دون أن يكون هناك أي تعارض مع المنهج العلماني في أدارة الدولة والمجتمع ..!!
--------------------------------------

الخميس، 4 مايو 2023

في ذكرى رحيل المعلّم .. إميل حبيبي


[ محمود درويش في تأبينه لمعلمه / معلّمنا إميل حبيبي -
كتب هذا النص الاستثنائي بعد يومين لم ينم فيهما إلا سويعات بعد ساعات طويلة من الإرهاق - دخول البلاد بعد ٢٦ عاماً من الغياب القسري، قادماً من عمان / الأردن فرام الله / فلسطين. سأروي التفاصيل التي أكتبها لأول مرة - في مكان آخر ]
{{ أيها الساحر الساخر من كل شيء }}
أيها الساحر الساخر من كل شيء !
الآن وأنت مسجّى على صوتك، ونحن من حولك رجوع الصدى من أقاصيك إليك.
الآن لا نأخذك إلى أي منفى، ولا تأخذنا إلى أي وطن. ففي هذه الأرض من المعاني والجروح ما يجعل الإنسان قدّيسًا منذ لحظة الولادة، وشهيدًا حياً من الوريد إلى الوريد.
كان لي موعد معك، هنا في ناصرة البشارة والإشارة، فانتعلتُ قلبي وحملت هواجسي في يدي : هل أصل هذه المرّة إلى جنة الجحيم هذه؟! أم سيعلّمني السراب ثانية أن للأرض أرضًا أُخرى قريبة منها وبعيدة؟ ولم تكن أنت ذريعة للنداء، كنت العناق البعيد. أما كان في وسعي أن أجد الاثنين؛ دليلي وسبيلي؟! أم أن المصائر اعتادت على لعبة الحضور والغياب! على إيقاظ القلب من سكرته: لا تحلم بما لا تستحق. فليس هذا اللقاء سوى وداع.
من يودّع من، أيها الساحر الساخر من كلّ شيء؟
ومن وقفتي هذه بالذات! فهاأنذا أراك تغمز المشهد بنظرتك الشقية، لا لشيء إلاّ لأنك تعرف نفسك وتعرفنا واحدًا واحدًا منذ أقدم الفاتحين حتى آخر العائدين. وتعرف أن الذات، لا الموضوع، هي ما يجعل المرء يركض من المهد إلى اللحد بحثًا عن ذاته التي لا تجد ذاتها إلاّ إذا امتلأت بخارجها. وكم كابدتَ في هذه المرحلة. كم كابدت كي تجد الأدب هناك في تلك المنطقة المتوتّرة من السؤال، فكنت كما تريد أن تكون وكما لا تريد؛ وحيدًا في زحامك ومزدحمًا في وحدتك. ولكن حدود الكون كانت واضحة فيك من غير سوء. هنا على هذه الأرض القديمة الصغيرة يجري الحوار بين الواقعي والخرافي، بين الزمني والروحي، بين النسبي والمطلق، بين الزائل والدائم، بين الحق والباطل، بين الحرب والسلام. وهنا.. هنا البداية وهنا النهاية.
باقٍ في حيفا، حيّاً وحيّا !
باق في حيفا هو الاسم الذي سّميتَ به اسمك. لا لتميّز بين صعود الجبل وهبوط الجبل، ولا كي تحدّد الفارق بين الباقي وبين منفى هويّته، وبين العائد إلى هوية منفاه. بل لتفعل فعلتك الخاصة بالأسفار، ولتحفر فوق المخطوطات ما لست في حاجة إلى تأكيده إلاّ لمواجهة زمن طال فيه الشك شرعيةَ الأمّ. حين صار في وسع القوة الواثقة من امتلاك الحاضر أن تضع الماضي على طاولة التساؤل لتملي عليك روايتها: حجرًا في مواجهة بشر.
لم يرتكب شعبك من خطيئة سوى اسم هذه الهوية الذي تحفره في قطعة من رخام وفي الذاكرة الجماعية.
باقٍ حيث ولد في المكان الذي واصل فيه سليقة العلاقة العضوية المستمرّة، وبلا قطيعة، بين الأرض وتاريخها ولغتها. وتابع فيه الإصغاء المرهف بخشوع ومحبة إلى كلام السماء إلى الأرض. ليعيش حياته البسيطة قنوعًا بحصّته من الماء والهواء والضوء وتبدّل الفصول والغزوات. لتصبح الأرض التي غابت عنها طبيعتها أرض التعددية والتسامح والسلام.
لقد شاءت طبيعة التطور التاريخي في تقاطع المصائر الإنسانية أن تجعل هذه الأرض المقدّسة بلدًا لشعبين، بعدما تعرّض شعبها الفلسطيني إلى المصير التراجيدي المعاصر وبذل تضحيات تفوق طاقة البشر لتثبيت هويته الوطنية وحقه في الاستقلال. وكنت أنت منذ البداية وحتى هذه اللحظة أحد المنابر المتحرّكة الأقوى والأعلى، الداعية إلى سلام الشعوب بحقّ الشعوب. السلام القائم على العدل والمساواة ونفي احتكار الله والأرض، للوصول إلى المصالحة التاريخية الحقيقية بين الشعبين، مع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
والآن وأنت مسجّى على هذا المفترق، على لون هذا الغسق الداكن مدّىً بالأمل وبخيبة الأمل، باليقين وبالشك معًا، فإن أكثر من جيل واحد من الباقين هنا يعبّر عن دَينه لك، للطريقة التي حلّلت بها جدليّة التوتّر الوجودي والثقافي بين الجنسية والهوية، بطريقة وحيدة هي البقاء والدفاع عن حقهم في المساواة، وإمداد عناصر الهوية بمكوناتها الثقافية الوطنية والقومية التي لا وجود لهم بدونها.
فطوبى لك أيها المعلم الذي جعل الحنين فاكهة، وسيّج الحيرة بزهرة القندول.
كم أنت يا حبيبي، كم فيك من تناقض هو أحد مرايا تناقضاتنا التي تكسر اللغة من فرط نزوع المأساة إلى ارتداء قناع الملهاة. في كل واحد منّا واحد منك ونحن جميعًا فيك. وفي كل لحظة من زماننا أكثر من تاريخ يتبدّل قبل أن يمنحنا فرصة للتكيف أو فرصة للتذكر. تاريخ ينقضّ علينا كقطار عشوائي، فماذا تفعل في انتحار الرحمة؟ لم تكن السخرية خيارك الأدبي بقدْر ما كانت حجّتك في وجه هذا العبث، وطريقة في اختيار برج للرصْد ونقطة للوقوف على قدم المساواة مع الخصم ومع القدَر معًا.
إذا كنا نلعب، فتلك شروط اللعبة، لسانًا بلسان، لا طائرة ضدّ طائر. وفي هذه المنطقة أيضًا يتبطّن المعنى معنىً ثانيًا، ويلجأ الفرد إلى ذاته ساخرًا من عبء رسالتها فيخفّ الحمل الثقيل من أجل الانتقال إلى حمل أثقل في صحراء الإيقاع الذي لا يتوتّر إلاّ لينسجم السياسي والأدبي.
لا، لن تستطيع العودة إلى الوراء لإجراء التعديل المبتغى على مصيرك. تلك كانت حسرتك الأخيرة أن تتخلّى عن السياسة منذ البداية لتكون أديبًا منذ البداية. فأنت من أنت؟ ابن شرطك التاريخي وابن ذاتك. وليس من شيم هذه البلاد أن ترحم أبناءها ليكونوا عاديّين كسائر البشر. وليس من شيمها أيضًا أن تأذن للضحية بلوم نفسها.
وفيك من المساحات والأصوات، فيك من تقاطع الطرق وحوادثها، فيك من البطل والضحية والشاهد، فيك من الأنا والجماعة والآخر، ما كان يُعجز الفرد فيك عن أن يكون الراوية، لأنك أنت أنت الرواية المفتوحة على الجهات كلّها والمفارقات كلّها ما عدا سؤالاً واحدًا: هل انتصار الإطار هو هزيمة المعنى؟ وهل هزيمة الأداة هي موت الفكرة؟
والآن وأنت مسجّىً على فكرتك ذات الأقانيم الثلاثة؛ الحرية والعدل والسلام، فإن شعبك بأسره، شعبك العربي وأشقاءه من آخر الصحراء حتى آخر البحر، وأصدقاءه الأوفياء، أصدقاءك، من قوى السلام في هذه البلاد وفي العالم، يزدادون وفاءً لفكرتك فتلك هي وصية الحُرّ للحُرّ، وتلك هي هوية وجودنا الإنساني المشترك على أرض المعاني الإنسانية العريقة والتعددية الثقافية والدينية والقومية؛ أرض السلام العطشى إلى السلام.
فانهض معنا يا أبا سلام لنمضي قليلاً معك وإليك، إلى هناك، إلى حيث تريد أن تنام حارسًا دائمًا لتلفّت القلب إلى حيفا. واغفر لنا يا معلّمنا ما صنعتَ بنا وبنفسك. اغفر لنا أننا سنعود بعد قليل إلى أنفسنا ناقصين.
(حيفا، كتبها فجر ٣ أيار ١٩٩٦ ثم ألقاها ظهيرة اليوم نفسه أمام جثمانه في الناصرة .. ومن هناك ليدفن في مسقط رأسه والمدينة التي أحب وكان وما زال مؤرخها الأدبي).
في الصور :
- إميل حبيبي ومحمود درويش المشاكس في براغ / تشيكوسلوفاكيا في الثمانينات، بعدسة مترجم محمود درويش إلى اللغة التشيكية - برهان عيسى - وبالمناسبة هو شقيق الش@هيد عز الدين القلق.
- إميل حبيبي ومحمود درويش الشاب وثالثهما المؤرخ إميل توما - على منصة مؤتمر الحزب الشيوعي عام ١٩٦٥ - حيث ترعرع محمود درويش بين عظماء شعبنا معززاً مكرماً كما استحق منذ ذلك الزمن.
(سيتبع)
سهام داوود
[حيفا]
الإثنين، ١ أيار / مايو ٢٠١٣

الأحد، 16 أبريل 2023

تدريس الفيزياء يعمل على تشكيل النظرة المادية الدياليكتيكية الى العالم عند أطفال المدارس


تأليف يوري ايفغينيفيتش ديوراسيفيتش*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

من أهم أهداف مدارس البولتيكنيك للتعليم العام هو التنشئة الشيوعية للتلاميذ. ان تشكيل نظرة مادية دياليكتيكية الى العالم، له أهمية كبيرة جداً.
ان تدريس الفيزياء يقدّم لنا فرصةً واسعةً لتحقيق هذا الهدف.
يُشكّل مُحتوى مناهج الفيزياء دليلاً قاطعاً على طبيعة العالم المادية، ووجود العلاقات السببية بين ظواهر الطبيعة. تتأسس المفاهيم المادية بشكلٍ تدريجي كلما دَرَسَ المرء الظواهر الميكانيكية والحرارية والكهرومغناطيسية وغيرها من الظواهر.
تتوفر فُرَص هائلة لتشكيل قناعات التلاميذ المادية ليس فقط من خلال دراسة مسائل الفيزياء المُعاصرة وحسب (قابلية تحول الجُسيمات الى بعضها البعض، والعلاقة بين الكُتلة والطاقة، وما الى ذلك)، ولكن أيضاً من خلال دراسة مثل هذه المسائل في الفيزياء الكلاسيكية كالتفاعل الميكانيكي للأجسام، وقانون حفظ الطاقة، والتغيرات في حالات تجمّع المادة، وما الى ذلك. يُمكن لعملية تدريس الفيزياء المُنتظمة بشكلٍ صحيح أن تُساعد بنشاط على تشكيل نظرة شيوعية الى العالم لدى الطُلّاب.
يجب الاستفادة القُصوى من امكانيات مُقرر الفيزياء في تشكيل نظرة علمية الى العالم لدى الطلاب. ولدن فعل ذلك، لا يجب أن يتم تعليم هذا العمل في مراحله الأولى خصوصاً على شكل تلقين ميكانيكي للمعلومات. يلزم التفريق بين مُحتواه، وأشكاله التنظيمية ومناهجه. على سبيل المثال، نحن نعلم أن مستوى تطور طُلاب الصف السادس لا يسمح بإجراء تحليل عميق لميكانيزمات الظواهر أو وضع تعميمات واسعة. ومع ذلك، لا يترتب على ذلك أنه يجب على دروس فيزياء الصف السادس أن تقتصر على دراسة الحقائق دون تحليل وتعميم. يجب أن يُؤخذ عامل عُمر الطُلّاب في الاعتبار عند اختيار الحقائق المُراد تحليلها ومدى عُمق تحليلها ودرجة تعميمها، وفي اختيار الأشكال والمنهجيات المُناسبة للتحقق العملي من الاستنتاجات التي تم التوصل اليها.
يُمكن تحديد ثلاثة مراحل في مهمة تعميم معارف الطلاب بالفيزياء(1).
هكذا، يجب على المعلم عند تدريسه للصف التاسع حول الحركة الدائرية المُنتظمة، وتحولات الحركة، والافتراضات الأساسية لنظرية الحركة الجُزيئية للمادة، أن يُعدّ الطُلّاب لتعميمات مُعينة ويُعرفهم بمُصطلحات جديدة.
الهدف من المرحلة الثانية من المهمة، هو تعميق تصورات الطلاب فيما يتعلق بجوهر الظواهر الفيزيائية المادي وطبيعتها الدياليكتيكية، وطرح مفاهيم وتعميمات فلسفية مُعينة. على سبيل المثال، يجب على المُعلّم عند تدريسه الطلاب لقانون حفظ الطاقة وتحولها، أن يُشير الى العلاقة بين الحركتين الميكانيكية والحرارية. ويجب التركيز على عالمية وشمولية هذا القانون، وعلى حقيقة أن تحوّل شكل من أشكال الحركة الى شكلٍ آخر لا يُعني أنه من المُمكن اختزال التنوع الواسع لهذه الأشكال الى شكلٍ واحد، مثل الحركة الميكانيكية.
في المرحلة الثالثة، يجب الكشف عن الطابع العالمي للتعميمات التي تم اجراؤها، وكذلك أهميتها العلمية والعملية. يُمكن تحقيق ذلك بمُساعدة مُراجعة أو مناقشة الفصول الفرعية للمُقرر في الفيزياء (قوانين الميكانيكيا، خصائص الغازات والأبخرة، الظواهر الحرارية، الخ). يُمكن، على سبيل المثال، عند مُناقشة قوانين الغازات، أن يتم لفت الانتباه الى طابعها النسبي (لا تنطبق سوى على الغازات)، واستخدام هذا الأمر لتوضيح حدود تطبيق قوانين مُعينة على الواقع المادي، تبعاً لطبيعة تلك المادة.
يُمكن العثور على عدد من التوصيات المُفيدة فيما يتعلق بالعمل الذي يتعين القيام به في تشكيل نظرة الطلاب العلمية الى العالم في الأدبيات المُتعلقة بالمناهج(2).
لكن لم تُسلّط هذه الأدبيات الضوء على عددٍ من المسائل، المهمة للغاية، برأينا. مثلاً، لم تُحدد هذه الأدبيات نطاق المسائل الفلسفية التي يجب بحثها عند دراسة الفيزياء في المدرسة.
يُمكننا، على أساس تحليل مُقرر الفيزياء وفي خبرتنا في تدريس هذه المادة في مدرسة لينين Gorki Leninskie Moskovskoi obl، أن نوصي بقائمة الموضوعات التالية التي تُعالح النظرة الى العالم والتي يجب أخذها في الاعتبار عند تدريس الصف السادس (الصياغات التالية، موجهة الى المُعلّم).

1- الظواهر الفيزيائية والقيَم الفيزيائية وقياسها
الظواهر الفيزيائية حقيقية. الظواهر الخارقة للطبيعة غير موجودة. هناك علاقات سببية بين الظواهر. تُعبّر القوانين الفيزيائية عن الخصائص العامة لعلاقات الظواهر. القوانين الفيزيائية لا يصنعها الانسان، بل يكتشفها فقط. ان معرفة قوانين الطبيعة تجعل من المُمكن استتخدام هذه القوانين لمصلحة الانسان. يُنكر الدين امكانية معرفة الطبيعة، ولكنه هو نفسه يستخدم العلم لتضليل الناس. لا يُمكن التوفيق بين العلم والدين. يُمكّننا العلم من معرفة الظواهر التي لا يُمكن يُمكن الشعور بها بالمُلاحظة والتجربة المُباشرتين.

2- خصائص المواد الصلبة والسائلة والغازية
يتميز كل جسم مادي بالعديد من الخصائص. تعتمد مُقارنة خصائص المواد على الظروف. قد يؤدي تغيّر الظروف الى تغير كبير في خصائص الأجسام. تدرس الفيزياء الخصائص الفيزيائية للأجسام في ظروفٍ مُختلفة. ان كل الظواهر في الطبيعة يُمكن التوصل الى معرفتها. يتقدم العلم على أساس وحدة النظرية والمُمارسة. ان دراسة العلاقات المُتبادلة بين الظواهر تجعل امكانية التنبؤ بالظواهر قائمة. لا يوجد أي شيء مُشترك بين التنبؤات العلمية ونبؤات الناس المؤمنين بالخرافات المبنية على الاستنتاجات الخاطئة أو العرَضية. يوظّف الانسان المُكتشفات العلمية لتطوير التكنولوجيا. تخدم المُكتشفات العلمية في الدول الرأسمالية مصالح الرأسماليين وتُستخدَم للتحضير لشن حربٍ جديدة. العلم في الدول الاشتراكية يخدم قضية السلام وتطوير التكنولوجيا وتحسين ظروف جميع العمال المعيشية.

3- البيانات الأساسية حول بُنية المادة
الحركة، خاصية مُلازمة لجميع الأجسام. توجد أشكال مُختلفة من الحركة. المواد التي تتكون منها الأجسام ليست واحدة، بل مُتمايزة. يؤكّد اكتشاف جُزيئات الذرات ودراسة قوانين حركتها الاحتمالات اللامحدودة أمام الانسان لمعرفة الطبيعة. لقد قدّم علماء بلادنا مُساهمةً هائلةً في معرفة بُنية المادة.

4- ظاهرة الحرارة
قد تشترك عدد من الخصائص بين مجموعةٍ من الأجسام، أو قد تخص أجساماً مُحددة (تُميز أجساماً مُعينة وتغيب في أجسامٍ أُخرى). يجب دراسة الظواهر ليس فقط من حيث حالتها النوعية، ولكن أيضاً في حالتها الكمية. التغيرات النوعية والكمية مُترابطة بشكلٍ لا ينفصم.

وهكذا، يفترض إقامة فهم مادي دياليكتيكي في وعي طُلّاب الصف السادس، دراسة الأُطروحات الأساسية التالية في مقررات الفيزياء: الوجود الموضوعي للظاهرة الفيزيائية. الطبيعة المادية للعالم. حقيقة أن الحركة هي خاصة مُلازمة لأي مادة. الطبيعة الموضوعية لقوانين الفيزياء. امكانية معرفة كُل الطبيعة. الدور الرجعي للكنيسة وتأثيرها المُعيق على تطور العلم وانتشار المعرفة. أهمية العلم لتطوّر قُوى المُجتمع المُنتجة.
دعونا نُوظّف مو ضوع "الاهتزازات والأمواج الكهرومغناطيسية" في مقرر الفيزياء للصف الحادي عشر لتوضيح طبيعة المسائل الموجودة في تشكيل نظرة مادية دياليكتيكية الى العالم عند طلاب الصفوف العُليا.
يشهد تحوّل الطاقة في دائرة مُتذبذبة oscillating circuit (أ) على الوحدة المادية للمجالات الكهربائية والكهرومغناطيسية. يؤكد صلاحية قانون حفظ الطاقة وتحولاتها في العمليات الكهرومغناطيسية على طبيعته العالمية. ان لدى المجال الكهرومغناطيسي، باعتباره أحد أشكال وجود المادة، قواسم مُشتركة كثيرة مع المادة العالمية، وهو في نفس الوقت يختلف عنها: الحركة هي خاصية لا تنفصم عن المجال والمادة. المجال يحوز على طاقة وكُتلة وزخم مثله مثل المادة. وهو (المجال) يحوز على خصائص مُنفصلة أيضاً. يشترك المجال الكهرومغناطيسي مع طبيعة الموجات في نفس الوقت: تترابط الخصائص الموجية والكمية للحقل الكهرومغناطيسي بشكلٍ لا ينفصم، وهذا يعكس وحدة الخصائص المُنفصلة والمُستمرة للمادة (وحدة الأضداد). وبتميزه عن المادة، يتميز المجال بغياب التحدد الدقيق للحجم والمكان. يُغيّر المجال حالة المادة، وتؤثر المادة بدورها على المجال. تخضع كل الخصائص في المجال والمادة الى قوانين حفظ الكُتلة والطاقة والشُحنة وكمية الحركة. تشهد صحة قانون حفظ الطاقة على المجال، على وحدة الطبيعة المادية للمجال والمادة. يُعد اكتشاف المجال الكهرومغناطيسي والأمواج وخصائصها، مثالاً واضحاً على وحدة النظرية والمُمارسة في معرفة طبيعة التنبؤ العلمي ودوره الهائل. يُعد تقدم الهندسة الراديوية مثالاً رائعاً على تأثير احتياجات المُجتمع البشري على تطور العلوم. ان محدودية أعضاء الحس البشري في ادراك ظواهر العالم المُحيط، لا تعني أن هناك حدوداً لقدرات الانسان المعرفية.
الممارسة لا تتضمن التجارب العلمية وحسب، ولكن نشاط الانسان الاجتماعي والانتاجي والتكنولوجي أيضاً.
ان تكوين قناعاتٍ مادية عند الطلاب، لا يحدث في دروس الصف وحسب، بل ويحدث أيضاً في عملية نشاط العمل. ان النشاط الذي يُقرّب الطلاب أكثر الى حياة الناس ويجعل فهمه للدور الابداعي للعمل الجسدي والعقلي أعمق، هذا النشاط فقط هو الذي يُمكن أن نسميه نشاطاً ذو قيمةٍ تعليميةٍ حقيقية.
يقول نيكيتا خروتشيف في مؤتمر معلمي عُموم روسيا: "ان عمل Labor الطلاب ليس مهماً بحد ذاته، لاتكمن أهميته فيما يُنتجه وحسب. الأهم من ذلك هو الاستخدام الصحيح والشامل لدروس العمل لغرس حُب العمل في نفوس الشباب من أجل الخير العام وصالحه".
ان غرس حُب العمل والموقف الشيوعي تجاهه يفترض مُسبقاً تنظيم عملية تعليم الطلاب وعملهم بحيث يظهر الجانب الواعي لهذا النشاط في المُقدمة. هذا ما تؤكده خبره المُعلمين الأكثر خبرةً.
يكتب المُعلم والتربوي السوفييتي فاسيلي اليكساندروفيتش سوخوملينسكي Vasily Alexandrovich Sukhomlinsky (مدرسة بافليتش Pavlysh School في أوكرانيا الاشتراكية) في كتابه (تعليم الموقف الشيوعي تجاه العمل): "كلما ازدادت قناعة الطلاب أن العمل البدني... قائم على قانونٍ اكتشفه العلم، وهو فهم يجعل من المُمكن للانسان أداء العمل العقلي والبدني في وقتٍ واحد، لكما ازدادت جاذبية هذا العمل البدني".
تحدّثَ أ. سيدوف، وهو مُدرّس في مدرسة موسكو رقم 18، في مؤتمر عموم روسيا للمعلمين حول الدور التربوي للتدريب على الانتاج. يؤسس التدريب على الانتاج وحدةً وثيقةً بين المدرسة والمصنع. صار المصنع موطناً لطلاب الصفوف العُليا ومُعلميهم. هنا لا تتشكل معارف وقدرات الطلاب فقط، بل وتتشكل أيضاً خصائصهم الأخلاقية: الحزم والتصميم وعدم الخوف من الصعوبات.
ان توضيح المُنجزات العلمية والتكنيكية في الدروس بشكلٍ مفهومٍ للتلاميذ، والكشف عن أهمية علم الفيزياء في خلق القاعدة المادية التكنيكية للشيوعية، واظهار الطبيعة البطولية لعمل العُلماء والمهندسين والمزارعين السوفييت، يُساهم في التنشئة الشيوعية للطلاب. من المهم جداً أن يطرح مُدرّس الفيزياء في دروسه أمثلةً واضحةً عن حب العمل الموقف الشيوعي منه من خلال ذكر أعمال العمال والمهندسين في المصنع أو المؤسسة التي يتدربون فيها. تؤثر لقاءات الطلاب مع أفضل عمال الصناعة والزراعة وأعضاء فِرَق العمل الشيوعية في المصانع، تأثيراً كبيراً عليهم.
من المُهم أن نُظهِر للطلاب دور الاتحاد السوفييتي الريادي في غزو الفضاء، وهو الدور المُعترف به عالمياً، وبناءه لأول كاسحة جليد ذرية في العالم (لينين)، وبناء محطات ذرية هائلة هو كله، نتيجةً لتقدم الفيزياء في بلادنا ونتيجةً لتضحية الشعب السوفييتي وعمله الخلّاق. يُعتَبَر ادراك الطلاب للأهمية العلمية الهائلة للفيزياء في بناء الشيوعية أمراً مُهماً حتى يتمكن الطلاب من اتخاذ موقفٍ واعٍ تجاه دروسهم. بالاضافة الى ذلك، تكتسب الدروس طبيعةً هادفة، وتُصبح، في ظل هذه الظروف، عملاً ذهنياً ، وتكتسب قيمةً تعليميةً جديدةً نوعياً.
تحتل القراءة خارج المنهاج الدراسي أهميةً كبيرةً في تعلّم الفيزياء. يفترض تنظيم القراءة الخارجية اجراء مُناقشات دورية حول الكُتب والمجلات والصحف التي يقرأها التلاميذ. هذا النقاش هو أحد أشكال التعلّم واكتساب المعارف الوثيقة، وشكلاً من أشكال غرس الروح الوطنية السوفييتية والأُممية، والموقف الشيوعي تجاه العمل.

* يوري ايفغينيفيتش ديوراسيفيتش 1908-1992 تربوي ماركسي سوفييتي، دَرَسَ في كُلية التربية التابعة لجامعة موسكو الحكومية، ودرّسَ هُناك منذ عام 1972-1983. تخرّجَ عدد كبير من علماء التربية والنفس السوفييت على يده. لدى ديوراسيفيتش أبحاث تربوية وسيكولوجية كثيرة، منها: (التعليم في الريف-من الخبرة الحالية للمدارس) 1962، (تشكيل النظرة المادية الدياليكتيكية الى العالم عند أطفال المدارس) 1971، (تشكيل النظرة الالحادية الى العالم عند أطفال المدراس) 1983. تُرجِمَت مقالاته وأبحاثه الى اللغتين الألمانية والتشيكية، ونُشِرَت في تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية وألمانيا الديمقراطية.

1- G. I. Gavrina, Raskrytie Dialektikomaterialisticheskogo Kharakteva Fizicheskikh Iavlenii v Kurse 9-go Klassa Srednei Shkoly, Stalingradskii IUU, 1959
2- V. K. Gladkikh, “Materialisticheskoe Vospitanie na Urokakh Fiziki,” Compendium Nauchnoateisticheskoe Vospitanie v Shkole, edited by N. V. Skvortsova, Gorky, 1958 S. S. El’manovich, -Nauchno- ateisticheskoe Vospitanie na Urokakh Fiziki, Uchpedgiz, Moscow, 1959.
أ- الدائرة المُتذبذبة، هي الدائرة الالكترونية، التي يتم فيها تحوّل التيار من مُستمر DC الى مُتناوب AC. تستخدم هذه الدائرة ملف ومكثف مشحون بالكامل في مكوناتها، حيث يبدأ المكثف في التفريغ عبر الملف، ممّا يؤدي إلى تحويل طاقته الكهربائية إلى مجالٍ كهرومغناطيسي والذي يمكن تخزينه في الملف، وبمجرد تفريغ المكثف تماماً فلن يكون هناك تدفق تيار في الدائرة.

ترجمة لمقالة:
Iu. E. Durasevich (1961) Forming the Dialectical Materialist World Outlook of Students, Soviet Education, 4:1, 28-31


الأحد، 19 فبراير 2023

حكومة اشتيه: حكومة دولة أم حكومة سلطة حكم ذاتي؟


تحديات والتباسات كثيرة تُحيط بالحكومة الفلسطينية الراهنة- حكومة اشتيه- من حيث مرجعيتها ووظيفتها وحدود صلاحياتها ومناطق نفوذها ومسماها.

 إن كان المجلس المركزي في دورته في أكتوبر 2018 قرر اعتماد مسمى رئيس الدولة بدلا من ريس السلطة كما قرر الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة فهل هذا ينطبق على الحكومة بحيث يجوز تسميتها بحكومة الدولة الفلسطينية؟ وهل تستطيع ممارسة عملها في علاقاتها مع الكيان الصهيوني وعلاقاتها الخارجية تحت هذا المسمى؟ وما علاقتها وحدود التزامها باتفاقية أوسلو؟ هل هي حكومة سياسية أم حكومة تكنوقراط؟ وهل يمكن أن تكون حكومة تكنوقراط في الحالة الفلسطينية؟ وما سر الصمت الذي يكتنف عمل حكومة اشتيه؟ 

منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 وتشكيل أول حكومة برئاسة ياسر عرفات إلى الآن -حكومة محمد اشتية- تعاقبت 18 حكومة، وخلال هذه الفترة نلاحظ تراجعاً متدرجاً في الدور السياسي المباشر للحكومة وتحول من السياسة إلى التكنوقراط مع تقليص مناطق النفوذ والسيطرة وتراجع في المهام والخدمات، بل وصل الأمر إلى تهديدات أو تلويح بحل السلطة وإنهائها مما يعنى نهاية عمل الحكومة، تارة من القيادة الفلسطينية نفسها كرد على الممارسات الصهيونية وتقاعس المنتظم الدولي في دعم السلطة وحكومتها وتارة أخرى من دولة الاحتلال التي ترى أن السلطة / الحكومة لا تقوم بما يجب في الجانب الأمني وتمارس التحريض على العنف من خلال صرفها مخصصات لأسر الشهداء والأسرى. 

قبل الاستطراد ننوه أن توصيفنا للحكومة بأنها حكومة تكنوقراط ووزرائها بأنهم من التكنوقراط يأتي انسياقاً مع البلاغات الرسمية أو الاستعمال الدارج لهذا التوصيف، وتشكيل حومة تكنوقراط هو مطلب للرباعية الدولية وكان يريدون منها الالتزام بشروط الرباعية والتحرر من السياسة العرفاتية. في رأينا أنه في الحالة الفلسطينية من الصعب تجريد أو اسقاط صفة السياسي عن أي حكومة أو وزير ما دامت الحكومة تشتغل في ظل الاحتلال وملتزمة باتفاقات سياسية وأمنية واقتصادية مع الاحتلال ومع الجهات الدولية المانحة. 

مثلاً تجاوزاً نقول بأن سلام فياض كان رئيس وزراء من التكنوقراط، صحيح أنه جاء من مؤسسات مالية دولية ولم يكن منخرطاً سابقا في العمل السياسي الحزبي ولكن الكل يعلم الظروف السياسية التي أتت به وزيراً للمالية بداية في عهد أبو عمار ثم رئيساً للوزراء في عهد أبو مازن، كما أنه شارك في الانتخابات وشكل حزباً أو تجمعاً (الطريق الثالث) كان له ممثلين في المجلس التشريعي، ونفس الأمر بالنسبة للأكاديمي رامي الحمدالله الذي لم يكن يخفي طموحه السياسي لدرجة أثارت التخوفات عند مركزية حركة فتح التي حرضت الرئيس أبو مازن على إقالته أو دفعه لتقديم استقالته.

الحكومات الأولى كانت حكومات سياسية بامتياز حيث كان يرأسها قائد سياسي كبير ووزراؤها من قادة الأحزاب أو من شخصيات سياسية تنتمي لجيل الثورة والنضال، فقد  ترأس الزعيم الراحل ياسر عرفات قيادة أوّل خمس حكومات فلسطينية ابتداءً من 20 أيار/ مايو 1994 وحتى 30 نيسان/ ابريل 2002 بالإضافة إلى رئاسته للسلطة، ومن بعده وفي ظل ظروف ملتبسة تسلّم محمود عباس في نهاية نيسان/ ابريل 2003 رئاسة الحكومة الفلسطينية السادسة وتم حينها الفصل بين رئاسة السلطة ورئاسة مجلس الوزراء،  ومن بعده أحمد قريع، واستمرت رئاسة الحكومة عند حركة فتح  إلى حين إجراء انتخابات المجلس التشريعي للمرّة الثانية.في يناير 2006 وفازت فيها حركة حماس وكلف الرئيس أبو مازن زعيم حركة حماس في قطاع غزة إسماعيل هنية رئاسة الوزراء  وبدأت الحكومة (العاشرة) عملها في 27 آذار/ مارس 2006 وكانت مشكلة من وزراء سياسيين من حركة حماس ولم تشارك فيها فصائل منظمة التحرير..

لم تصمد حكومة حماس طويلاً بسبب الحصار المالي والاقتصادي والسياسي، وانتهى الأمر في 17 آذار/ مارس 2007 بتشكيل الحكومة الفلسطينية الحادية عشرة (حكومة الوحدة الوطنية) التي شارك فيها سياسيون من أغلب الفصائل الفلسطينية، قادها اسماعيل هنية، وكان عزام الأحمد نائباً له.

بعد ثلاثة أشهر على تشكيل هذه الحكومة حدث الانقسام وسيطرت حركة حماس بالقوة العسكرية على قطاع غزة، الأمر الذي دفع الرئيس محمود عباس لإقالة حكومة اسماعيل هنية في 14 حزيران/ يونيو، وإعلان حالة الطوارئ في مناطق السلطة، وكلّف سلام فياض بتشكيل حكومة (تنفذ حالة الطوارئ) وانتقل مقرها من غزة إلى رام الله، وكانت هذه أول حكومة تمارس عملها دون نيل الثقة من المجلس التشريعي كما كان أغلب أعضائها من التكنوقراط، واستمرت حتى 19 أيار/ مايو 2009 ثم أعاد فياض تشكيل الحكومة الثالثة عشر والتي استمرّت حتى منتصف 2012، وبعدها الحكومة الرابعة عشر التي انتهت في منتصف 2013.


بعد (التكنوقراطي) فياض كلف الرئيس (التكنوقراطي) رامي الحمد الله رئيس جامعة النجاح بتشكيل الحكومة الخامسة عشر وبعدها الحكومة السادسة عشر في حزيران 2014 (حكومة الوفاق الوطني) في الثاني من حزيران/ يونيو 2014 بعد اتفاق مخيم الشاطئ والتشاور مع الفصائل.

بسبب عدم تمكين حركة حماس الحكومة من ممارسة مهامها في القطاع وأيضاً بسبب اعتراضات من قيادات فتحاوية على نهج رامي الحمد الله دعت اللجنة المركزية لحركة فتح لتشكيل حكومة فصائلية من منظمة التحرير، وكلف الرئيس القيادي الفتحاوي محمد اشتية في 10 آذار/مارس بتشكيل حكومة جديدة، لتكون خلفًا لحكومة الحمد الله.

من بين حكومات السلطة الفلسطينية الثمانية عشر فإن حكومة د.اشتيه الأقل حضوراً سياسياً والأكثر صمتاً مقارنة بالحكومات السابقة حيث نادراً ما نسمع تصريحات من الوزراء حتى فيما يتعلق بمهامهم الوظيفية ، حتى رئيس الوزراء لم يعد يتحدث ويصرح كما كان سابقا، كما صمت الناطق باسم الحكومة .

قد يتم تفسير ذلك بالقول إن الحكومة تعمل بصمت وهذا أمر إيجابي، أو تفسيره كضعف من الحكومة بسبب صعوبة الأوضاع التي جاءت فيها عام ٢٠١٩ وما تلاها من ظروف أكثر صعوبة وتعقيداً، وقد يكون السبب لأن غالبية وزرائها من التكنوقراط وهؤلاء يتجنبون الخوض بالأمور السياسية، بالرغم من أن رئيسها قائد سياسي فتحاوي، أو لأن أوامر عليا طلبت منهم العمل بصمت وعدم الإدلاء بأي تصريحات سياسية، او لأنها الاكثر التزاماً باتفاقية أوسلو التي حددت نطاق عمل الحكومة /السلطة في نطاق الحكم الذاتي المحدود.

وأي كان السبب فلا نستطيع الفصل بين عمل الحكومة والظروف العامة التي تمر بها القضية بشكل عام محليا ودوليا، والمحاولات المستميتة من دولة الكيان العنصري للتضييق على عملها وربما إسقاط السلطة وخلق قيادات بديلة، أيضا الموقف السلبي بل والمعادي لها من طرف حركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض فصائل منظمة التحرير وخصوصا الجبهة الشعبية.

إن كانت الحكومة غير منزهة من الخطأ ويمكن لومها وانتقادها في بعض الملفات المتعلقة مثلا بالحريات أو محاربة الفساد أو العمل الدبلوماسي الخ إلا أن صمتها وابتعادها عن الجدل السياسي المباشر والتصريحات النارية يمكن اعتباره تصرفا مقبولا وعقلانيا حتى تضمن ثقة الجهات المانحة وتمويلها وحتى لا تمنح العدو مزيداً من الذرائع للتضييق على عملها وتدمير ما تم إنجازه.

ولكن إلى متى ستستمر الأمور على هذه الحالة من الالتباس والارباك وغياب استراتيجية عمل وطني تواجه المخاطر غير المسبوقة ليس فقط للحكومة والسلطة بل للوجود الوطني على أرض فلسطين؟

ابراهيم أبراش 
المزيد على دنيا الوطن ..https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2023/02/16/1510917.html#ixzz7tnTVrFSc
Follow us:@alwatanvoice on Twitter|alwatanvoice on Facebook

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...