الأربعاء، 24 فبراير 2021

الوداع

 الوداع 

كثيرة هي المناسبات التي يمر بها الانسان في حياته ، وأكثر المناسبات انفعالا هي مناسبات اللقاء بعد طول فراق ، ومناسبات الفراق والوداع بعد طول تفاعل وتجاور وتلاقي .

وفي محيط العمل تكثر هذه المناسبات وما يعتريها من انفعالات إنسانية تطفو على سطح السلوك الانساني على شكل احتفاء بوداع صديق أو رفيق أو زميل عمل ، أفنى سنوات عمره بين ظهرانيهم كل صباح .

إن سنوات العمل الطويلة تخلق نوع من الألفة الشخصية والتعود ، والتعاون ، والمشاركة في الأفراح والأتراح .

إن الزمن في محيط العمل يمتلئ بالأحداث التي تترك أثرها على الأفراد في تفاعلهم ، وتعاضدهم ،  وحتى تنافرهم بشكل فردي أو جماعي .

إن الحدث ليس بمروره الزمني بل بإنطباعاته على المشتركين في الحدث، وهذه الانطباعات تبقى في الذاكرة ، وتنبعث أحداثها وذكرياتها من آن لآخر

سنوات من التفاعل اليومي العادي في العمل ، سنوات من التفاعل الاجتماعي       سنوات مشحونة بالمد والجزر في العلاقات الجماعية ، في العلاقات الأثنينية التجاورية ، فيصبح لكل فرد موقعه ، ليس العملي فحسب ، بل الاجتماعي ، ويترك أثره النفسي على من حوله ، وفي حالة الوداع تتلاطم المشاعر حسب قوة و تفاعل الشخص الايجابي مع المجموع .

 وبهذا يبدو أن الوداع هو الخسارة بحسب قوة التجاور والتفاعل الفردي .

         في الوداع يصبح الكل نقي، نقي من الأخطاء، نقي من مسالك الابتعاد ، في حالة   الابتعاد الوداع تنقرض السلبيات ، وتتعزز الايجابيات ، في الوداع  تتعزز المشاعر الانسانية  بأحلى صورها، البسمة النقية ، الدموع ،  الوعود التواصلية ، الغفران ، العفو ، التسامح .

        في الوداع يظهر الانسان الحقيقي بإنسانيته ، بجماعيته ، اجتماعياته الرحبة ، تطفو على وجهه التعبيرات المختلفة، التي  ترخي بأثرها على القدرة على الحديث ، و تعطل لغة الكلام ، و  تطغي لغة المشاعر الانسانية التي يكتشف الانسان فيها عجز اللغة عن التعبير عما يريد االاٍفصاح عنه ، هذا هو الوداع ، أرقى تفاعل إنساني بين زملاء العمل الواحد ، من تعليم أو   صحة ، أو خدمة اجتماعية .

        الوداع تاريخ من ...... الى الآن ، و هو أشمل من اللقاء ، أكثر عمقا, فاللقاء يسير في اتجاه واحد ، تصور للمستقبل الغائب  على أمل ان تجلب أحداثه السعادة والسرور والبهجة على الموجودين بفعل القادم ، الذي يجري استقباله الآن ، استقبالا مشحونا بالتصورات والتوقعات السعيدة ، ولكن لا تخلو من التوقعات الغير سعيدة أيضا . 

   اللقاء يكتنفه التنبؤ بمستقبل غيبي غير مأمون الجانب ، ومستوى الايجابيات والسلبيات فيه غير معروف، مجهول، ولا يزيد عن مستوى الأمل والرغبة في أن يحمل المستقبل الخير مع قدوم هذا الفرد أو ذاك وانضمامه الى هذه المجموعة ، أو تلك ..... بهذا فاللقاء يختلف عن الوداع في أن الوداع نسيان  للسلبيات ، ومراكمة وتذكر الايجابيات، والاحساس بخسارة  هذا الكم التاريخي التراكمي التأثيري في حالة الفقدان ، بعد أن اعتادت المجموعة على المكانة التي كان يحتلها هذا الفرد الذي سيغادرهم الآن . 

الوداع عاطفة انسانية نبيلة يجب أن نتذكر أبعادها الاجتماعية البعدية، وتدفعنا دائما الى جعلها  في الذاكرة وتخلق لدينا الحافز لتحسين علاقاتنا الاجتماعية ، حتى نبقي بعد الغياب في الذاكرة الحية الطيبة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...