أن لكل انسان في هذه الحياة احتياجاته الاقتصادية ، كما أن له احتياجاته المعنوية والنفسية ، وهو يعمل على تحسينها باستمرار ، ويستنفر في حال اختزالها أو الانتقاص منها ، ويعمل دائما أن يتعاون مع التجمعات النقابية والحزبية التي يقتنع ويشعر أنها تدافع عن مصالحه وحقوقه في العمل .
ان الحقوق الاقتصادية والمعنوية للشغيلة هي من القوة بحيث تدفع العمال للالتفاف حول الأحزاب والتجمعات التي تدافع عن مصالحها ... ولما كانت الأحزاب الماركسية هي الأقرب في برامجها وأهدافها القريبة والبعيدة للطبقة
العاملة ، فلا غرو أن تندفع الفئات العمالية بغض النظر عن اختلاف ايماناتها الدينية للالتفاف حولها، والتفاعل مع دعوات النضال من أجل تحسين ظروف عملها .
فالعامل لا يشعر بأي حرج أو انتقاص لايماناته الدينية أثناء مشاركته مع النقابات التي يقودها الحزب الماركسي في النضالات اليومية من أجل تحسين ظروف العمل في المصنع أو المؤسسة من أجل الحصول على امتيازات جديدة .
والسؤال : هل هناك تعارض بين أن تكون مؤمنا بدين ، وتكون مناضلا ضمن نقابه أو جمعية يقودها حزب ماركسي لينيني ؟ بالطبع ، لا ....
ولتوضيح هذا نقول :
هناك جانين في الماركسية اللينينية ، جانب فكري ، فلسفي يدرس الكون والقوانين التي بموجبها تتطور الطبيعة والمجتمع والفكر الانساني ... وهذا الجانب من اختصاص المثقفين الثوريين واللجان الحزبية القيادية ، كاللجنة المركزية واللجنة الثقافية ، واللجنة السياسية .
وفكر اقتصادي يوضح سيرورة العلاقة الانتاجية بين العمال كطبقة عاملة تعمل بالأجرة ، والطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الانتاج .
وجانب : اجتماعي تنظيمي ، وهو ائتلاف أفراد من العمال والفلاحين والحرفيين ضمن تجمعات شعبية أو نقابية من أجل الدفاع عنهم وتحسين أوضاع معيشتهم .
وهذا الجانب يجمع الناس وفق المواصفات الطبقية ، ولا علاقة لهذا التجمع بنوعية الدين ...
فالماركسية تُربي أن الظلم الواقع على العمال من قبل الطبقة المالكة لا يُفرق بين العمال حسب ديانتهم، بل ان الاستغلال يقع على جميع العمال ، فالطبقة البرجوازية تستولي على فائض القيمة من عملهم بغض النظر عن نوعية معتقداتهم الدينية .
وبالتالي في دفاعها عن الطبقات العاملة وفي برامجها الاقتصادية ، وأدبياتها لا تضع في حساباتها الفوارق الدينية بين الناس ، بل تؤمن بالفوارق الطبقية ، كعمال ، فلاحين ، برجوازية صغيرة منحازة للعمال ، هذا في جانب ، وبرجوازية كبيرة وملاك أراضي وعقارات في جانب آخر .
لهذا فهي لا تطلب من الأنصار غير الوعي والايمان بالبرامج الاقتصادية المرتبطة بالنضالات اليومية ، في هذا المصنع أو ذاك وصولاً الى البرامج الشاملة لحقوق الشغيلة على مستوى الوطن ككل .
فأن تعرف أن الحزب الاشتراكي هو الحزب الذي يدافع عن مصالح العمال والشغيلة ، ومستعد أن تشترك في نشاطاته الاجتماعية والنضالية ... فهذا ممتاز ... ولكن لا ننسى أن هناك جانب وأقوال دينية تدافع عن الفقراء
، وتدعو الى انصافهم والعطف عليهم .. ولكنها دعوات أخلاقيه ، دعوات للاحسان والشفقة، ولكن هذه الدعوات لا تحل المشكلة الاقتصادية من أساسها ، مشكلة الاستغلال الذي تُسببه الملكية الخاصة لوسائل الانتاج .
أن تؤمن ، تعتقد ، يعني أن تُميز بين الأفكار والأيديولوجيات .!! ومعروف أنه ليس هناك فكر أو أيديولوجيا محايدة ، فكل الأفكار والمعتقدات والأيديولوجيات ، حزبية ، أي تدعم وتدافع عن مصالح فئة ، قطاع من المجتمع ، نطلق عليه مسمى " طبقة اجتماعية " .
وكل طبقة تعي مصالحها تتمسك بالأفكار الاجتماعية والاقتصادية التي تدعم مواقفها وتبررها ، وبالمقابل تكشف الوسائل للكيفية التي يجب السير بها لتحقيق الأهداف الاجتماعية .
والماركسية هي الفكر الاجتماعي ، الاقتصادي الذي يدافع عن مصالح طبقات العمال والفلاحين ، ويكشف الوسائل للتحرر الاجتماعي ، وكيفية التخلص من سلطة رأس المال وأفكاره التي تخدع وتزيف الواقع ، وتعمل على ترسيخ الاعتقاد بأبدية اسلوب الانتاج الرأسمالي .
ان البرجوازية لا تتنازل عن مصالحها بسهولة ، وبقدر تصلبها في حرمان العمال من حقوقهم ، بقدر ما تدفع جموع غفيرة من الشغيلة للانتماء والالتفاف حول الأحزاب الاشتراكية التي مطلوب منها أن تكون على قدر المسئولية
والأهلية للدفاع عن الشغيلة في نضالها اليومي .
وفي معترك النضال الطبقي تنصهر جموع غفيرة من الشغيلة في منظمات الحزب .ومعروف أنه لا يمكن أن يطلب من العمال أن يعتقدوا بالنظرة الفلسفية الجدلية حتى يكونوا ضمن منظمات الحزب الماركسي .. بل المطلوب
هو الوعي ، الوعي أن الأحزاب الاشتراكية هي التي تناضل بكل اخلاص من أجل حصول الطبقات العمالية على حقوقهم .
ان الحزب الماركسي اللينيني يعترف بما للدين من سلطة نفسية وحركية على المؤمنين به ، لهذا لا يمكن أن يُطلب من العمال تغيير مقدساتهم الموروثة اجتماعياً ، والتي تمنحهم الراحة والوسيلة لكسب رضي السماء .
وحول موقف قادة شيوعيون قدامى من أُناس متدينون .... نُورد ما قاله إنجلز :
وحول موقف قادة شيوعيون قدامى من أُناس متدينون .... نُورد ما قاله إنجلز :
قال انجلز في حرب الفلاجين في المانيا : (إننا لسنا ضد الدين , بل ضد التطبيق السلبي للدين..). .كما دعا لينين الى قبول رجل الدين في عضوية الحزب الشيوعي . حيث قال في عام 1909 : (لايجوز القول بصورة قاطعة وبالنسبة لجميع الظروف أن رجال الدين لا يمكن أن يكونوا أعضاء في الحزب الشيوعي . فإن لم يقف ضد برنامج الحزب يمكن لنا أن نقبله .. لأن التناقض بين برنامجنا ومعتقدات رجل الدين , متعلقة به شخصياً، وهو تناقض شخصي)..ووجدنا في تأريخ الاممية أن قسا بروتستانتيا سويسرياً سابقا ، هو (جول أمبير–دروز) ، قد اصبح واحدا من قادة الكومنترن (الأممية الشيوعية) الرئيسيين، وهو من كان يدعو الاحزاب لشيوعية في العالم لموعد الاجتماع وينظم الدعوات والمواضيع وتجهيزها للنقاش، ولم يجد ان هذا يتعارض مع مبادئه البروتستانتية او تخل بادائه واجبات كنيسته عندما يعود الى بلاده، ولم تجد فيه الاممية الشيوعية خرقا للمألوف الشيوعي ... وكان رجال دين مسيحيون كثيرون يرون أن الاشتراكية حلاً لابد منه للتناقضات الاجتماعية ومكافحة الفقر. ومن ذاك امتلأ العالم خصوصا امريكا اللاتينية بسبب الفقر الكافر، بالرهبان الماركسيين مثل ارنستو كاردينال والاب توريز (الأب الاحمر) وآخرين هم آباء كنائسهم وهم بالمئات.. ان مايردده الغالبية ضد الدين هو من الفوضوية من باكونين وليس من الشيوعية.. لذلك قال عنه انجلز ايضاً (ان العداء للدين جملة فوضوية)..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق