ما هو شكل الخطاب الديني الهادف إلى تنمية عملية التطرف وصولًا إلى العنف؟
بقلم الخبير الكندي أيلوي غان – مجلة “ميلتري جورنال” الكندية
ما هو التطرف الديني؟
التطرف الديني هو العملية التي يدفع بها فرد أو مجموعة من الأفراد أيديولوجية دينية معينة إلى أقصى حدود المبالغة والإفراط. وعلى المستوى الاجتماعي، يتخذ التطرف شكل استبعاد الفرد، أو الجماعة، أو الذات، عن غالبية المؤمنين بالدين، أو عن التيار المجتمعي السائد. وقد عرّف باحثو العلوم الإنسانية الفرد المتطرف بـ”الفرد الذي يستخدم الدين لإبعاد نفسه عن المجتمع، أو لاستبعاد الآخرين”.
اقرأ أيضًا: هكذا استغلت جماعات الإسلام السياسي منابر المساجد
إن تبني أيديولوجية دينية راديكالية في حد ذاتها لا يضر بالمجتمع. فقد كان مارتن لوثر، أب البروتستانتية، راديكاليًا في عصره آنذاك. ويمكن كذلك اعتبار الأخوين ويسلي، مؤسسا الحركة الميثودية، متطرفين دينيين. وهذا ينطبق أيضًا على غاندي ومارتن لوثر كنغ الابن، أبوا النزعة الدينية السياسية السلمية. ومع ذلك، من شأن أي تطرف يحرض على العنف الجسدي والنفسي أن يكون مدمرًا على البشر والمجتمعات، وأن يعرّض القيم الإنسانية للخطر. من الواضح أن التطرف الإسلامي –كما تروج له التنظيمات الإسلامية المتشددة– يضر برفاهية المجتمعات الحديثة، لذا، هو شكل من أشكال التطرف العنيف، الذي يحرض على العنف، بمعنى استخدام العنف لنشر والدفاع عن قناعات تلك الجماعات.
في السنوات الأخيرة، اتفق الخبراء على أن التطرف عملية تدريجية، نظرًا لوجود أسباب متعددة. لكن في بعض الحالات، وقع أفراد في وحل التطرف في غضون أيام، إلا أن العملية بشكل عام تتطلب شهورًا وحتى سنوات. يستغرق الخطاب الديني الراديكالي وقتًا طويلًا قبل أن يؤثر على الفرد أو المجموعة، ليجذبهم نحو التطرف. وكما هو الحال في حي “مولينبيك” في بروكسل، فإن المكان الذي يعيش فيه الفرد عاملٌ حاسمٌ في تطرفه.
شكل الخطاب الديني
تبدأ عملية التطرف بخطاب راديكالي، يُسمع في أماكن العبادة، أو عبر مواقع الإنترنت، أو بين الأصدقاء، أو في الأحياء، أو ساحات المدارس، وغيرها. أدى ظهور رجال الدين المتطرفين في المساجد إلى انتشار الأفكار الراديكالية بسرعة هائلة، ومن بين أولئك، إمام مسجد عمر في باريس، التونسي الأصل، محمد حمامي، وأيضًا إمام مسجدٍ في ديسون في بلجيكا، يدْعى الشيخ علمي، يحمل الجنسيتين الهولندية والمغربية. بدأ هذان الرجلان بدعوتهما إلى التطرف علانية عبر المساجد، تحت ذرائع دينية. حرّضا خلال ذلك على القيم الغربية، وبررا استخدام العنف في محاربتها، وحثا على العقاب البدني ضد النساء، فضلًا عن الترويج للدعاية السلفية، وإثارة معالم الحروب المقدسة.
الجهاديون بارعون في وسائل الإعلام الاجتماعي في نشر أفكارهم، إذ تعتمد الخطب الدعائية وأشرطة الفيديو عبر الإنترنت على إستراتيجيتين رمزيتين رئيستين:
- اقتراض سلوكيات ثقافية مقبولة متجذرة في الذاكرة الجماعية للمجتمع الغربي.
- دمج هذه السلوكيات بالمعايير الرمزية لجهاد القاعدة.
وخلال ذلك، يجري خلط الأنماط الفكرية بطريقة تمسح الحدود بين الخيال والرواية. لقد تعدى الخطاب الجهادي على قواعد الأسر التقليدية، من خلال غزو المنازل، جسديًا أو عبر الإنترنت أو وسائل الإعلام الأخرى. وبهذا، يكون الخطاب الجهادي قد اخترق وتحايل على عملية الحراسة الحكومية والأبوية للأسر.
النطاق اللاهوتي للرواية الجهادية
- الدين “النقي”
تدّعي الرواية الجهادية أنها ترشد المسلمين وغير المسلمين إلى “الإسلام الحقيقي”، وتحث على العودة إلى “المصدر”، ولذلك، ينبغي تطهير الإسلام المعاصر من كل “عيوبه” من أجل تحقيق المفهوم السلفي. ووفقًا لهذه الرواية، تعرّض الإسلام للإفساد بثقافات وعادات المجتمع الغربي، ولذلك، فإن من يلتزم بالإسلام “النقي” و”الصادق” سيكون جزءًا من مجموعة صغيرة من المختارين، تدّعي امتلاك الحقيقة. هم يؤمنون بتفوقهم على غيرهم من المؤمنين، وغير المؤمنين (الكفار). وحسب الخبيرة المؤلفة الفرنسية “دنيا بوزار”، فإن استخدام مفهوم “طهارة الجماعة” سمةٌ من سمات الدعاية الجهادية المشؤومة.
اقرأ أيضًا: هكذا يتم استخدام الدين في خدمة الأغراض السياسية
تتمثل الوظيفة الاجتماعية لـ”نقاء المجموعة” في خلق عالمين منفصلين: النقي والملوث؛ نحن وهم. يعتمد مفهوم النقاء في هذا السياق على تفكيك الثقافات الجديدة الملتصقة بالإسلام، واستثناء بعضها، والإبقاء على بعضها الآخر، وصولًا إلى خلق “إسلام معولم” جديد. وبالتالي، فإن المسلمين “الحقيقيين” يعرّفون أنفسهم من خلال ارتباطهم بهذه المجموعة الجديدة من المسلمين “الصادقين”، الذين لم يعودوا يتعاطون مع الثقافة الغربية، أو مع بلد محدد، أو مع جنسية ما، بل فقط مع الأصولية السلفية.
هذا النوع من الخطاب ليس جديدًا، فهو مبني على الإستراتيجيات التي تستخدمها الجماعات الطائفية أو الحركات الدينية الجديدة، التي تدفع بمذهب الإحياء. هنالك شيء واحد مشترك بين السلفية الإسلامية والأصولية البروتستانتية، هو “رفض الثقافة والفلسفة وعلم التوحيد لصالح القراءة الكتابية للنصوص المقدسة، واعتبار ذلك مصدرًا لفهم الحقيقة”.
- الإيمان بالآخرة والجهاد
يقترن مفهوم “النقيّ” و”الطهارة” في الخطاب السلفي بعلم الآخرة. ووفقًا لخبراء المجموعات الجهادية، فإن “نهاية الوقت” حافز إضافي في عملية إغواء الشباب في الحركات الإسلامية الراديكالية نحو ممارسة الجهاد والعنف. يقول لنا أحد الخبراء: “أجريت مقابلات مع غربيين سافروا إلى سوريا للقتال إلى جانب تنظيم داعش، وقالوا لي إنهم يشعرون بالفخر للمشاركة في القتال المرتبط بيوم القيامة، بين عناصر الدولة الإسلامية والكفار”. في نظرهم، الحرب في سوريا مقدمةٌ لظهور شخصية مسيحية، ستحقق العدالة في العالم حسب المصادر الإسلامية.
لا يمكن تجاهل أو التقليل من شأن هذه الرسالة “الأخروية” المرتبطة بعقيدة الموت والقيامة والجنة والنار. في خطاب الدولة الإسلامية الراديكالي، إذا استطاع التنظيم إقناع الشباب بأنهم يشاركون في ظهور المهدي، في الوقت الحقيقي وفي المكان الحقيقي، فإن هذا الاعتقاد يمنحهم شعورًا بمعنى الحياة، ومغزى وجودهم فيها. بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بخيبة أمل من السياسيين أو المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي، فإن المنظور الأخروي للسرد الجهادي يبدو منطقيًا بشكل كامل. وبالنسبة لكثير من الشباب، فإن رواية الدولة الإسلامية بمثابة ضوء في نهاية نفق وجودي مظلم، يمكن لهم استخدامه للعب دورٍ مفيد في مجتمع فاسد متحلل، يتمثل في الجهاد [قتل الآخرين].
ووفقًا للمؤرخ الفرنسي “بيير كونيسا”، يستند الفرد الإسلاموي المتطرف إلى “رؤية أخروية”، يرى فيها أن “العالم فاسدٌ ولا يمكن أن يستمر؛ فهنالك الكثير من المظالم والحروب والمذابح، والإفلات من العقاب، وأن العقاب الإلهي وشيك، ولا بد من المشاركة في المعركة النهائية ضد الكفار، قبل مجيء يوم القيامة”.
اقرأ أيضًا: تعميم وتناقض واجتزاء.. كيف يفكّر المتطرفون؟
المصدر: مجلة “ميلتري جورنال” الكندية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق