الأحد، 5 نوفمبر 2017

رؤیة أدبیة لدیوان " حینما أفكر وحیدا " للشاعر رمضان عیسى بقلم الشاعر یحیى الأسطل

رؤیة أدبیة لدیوان " حینما أفكر وحیدا " للشاعر رمضان عیسى بقلم الشاعر/ یحیى الأسطل
أنت والتاریخ أعداء
إلا أن تكون ثورة أو ینقش اسمك فى كتاب
حینما قرأت هذه الومضة الشعریة وجدت نفسي مشدودا لكي أقرأ بتفحص أكثر فوجدت أن الشاعر ینطلق من فكرة راقیة اختارها بنفسه وحكمها في سلوكها وأنماط تفكیره ، فكرة تحمل التحرر بجمیع أشكالها ، وعلى الأخص شكلاه الوطني والاجتماعي ، والمناضل الساعي لانجاز ھاتين المهمتين من واجبه أن یُعرف نفسه ، ومن یكون ، وأین یكون من حیث المبادئ ، ومن حیث الطبقة التي ینتمي إليها ، ومن حیث الإطار الانتمائي والحزبي ، ومن حیث أشكال النضال المتغیرة حسب تغیرات الواقع المعیشي ، والظروف الداخلیة والخارجیة . ولا ضیر في الانتقال من شكل إلى آخر ما دام التمسك بالهدف هو الأساس ، ومن حسن الحظ الذي جاء ت به مصادفة الخواطر الشعریة ، أو جاء به القصد ، أن القصیدة الأولى أو الومضة الأولى للكاتب كما یسميها  تتحدث عن الأنا ، فنراه یقول :
  أنا نبض وردة ... أنا اللیل ... أنا الفجر ... أنا الصحراء ... البحر ... الحب ... الشاعر .
ففي هذه الظواھر الطبیعیة والإنسانیة رموز شتى ، أقلها الجانب الإنساني والجمالي وفيها جمع للأضداد تمثلا للقول الفلسفي :
 " الواحد في الواقع اثنان " وقد جمع الشاعر لكلمتین متضادتین : اللیل ، الفجر .
وهما كلمتان تعبران عن كنه الشاعر الوامض . فبعد أن یعدد سلسلة الأنا الذي یكونه  یستثنى الظلم ، فیقول : إلا الظلم لا أكون ... ولا أكون معه . وهذا هو انعكاس لجوهر العقیدة الإنسانیة الصافیة المحمولة في عقل رجل إنساني محب للبشریة المصفاة الخالیة من الظلم والقهر ،  وعقیدة الكاتب سلاحه الذي لا یبتغي به صعودا إلى السماء ولا تحقیقا لكسوف شمس ، ولا خسوفا لقمر ... بل من اجل الأنا !!  فهل  الأنا عند الشاعر هي  ضرب من الأنانیة أم  ضرب من الإیثار ... أنا " في لغة الكاتب هي النحن " انها  كما جاء في نهاية  ومضته " أنا الحیاة " لذا تراه یصرح بأنه:
 عندما : تفوح ریح الموت ... والظلم ... والآه... لن یطول الانتظار إذا علت النحن وذرة من إخلاص " . فأناه هي النحن التي تعبر عن طبقة المظلومین المسحوقین المتطلعین إلى الخلاص من الآفات الاجتماعیة العالقة ،التخلص من الجور والغبن... ولا عجب إذا رأینا أن الأنا عنده تشكل قاعدة الارتكاز والانطلاق .
وخوفا من تسرب بعض الأوهام أن " أنا " الشاعر هي " أنا" تحمل نفس سمات الأنا عند أي فرد نراه یقارن بین أناه ، وأنا الآخر فیجعل لها مزیة لا تملكها " أنا " الآخر ..... فأصغ ( اسمع ) إلى قوله تحت عنوان " اعتزاز " :
: قل ما تقول ما الضیر ... إن كنت أنا المارد ... وأنت القزم ... أنت الحصى ، وأنا الهرم ... أنا الحیاة وأنت العدم ...
 وفي النهایة ( أي نهاية الومضة یقول : لأنا أخر " الأنت " : لن تستطیع أن تصادم صلد الهمم .. فرمضان عیسى تأبى كلماته إلا أن تعبر عنه كما یأبى هو  إلا أن تعبر عنها فكلاھما في وحدة جدلیة واحدة یعكس إحداھما الآخر ویطوره ، تطوره الكلمات ویطور هو  الكلمات ... وخلاصة التجربة دائما تقود إلى الأفضل ... وإلا ما جدوى التجربة إن لم نرتقي وتتحسن الأحوال ..." أناه" متمیزة عن الغیر بحكم نشدان الهدف الأسمى الذي یعتبر أن وجوده مع أترابه  وأبناء فكره یشكلون النواة والأداة للتغییر، ففي الإشارة إلى الأتراب تنفي لإمكانیة تحقق الهدف عن طریق القدرة الفردیة ، أو المعجزات والخوارق .. بل یحتاج إلى نظم الصفوف ، وتنظیر
للأهداف وتوصیف لطرق الوصول ... فیقول تحت عنوان " انسان " :
" اسقط مع أترابي شاقا بطن الأرض كي لا أرى ظلما یسود .. كي لا اسمع نشید الموت فوق كوكبنا " .
  والسقوط هنا سقوط الولادة ، أو هو الانولاد من رحم الجهل، ولادة جدیدة ولادة مستنیرة
ففي اختیاره كلمة " كوكبنا " مضاف إلى "أنا" المتحدثین فيها توسع في الإطار الذي یحوي صراعه مع أعدائه ، أو خصومه.... لقد تعدى الأطر القومیة ، والإقلیمیة في الصراع فخطا خطوة أوسع و كأنها رنین كلمات كارل ماركس عندما قال :" یا عمال العالم اتحدوا "
 ف" رمضان عیسى "  یربط نفسه  ومصیره  بالمظلومین في بلده و بلد غیره لأنه یؤمن بوحدة الكون ، ووحدة الإنسانیة ، ووحدة  الأعداء  ووحدة المقهورین بغض النظر عن قومیاتهم  ولغاتهم ، فكما أن الكون واحد ینبغي أن یكون العالم الإنساني واحد ..
 ویجب أن تكون الحریة واحدة غذاء لكل روح  ، والحریة لا تأتي كما یقول أھل التجارب إلا عبر الصراع و الانتزاع ... و الصراع یولد القتل إما بین الظالمین ، أو إما بین المظلومین فیتولد من ذلك ما اعتبره العرب القدامى الموت الكریم في الذود عن الحمى والأرض والعرض والأوطان ، وما نعتبره نحن الموت "الشهادة ".. فنراه ( أي الشاعر ) یعتبر أن موت الشهيد ھو حیاة بل "الحیاة " لذا نراه یقول واصفاً الشهيد  :
 الشهيد یسقط ... یلثم الأرض ... دفقة جرح . تنساب ، تنغرس معها كل ھموم الأرض .. نار الثأر.. الغضب .. الأحلام .. تنمو شجرة  بألف ثمرة ...
وفي نهایة الومضة یقول على لسان الشهيد " أنا الحیاة " و كأن الحیاة لدى الكاتب لیست هي أیة حیاة ، بل الحیاة الخالیة من الظلم والاستبداد.
وهي الحیاة التي لا تأتي إلا بالنضال و الاستشهاد ... فإذا كان موت الشهيد مكتوب له الحیاة في أذهان  البشر ، فان الشاعر یعتبر من لم یحصل على الشهادة لیخلد بها ، أن یخلد في الحیاة عن طریق الكلمة النافعة المدونة في عمل فني أو كتاب فكري ... أو فلسطیني أو علمي ... الخ فنراه  يقول وقد اعتبر نفسه مظلوما لم تنصفه الحیاة ... تمنى ولم ینل ما تمنى ، وطمح وقصر  به الأمل ... " نعم ، نعم  لقد غبنت في دنیاك ... لم تنصفك الحیاة ... فذوى النجم ( والمقصود العمر بالطبع ) إلا النقمة على الظلم ، إلا الغضب ، ... الحب و رقیق أحساس ... سطرت في كتاب ، سُطر عليه اسمك والعنوان ... فهل مت حقا ؟
 فالكتابة عزاء النفس الطامحة في الخلود وأنعم بالكتابة ... لأنها إذا التزمت كانت نوعا من النضال الراقي ...
إذا قمنا بإحصاء المفردات لدى رمضان عیسى لوجدناها تتحدث عن الثورة الظلم ، التمرد ، الحب ، الطبیعة ، فیتساءل عن الأشیاء التي تعجبه والتي لا تعجبه انطلاقا من القدرة على أحداث الأفضل فنراه یسرد صورا من أعلى إلى أسفل بعضها قابل للتغییر ، وبعضها غیر قابل للتغییر ، وربما لجأ الشاعر للتمويه على المطلوب على من لم یلمح  والتصریح للألمعي اللماح فیقول تحت عنوان : " سؤال " :
أتعجبني الشمس كما هي .. أم أریدها على غیر لونها .. أتعجبني السماء كما هي أم أرید تغییر شكلها... البحر والقمر والشجر ، والصدیق ...  وزوجتي .. والشیخ ..  والحاكم ... أیعجبني ؟ والحقیقة أن الكاتب یشعر أن الحیاة تكون أجمل إذا خلت من ظلم بعض المسرود أو المتحدث عنهم في هذه  القائمة ، ومن هؤلاء من یعتبر نفسه محتكرا للحقیقة أو أنه هو الحق والسائر على حق ، ورمضان عیسى یرى أن من یدعى أن الحقیقة عنده وینكرها على غیره لا تكون حقیقته  ، فاسمعه  یقول تحت عنوان : " نقاء " :
 " أنا على حق ... أنا على صواب .... أتصور الحقیقة لي .... أتصور الحقیقة لهم ، فان قبلت فهي الحقیقة ... وإلا فهي الضلال " .
  ومن كلامه يفهم هي تصورنا ، هي مفهومنا عن الواقع عن الأشیاء التي تحیط بنا ، وهنا بعضا من الناس یحولون المفهوم عن الواقع وتغییره لصالحهم ولا یقبلون هذا لغیرھم ، من هنا كان الاختلاف یأتي في مجال الاعتقاد والفكر ، وهو من الأمور التي یتصارع عليها البشر منذ الخلیقة ، وكل أصحاب الدیانات یزعمون أنهم على حق وغیرھم على ضلالة ... ، وكذا أصحاب المبادئ غیر السماویة ...
الكل یسرد اعتقاداته ویسوق أدلته المشفوعة بروحانیات أو مادیات ، ویظل العقل والعلم هو المیزان إذا استطاع العقل أن ینتزع نفسه من سیطرة العواطف والاعتقادات غیر الصائبة . وشاعرنا اعتبر أن العقل میزانا فتراه یقول تحت عنوان " ميزان " :
 في هذه الدنیا صور عرجاء ، صور ممسوخة ... ، تشدني ، تسحبني إلى ظلال الوھم ,,,, أحتاج إلى مقص حاد لأقطع صور الخیال ، كما أهوى ويهوى میزان عقلي ...
  وكما یرى الشاعر ، أن الإنسان یعیش لكي ینفع ویضر ... فهو یرید أن ینفع ویضر ، ولكن لمن منفعته وعلى من ضرره ؟ استمع إلى قصیدة " دعوة " حیث یقول في نهايتها:
 من أنا أن لم أ كن مع ... وضد ... ، وترك ما بعد مع فراغا ، وما بعد ضد فراغا .. ، آملا من القارئ أن یكمل مع البؤسـاء ، وضد الظالمین ...
فالوجود عند الكاتب مع وضد ، فإذا كنت مع وضد ، فأنت منتم ، والانتماء لابتغاء الحریة ، المطلب المفقود ، والذي رآه الشاعر في انطلاقة الطیر یحلق والسماء له ، لا حدود ولا حواجز ولا جمارك ، ولا حراسات ، ولا حاجة لجواز سفر ، ولا اضطرار لتصاریح إقامة .... حقا إن هول القیود هي التي جعلت الإنسان ینشد الحریة ، ویرغب في الانطلاق ، فما القیود التي أحـس بها كاتبنا حیث یقول تحت عنوان " قيود " :
كم قیدا حولي ؟ قید اسمي ..... قید شكلي ..... قید وطني ...... قید والدي ..... قید میراث ...... قید عقلي .... قید الله....، سينتهي العمر وأنا مثقل بالقیود ......
 وفي ھذه القیود التي عددھا الشاعر ما یعكس القدریة أو الجبریة . فهل یتصرف الكاتب بروح القدریة ، أم بروح الطائفة الاعتزالیة في الفلسفة ؟ انه من النوع الثاني ، من أتباع المدرسة الاعتزالیة " المعتزلة " الذین یعتبرون الإنسان مسئول عن أعماله ، وإلا لما صحت نظریة الثواب والعقاب ، فنراه یعقد مقارنة بینه،  وبین القرین أو الشیطان ، فیقول من الذي یفعل الفعل :
" لي قرین واحد أم اثنین ، للشر واحد وللخیر واحد .... أم هما الاثنان واحد ، إن فعلت الخیر ،
أفعله  أنا ، أم قریني الواحد ، وان فعلت الشر أفعله أنا ..,, أم قریني الواحد ؟
 فالشاعر یرى أن الإنسان مسئول عن فعله لأنه هو فاعله في الحقیقة ، وأن القرین أو الشیطان مجلوب إليه  لتبریر الجانب السیئ من العمل ..
  .. الشاعر والمرأة
یحس الكاتب بالغبن الواقع على المرأة ، لا سیما فى تعدد الزوجات ، فیقول متمثلا إیاها :
 "أربع إنسانة أنا ؟
فلماذا تكون ربع إنسانة وهي  كیان كامل مكتمل له یدان ، وثدیان وجسد ، وإرادة وأحاسیس ومشاعر.... إلخ .
ولقد وحد الشاعر بین الحب للمرأة ، والحب للفكرة بحیث جمع بینما فى ومضة تحت عنوان : " هي " .
" إلا هي دوما معي في حضرتي ، في صحوتي ، في سكرتي ، إلا هي حبیبتي ".
فهل المقصود بالحبیبة المرأة أم الفكرة أم كلتاھما معا . فالإنسان لا یحقق سعادته واكتماله واستمراریة حياته إلا بالمرأة ؟.
كما أن الذي یسعي إلى الثورة یجب أن یقترن بفكرة ثوریة ، ومن لم یتزود بالفكرة الثوریة فقد یضل الطریق ، لذا لجأ الكاتب إلي الفكرة الثوریة لكي تحميه وتقيه  من شر المتاهة واختلاط الفكر وانطماس المعالم ، لذلك یقول تحت عنوان " متاهة " :
( نسق الفكر یحمیني ، یقیني شر متاهة ، أنأى بنفسي عن سرعة حكم .. عاطفة ، اختلاط فكر ، تهجرني المتاهة .
فإذا أحس الكاتب بمیل الناس إلى ركون فان الكاتب أحب الفصول وأرادها ان تكون مزمجرة ، فخذوا مثلا شتاء الكاتب :
" أحب الشتاء .. برق .. ورعد .. وإعصار .. وریح عاتیة تنسف كل بیوت الظلم
والسجون .. فلا أرى لهم من باقیة " .
 خذوا أیضا صیف الشاعر " الصیف فتوة .. حرارة .. ثورة .. حركة ... تمرد ... شباب ... حیویة ... انطلاق ... اشتیاق ... " .
 ویرمز إلى الخريف بالتساقط وعدم المواصلة للدرب ، فيقول : " یؤسفني أن بصمات الخریف تؤلمني أكثر من الموت " فإذا كان الموت ینهشني مرة واحدة ، فالخریف ینهشني مرات ومرات"
وفكرة الموت تطارد كل حي من الذین حققوا والذین لم یحققوا أمالهم ، ویبدو أن شاعرنا من الذین لم یحققوا أمالهم ، والسبب كامن في قوله في قصیدة بعنوان " أحلام "
( اعرف أن الفجر بعید وبقایا العمر تتبخر ، وأحلامي ، أحلام أطفال هذا الزمان ، سیقرؤها الأطفال من كتاب شعر ) .
ورغم تباعد الفجر كما المح ھو إلا انه یراه قادما إذا ثبتت الخطي على الطریق المؤدیة إليه " لا بل ثبت الخطي ترقي إلى القمم ... " فالمشاهد في الواقع :
" الأرض ملئت ظلما وساد فيها الشر ، فأین معاجز الرحمة ...
لا أرى غیر مجروح ، ومقروح ، ومبحوح ، من فرط نداه " .
كل هذه الظواھر لا تزول إلا بالثورة ، وان عدوها الحقیقي من یدعو إلى الصمت والصبر ." الصبر .. الصبر ... الصمت الصمت ... إلي متى ... دقوا دقوا ... ارفعوا الصوت عالیا ... أما آن للقید أن ینكسر ؟؟ . فمن یعشق العلا لا یتوقف عن السعي إليه.
   " إن كنت تعشق الصعود الى الجبل فلا تقل ما أعلاه ...
 إن كنت ممن یعشق الصعود للآلة
فاطحن الصمت واجعله  مرادفا للصلاة "
كل ذلك من أجل العدل والوطن الذي یعتبره ملكا للجمیع فنراه يقول تحت عنوان " بلادي ":
بلادي  لي ... لك ... له ... لهم ... لنا ... لیست غنیمة لأحد .
نأمل أن نكون قد ألممنا ببعض شخصیة الشاعر من خلال ما اخترناه .

 بقلم : يحيى الأسطل .

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

لماذا لم يشهد العالم ديانات كبرى بعد الإسلام؟


سجن سيبينانغ في شرق جاكرتا، يقف كالقلعة المنيعة بأسواره العالية وأبراج المراقبة الموزعة على أركانه،، يفصل ضجيج المدينة الصاخب عن المجرمين القابعين داخل أبوابه.
هذا السجن معروف على المستوى الوطني باستضافته لأعتى المجرمين من دهاقنة المخدرات الذين تغطي الوشوم وجوههم وأذرعهم، وأباطرة الإرهاب الذين روعوا البلاد، ومن بين نزلائه أيضا شخص يدعى أحمد مُصدِّق، محكوم عليه  بخمس سنوات، تهمته مختلفة وغريبة؛ إنه متهم بالهرطقة وابتداع دين جديد.
عريض المنكبين، رمادي العينين، يرتدي طاقية تشبه تلك التي كان يرتديها جواهر لآل نهرو، وتعلو وجهه ابتسامة ظافرة، لقد كان مصدق مدرب المنتخب الأندونيسي لرياضة البادمنتون ، ثم تحول إلى واعظ، فداعية، ثم في آواخر التسعينات ادعى أنه قد أوحي إليه أنه ابن الله.
منذ ذلك الحين إلى اليوم، أصبح له أتباع يقدرون ب 50 ألفا من الأندونيسيين والماليزيين المسلمين، إنهم اليوم يعتقدون أنه النبي الذي بعثه الله بعد محمد(ص)، وأسسوا حركة دينية تدعوا إلى تعاليم مصدق وطقوس الدين الجديد الذي أطلقوا عليه »ملة إبراهيم» ويعرف أيضا ب «جافاتار».
ليس هذا فحسب، فإن الحركة الجديدة  اعتمدت على العمل الاجتماعي من خلال حركة اجتماعية موازية ، وتنادي في أتباعها بالعودة إلى الأرض بإحياء الزراعة، والاكتفاء الذاتي عن طريق الفلاحة، و قد اعتبر مصدق المدينة مجالا فاسدا، وأن أنجع وسيلة للعبادة؛ هي حرث الأرض في انسجام مع الطبيعة تحت ظلال مجتمع زراعي مؤمن.
بالنظر إلى حداثة التجربة، فإنها صورة حية للمراحل الأولى التي تمر بها عادة عملية إنتاج الديانات المستمرة، التي تعد قديمة قدم الإنسانية.
يرى علماء النفس أن المخاض الذي تمر به تجربة خلق دين ما أو عقيدة، هو ظاهرة نفسية، ومن عادة المتنبئين والزعماء الدينيين أنهم يَرَوْن في ذواتهم العظمة والشموخ والسمو الروحي والأخلاقي عن باقي الأفراد. هم أيضا في أنفسهم يجسدون ديانات صغيرة حية، لكنها لم توفق في اكتساح البشر مثل الديانات الكبرى لأسباب مختلفة، منها افتقاد الغموض وعتاقة الماضي، الحجب الصفيقة التي ترخيها مدة ألفي سنة مثلا، تعطي للفكرة مصداقية أكبر، وتضفي عليها عبقا أسطوريا ساحرا، بينما عندما يدعي مثلا كلود فوريلهون مؤسس ديانة الرايليزم في السبيعنيات أنه اطلع على أسرار أصل الإنسان، بعد أن اختطفه كائن فضائي، فإن ذلك يثير في النفس سخرية واستهجانا.
أمثال مصدق موجودون بيننا بكثرة، قد لا يدرك المسلمون كم بينهم من الزعماء الدينيين الذين لم تتح لهم الفرصة ليصبحوا أنبياء، وظلوا تحت جبة الإسلام، لكنهم رغم ذلك انتزعوا لأنفسهم شيئا من وظائف النبوة من خلال التشريع والفتوى، واقتطعوا قدرا من القداسة من خلال الألقاب والأزياء التي تميزهم عن الناس العاديين، وبعضهم أسس جماعات وأحزاب إسلامية ودعوية، سمحت لهم بممارسة سلطة النبوة بشكل ثانوي وغير صريح على الأتباع الذين يَرَوْن فيهم ظلال الله في الأرض ويخضعون لهم خضوعا مطلقا  .
بعض الباحثين في الأديان الجديدة يقدر  عدد الأديان المستحدثة في تاريخ أندونيسيا المعاصر بما يفوق عن 600 حركة دينية،هذا الأرخبيل من التجمعات الدينية في أندونيسيا، ليس أمرا فريدا في العصر الحديث، وبالرغم من تزايد الوعي العام، وتطور الفكر الإنساني، وتمدد العلم بالتكنولوجيا الحديثة، وارتفاع أعداد المتعلمين، فإن المجتمعات بمختلف تجاربها عبر العالم، ما انفكت تنتج باستمرار أديانا جديدة، وخصوصا في الدول التي تتسم حكومتها بنوع من المرونة في التعاطي مع المتنبئين و دعاة الاتصال بالإله، مثل الولايات المتحدة وكندا وروسيا، وحسب مجلة نيويورك تايمز فإن شريحة عريضة من 106 أشخاص الذين أدانهم القضاء في أندونيسيا  بالكفر والزندقة منذ 2004،  كانوا من المتنبئين وحوارييهم .
ومثل غيرها من الحركات، تأمل ملة إبراهيم في التوسع والتمدد حتى تغدو أكثر أتباعا من الإسلام والمسيحية باعتبارهما الديانتين الإبراهيميتين الأوسع انتشارا. ويعتقد مصدق أن الديانات الإبراهيمية قد استهلكت حيويتها، ويزعم أنها في طريقها إلى التفكك والاندثار  بفعل البدع و الفساد الذي داخلها والجوع إلى الحكم والسلطة، إلى أن يظهر في الناس الرسول المجدد الذي سيعيد إحياء العلاقة الإبراهيمية الأصيلة مع السماء.
لا يرى مصدِّق في الأحوال المضطربة التي يتقلب فيها الشرق الأوسط، وشيوع القتل في مدنه والحروب المستمرة بين طوائفه، إلا إحدى الإشارات إلى أن الإسلام قد بلغ مداه، و أن دوره قد حان ليستلم مشعل النبوة ويجدد للناس دينهم، مثلما كانت اليهودية متبوعة بالمسيحية، وهذه الأخيرة بالإسلام، فملة جافاتار سوف تخلف الإسلام.
إن مثل هذه الحركات الدينية تجد شعبية في المجتمعات المتخلفة في دول العالم الثالث، وحتى بعض المجتمعات المتقدمة المحافظة في الغرب، حيث يسهل استقطاب البسطاء ومتواضعي الثقافة والأميين نحو أي دعوة روحية تلعب فيها كاريزما الزعيم وبلاغته الخطابية وإدراكه لنفسية المخاطبين وتلاعبه بمشاعرهم، دورا محوريا في ضم الأتباع وتمدد الدعوة. 
لكننا نلاحظ أن الدعوات الدينية والزعماء الذين يدعون النبوة قد عجزوا على امتداد 1400 عام منذ ظهور الإسلام، على خلق ديانة أممية بحجم الإسلام أو المسيحية، وظلت الديانات الأربعة: المسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية، تحتكر  وفاء 92%من سكان المعمور  من المؤمنين.
لعل أهم الأسباب التي ساهمت في حصر تلك الدعوات في أعداد ضئيلة لا تبلغ حد منافسة الأديان الكبرى، هو التضييق الذي تواجهه تلك الأقليات من طرف الحكومات، فقد أكدت تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش أن أندونيسيا تعد من الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الأقليات الدينية.
فقد حلت الحكومة حركة جافاتار،  وبعد ذلك بوقت قصير قام الأهالي الغاضبون بحرق الأراضي الفلاحية التي هاجر إليها أتباع أحمد مصدق في أقصى البلاد، حيث باعوا ممتلكاتهم في مدنهم الأصلية ليعتزلوا الناس ويمارسوا أنشطتهم الزراعية والروحية بعيدا عن مضايقات السكان، في بلاد ذات أغلبية مسلمة مثل أندونيسيا.
كانت فلسفة مصدق تكمن في الدفع بأتباعه نحو نمط من العيش أكثر راديكالية، ورأى في أنه لا بد أن ينأى بفصيله عن المجتمع ذي الأغلبية المسلمة؛ حتى تخلو له أجواء الإعداد وأسباب الدعوة بعيدا عن أي عوائق ومنغصات من طرف الحكومة أو الشعب على حد سواء.
كانت دعوة مصدق تشبه كثيرا ما حدث مع الزعيم الروحي جيم جونس في الولايات المتحدة؛ الذي أقنع أتباعه بالرحيل إلى منطقة قاصية من أدغال غوايانا للعمل على إنشاء مشروع زراعي ضخم، ثم ما لبث أن تسبب في عملية انتحار جماعي ل900من أتباعه عن طريق تناول سم سيانيد في سبعينات القرن الماضي، من ضمنهم 300 طفل.
لقد أعادت السلطات الأندونيسية 7000 من أتباع مصدق إلى أقاليمهم الرئيسيّة على متن الطائرات والبواخر بعد انتزاع الأراضي الفلاحية منهم، وأدان القضاء 25 عضوا في الحركة بالكفر والهرطقة، أما باقي أعضاء التنظيم فقد فرضت عليهم الحكومة الالتحاق بدروس التوعية الدينية لإعادتهم إلى صحيح الإسلام.
فالملاحقات التي تمارسها الدولة بمعونة السلطة الدينية في المجتمع سبب رئيس في انحسار الأديان الجديدة والحيلولة دون تكوين دين أممي كبير، حيث يلعب رجال الدين دورا بارزا في هدم المعتقدات المحدثة لصالح المعتقد التقليدي الأول، الذي يتمتع بدعم الدولة والمؤسسة الدينية الرسمية، ويحول القانون في الدول الإسلامية خاصة دون تكوين جمعيات دينية تدعو إلى معتقدات جديدة، الأمر الذي تناهضه بشدة منظمات حقوق الإنسان وترى فيه تعديا على حرية التعبير والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.
وبالرغم من ظهور أديان جديدة في العصر الحديث نجحت في حصد ملايين الأتباع مثل ديانة المورمونيين في  ولاية أوته في أمريكا الشمالية التي نشأت قبل قرن ونصف، أو الساينتولوجيين، أو البهائيين، فإنها تبدو كالكويكبات المتناهية الصغر بالمقارنة مع الأديان الأربعة الكبرى، فالبهائيون رغم أعدادهم الكثيرة نسبيا، حوالي 7 مليون منتسب، و هو ما قد يعطي انطباعا بالدهشة، لكنهم في الحقيقة لا يمثلون سوى 0,1  من سكان الأرض، مع العلم أن البهائية أسست قبل 150 عاما تقريبا، منذ 1863.
ويرجع ذلك النمو البطيء كما ذكرنا إلى مضايقات السلطة، فالبهائيون في مصر مثلا لا يحق لهم تسجيل ديانتهم في خانة الديانة في بطاقة الهوية، وقبل أيام منعت السلطات المغربية معتنقي الديانة البهائية من إقامة احتفالات رسمية بمناسبة مرور 200عام لولادة بهاء الله مؤسس الديانة، وقد اعتادت السلطات في المغرب على منع أي نشاط دعائي للطائفة، وظلت تعتبر دعوتهم تهديدا لثوابت الأمة المغربية.
لكن ليس هذا هو العامل الوحيد في عدم انتشار الأديان الجديدة، لأن هناك بلدانا تسمح بقيام مثل هذه الدعوات، وممارسة أنشطتها بحرية مطلقة، لكن هناك عوامل ذاتية تخص جاذبية الأفكار التي ينتجها الدين الجديد، وهل يجيب على الأسئلة الوجودية التي تشغل الإنسان، لابد أن يهيئ إجابات مقنعة لمعنى الحياة والموت، ولابد أن يتمتع بطابع اجتماعي، و خطاب عقلاني يأخذ في الاعتبار  معطيات الحداثة و التحولات البنيوية للمجتمعات المعاصرة، كما ينبغي ألا يكون على تضاد مع حقائق العلم الحديث و المعطيات العلمية في تفسير الظواهر الطبيعية، لأن الناس باتوا يكنون احتراما كبيرا للنظريات العلمية، وهذا ما جعل كثيرا من الأديان الجديدة تخفق في ذلك لحد الآن.
طه لمخير -- مصر المدنية 

الخميس، 12 أكتوبر 2017

لماذا نخاف من الفكرة ؟

الفكرة ليست هي الشيطان الرجيم !
لماذا نخاف من الفكرة؟!
الإجابة ببساطة..
لأنها غالباً ما تأتي عكس المأثور والمتعارف عليه الذي ركنت إليه العقول وإرتاحت !
تأتي الفكرة لتنبه العقل بأن ماإختزله بداخله ليس كله صحيح وبأن المأثور الفاسد مهما تواتر النقل بشأنه يظل فاسد!..
وبأن التطور الإنساني دائماً في حاجة إلي الفكرة التى تكفل له البقاء..
لو تأملنا قليلاً فيما نعتقد أنه صواب وهو غير ذلك سنجد أن إعتقادنا هذا قد ترسخ في اللحظة التى قبلناه فيها دون وعي أو تدقيق..
هكذا يتولد المأثور الخاطئ.. قبول دون وعي فركون إلي ماقبلناه ثم يضحى أمامنا مثل الصخرة التى تحتاج قوة خارقة لتحريكها دون جدوى..!
هكذا نصنع العثرات بأيدينا ثم نقر بعجزنا عن إزالتها..
بالطبع يوجد في حياة كل أمة مجموعة من الثوابت التى تقوم عليها سواء كانت ثوابت دينية أو تاريخية أو حضارية وهذا شيء مقبول ومفهوم طالما جاءت الثوابت لترتقي بقيمة الإنسان وهنا يصبح رسوخ الفكرة من هوية الأمة التى يجب أن تحافظ عليها بل وتحارب من أجلها.
وعدا ذلك فهو يقبل الجدل والنقاش والتدقيق والتصحيح وكم من أفكار اعتقدنا صحتها ثم اتضح أنها لا أصل من الصحة ولولا أن بهذه الأمة من حمل علي عاتقه مهمة إنارة العقول لغشيتنا الظلمة والجهالة..!
لو لم يفكر أبو الأنبياء إبراهيم لما إهتدى إلي وحود الله.
ولو لم يعتزل محمد بن عبد الله قريشاً في لهوهم لما صار آخر الأنبياء..!
ولو لم يتجول سقراط بربوع ربوع أثينا يحدث الناس بالفكرة لما إهتدي اليونانيون إلي الحكمة الفلسفة..!
ولو لم يكتب سقراط لما عرفت جامعات أوربا شيء عن المنطق..!
ولو لم يصرخ إبن رشد في وجوه الشيوخ والكهنة لما عرفنا أن الله لم يخلق لنا عقولا ليشرع لنا أحكام تخالفها..!
لو لم يفكر إبن خلدون ورفاعةالطهطاوي والإمام محمد عبده لما عرفنا أن الشريعة نهر متجدد من الأحكام وليست هى هذا الجمود الذي يحدثنا به البعض.
الفكرة هي الفجر الحقيقي الذي يبعثه الله إلى الإنسان كل يوم فلا تخافوها لأننا بها عرفنا الله والكون..!
الفكرة هى التى تهب هذا العالم الكبير وجوده الحقيقي واستمرار بقائه.
الفكرة لا تخيف أبداً….
إنما الخوف كل الخوف من الجهل والجُهال والركون إلي المأثور دون وعي ودون إعمال العقل..!
وللحديث بقية..
#نحو_فكر_مستنير    
نقلا عن المكتبة 
بقلم : سامح عبدالله  

الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية

هذا عنوان واحد من كتب الراحل الجليل خليل عبد الكريم (سينا للنشر- عام 1990) نفى فيه بالدليل القاطع لأى شك وصف مجتمع قريش قبل الإسلام ب (الجاهلية) واستشهد بجملة عمربن الخطاب الدالة ((العرب مادة الإسلام)) وهذا معناه أنّ ((العرب مصدرالكثيرمن الأحكام والقواعد والأنظمة والأعراف التى جاء بها الإسلام أوشرّعها ، حتى يُمكننا أنْ نؤكد ونحن على ثقة شديدة بأنّ الإسلام ورث من العرب الشىء الوفيرفى كافة المناحى التعبدية والاجتماعية)) فمثلا كان فى جزيرة العرب 21 كعبة- قبل الإسلام- ولكن القبائل العربية أجمعتْ على تقديس (كعبة مكة) ونقل عن زهيربن أبى سلمى فى معلقته ((فأقسمتُ بالبيت الذى طاف حوله/ رجال بنوه من قريش وجرهم)) وقال ابن الكلبى فى كتابه (الأصنام) ((كان العرب يُعظمون الكعبة ومكة ويسيرون على إرث إسماعيل من تعظيم الكعبة والحج والإعتمار)) فجاء الإسلام وأبقى على تقديس الكعبة. ونظرًا لتعظيم قريش على غيرها من القبائل ، فإنّ بعض المذاهب الفقهية تـُبيح طلاق القرشية وخاصة الهاشمية إذا تزوّجتْ من غيرقرشى هاشمى لعدم الكفاءة. استنادًا لحديث للنبى محمد قال فيه ((لاتكون العرب كفؤا لقريش والموالى لايكونون كفؤا للعرب))
كان العرب قبل الإسلام يحجون فى شهرذى الحجة من كل عام ، فيرحلون إلى مكة لأداء فريضة الحج ، وكانوا يقومون بذات المناسك التى يقوم بها المسلمون حتى اليوم ، والاستثناء الوحيد هوالتخلص من عبارات (الشرك) التى كانت تقال قبل الدعوة المحمدية. وقبلها أيضًا كان تقديس شهررمضان وتحريم الأشهرالحرام وتعظيم إبراهيم وإسماعيل وأنهما – فى رأى عرب قبل الإسلام- هما اللذان أقاما بناء الكعبة فى مكة. وقال عمربن الخطاب ((وافقتُ ربى فى ثلاث ووافقنى ربى فى ثلاث . قلتُ يارسول الله: ” لواتخذنا مقام إبراهيم مصلى ” فأنزل الله ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) (البقرة/ 125) كذلك فإنّ الاجتماع يوم الجمعة تأسّس قبل الإسلام . 
وقبل الإسلام ظهرتْ حركة دينية ذات حضورمُتميز: فى يثرب أبوعامرالراهب. وفى الطائف أميه بن أبى الصلت . وفى مكة زيد بن عمربن نفيل وورقة بن نوفل (ابن عم خديجة زوجة محمد الأولى) ويرى د. سيد القمنى أنّ عبدالمطلب (الجد المباشرلمحمد) هوأستاذ الحنيفية. وأنهم جماعة ((من العقلاء العرب سمتْ نفوسهم عن عبادة الأوثان ولم يجنحوا إلى اليهودية أوالنصرانية ، إنما قالوا بوحدانية الله)) وقال د. السيد عبدالعزيزسالم فى كتابه (دراسات فى تاريخ العرب قبل الإسلام) أنهم كانوا يرون أنّ ((الدين عند الله الحنيفية)) وفى معتقدهم أنّ ((الوحدانية هى دين الخليل إبراهيم)) وأنّ من أبرزملامح هذه الحركة الدينية : النفورمن عبادة الأصنام ، تحريم الربا وشرب الخمروحد شاربيها ، تحريم الزنا وحد مرتكبيه. الاعتكاف فى غارحراء للتحنث فى شهررمضان . قطع يد السارق أمربه عبدالمطلب (جد محمد) تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير. النهى عن وأد البنات ، الصوم ، الغسل من الجنابة. الإيمان بالبعث وأنّ من يعمل صالحًا يدخل الجنة ومن يعمل سوءًا فإلى السعير((وكل هذا يُوصّل إلى الشعيرة الرئيسية التى أجمع عليها الحنفاء وهى الإيمان بإله واحد والدعوة إلى عبادته))
ومن الأعراف الاجتماعية أنّ العرب قبل الإسلام كانوا يؤمنون بالحسد وتأثيرالحاسد فى المحسود فجاء الإسلام وأقرّذلك . وقبل ظهورالإسلام كان (النفث) فى العقد أحد ضروب السحر، فجاء الإسلام وأقرّ((النفث من العقد)) (سورة الفلق) وكان العرب يعتمدون على الإبل لذلك ذكرها أكثرمن شاعرمن شعراء قبل الإسلام ، فجاء الإسلام وأعطاها أهمية خاصة فى أكثرمن سورة (الأنعام، النحل، المؤمنون) وكان العرب يُجيزون تعدد الزوجات إلى غيرحد ، والرجل كان يُسمى (بعل) وهواسم لإله قديم (ورد فى الموسوعة العربية المُيسرة- ط عام 1965ص 382: ((بعل (بالسامية = المالك) اسم ورد فى العهد القديم للإشارة إلى آلهة كنعان حيث كان يُعبد فى بقاعها المختلفة)) وذكرأ. خليل أنّ كلمة بعل ذات دلالة إيحائية ، ف (البعل) يُقابله (المبعول) وهوهنا الزوجة التى هى بهذه المثابة مملوكة ل (بعلها) والكلمة بهذا تجتث من نفس الزوجة شعورها بأى إعتداد أومكانة أوحتى أى إحساس بالكينونة. وتغرزفيها الاسستكانة والطاعة والتبعية المُطلقة والرضى بالوظيفة التى حدّدها لها البعل وهى المُتعة الجسدية. جاء الإسلام وأقرّتعدد الزوجات (النساء/ 3) وهناك رأى له وزنه بين بعض المُفسرين يقول إنّ هذه الآية لاتعنى الوقوف عند أربع زوجات ، وحتى هذا القيد لم يكن عائقا أمام التقليد العربى فكان الطريق للإفلات منه والاستمتاع بأى عدد من الزوجات هوالطلاق ، فمن حق المسلم أنْ يُطلق زوجته ويتزوج غيرها بشرط ألاّتجتمع لديه فى وقت واحد أكثرمن أربع زوجات ، هذا بخلاف الإماء أوالجوارى أوالسرارى أوملك اليمين فهؤلاء لاحدّ على امتلاك أى عدد منهن ولذا وجدنا من الصحابة من تزوّج أعدادًا وفيرة من الزوجات بخلاف ملك اليمين ، فتزوج عمربن الخطاب تسعًا وعثمان بن عفان تزوج تسعًا وعلى بن أبى طالب تزوج تسعًا. وأنّ بعض السيدات تزوّجتْ خمس مرات. وأنّ الإسلام استعارلفظ (البعل) للدلالة على الزوج (النساء/128، النور/31) وهو ذات اللفظ الشائع لدىعرب ماقبل الإسلام ، ورغم ذلك فإنّ القرآن قرّرأنّ (بعلا) كان أحد الآلهة التى تـُعبد من دون الله (الصافات/ 125) وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدى : البعل بلغة اليمن الرب ((إذن استبقاء القرآن للفظ (بعل) كتابة أودلالة على الزوج هوإمتداد للنظرة العربية السائدة قبل الإسلام ، ومن النصوص العديدة المؤيدة لذلك الحديث النبوى ((لوكنتُ آمرًا أحدًا أنْ يسجد لأحد لأمرتُ الزوجة أنْ تسجد لزوجها)) (أخرجه الترمذى والنسائى) ويصل إذعان الزوجة ل (بعلها) لدرجة أنه لايجوزلها تأدية النوافل مثل الصيام فى غيررمضان بغيرإذنه. ومن الأحاديث النبوية ((لن يفلح قوم ولوا امرأة عليهم)) و((النساء ناقصات عقل ودين)) كما أنّ المرأة نصف الرجل فى حالة الشهادة (البقرة 282) وكذا الأمرفى الميراث (النساء/11، 176) وفى حالة وفاة الزوجة يرث زوجها نصف تركتها إنْ لم يكن لها ولد وإلاّفله الربع. أما فى حالة وفاة الزوج فإنّ زوجته ترث ربع تركته إنْ لم يكن له ولد وإلاّفلها الثمن. كما أقرّالإسلام قوامة الرجل على المرأة وحقه فى ضربها . وردًا على الذين يُدافعون عن الإسلام بأسلوب عاطفى غيرعلمى ، ذكرأ. خليل أنّ (موقف الإسلام من المرأة بعامة (زوجة أوبنتـًا أوأختـًا إلخ) وكما حدّدته بدقة صارمة (النصوص المُقدّسة) جاء متوافقـًا تمام الموافقة مع موقف العربى قبل الإسلام) (ص47) 
التفرقة بين العرب وغيرهم من الشعوب : 
كان العرب قبل الإسلام مُتعالين جدًا ويُسمون ماعداهم بالعجم . والعجم كما جاء فى مختار الصحاح للرازى ((ضد العرب والواحد عجمى وفى لسانه عجمة والعجماء البهيمة)) (المطبعة الأميرية- عام 1911ص440) أى أنّ كل شعوب العالم بهايم ماعدا العرب. وبلغ تعصبهم إلى درجة التعالى على الجنسيات الأخرى وذلك برفضهم مصاهرة غيرالعربى ، ومن بين الأمثلة العديدة ماحدث مع الصحابى الجليل سلمان الفارسى الذى رفض عمربن الخطاب تزويجه لابنته لأنه ليس عربيًا ولاقرشيًا. ولفظ (أعجمى) أقرّه القرآن فى أكثرمن سورة (الشعراء/ 198كمثال) واستمرتْ التفرقة بين العرب و(العجم) قائمة ، فكان أعداء الدولة العباسية يُسمونها من باب التحقير ب (الدولة العجمية) لأنها قامت على سيوف (الخرسانية) وهم (أعاجم) وأعلب خلفائها أمهاتهم إماء (عبيد عجماوات) وكان الناس فى بغداد يتكلمون عن الخليفة المأمون تعريضًا بأمه الفارسية (الأعجمية) وانتشرتْ الكتب فى (مناقب العرب) و(مثالب العجم) ومن أشهرها كتاب (تفضيل العرب) لابن قتيبة. وذكرأ. خليل ((ليس فيما ذكرناه مايدعوللعجب إذْ أنّ أعراف عرب ماقبل الإسلام ظلتْ حية فى نفوس من جاء بعدهم بل إنها مازالت متوارثة حتى الآن)) (ص51) 
احتقار الزراعة : 
كان رزق العربى قبل الإسلام يأتيه من سيفه (الحروب بين القبائل) أومن التجارة ، وإذا كانت سورة (قريش) قد ذكرتْ (الإيلاف) فإنّ الأصل يعود إلى هاشم (جد محمد) وجاء الشعر (قبل الإسلام) ليؤكد ذلك مثل : ((عمروالعلا هشّم الثريد لقومه/ سفرالشتاء ورحلة الإيلاف)) أما الموقف من الزراعة فكان أهل البادية كثيرًا مايفرضون (إتاوة) على الزراع بحجة حمايتهم . ولعلّ هذه (الإتاوة) هى الأصل التاريخى لما عُرف فيما بعد ب (الجزية) وأطلق العرب على الفلاحين (أعاجم) أى بهايم وهذه النظرة إلى الزراع والزراعة كانت سائدة لدى عرب ما قبل الدعوة المحمدية ، فجاء الإسلام وأقرّها ففى الحديث النبوى ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) وكان بنوحنيفة قبل الإسلام من القبائل النادرة التى عملت بالزراعة. وكانت القبائل الأخرى تنظر إليهم نظرة احتقار، وكتب الشاعرجريرالخطفى قصيدة عيّرفيها بنى حنيفة لعملهم بالزراعة. ونفس الشىء فى قصيدة أنس بن أبى أناس الذى خاطب بنى حنيفة قائلا ((أولكم وآخركم عبيد)) (من ص 57- 61)
العبودية : ذكرالعقاد أنّ الإسلام ((شرّع العتق ولم يُشرّع الرق)) فاختلف معه أ. خليل الذى كتب إنها حقيقة ناقصة، فالإسلام إذا كان لم يُشرّع الرق (= العبودية) إلاّ أنه أباحه وأجازه ولم يُحرمه. فقد كان للنبى محمد وللخلفاء الراشدين وللعشرة المُبشرين بالجنة ولغيرهم من الصحابة ثم لأئمة المسلمين وعامتهم، كان لهم عبيد وإماء، واستمرالحال كذلك حتى تم إلغاء الرق بقوانين وضعية. وليس صحيحًا ماذهب إليه العقاد من أنّ الإسلام لم يعرف سوى (رق السبى) فى غارات القبائل بعضها ضد بعض ، وهى التى تحوّلتْ إلى غزوات أوفتوحات ، فقد عرفتْ الشريعة الإسلامية (رق البيع والشراء) كنتيجة لازمة ل (رق السبى فى المعارك) ومن حق مالك العبد أوالجارية بيعه. كما عرف الإسلام (رق الاستدانة أوالوفاء بالديون) فقد فات العقاد أنّ النبى محمد قبل نزول آيات الربا قضى باسترقاق شخص عجزعن الوفاء بدينه لدائنه. ولوسلمنا جدلابما ذهب إليه العقاد من أنّ الشريعة الإسلامية لم تعرف سوى (رق الأسر) فى المعارك الحربية ، فإنّ هذه الإباحة لهذا النوع لم تكن إلاّميراثا من العرف القبلى العربى السابق على الإسلام والذى كان يعطى القبيلة المُنتصرة حق استرقاق أفراد القبيلة المُنهزمة. ووفقا لعبارة الإمام الجوزى ((وافق الإسلام التقاليد العربية)) (من ص 80- 82) 
غنائم الحروب : قال عدى بن حاتم ((ربّعتُ فى الجاهلية وخمّستُ فى الإسلام)) أى أنّ الأميرفى (الجاهلية) كان يأخذ ربع الغنيمة ، وجاء الإسلام فجعله الخمس (الأنفال/ 41) ومن الوقائع التى حدثتْ قبل الإسلام ((نستدل منها أنّ العرف قد استقرفى القبائل العربية على أنّ من حق القاتل فى غارة أوغزوة أنْ يستولى دون غيره من المحاربين على سلب من قتله. هذا العرف القبلى انتقل إلى الشريعة الإسلامية. وقضى رسول الله فى السلب للقاتل ولم يُخمّسه. و(الصفى) ماكان يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة. وكان الرسول يصطفى لنفسه من كل مغنم عبدًا أوأمة أوفرسًا. وكان الخمس من أهم موارد الدولة (الإسلامية) فيما بعد وفاة محمد خاصة بعد الفتوحات / الغزوات (من ص 95- 100) 
الخلافة : أكد سلمان الفارسى أنّ الرسول علمهم كل شىء حتى مايفعلونه داخل الخلاء، أى أنّ الرسول لم يترك كبيرة أوصغيرة من شئون الحياة إلاّوأرشد أصحابه والمسلمين من بعدهم فيما يسلكونه فيها حتى التى لاتمت بصلة مباشرة بالعبادة مثل كيفية ارتداء الملابس وأدب دخول الفراش مع الزوجة الحرة أوالعبدة (ملك اليمين) فلماذا لم يترك حديثا واحدًا يُبين فيه من يتولى الخلافة من بعده وكيفية تنصيبه ونظام الحكم فى الإسلام؟ الجواب أوالاجتهاد الذى قدّمه أ. خليل هو((لم يشعرالمسلمون (والأدق عرب الجزيرة خاصة قريش) بتغييريُذكربين ماكانت عليه إدارة شئونهم فى (الجاهلية) وما أصبحتْ عليه فى الإسلام إلاّمن حيث القيم التى حكمتهم وأصبحت تحكمهم ، فما كانت قيادة محمد للجماعة الإسلامية لتختلف عن قيادة جده قصى لقريش)) ونقل عن د. حسين فوزى النجارأنّ النبى ((لم يشرعلى المسلمين بما يُتبع فى حكم المجتمع الإسلامى ، ولم يضع قواعد ثابتة لنظام الحكم ولم يُغيرشيئا مما كان عليه القوم فى إدارة شئونهم)) وفى كل الأحوال فإنّ الخلافة الإسلامية تحوّلتْ إلى وسيلة لنهب موارد الشعوب ، إذْ أنّ ((الفتوحات التى تمّتْ والتى صبتْ فى خزائن المسلمين وجيوبهم ثروات أسطورية ماكانوا يحلمون بها مجرد حلم)) وعن أثرالبيئة الرعوية والواقع الاجتماعى لفترة ماقبل الإسلام ذكرالعقاد ((لم يكن طبيعيًا أنْ يصمد الناس على سنة النبوة أكثرمن جيل واحد تئوب بعده الطبائع إلى فطرتها)) وإذا كان معاوية هومن سن آفة توارث الخلافة، فمن رأى أ. خليل أنه ((لوكان شخص آخرمُبشرًا بالجنة أو بالنار، لسارفى ذات الدرب ولصنع صنيعة معاوية.. والدليل على ذلك أنّ نظام توريث المـُلك استمرفى الدول الإسلامية- سنية وشيعية- فى المشرق والمغرب حتى نهاية الخلافة العثمانية بل إنه مازال مستمرًا حتى الآن)) (من 103- 120)
أكذوبة أنّ الشورى تعنى الديموقراطية : 
من الناحية التاريخية فإنّ عرب ماقبل الإسلام عرفوا الشورى بذات الصورة التى وُجدتْ فى الإسلام . ومجلس الشورى ليس له أى دورحقيقى ، بل مجرد (رأى) قد يأخذ به الحاكم أويرفضه. وأبوبكرعندما قرّرشن الحرب فى (حروب الردة) أصرّعلى رأيه رغم مخالفة هيئة مُستشاريه إذْ قالوا: كيف تـُحارب قومًا يشهدون أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسوله ويُقيمون الصلاة؟ إنّ مقولة أنّ الشورى شـُرّعتْ للسيطرة على الحاكم غيرصحيحة. ومن هذا المنطلق يتضح مدى الخطأ الذى يقع فيه من يدعى أنّ الشورى هى الديموقراطية. إنّ الشورى هى ميراث من القبائل العربية السابقة على الإسلام (من 122- 129) والخلاصة التى انتهى إليها أ. خليل هى أنّ القبائل العربية وقت البعثة المحمدية- بتقاليدها وأعرافها ونظمها وشعائرها- هى المُسودة أوالبروفة للإسلام (134) وبالتالى فإنّ الإسلام والعروبة وجهان لشىء واحد. وأرى أنّ كتاب (الجذورالتاريخية للشريعة الإسلامية) أكمله كتاب أ. خليل (فترة التكوين فى حياة الصادق الأمين) الصادرعن دار ميريت عام 2001 الذى ذكرفيه الظروف التى مهّدتْ لفكرة النبوة، خاصة منذ إصرارالسيدة خديجة على الزواج من محمد رغم فارق العمربينهما (25سنة) ودورابن عمها (ورقة بن نوفل) وتوقف محمد عن العمل تمامًا بعد زواجه من خديجة. ودور(بحيرى الراهب) إلى آخر الشخصيات والظروف التى هيّأتْ المسرح لظهورمحمد كداعية للإسلام.
عن مصر المدنية  بقلم : طلعت رضوان 

الثلاثاء، 4 يوليو 2017

الوطن فى فكر جماعة الإخوان المسلمين

الوطن فى فكر جماعة الإخوان المسلمين

د. أحمد البغدادي 
مصطلح الوطن من المصطلحات الملتبسة فى الفكر الإسلامى، بمعنى أن المفكرين الإسلاميين المتقدمين منهم والمتأخرين، لم يناقشوا معنى هذا المصطلح برغم شيوع استعماله فى الفكر الانسانى. وهو مصطلح لم يرد له ذكر سواء فى القرآن الكريم أو السنة النبوية أو فى كتب الفقهاء اللاحقة، كما لا نجد له شرحا فى مراجع اللغة العربية. وليس من الغريب غياب معنى الوطن من الأدبيات العربية والإسلامية، نظرا لعدم تداولها لدى العرب ثم المسلمين من بعدهم. فعرب ما قبل الإسلام فيما يعرف “بالعصر الجاهلى” عاشوا فى بيئة قبلية بدوية لا تعرف معنى الوطن، حيث يرتبط الإنسان العربى بقبيلته التى تمثل له الملاذ الآمن من الثأر وتوفير الحماية والمعيشة، ولذلك عرف عرب الجاهلية معنى “الحمى” وهو النطاق أو الحيز الجغرافي المتحرك للقبيلة، التى ترتحل من مكان لأخر وراء الماء والكلأ. وبسبب ارتباط معنى الحماية بالحمى، لم يكن عصيا على الإنسان القبلى نقل ولائه من قبيلة لأخرى توفر له حماية أكبر.
يقول الدكتور إحسان النص: ” ونسابو العرب يحدثوننا عن ظاهرة لم تكن نادرة الحدوث فى قبائل العرب، تلك هى ظاهرة التحاق قبيلة بأخرى واندماجها بها لأسباب ودواعي شتى. وهى حينئذ تقطع صلتها بنسبها الأول وتلحق بنسب القبيلة التى اندمجت بها وتغدوا بمثابة بطن من بطونها”
ولا شك أن شيوع هذه الظاهرة يتناقض ومفهوم الوطن باعتباره مسقط الرأس حيث يولد الإنسان ويترعرع ويعيش، وبما يختزنه ومن ذكريات وأحاسيس، وانتماء لا يمكن استبداله حتى لو غادرة الإنسان واغترب منه لأسباب قهرية. ونظرا لذلك لا يرد مصطلح الوطن فى القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الحديث الشريف، بل إن الحديث النبوي المشهور (حب الوطن من الإيمان) يعد من الأحاديث المكذوبة الموضعة، وأنة لا يصح صدوره عن النبى (ص). وقد يستشهد البعض بحديث النبى (ص): “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد…”
وهو من الأحاديث الصحيحة، لكن الحديث لم يرد فى مجال الاعتراف بأهمية الوطن والانتماء إليه، بقدر أن مناسبة الحديث جاءت فى سياق دعاء الرسول (ص) بنقل حمى المدينة إلى الجحفة التى يسكنها اليهود، وذلك حين أصابت أبو بكر وبلالاً الحمى فى المدينة بعد قدوم النبى إليها، فجاءت عائشة إلى النبى وأخبرته عن حال أبيها و بلال، فدعا ربه أن ينقل الحمي إلى مكان إقامة اليهود، فكان المولود يولد بالجحفة (بضم الجيم)، فما أن يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى (كما ورد بموقع تخريج الأحاديث للشيخ الألباني).
ومن الواضح أن مصطلح الوطن لم يعرفه العرب إلا فى فرنسا، وذلك حين استخدمه المفكر المصرى مصطفى كامل (1874 – 1904) فى معرض تأكيده على الهوية الوطنية المصرية، لكنه كان يقصد القطر المصرى تحديدا، وفقا للكيان السياسي الجغرافى القائم. مما يعنى معه، أن مصطفى كامل كان يتحدث عن مفهوم الوطن ضمن منظومة الفكر الغربى الأوروبى. وفى ذلك الوقت كانت جميع المجتمعات العربية باستثناء مصر، خاضعة لسلطة الدولة العثمانية. وكذلك الأمر مع الإمام محمد عبده، الذي كان لا ينظر سوا إلى مصر من ناحية قومية، وليس من الناحية الدينية. بدليل مناقشته فكرة الجامعة الإسلامية التى طرحاه أستاذه جمال الدين الأفغانى، كرابطة للبلدان الإسلامية.
فى ظل هذا الالتباس لمفهوم الوطن كان من الطبيعي أن لا يجد هذا المصطلح صدى فى الأدبيات الإسلامية بشكل عام، سواء فى كتب الفقهاء أو مؤلفات مؤسسي الجماعات الدينية. لكننا نجد برغم ذلك، إشارات قصيرة موجزه حول هذا المفهوم من خلال مؤلفات الشيخ حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، وسيد قطب الذى كان يمثل علامة فكرية فارقة فى جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما سيتمحور حوله النقاش فى هذه الدراسة الموجزة، وذلك من خلال بحث مفهوم الوطن والمواطنة فى ضوء الحالة السياسية التى سادت العالم العربى، ثم نعرج بعد ذلك على مدى تواجد هذه الفكرة بعد رحيل كل من حسن البنا وسيد قطب، فى الكتابات والممارسات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة دول الخليج العربى تحديدا. وذلك للتعرف على مدى تطور هذه الفكرة منذ وفاة مؤسس الجماعة.
القوم والأمة بين الجاهلية والإسلام
الانتماء الفردى للإنسان العربى، فى عصر ما قبل الإسلام، يتمحور حول “القوم”، حيث يتباهى كل فرد بالانتماء لقوم ما. وبرغم أن الإنسان فى ذلك العصر، يُعرف بالعربى أو “عريبو” فى الثقافات القديمة، إلا أن عرب الجاهلية لم ينموا إلى امة عربية واحدة، بسبب الصراع القبلى، مما حال دون خضوع العرب لسلطة مركزية واحدة قبل أن يوحدهم الدين الإسلامي. لذلك كان الانتماء القبلى هو الأصل. يقول د. إحسان النص: “وكان الشاعر الجاهلى يرى أن من حق قبيلته علية أن يقف عليها موهبته الشعرية… وأن يسعى بوصفة مواطنا قبليا، بكل ما لديه من طاقة وجهد فى ما يعود بالخير والنفع على عشيرته… وهكذا نجد الشاعر الجاهلى لا يكاد يبلغه أن رجلا ما تعرض لقبيلته بسوء، أو انتقص من مكانتها حتى ينبرى لهجائه وثلب قبيلته، ولا يكاد يسمع شاعر يفخر على قومه حتى يبادر إلى الرد علية مفاخراً بعشيرته… والأعشى على رغم  تطوافه الطويل فى البلدان واختلافه إلى الملوك لم يكن ينسي قومه ولا يخفى اشتياقه إليهم:
إننى منهم وإنهم قومى
وإنى إليهم مشتاق
كذلك يكاد حسان بن ثابت فى شعرة الجاهلى يقصر مديحه على الغساسنة، وهم من الأزد قبيلة قومه…”
خلافاً لهذه الروح الجاهلية القائمة لدى العرب، جعل النبي (ص) من المسلمين أمة من دون الناس، بل انه (ص) ميز بين القبائل من خلال تصنيفها كأمم، ففى وثيقة المدينة التى كتبها النبى حين قدومه إليها، ووجدت النزاعات المتأصلة بين قبيلتي الأوس والخزرج من جهة، والتنازع بينهما وبين اليهود من جهة أخرى، قام النبى بتحديد موقع المسلمين فى هذا الخليط القبلى غير المتجانس بتمييز المسلمين والمؤمنين عن غيرهم، وذلك فى البند الثانى من الوثيقة أو الصحيفة، والذى نص على “أن المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس” وفى البند الخامس والعشرين من الصحيفة نص على أن “يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم”
وقد كان الاستطراد القرآنى يميل إلى “القوم” حين الإشارة إلى المجموعة البشرية التى يسعى الأنبياء إلى هدايتها أو تهديدها بالعذاب، بدليل كثرة الآيات القرآنية الواردة فى هذا الموضع، إلا أن القرآن الكريم كان أكثر تحديدا فيما يتصل بـ “الأمة” خاصة فى وصف الأمة الإسلامية، كما فى قوله تعالى “وكذلك جعلناكم أما وسطا لتكونوا شهداء على الناس” (البقرة:134)
وقوله “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير…” (أل عمران: 104)
وقوله “كنتم خير أمة أخرجت للناس…” (أل عمران: 110)
هذا الانتقال الدينى من فكرة القوم المحدودة إلى فكرة الأمة، يمثل توسعا وشمولا فى الرؤيا القرآنية للمجموعة الإنسانية الخاصة بالمسلمين، ساهم بصورة أو بأخرى بالتحرر من القيد الجغرافى – إن جاز التعبير – للقبيلة ممثلة بـ”الحمي”. وبالتالى انتقل المسلمون من ضيق القبيلة إلى رحاب الأمة ذات الطابع الدينى. وحيث أنة من المستحيل حصر عدد المسلمين فى كيان جغرافى محدد، بسبب التوسع فى الدعوة الدينية لكي يدخل الناس فى دين الله أفواجا، وهو ما حدث فعلا بعد فتح مكة فى السنة الثامنة للهجرة، ثم الامتداد الإسلامي خارج نطاق شبه جزيرة العرب إلى بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها من البلاد المختلفة، بما تضمه من أخلاط عرقية لا يجمعها سوي الدين الواحد. لذلك كان من الطبيعى جداً عدم التقيد بنطاق جغرافى واحد محدد لأنه يحول دون امتداد الدين، وهو ما يتنافى والدعوة إلى نشر الدين الإسلامي.
وبذلك أصبح الإنسان المسلم ينتمى إلى أمة محددة هى الأمة الإسلامية الغير مرتبطة بكيان جغرافى محدد، وهذا هو شأن الإمبراطوريات العظمى، كالإمبراطورية الرومانية والفارسية على سبيل المثال لا الحصر. وفى ظل الإمبراطورية الإسلامية لا يوجد سوي أحكام واحدة للجميع، ينتقل إليها المسلم بغض النظر عن المكان الذى يقطن فيه، ما دام يتحرك فى الكيان الجغرافى الواسع للإمبراطورية التى ينتمى إليها. ومن الطبيعى أن يُضعف هذا التوجه مفهوم المواطنة المحددة والمرتبطة بكيان جغرافى محدد. 
وعلى الرغم من زوال الإمبراطوريات المختلفة، ومن بينها الإمبراطورية الإسلامية وتفتتها إلى كيانات جغرافية محددة بعد زوال الإمبراطورية العثمانية، مثل مصر وبلاد الشام والعراق، إلا أن مفهوم “الأمة الإسلامية” ظل كامنا فى الوجدان الإسلامي دون أن يكون له أى تواجد فعلى. بل إنه اختفى فعليا بعد ظهور الدولة القومية أو الوطنية ذات الكيان الجغرافى المحدد. وظل كذلك، وما يزال، إلى أن جاء حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، فأعاد بعث فكرة الأمة الإسلامية من جديد دون الدخول فى التفاصيل، ثم جاء من بعدة حزب التحرير على يد تقى الدين النبهانى عام 1948، ليطرح فكرة إعادة بعث دولة الخلافة الإسلامية بما تمثله من امتداد لفكرة الأمة الإسلامية. لكن نظراً لاعتماد الأنظمة السياسية العربية لنظرية الدولة الوطنية، وتقسم الكيان العربى الواسع إلى كيانات عربية محددة، أصبحت فكرة الدولة الوطنية أقوى من أن تُزال أو يحل محلها فكرة بديلة، حتى ولو كانت فكرة الأمة الإسلامية.
الوطن والوطنية فى فكر حسن البنا وسيد قطب
ولست أرى سوي الإسلام لى وطنا *** الشام فيه وبلاد النيل سيان
وكلما ذكر اسم الله فى بلد *** عددت أرجاءه من لب أوطانى
لعل فى هذا الشعر، الذى قاله أحد شعراء جماعة الإخوان المسلمين، ما يعبر عن وجه نظر الإخوان المسلمين فى ما يتصل بفكرة الوطن. لكن فكرة الدولة الإسلامية لدى حسن البنا إنما جاءت فى سياق معارضته وخصومته مع المؤسسات الغربية، ومفاهيم الحضارة الغربية، التى كانت تهيمن على الدولة المصرية فى الوقت الذي أسس فيه جماعته، حيث دعا فى المقابل، للتخلص من هذه الهيمنة الغربية إلى “المطالبة بإقامة نظام إسلامى” رغم أنه لم يعكس رؤية متكاملة عن شكل هذا النظام، بقدر ما عكس مجموعة من المبادئ العامة المستمدة من القرآن والسنة وسيرة الخلفاء الراشدة.
ومن الطبيعي أن يكون هذا النظام الإسلامي هو ذاته دولة الخلافة. فالخلافة بالنسبة له “رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام…” وبناء على ذلك يرفض البنا فكرة الوطنية بقوله “الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية، ولا بأشباها، ولا يقولون فرعونية وعربية وسورية…” ومما لا شك فيه أن هذا التوجه إنما قصد به معارضه الداعين إلى مصر الفرعونية، ومنهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. ولذلك كان من الطبيعي أن يرفض حسن البنا فكرة التعددية السياسة كالأحزاب والهيئات السياسة.
لكن حسن البنا أعقل من أن يدخل في نزاع وتخاصم مع هذه الهيئات والأحزاب السياسية فى بداية دعوته، لذلك لا نجدة يعادى الدولة المصرية، بل إنه يتعامل معها، خاصة القصر، إلى أن تم اغتياله. وبذلك رحل البنا دون أن يبين ويوضح كيفية تحقيق دولة الخلافة على أرض الواقع، بل انه كان شديد الولاء لبلده مصر بدليل اشتراكه فى المظاهرات الوطنية الداعية للتحرر من ربقه الاحتلال البريطانى.
وللوطنية عند حسن البنا مراتب تتدرج ابتداء من:
القطر الخاص أولا
ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى فكلها وطن ودار
ثم يرقى إلى الدولة الإسلامية الأولى
ثم يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعا.
ومما لا شك فيه أن البنا لم يكن واقعيا فى مفاهيمه وتصوراته، مما يدل عليه التناقض في توجهاته في طريقة تعامله مع الدولة المصرية التى لم يقف ضدها، يقول إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب، عاملون له، مجاهدون في سبيل خيره وسنظل كذلك ما حيينا معتقدين أن هذه هى الحلقة الأولى فى سلسلة النهضه المنشودة، وأنها جزء من الوطن العربى العام، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والإسلام، كما أنه لم يقدم برنامجا تفصيليا حول الخطوات اللازمة، أو المدى الزمنى لإقامة الخلافة الإسلامية. بل إن هذا المصطلح يختفى بعد توسع الجماعة وانتشارها فى العالم، بما فى ذلك العالم الغربى. ووفقا لذلك يمكن القول إن حسن البنا لم يهتم حقيقة بالسعى لإقامة دولة الخلافة، وإن ذكرها فى كتاباته الأولى، لكنه انشغل عنها فى خضم صراعه على السلطة إلى أن تم اغتياله.
وبناء على ما سبق، يمكن القول أن فكرة الخلافة الإسلامية لدى حسن البنا ارتبطت بفكرة العقيدة الدينية، التى يرتبط بها المسلمون على مستوى العالمي، وبغض النظر عن أعراقهم وجنسياتهم الوطنية. لكن من الواضح أيضا أن حسن البنا كان واقعيا لتفهمه لحالة العالم الإسلامي الممزق من خلال الدولة الوطنية والفكرة القومية، بدليل عدم وضع إقامة الخلافة الإسلامية على رأس الأجندة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
أما سيد قطب فلم يختلف موقفه عن موقف حسن البنا فى ما يتصل بمفهوم القومية، حيث أن العقيدة هى الرابط الأساسي للمسلمين، بل ويضعها بموازاة الجنسية، يقول قطب “إن المجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذي تعتبر فيه العقيدة هى الجنسية بين الأسود والأبيض والأصفر والأحمر والعربي والرومى والفارسي والحبشي وسائر الأرض في أمة واحدة ربها الله…” ولم يهتم سيد قطب بالتفاصيل كثيرا، بل إنه لم يدع إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، كما فعل حسن البنا، بل كان أكثر تشددا وتطرف فى رفضه للدولة العربية القائمة، وذلك حين تبنى نزعه ثورية تقضى بـ “جاهلية” المجتمع العربى القائم، وبالدعوة من جانب أخر، إلى “الحاكمية”. وإذا كان حسن البنا قد تصالح مع الواقع بشكل مرحلى، دون أن ينسي ولاءه للوطن الأم، مصر، فإن سيد قطب كان على النقيض من ذلك حين دعا إلى القضاء على المجتمع الجاهلى بتغيره، حتى تكون كلمة الله هى العليا. 
خلاصة القول أن كلا من حسن البنا وسيد قطب رفضا القومية من حيث المبدأ، داعين إلى إقامة نظام إسلامي أممى ممثلا عند حسن البنا، بالخلافة الإسلامية، لكنهما أخفقا إخفاقا ذريعا حين احتاج الأمر إلى الخطوات التنفيذية اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ولذلك لم يتابعا الحديث في الموضع حيث إنشغلا ببناء التنظيم السياسي للجماعة من جهة، كما ساهمت أحداث تشتتهم فى أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الناصر، سواء بالسجن أو الهروب خارج مصر، والعمل على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين فى العالم العربي، وكان كثير منهم قد هرب إلى دول الخليج العربي التى قبلت وجودهم لأسباب دينية، مثل السعودية، أو بسبب الانفتاح الاجتماعي مثل الكويت على سبيل المثال لا الحصر. وقد ساعد تعرف عبد العزيز المطوع – وهو ينتمى إلى إحدى العائلات الكويتية المعروفة اجتماعيا- على حسن البنا أثناء دراسته فى القاهرة. وفى عام 1947 استطاع المطوع تأسيس أول مجموعة للإخوان المسلمين فى الكويت على شكل شعبة تابعة للأصل الموجود فى القاهرة.
البديل العالمي
لا يختلف اثنان على أن استعادة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها على يد أتاتورك التركى عام 1924، قد أصبح فى حكم المستحيل، ولا شك أيضا أن حسن البنا وغيرة من الجماعات الإسلامية يعلمون ذلك، بدليل أنهم لم يناقشوا هذا الموضوع في أدبيات الحركة، بل إن حزب التحرير نفسه عجز عن تحويلها إلى واقع برغم مرور أكثر من ستين عاما على ظهور الحزب (1948). لذلك يُثار التساؤل حول ما إذا كانت فكرة “التنظيم العالمى” تمثل البديل العملى لفكرة الخلافة الإسلامية، حيث ينطوى تحت هذا التنظيم الكثير من الجمعيات والاتحادات الإسلامية، وبالتالى تتمكن جماعة الإخوان المسلمين من “إدارة” المسلمين ضمن إطار إسلامي عالمى بقيادتها، خصوصا وأن جماعة الإخوان المسلمون ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم حركة إسلامية عالمية، وليس مجرد حركة دينية مصرية.
يقول المتحدث السابق باسم التنظيم العالمى للإخوان المسلمين في الغرب، والرئيس المؤسس للرابطة الإسلامية في بريطانيا ” إن التنظيم نشأ كفكرة وكمشروع مستقبلى فى أدبيات وتراث الإمام حسن البنا، الذي اعتبر هذا المشروع خطوة وهدفا من الأهداف نحو وحدة الأمة الإسلامية، وذلك في نهاية حقبة السبعينات من القرن العشرين…”، ويرى الدكتور رفعت السعيد أن فكرة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين ليست سوى امتداد لفكرة Panislamisim التى تحدث عنها جمال الدين الأفغانى. ويذكر يوسف القرضاوي في مذكراته، الجزء الرابع، أنه رفض مسمى التنظيم الدولى، لأن “الدولى” أشبه بالمؤسسات، فى حين أن “العالمى” أشبة بالمؤسسات الشعبية، وغنى عن القول أن القرضاوي أحد الآباء المؤسسين لهذا التنظيم.
ومما سبق يمكن القول: إن البعد العالمى للخلافة الإسلامية قد استبدل بالتنظيم الدولى، الذي يضم جميع فروع الإخوان المسلمين حول العالم، بما في ذلك أوربا، وحتى إيران.
ماذا يعنى إيمان جماعة ما بـ “العالمية”؟
انه يعنى بكل بساطة تجاوز حدود الوطن فى ما يتصل بالولاء، وبدلا من أن يكون الولاء لهذا التنظيم أو ذاك الحزب، كما هو الحال في مفهوم الأممية في الفكر الشيوعى الذي دعا فيه كارل ماركس ” يا عمال العالم اتحدوا”. وبالفعل كان ولاء الأحزاب الشيوعية فى سائر البلدان العربية والأجنبية للاتحاد السوفيتى، وهو ما أدى إلى سقوط الشيوعيين فى الانتخابات العامة فى الدول التى كان يوجد فيها مثل هذا الحزب. ويمكن القول من خلال العامل المشترك، وهو فى هذه الحالة، البعد الأممى، تشابة التنظيم العالمى لجماعة الإخوان المسلمين بالأممية الشيوعية، ومن ثم يكون ولاء المنتسب لهذه الجماعة ليس لوطنه، بل لقادة التنظيم العالمى الذي يملى على أعضاءه التعليمات المختلفة، حتى ولو كانت ضد المصلحة الوطنية.
كان التنظيم العالمى يشترط على المنتسبين إليه، الالتزام بمنهج الإخوان، والسمع والطاعة فى غير معصية. وقد تحول هذا القسم إلى صيغة “عهد” لا صيغة قسم. فالشخص يتعهد بدل أن يقسم بتنفيذ تعليمات التنظيم، كما أن صيغة البيعة للمرشد العام تعد بيعة مطلقة. وهذا يتعارض مع القسم الوطنى المطلوب للوظيفة العامة أو النيابة العامة فى البرلمان، حيث يقسم الشخص بالولاء لله وللوطن وللدستور وفقا لنص القسم القائم فى كل دولة محل البحث. وبناء على ذلك لا يستطيع المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، باعتباره عضوا في هذه الجماعة، والتى هى بدورها عضوا في التنظيم الدولي أن يكون مخلصا لوطنه، لأن ذلك يتعارض مع صيغة البيعة المطلقة للمرشد العام للجماعة.
وبالتالى يثور التساؤل حول التعارض بين الوطنية والعالمية، إذ يُفترض في أن المواطن، اى مواطن، أن يكون ولاؤه فقط لوطنه، فإذا ما تعارض ذلك مع ولاء أخر، فإن هذا يعد من قبيل الخيانة العظمى.
ولذلك نجد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مثلا تشترط إعلان الولاء للولايات المتحدة فى قسم الحصول على الجنسية، بل وتقوم بإسقاط هذه الجنسية فيما لو أقسم المواطن على ولاء أخر لدولة أخرى، وهو غالبا ما يحدث بالنسبة للمواطنين الأمريكيين اليهود الذين يهاجرون إلى إسرائيل ويتقدمون إلى الانتخابات العامة لعضوية الكنيست، وهو منصب في حال الفوز، يتطلب إعلان قسم الولاء للدولة العبرية، وهو ما يؤدى بدورة إلى إسقاط الجنسية الأمريكية عنه تلقائيا.
وبسبب هذا الولاء الذي يعلنه أعضاء التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، وإعطاء البيعة المطلقة للمرشد العام للجماعة، يحدث تعارض وتناقض بين مفهومي المواطنة، حيث يكون المواطن مخلصا لوطنه فقط، ومفهوم الإخلاص للتنظيم والمرشد العام، وهو ما يستوجب طعنا أخلاقيا فى مفهوم الإخلاص والولاء الوطنى.

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...