أعجبني هذا المقال : التوحيدية كارثة ثقافية - بقلم/ توفيق أبو شومر
قال لي أحد المثقَّفين بفخر:
"أنا لا أخرج من بيتي، ولا أرى أحدا إلا نادرا"
فهل هناك فترة تاريخية، أو أدبيةُ تُشبه حالنا اليوم؟
أليس اعتزالُ المثقفين كارثةً ثقافية ووطنية؟!!
وما أعراض هذا المرض على مجتمعنا؟
قلت: هاأنت قد أعدتَ إليَّ صورةَ أشهر أدباء العُزلة، وهو من أكبر فلاسفة العرب ومفكريهم، فهو الذي قال:
"هناك طائفةٌ مِن الكُتَّابِ يسنونَ أقلامهم للمكائد، أكثر مما يسنونها للكتابة، وهناك مَن أقلامُهم مسخَّرةٌ للتبرير، وليست موظفةً للتغيير"
وأورد هذا الفيلسوفُ المبدع في كُتبه مجموعةً من الحِكَم، نَقَلَها عن الحُكماء السابقين، ومما نقله عن الفيلسوف اليوناني ديوجانس، عندما سُئل:
متى تطيبُ الدنيا؟
فقال: "إذا تفلسف ملوكُها، وحَكَمَ فلاسفتُها"
وقال وهو يبكي حالته المادية:
"أنا لا أسترزق من مهنتي، وهي مهنة ( نسخ الكتب)، مع صحة نقلي، وتزويق خطي، وخلوِّهِ من التصحيف والتحريف، بمثل ما يسترزقُ البليدُ الذي يمسخُ الأصلَ والفرعَ"
إنه فيلسوفُ الأدباء وأديبُ الفلاسفة، أبو حيان التوحيدي، المجايلُ للشاعر أبي الطيب المتنبي، في منتصف القرن العاشر الميلادي، أو الرابع الهجري.
إنه يشير إلى حالة الأدباء والمثقفين، ويشخِّصُ حالتهم تشخيصا دقيقا، لا مثيل له.
فهو يُشير إلى يأسهم وقنوطهم، وانصراف الناس عنهم، وانزوائهم وفقرهم.
وهو الذي أحرق كُتبه، في حادثة لا مثيل لها، وقال وهو يُشعل فيها النار:
هيهاتَ هيهات لا كُتبي ولا أقلامي
تُغني بنيَّ إذا أحَمَّ حِمَامي
النارُ أولى بالذي أنا جامعٌ
إمَّا لدفءٍ أو لنُضْجِ طعامي
اعلمْ يا صديقي، أنَّ الأسوأ من ذلك كله أن يصل المثقفون والمبدعون إلى الحالة المَرَضِيَّةِ (التوحيدية)، نسبة إلى أبي حيان التوحيدي، وهي أقسى درجات الإحباط المَرضيَّة، وهي تتلخص في أن يتخلص المبدعون من فكرهم وعبقريتهم،ويعودوا إلى قطيع العوام، عودة اليأس والإحباط، وليستْ عودة الوعي والثقافة!
فمرض التوحيدية مرضٌ خطير، أصاب فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة،أبو حيان التوحيدي، وأصاب غيره من قبله، عندما أقدم التوحيدي على حرق كتبه، تأثر بمن سبقوه من المثقفين المحبّطِيْن، فهو يقول:
"لي في إحراق كتبي أُسوةٌ بمن سبقوني، فأبو عمرو بن العلاء دفن كُتبَه في باطن الأرض، وداود الطائي رمى كتبه في البحر، ويوسف بن أسباط دفن كتبه في غارٍ، وقال: دلنا العلمُ في الأول، ثم أضلَّنا في الثاني، وأبو سفيان الداراني أحرق كتبه، وقال: والله ما أحرقتك، حتى كدتُ أحترقُ بك، وسفيان الثوري مزق كتبه وطيرها في الريح!!"
نعم، إن مرض التوحيدية هو أخطر الأمراض، التي تصيب النخاع الثقافي للأمم، فتشلُّ حركتها، وتصير الأممُ المصابةُ مُعوِّقةً، عاجزة عن اللحاق بركب الأمم، وإليك أعراض مرض الحيانية:
هجرة المبدعين والنابغين من الأوطان، وهو من أخطر أمراض التوحيدية، وكذلك غياب الرؤية الإستراتيجية، والخطط المستقبلية للثقافة في المجتمع، ومن الأعراض الخطيرة أيضا اعتبارُ التاريخ الماضي السالف، هو الطريق الوحيد الموصل للمستقبل، وهو يعني،وضع سدود وموانع أمام الثقافات المختلفة، ومنعها من الوصول للقارئين، وتحريم تداولها وترجمتها من اللغات الأخرى، ومن أعراضه، أن تصبحَ الغايةُ من التعليم فقط الحصولَ على الوظيفة، ويصبح التعليمُ حشوا للعقول، وليس تثقيفا وتوعية، ومن أعراض مرض التوحيدية تسليعُ العلوم، أي جعلها سلعة، تُباع وتشترى، في شكل شهادات، من المعاهد والجامعات. ومن الأعراض الخطيرة لهذا المرض أيضا، قصرُ الثقافةِ بمفهومها الشامل، على الهوامش، كالخطابة، وكتابة القصص، والأشعار، والديماغوجية السياسية الحزبية، واعتبار ثقافة الأحزاب السياسية هي جُماع المفهوم الثقافي.
قال لي أحد المثقَّفين بفخر:
"أنا لا أخرج من بيتي، ولا أرى أحدا إلا نادرا"
فهل هناك فترة تاريخية، أو أدبيةُ تُشبه حالنا اليوم؟
أليس اعتزالُ المثقفين كارثةً ثقافية ووطنية؟!!
وما أعراض هذا المرض على مجتمعنا؟
قلت: هاأنت قد أعدتَ إليَّ صورةَ أشهر أدباء العُزلة، وهو من أكبر فلاسفة العرب ومفكريهم، فهو الذي قال:
"هناك طائفةٌ مِن الكُتَّابِ يسنونَ أقلامهم للمكائد، أكثر مما يسنونها للكتابة، وهناك مَن أقلامُهم مسخَّرةٌ للتبرير، وليست موظفةً للتغيير"
وأورد هذا الفيلسوفُ المبدع في كُتبه مجموعةً من الحِكَم، نَقَلَها عن الحُكماء السابقين، ومما نقله عن الفيلسوف اليوناني ديوجانس، عندما سُئل:
متى تطيبُ الدنيا؟
فقال: "إذا تفلسف ملوكُها، وحَكَمَ فلاسفتُها"
وقال وهو يبكي حالته المادية:
"أنا لا أسترزق من مهنتي، وهي مهنة ( نسخ الكتب)، مع صحة نقلي، وتزويق خطي، وخلوِّهِ من التصحيف والتحريف، بمثل ما يسترزقُ البليدُ الذي يمسخُ الأصلَ والفرعَ"
إنه فيلسوفُ الأدباء وأديبُ الفلاسفة، أبو حيان التوحيدي، المجايلُ للشاعر أبي الطيب المتنبي، في منتصف القرن العاشر الميلادي، أو الرابع الهجري.
إنه يشير إلى حالة الأدباء والمثقفين، ويشخِّصُ حالتهم تشخيصا دقيقا، لا مثيل له.
فهو يُشير إلى يأسهم وقنوطهم، وانصراف الناس عنهم، وانزوائهم وفقرهم.
وهو الذي أحرق كُتبه، في حادثة لا مثيل لها، وقال وهو يُشعل فيها النار:
هيهاتَ هيهات لا كُتبي ولا أقلامي
تُغني بنيَّ إذا أحَمَّ حِمَامي
النارُ أولى بالذي أنا جامعٌ
إمَّا لدفءٍ أو لنُضْجِ طعامي
اعلمْ يا صديقي، أنَّ الأسوأ من ذلك كله أن يصل المثقفون والمبدعون إلى الحالة المَرَضِيَّةِ (التوحيدية)، نسبة إلى أبي حيان التوحيدي، وهي أقسى درجات الإحباط المَرضيَّة، وهي تتلخص في أن يتخلص المبدعون من فكرهم وعبقريتهم،ويعودوا إلى قطيع العوام، عودة اليأس والإحباط، وليستْ عودة الوعي والثقافة!
فمرض التوحيدية مرضٌ خطير، أصاب فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة،أبو حيان التوحيدي، وأصاب غيره من قبله، عندما أقدم التوحيدي على حرق كتبه، تأثر بمن سبقوه من المثقفين المحبّطِيْن، فهو يقول:
"لي في إحراق كتبي أُسوةٌ بمن سبقوني، فأبو عمرو بن العلاء دفن كُتبَه في باطن الأرض، وداود الطائي رمى كتبه في البحر، ويوسف بن أسباط دفن كتبه في غارٍ، وقال: دلنا العلمُ في الأول، ثم أضلَّنا في الثاني، وأبو سفيان الداراني أحرق كتبه، وقال: والله ما أحرقتك، حتى كدتُ أحترقُ بك، وسفيان الثوري مزق كتبه وطيرها في الريح!!"
نعم، إن مرض التوحيدية هو أخطر الأمراض، التي تصيب النخاع الثقافي للأمم، فتشلُّ حركتها، وتصير الأممُ المصابةُ مُعوِّقةً، عاجزة عن اللحاق بركب الأمم، وإليك أعراض مرض الحيانية:
هجرة المبدعين والنابغين من الأوطان، وهو من أخطر أمراض التوحيدية، وكذلك غياب الرؤية الإستراتيجية، والخطط المستقبلية للثقافة في المجتمع، ومن الأعراض الخطيرة أيضا اعتبارُ التاريخ الماضي السالف، هو الطريق الوحيد الموصل للمستقبل، وهو يعني،وضع سدود وموانع أمام الثقافات المختلفة، ومنعها من الوصول للقارئين، وتحريم تداولها وترجمتها من اللغات الأخرى، ومن أعراضه، أن تصبحَ الغايةُ من التعليم فقط الحصولَ على الوظيفة، ويصبح التعليمُ حشوا للعقول، وليس تثقيفا وتوعية، ومن أعراض مرض التوحيدية تسليعُ العلوم، أي جعلها سلعة، تُباع وتشترى، في شكل شهادات، من المعاهد والجامعات. ومن الأعراض الخطيرة لهذا المرض أيضا، قصرُ الثقافةِ بمفهومها الشامل، على الهوامش، كالخطابة، وكتابة القصص، والأشعار، والديماغوجية السياسية الحزبية، واعتبار ثقافة الأحزاب السياسية هي جُماع المفهوم الثقافي.
إن التوجيدية هي ردة فعل المثقف على سلوك المجتمع اتجاه الكتاب ,والكاتب ، فالكاتب يقضي ليس الساعات بل السنين في انجاز كتاب ومقابل ذلك يرى الاهمال للكتاب ولكاتبه وللقراءة وللثقافة ولزيادة المعلومات . ان المثقف يعيش حياة الألم لأن الناس وخاصة المنطقة العربية لا يقرأون ولا يحترمون الكاتب ولا يحافظون على الكتب . إننا نعيش حالة تشييء التعليم وتقزيم الغاية من التعليم وحصر التعليم للحصول على وظيفة أكاديمية ، وللأسف تعمم هذا النهج ليصل الى الثقافة ، وأيضا المصيبة الأكبر انحسار الثقافة بحيث تنحصر في الكتب المدرسية ، وهذه هي الطامة الكبرى ، لأن الكتب المدرسية ممنهجة لخدمة السلطة سواء كانت حكم فردي أو ذات توحه ديني . وهذا تكريس للتوحيدية ولانعزال المثقف .
ردحذف