الخميس، 21 نوفمبر 2013

الكاتب بين الابداع والأيديولوجيا !!!


حدث أن التقيت مع  مجموعة من الكُتاب فقررنا القيام بمحاولة لتجميع الكُتاب في تجمع يضم عددا من الكُتاب من مختلف الأعمار  في ملتقى يطرح فيه كل كاتب آخر إبداعاته  ومنتجاته الأدبية من رواية او  قصة قصيرة أو شعر .

 ثم جاءت الخطوة  الأولى , وهي اختيار اسم لهذا التجمع الجديد للكتّاب. فاجتمعنا في مبنى " جمعية الثقافة والفكر الحر " في مدينة خانيونس التي انتصر المسئولين فيها لهذه الفكرة وأبدوا استعدادهم لتهيئة المكان المناسب لهذا الغرض وتمويل الاجتماعات الدورية بما يهيء الجو المناسب لاجتماعات الكتاب .

 كانت الجلسة الأولى لاختيار الاسم وتحديد المواعيد وتوضيح الهدف من هذا التجمع . وفعلا , جرى طرح عدة مسميات , اخترنا منها اسما للتجمع وهو " ملتقى الابداع " . ثم جرى الاتفاق على تحديد مواعيد الإلتقاء , واتفقنا على أن تكون نصف شهرية . ثم وصلنا الى الهدف الضمنى من هذا الملتقى وهو التعرف عن قرب على آخر الإبداعات الأدبية المتنوعة , وتشجيع الأقلام الشابة لعرض إبداعاتهم من شعر وقصة قصيرة ورواية وغيرها من فنون الأدب .

   حتى هذه اللحظة , كل شيء سار على ما يُرام , واذ بأحد الحاضرين يطلب الاذن للحديث , ولما سُمح له قال : انا لي تنويه مهم في هذه الاجتماعات , فقال له مدير الاجتماع , ما هو ؟ قال : يجب على كل الكُتاب الالتزام بالدين في كل ما  يطرح في هذه الجلسات .

   وهنا سأله مدير الجلسة طالبا منه أن يوضح طلبه هذا  ومقصده , بأنه هل يقصد فض الاجتماع وأداء الصلاة حينما يأتي ميعادها , أو أن يلتزم الكُتاب والشعراء بالدين في إنتاجهم الأدبي ؟

   فما كان من هذا الشخص إلا أن  قال : أقصد أن  على الجميع أن لا يطرحوا في اجتماعات الملتقى أي إنتاج أدبي يتعارض مع الدين , أي يجب أن لا يتعارض مع النصوص الدينية .

   فقلت في نفسي , إن هذا حُكم على الملتقى بالموت قبل أن يُولد , إن هذا يريد أن يسجن المارد داخل الزجاجة ويغلق عليه . فالإبداع كالمارد , لا يقبل بالقيود .

  فأخذت الاذن للمشاركة لأنه لا بد من توضيح الموقف بجلاء قبل البداية , فقلت : إن للإنتاج الأدبي متطلباته الفنية لكل شكل من روافد الأدب التي لا يجب ان يحيد عنها كل ابداع أدبي , وبها يقاس قوة الإبداع وجزالته من ركاكته , وجاذبيته .

   أما الموضوع الذي يختاره الأديب في إبداعه فهو حر طليق له الحرية أن يختار ما شاء من مظاهر هذا الكون المادي والميتافيزيقي , وحتى المجتمع ومكوناته الفوقية والتحتية .وحتى أدق مكونات المجتمع وهي المرأة وإنتباهاتها العاطفية . فكل شيء ممكن أن يلتزم بقيود إلا الأدب , إلا الإبداع الأدبي , فليس له قيود وليس له سقف , فإن حلّق في الفضاء  فلن يعيقه حدود لتحليقه , وان دخل في كهف , فلن يرهبه الظلام , وان سار في التاريخ فلن ترهبه سيوف الغزاة , وان دخل دير فلن ترهبه أجراس الكنيسة  وان دخل في مسجد فلن تخدعه عمامة شيخ  . فالأدب لا يعترف بقيود دين ولا سلطة ولا ميراث ولا جغرافية . ان روعة الإبداع ومتعته في كونه خارج عن السيطرة , فهو خلاق يخترق كل الحدود ويدخل كل الميادين والحدائق الغناء ولا يعترف بظلمة السجن ولا بسوط الجلاد .

 وبعد أن يطرح الابداع مقالته ، يسمح للآخر بالمناقشة والنقد ، وهذا هو المناخ الرحب لتلاقح الآراء وتفاعلها .

 ان وضع سقف للإبداع ضمن دين أو أيديولوجيا هو قتل للإبداع الأدبي , هو تقزيم للأدب في الشكل والموضوع .

  أما كيف تدخل الأيديولوجيا في الأدب , فإن الكتاب ينحدرون من أصول طبقية اجتماعية مختلفة , فكل كاتب يُسطر إنتباهاته وإبداعاته الأدبية متأثراً بموقعه الاجتماعي , وآماله وطموحاته تكون من خلال هذا الموقع . أما الأحلام فقد تسحب الكاتب الى مواقع شتى مختلطة وغير ملتزمة بحدود طبقته الاجتماعية .

   وهذا التنوع والاختلاف في الإبداعات الأدبية يولد ليس غزارة في الانتاج الأدبي بل وجاذبية منقطعة النظير , بعكس لو كان الكاتب واقع تحت ضغط حاجة أو سلطة قهرية أو أيديولوجية دينية تجعله يشذب من إبداعاته , أما أن يكون المبدع أو الكاتب  متأثرا بهذه الأيديولوجية او تلك بمليء إرادته ضمن إيماناته الثقافية , فمعنى هذا أنه هو من وضع نفسه ضمن هذا القالب وحدد مسيرته الأدبية من خلاله .

  ان الغزارة والتنوع  في الإبداع الأدبي تجعل الأيديولوجيات تتلقف ما يخدم أدبياتها من الإنتاج الأدبي . كما يحدث في الاختراعات العلمية والأحداث اليومية في الحياة الاجتماعية التي تتلقفها الأيديولوجيات وتنشرها لتدعيم الثقة بمنهجها أمام  مؤيديها  وأنصارها .

   ولكن هل هناك فرق بين الكاتب والمبدع في الأدب ؟

   الجواب : نعم , فليس كل كاتب , مُبدع . ولكن كل مُبدع كاتب . لماذا ؟ لأن الكاتب قد يكون نقلي , أي ينقل عدة أفكار من كُتاب آخرين ويحشرها في موضوع , ولا يزيد عليه غير أن يضع له اسما .فليس في كتابته أفكارا جديدة , إنها تكرار بمسمى مختلف . ولكن يوجهه في اتجاه معين , لخدمة غرض معين . كما يحدث في الكتابات  الدينية .

 أما المبدع , فأفكاره فيها تجديد وخلق وابداع , وتخلو من النقل , وقد تتشابه المواضيع عند المبدعين , ولكن بأساليب جديدة ولها رنين مختلف , وتلقى القبول والجاذبية والمتعة عند سامعيها .

 والكاتب مقيد بالهدف الذي يكتب من أجله , وقد يخدم مصلحة أو جهة معينه يوجه كتابته نحوها ويسلط الضوء عليها .

 أما المبدع الأدبي فلا هدف عنده غير الجمهور , غير المتعة الأدبية , فهو يُخرج لنا مقطوعته الأدبية  بشكل لم يسبقه أحدا له , بحلة جديدة واتساق تناغمي جديد .

 ولكن لا يمكن أن ننكر أنه لا يوجد فكر مجرد , منزه عن الغرض , غير هادف . فكل الكتاب سواء نقليين أو مبدعين , يكتبون ونستطيع أن نتلمس أن هناك  غرضا ما  من هذا ,وهو تأييد أو رفض لفكرة ما والنتيجة لصالح أو ضد , من هنا فالكتابة وإن لم يشعر بها الكاتب هي مع , وضد .
 فاذا كان الموضوع يسير مع العلم والتطور الاجتماعي فهو مع التقدم والتطور واذا كانت النتيجة تصب في صالح الأصولية والغيبية فهي  نقلية , قبليه ‘ خلفية هادفة الى عكس المسيرة الاجتماعية الى الوراء ، الى الماضي .

  من هنا فهناك سبيلان لا ثالث لهما للكاتب والمفكر , هو وعيه أن يكون مع التحرر من كل أشكال ظلم الانسان لأخيه الانسان أو انه بكتابته هذه يكرس هذا المنهج في المجتمعات الانسانية . أما أن يقول كاتب أنه حيادي وليس مع هذا ولا ذاك فهو في هذا الموقف مع سيادة الخطأ  ويقف في صف العفوية والسذاجة ولو لم يعترف صراحة بذلك , فالحيادية الكتابية إما جهل أو انتهازية تخفي مصلحة غير منزهة عن الغرض .  فالكاتب يجب أن يعي نتيجة كتابته الى أين تصب . لأن الآراء يتلقفها الجميع وتؤثر في المجتمع , والأفكار اذا حملها الشخص وتعممَت في المجموع , تصبح قوة اجتماعية تضر أو تنفع في الحراك الاجتماعي فيجب عدم الخلط بين الوعي في الكتابة وبين عشوائيتها , أو بالأحرى سذاجتها .

   وفي  الفلسفة  يجب  عدم  الخلط بين  المنهج  المادي والمنهج المثالي في الكتابة , وفي الحياة يجب عدم الخلط بين العلم والخرافة  . وفي المجتمع ، يجب عدم الخلط بين طموحات الفقراء وآمالهم في مجتمع أفضل ، وبين مساعي الأغنياء لتضخيم ثرواتهم ونسيان الجماهير الغفيرة الكادحة من أجل لقمة العيش .

فمن العجب العجاب ان نري كاتبا ينعت نفسه بأنه مع العلم والعلماء وترى كتاباته محشوة بالخرافات والأساطير وقصص اختطاف الجن لبني البشر .

 من هنا فالكتابة لها التأثير القوي في حياة الناس سواء كانت شعرا أو نثرا , ويجب أن تُوجه لخدمة قيم الحق والخير والجمال والفقراء .

الأحد، 10 نوفمبر 2013

رجل صامت جدا !!!


            العادية مظهر لا يثير الاهتمام ،هأنذا ادخل يوماً التقت فيه جميع الفصول ،كان كل شيء يتحرك ،وانظر إلى ما حولي بعيون غزال نائم .ها هي الشمس ترسل أشعتها ،لم تستطع إيقاظي من صمت ليلي ،مع أن أشعة الشمس تثير الحركة حتى في ديدان الأرض ،أما أنا فكائن مختلف لا تثيرني الأشعة الكونية ولا صرخات حبلى على وشك الولادة ،ولكن ربما أنين عذابات هذا الزمان .                    
 
    ما لي في هذا اليوم يلفني شعور خاص ،ذو شجون ،لكن بصمت ،انزلقت إلى الشارع ،فعانقت قدماي الرصيف ولوت عنقي السارية ،انشدت عيناي إلى شباك عبر حديقة منزل ،رأيتها ترمقني بابتسامة ،فأبتسم ........صدم حذائي حجراً صغيراً كاد يلقيني أرضاً ،لكنه ابتعد عن طريقي من شدة الصدمة .                                                                                                     
انحدرت عن الرصيف قاصداً الرصيف المقابل ،اصطدمت أذناي بأبواق السيارات ،تعثرت خطواتي وتلولوت كما الثعبان ،رن المحمول المشدود إلى حزامي،حسبت أن الرنين لغيري ،هيه ،لم أسمع أحداُ يرد ،تذكرت أنني ذاهب للعمل ،وقد تأخرت ،ربما صديق ما يستنهضني من نوم أو يحضني على السرعة ،لكنه صمت في كل شيء ،حتى العقل صمت ،لماذا ؟وأين ؟ وماذا بعد ؟ آه دماغي مضغوط بين فكي ملزمة حداد .                                                                                            
 
      أسير ،أشعر أن قدميّ على وشك خيانتي ،أصابهما الوهن ،يبدو أنهما على وشك التمرد عن حمل هذا الجسد ،‘إنهما تشكوان من أحمال زائدة ،ماذا جرى ؟ الجسم كما هو البارحة ،حتى العشاء كان خفيفاً جداً ،كل شيء كما هو ،...   فربما دماغي هو الذي زاد ثقله !! زادت سرحاته ،زادت همومه ،فناءت به الأحمال .                                                                                         
 
     آه لم يزد وزن دماغي مادياً ،لكن قدمي أحستا بثقل ما ،وكأنهما تحملان جسداً إضافياً رغم أنهما لا تشكوان من وهن زمني ولا إجهاد حركي ،ولكنهما أعلنتا التظلم .                                          
 
    هذا الشعور جعلني أسير في حالة من اللا إنتباه ،أكثر قرباً من نصف غيبوبة ،وعلى غير توقع رأيتها ،هي ،هي رغم البعد الزمني بين ما كان والآن ،فإليها عيناي انشدت ،وتسمرت قدماي ،إنها زميلة الجامعة ،هي ،تمر من أمامي ،إنها في السيارة ،بجانب أحدهم وأطفال في المقعد الخلفي . هل تستطيع إيقافها والحديث معها ؟... في الماضي كان نعم ... أما الآن ...!! فمحظور !! بل محظور مكعب .                                                                                                      
 مرت ... ابتعدت وغابت مع الماضي ... كما غابت من قبل . ماذا جرى ؟ أشعر بأنني  تسمرت في مكاني  لا أستطيع الحراك ،إلى الأمام ،إلى الخلف ... هيه ...هل سأبقى مشدوهاً ،... لن يعيرني  أحد أي انتباه ،إذن علي بالسير ،والسير لكن بصمت .   آه ... يا زمن ما أكثر ما تبيد من أحلام !!... إذن ليس أمامي إلا الصمت .        
  مشيت بجانب سوق الخضار ،على جانب الطريق عجوز تصنع هرماً من بيض ، وأخرى تعقد شبرة بنتها على أرجل بطة ،اجتاحتني رغبة أن أشتري بعض البيض البلدي والبطة .لكن كيف هل أحمل معي بيضاً وبطة إلى العمل ؟...بالطبع لا !! سأطلب من المرأتين أن تنتظراني حتى أعود من العمل بعد الظهر وأشتري منهما البطة والبيض .                                                                
    فقلت في نفسي ..ماذا لو قلت لهما هذا ؟... لابد أنهما ستتهماني بالخبل ،وربما الجنون ،ولن تقبلا مشورتي ،إذا علي بالصمت ،وعفة اللسان ،وأحفظ أذنيّ من التقريع ،ويدايّ من الإجهاد .                
    
     لا..لا ان يديّ تحمل شيئاً ،آه كتاب !! فخير لي  أني أحمل شيئاً بدلاً من أن أسير خالي اليدين، فخالي اليدين خالي الرأس ،يسير ،يروح ،يغدو ،يسرع ،يغير الاتجاه ،فهو بلا هدف .فأن تحمل شيئاً في يدك ،معناه أن أمامك هدف تسير إليه ،أو منفعة تسير إليك ،وأحسن المحمولات كتاب أو غذاء فالكتاب غذاء للعقل ، والغذاء مصيره للمعدة فالجسم . أن أحمل شيئاً في يدي يعني أنني منشغل بشيء ما وأن وقتي لا يضيع سدى ولو كنت صامتاً طول النهار .                                                         
   
    أن تصمت حتى في طريق يطفح بالصراخ ،بالغوغاء ،خير لك من التناغم والمجاراة ،دع الآخرين يغنون كما يشاءون ،فكل يغني على ليلاه ،أما أنا فالصمت بعين غزلانية والاغتراب هو أغنيتي ،في الليل ،في الصباح ،في الشارع ،لا يكسر صمتي غير العمل ،فالعمل حركة ،انطلاق، تدارك الأحداث قبل حدوثها ،انفلات من عالم الصمت ،إلى الحرية ،ولكن أي حرية ؟حرية الكلمة، حرية الحب ،حرية الصراخ والضحك والدعاية والدعابة .ولكن كل هذا لا يساوي ذرة صمت .             
    
    الصمت في البيت شيء طبيعي ،لاستيضاح فكرة عششت في دماغي ويشوبها بعض الالتباس، تحتاج لوقفة صمت مع النفس .والصمت كمقدمة للبدء في العمل .                                                       
     
    أما الصمت وحولي خلية نحل ،بشر من كل حدب وصوب ،سيارات ،منبهات ،ضحكات، وحمار ينهق بينما هو مشدود إلى العربة بجنازير عن يمينه وشماله واصطدام من أحد المشاة يكاد يطرحني أرضاً ،وكل هذا لا يكسر صمتي ؟ إذن........ علي التوجه إلى مستشفى ،فقنوات جسدي الحسية تحتاج لاختبار صلاحيتها .                                                                                    
    والآن وقد اقتربت من المؤسسة التي أعمل بها ،فعلي رد التحية على الزملاء ،أو أنسل إلى كرسي كالقط المذنب الذي يفعل الجريمة وينسل ،كأن أحداً لا يراه ،وأبقى متشحاً بصمتي ،نائياً بنفسي عن الاندهاش ،الصعود ،الانحدار ،ولا حتى عن التفكير في ابعد مما تراه عيناي وما تحمله الأرفف من كتب ،فقلمي أصبح أعرج في الكتابة ،وتوقف عن تكملة روايتي ( امرأة في ضيافتي ) ،وقريحتي الشعرية نضبت ،فلم أستطع تكملة ديواني الجديد ( حينما أفكر وحيداً ) .                                             
 
   وهنا لا بد من التمرد، ولكن التمرد على ماذا، على ذاتي التي أحس أحياناً أنها تشكل قيداً لما يعتريني من خواطر، أتمرد على الجغرافيا، أتمرد على أفكار من الماضي لازالت تطل برأسها من آن لآخر لتعيق الاسترسال المنطقي في التفكير، أتمرد على حاضر ذي سقف متدن لا يتسع حتى لعقل صبي لم يتجاوز العقد الأول من عمره بقليل. وأي أشكال التمرد، العفوي، الآني، سريع الانطفاء، أم التمرد المحكوم بأهداف، بطموحات تدفع لها كل الغالي والنفيس من أجل تحقيقها .    

إذن ،علي بالصمت ،فلا أستطيع التمرد فأي تمرد مني محكوم بقمقم الحدود الزمانية والمكانية وفوق هذا , السياسية  , إذا ما فكرت بتغيير الجغرافية ،أو الخروج من قمقم الاحتلال ، أو تحاول تجاهل   أجهزة المخابرات والشرطة والسجون ،أو اهمال قمقم العرف والعادة وطاعة أولي الأمر والموروثات الفكرية والسلوكية .       
هل أستطيع  .. اذا لابد من الصمت  !!                                         
 ومن جليد الصمت أتساءل هل تستطيع دولة أن تتمرد على العولمة ؟ بالطبع لا !! وهل يستطيع فرد أن يتمرد على الدولة ؟ ...ولما كان الجواب لا !!......خصوصاً إذا كنت موظفاً ومشدوداً بجنازير إلى عربة الزوجة والأولاد ،لا تستطيع أن تعود آخر الشهر إلى المنزل بدون راتب ،وفي أحسن الأحوال تتحول إلى نصف ميت بإحالتك إلى التقاعد المبكر ،إذن يجب التناغم مع القطيع ،السير بصمت ،وإلا فأنت الإبليس الأكبر .وأن تنأى بصمتك في الزاوية ملتصقاً بكرسي وطاولة في المقهى الصغير تحتسي فنجان القهوة المحترقة وتأبى أن تحترق لوحدها ،بل تنشر حريقها إلى معدتك .                     
 اذا سأبقى متشحاً بصمتي ،وواحديتي ،التي أأبى أن تمس حتى من زملاء العمل والمدير وأخبار الاجتياحات وهدم البيوت .                                                                            
 زاد الاقتراب ،وخطواتي ليست بالسرعة المعهودة ،أمتار وأدخل محيط العمل ،وينكسر الصمت أمتار تفصلني بين العادية ،السكون ،وربما الهجوع ،وبين الضوضاء والصراخ والوجوه المنشطرة بين الضحك والعبوس ،وصوت المذياع وأخبار الأرض القريبة والبعيدة خلف الأسلاك الشائكة ،خلف الأسوار العالية لمزارع المستوطنات .                                                                
 أمتار وأدخل محيط العمل ،وينكسر الصمت ...لا ...لا ...استدرت عائداً إلى المنزل عبر أقرب طريق وحدثت نفسي ،سأهاتف المدير المسئول لعمل إجازة مرضية .                                             
 وصلت المنزل فلفني صمت قاتم ،هاجمني السؤال ...ماذا أنا فاعل غداً ؟..... هل سأبقى  أسير الصمت  , وأكون الرجل الصامت جدا  .. جدا ؟ .    

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

من هو العدو ؟


تعددت التعريفات لمفهوم " العدو " ، فأقرب تعريف للعدو هو " الآخر " ، ولكن ليس كل آخر ، بل الآخر الذي يريد أن يسلبك هناؤك وسبل عيشك ويلحق الضرر بك في معيشتك وطريقة عيشك ويضع العراقيل أمام حريتك في الحركة والتفكير .

يفهم الكثير من الناس أن العدو هو من يأتي من خارج الحدود السياسية حاملا الأسلحة ومعززا بالدبابات والطائرات والسفن الحربية ويجتاز الحدود ويقتل كل من يتصدى له ويدمر كل العوائق التي تعيق تحقيق مآربه في احتلال البلاد والاستيلاء على خيراتها ، ويفرض نموذجه وقوانينه على شعب البلاد المحتلة .

حقا ، إن هذا الفهم للعدو لا نقاش حوله ، فكل من يحتل بالقوة بلادا أخرى ، فهو العدو الحقيقي لكل من يسكن وينتسب الى البلد المحتلة أراضيه . ولكننا نجد أن قطاعا من الناس الساكنين في البلد المحتلة أراضيه يسهلون للمحتل الغازي تحقيق مآربه ، بل ويشاركوه في ارهاب وكسر المقاومة ضد الاحتلال ، وقد رأينا مثل هذا في العراق حيث شارك عراقيون منفيون وداخليون معادون لنظام صدام حسين ، شاركوا الأمريكان أثناء احتلالهم للعراق تحت حجج إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي أثبت التفتيش المتواصل زيفها .

وهنا فالعدو ليس فقط من يأتي من الخارج ويهاجم بلدك وينهب خيراتها ، بل يشمل أُناس من داخل البلد يمارسون القهر والسلب ، و يشاركون المحتل على استباحة خيرات البلاد .

فالمواطن في بلده يجب أن يتمتع بخيرات بلاده ، وتكون له حرية الحركة والتنقل ، وحرية الكلمة وأن يعيش بأمان هو وأسرته ، وأن تتاح له فرصة التعليم والعمل والتملك والمشاركة الديمقراطية في اختيار نظام الحكم ، فمن يحاول أن يحرم المواطن من هذه المميزات داخل البلد ، فهل يعتبره المواطن صديق ، أو يضعه في خانة الأعداء ، من هذا نفهم أن هناك عدو للبلد وهناك عدو للشعب وقد يكون من داخل البلد. ناهب لخيرات البلد ، ويمارس القهر والظلم لمواطنيه .

قد يكون «العدو» مصطلحا نسبيا يستخدم عادة لوصف اي شخص او فئة او دولة تمارس افكاراً مضادة.. وقد يُسرف البعض في تعريف العدو بكونه «الآخر».. لكن التجربة اكدت ان «الآخر» ليس بالضرورة ان يكون دائماً عدواً!

ابتكار العدو :

كثيرا ما يبتكر الساسة أو نظام الحكم " عدو" ، بل ويجب أ ن يكون هناك " عدو" للتخفيف من حدة التناقضات والكراهية والتذمر الشعبي لنظام الحكم ، ويجري توجيه الشعب نفسيا لتقبل فكرة أن هذا عدو وذاك صديق ، ولكن الحقيقة غير هذه ، فقد يكون هذا الآخر في حالة اختلاف مع نظام الحكم ، فاعتبار أن هذا عدو يكون لمصلحة نظام الحكم الذي قد يكون ديكتاتوري وظالم لشعبه ويسرق خيرات البلاد ويوجهها لغير صالح الشعب ,وفي هذه الحالة يكون العدو في حالة عداء لنظام الحكم وليس للشعب ، فبعد تغيير نظام الحكم تنتهي الصورة التي كانت موجودة عن الدولة الجار أو عن من كان يصفهم النظام السابق بالعدو .

وفي الربوع العربية نجد أن نعت " العدو " ، أو نعت " أعداء الأمة " قد أصبح من السهولة بمكان بحيث أصبح الأعداء موجودين في كل مكان ، فالمعارضة في البرلمان " عدو " ، والمنتمي لأحزاب غير حزب السلطة "عدو" ، ومن الملاحظ أن الأيديولوجيا الدينية تُكثر من الفئات التي تُصنف تحت خانة العدو ، فعلى المستوى الفردي فإن " الحمو "أي الأخ " عدو " .

كما نرى أن أحزاب الاسلام السياسي تعتبر كل من لا ينتمي اليها عدو للأُمة وعدو للدين من علمانيين وليبراليين ومسيحيين وأقباط وشيعة وأتباع المبادئ الأخرى ، كما نرى أن أصحاب المذاهب في الدين الواحد تكفر بعضها بعضا ويعتبرون أتباع المذهب الآخر عدوا ، كما هو الحال بين السنة والشيعة ، ففي العراق وسوريا يحدث القتل على الهوية المذهبية ، ويجري وضع المتفجرات وتوقيتها في الأماكن والمناسبات الدينية التابعة للمذهب الآخر لقتل اكبر عدد ممكن من أتباعه .

وهناك أنظمة حكم نحت منحى آخر في ابتكار مسميات متعددة للأعداء فأضافت الشيوعيين والبعثيين والقوميين وجرى ممارسة كل أساليب القهر والاعتقال والحرمان من الوظيفة والنفي وكأنهم ليسوا مواطنين لهم حق المواطنة وحرية التفكير والانتماء الحزبي ، كما جرى اعتبار أن التكفيريين واتباع القاعدة عدواً شرساً يجب استئصاله ، وهنالك من يرى في ايران عدواً خطراً.. وآخرون يرون ان الحكام الطغاة والمستبدين هم اعداء الامة الحقيقيون.. بينما غيرهم يرى في اميركا العدو الحقيقي... وهكذا!

وفي الساحة الفلسطينية ، نجد الكثير ممن يُنعتون بالأعداء مؤخراً فلم تعد اسرائيل والصهيونية العدو الأول..فهنالك إخوان اليهود ممن يهادنون اليهود ، حتى أن أي تواصل من أجل تسهيل الحياة الاقتصادية والحركية أصبحت ضمن التصنيفات القريبة من مفهوم عدو ، وهناك من اصبح يرى في التنظيم أو الحزب المختلف معه في المنهج أو الدين "عدو" ، بل هناك من يعتبر أن كل من لا ينتمي لحزبه عدو ، ويجري تركيز الدعاية الداخلية للأفراد في هذا الاتجاه ويجب التعامل مع الآخر بحذر شديد وعدم اظهار داخليتك له ولا مصادقته بأي حال من الأحوال ، وعلى المستوى الأمني فكل من يقول أن هناك خصوصية تجارية حزبية " عدو " ، وكل من يتعامل بالمخدرات عدو ولا يمكن إصلاحه ، وكل من يتكلم عن المعابر والضرائب الباهظة المفروضة على البضائع " عدو "، وكل من يتكلم عن الغلاء في الضروريات المعيشية " عدو " ، وكل من يتكلم عن الوظائف وانعدامها وسيطرة الحرفية الحزبية عليها " عدو " ، وكل من يتكلم عن حرية الصحافة " عدو "، وكل من ينادي بالديمقراطية والانتخابات " عدو " ، وكل من يتكلم عن مظاهر للفساد وانعدام تكافؤ الفرص والمساواة للجميع " عدو " ، وكل من يتكلم عن تملك المساجد " عدو" ، وكل من يقول أن التعليم تسيطر عليه المنهجية الحزبية الخاصة " عدو " ، وكل من يسأل أين ذهبت المساعدات التي دخلت غزة لمساعدة الشعب على الصمود في الحصار " عدو " ، وكل من يطالب بفرض تسعيرة على التجار " عدو " .وكل من يطالب بسرعة انهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وتخفيف المعاناة عن الشعب ، خصوصا في غزة " ، يجب الحذر منه ، فربما له اتصالات خارجية ، أو يسعى لمصلحة فردية . وبهذا تعددت المسميات التي تدخل تحت مسمى العدو لدرجة أنه اختلط الأمر على المواطن العادي ، فلم يعد يعرف من هو العدو ومن هو الصديق ، وهل جاره يعد من الأعداء أم من الأصدقاء ؟ بل لم يجد جوابا على السؤال : في ظل هذا المناخ المختلط المفاهيم ، ما معنى" وطن " وما معنى " مواطن " ؟ وصار يصرخ بأعلى صوته : أينك يا فلسطين ، ما الذي أوصلنا الى هذا الحال ، ومتى سنتخلص من هذا المستنقع الذي انزلقنا فيه ؟ فهل من مجيب ، أم أننا دخلنا الى المجهول .

ولكن هناك علامة فارقة بين الضفة وغزة في التعامل مع العدو الاسرائيلي ، ففي غزة يُنظر الى الهدنة مع العدو الاسرائيلي أنها شكلية ومرحلية والمقاومة في حالة من الجاهزية الدائمة . أما في الضفة ، فالهدنة لها اعتبارات علاقاتية ، والمقاومة المسلحة في حالة من التشتت والضعف ، ويجري التركيز على المقاومة الشعبية والسياسية .

فاذا لم نستطع أن نعرف من هو عدونا ، واذا لم نعرف كيف نوحد طاقاتنا ضد عدونا وننهي الانقسام ، واذا لم نعرف كيف نحل مشاكلنا بأنفسنا !!! إذا فنحن" أعداء " أنفسنا =!!

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...