الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟


لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجميع , بعكس الخطوط العريضة التي تتمتع بتقبل واسع يمثل القاسم المشترك بين جميع الاتجاهات , فالدولة بالخطوط العريضة هي تنظيم سياسي يقوم على ثلاثية الجغرافيا والشعب والحكم , وما يميز الدول عن بعضها البعض يخص العامل الثالث أي الحكم , انه فيدرالي أو ملكي دستوري , أو جمهوري أو نيابي أو تيوقراطي الخ , اضافة الى ذلك يريد الفهم الماركسي تحديد طبقة مهيمنة ومسيطرة هي الطبقة العاملة المنتجة ,أما فرنسيا فيتم التركيز على اقتصاد السلطة المركزية , وألمانيا تعني دولة ماكس قيبر المؤسسة الادارية , التي تقوم شرعيتها على احتكار العنف للحفاظ على الدولة ,التي تقوم على الجغرافيا واحتكار العنف وموظفين اختصاصيين وبيوقراطية حاكمة , كل ذلك يمثل تطور مفهوم الدولة من أرسطو حتى يومنا هذا .
دولة ماكس فيبر الألمانية هي دولة “الحق” أودولة القانون أو الدولة الدستورية التي تتكفل بحماية المواطن من تعسف السلطة بواسطة القانون , الذي يمثل غيابه فقدان الحرية والديموقراطية للمعنى والدلالة, القانون يحمي الدولة ويمنع السلطة من التمادي , نود طرح السؤال التالي والمتعلق بتعريف الدول , هل للدولة دين ؟
ألانسان كائن بشري له معتقدات روحية ومادية يؤمن بها , وهناك معتقدات لايؤمن بها , تتمثل معتقدات الديانات الابراهيمية الثلاثة بشكل عام بفكرة الاخرة والثواب والعقاب ,باستثناء الكنيسة , التي تنصلت مؤخرا من مفهوم الجنة وجهنم , ممارسة الشعائر الدينية حسب معتقدات من يعتنقها هي المعيار الذي ستتم محاسبة الابراهيمي بواسطته قبل الوصول الى الجنة أوالنار , ومن هذه الأحكام بالنسبة للبعض ممارسة الصلاة والصوم والزكاة والجهاد والحج ….الخ
يظن البعض بوجود دولة مؤمنة ودولة كافرة , بغض النظر عن كون كل مكونات الشعب مؤمنة أو كافرة ,في الدولة الدينية ستكون المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية اما مؤمنة أو كافرة , وستتم محاسبتها في الحياة الاخرة بناء على ممارساتها من صوم وزكاة وحج ..الى آخره , لكن الدولة كيان سياسي لايمارس شعائر دينية يمكن للخالق محاسبتها عليها في الاخرة ,لذلك لانستطيع القول هناك دولة مؤمنة و دولة كافرة , لانه في مكون الشعب هناك المؤمن والكافر ,كذلك المؤسسات الاخري الاقتصادية او الاجتماعية , لذا لايمكن القول هناك شركة كافرة واخري مؤمنة, لان الكيانات السياسية او الاقتصادية تختلف عن الكيان البشري, فالإيمان بالغيبيات هو شأن خاص وليس اجتماعي ,والدولة منظومة اجتماعية وليست مؤسسة خاصة في جميع الدول المتقدمة , باستثناء الدول المسماة مؤمنة , فالأصل في هذه الدول هو رفض الآخر المختلف , لتعارض الاختلاف مع التوحيد الرافض للاختلاف , كيف ستتقبل هذه الدولة وجود الممارس لشعائر تتعارض مع مبدأ التوحيد ؟ لاعلاقة للكيانات التي تعتبر نفسها دولا دينية مؤمنة بمفهوم الدولة …هذه عشائر وطوائف وليست دولا,
نريد الآن الاجابة على السؤال التالي , ماهي الدول التي يقول دستورها بوجود دين رسمي للدولة ؟؟؟ا يفاجئ الجواب على هذا السؤال السائل بواقع لم يكن متوقعا , كنا نتصور مثلا بأن الهند دولة دينها الرسمي هو الهندوسية, لكن في الحقيقة الهند ليست دولة دينية ولا وجود لدين رسمي في دستورها , بينما ديانة كمبوديا الرسمية هي البوذية, الدول الأسيوية , التي ليس لها دين رسمي في الدستور هي ميانمار, لاوس,ماليزي, الفلبين, اليابان, كوريا الجنوبية, كوريا الشمالية ,استراليا,جويانا الجديدة , الصين, منغوليا, روسيا, كازخستان, أوزبكستان ، قرغيزستان ,توركمانستان,أذربيجان, جيورجيا, ولبنان , بالنسبة لسوريا مثلا هناك تحديد لدين رئيسها ,تركيا تحولت الى دولـة لا دينية عـام ١٩٢٤, من الدول الأوربية اللادينية إيطاليا ( ماعدا الفاتيكان !) , وكذلك فرنسا , والنمسا , وهولندا , وبلجيكا , وايرلندا , والبرتغال , وسويسرا , وجمهورية سان مارينو, وليشتنشتاين , ولوكسمبورج , بولندا , لاتفيا, استونيا, كرواتيا,بوسنيا والهرسك ,رومانيا هنغاريا, سلوفاكيا, التشيك,الماني,سلوفينيا, مولدوفيا, اوكراني, بيلاروسيا,مقدونيا,ألبانيا ,توجد في إنجلترا وكذلك في فنلندا بعض الحماية للكنيسة , إلاّ أنها لا تعتبر رسمية, ومن الدول العربية التي لا لايقول دستورها بدين رسمي للدولة دولة لبنان والآن تونس وجيبوتي على اساس اعتبارها دولة عربية , اما في أفريقيا فنجد الـدول التالـية اللادينية : النـيـجر, بـنـين, توجو, غـانا , ساحل العاج, ليبيريا, جويان, غينيا بيساو , السنيغال, بوركينا فاسو,ليبيريا , سيراليون, جويانا , جامبيا,مالي, موزامبيق, بوتسوانا, ناميبيا, أنجولا, زمـبابوي , دولتا الكونغو , مدغشقـر , ملاوي , تـنزانيا , ايرتيريا , أثـيوبـيا , روانـدا, أوغـندا , كينيا, تـشاد , أفريقيا الوسطى, الكاميرون, الجابون, جويانا الاستوائية , نيجيريا , بوتسوانا , سوازيلاند , وجنوب أفريقيا , وفي قارة أستراليا ..و جويانا الجديدة لا يوجد دين رسمي للدولة ,في قارة أمريكا الشمالية ثلاث دول فقط هي: الولايات المتحدة, وكندا, والمكسيك, وكلهم بدون دين رسمي للدولة !, وفي أمريكا الوسطى, واللاتينية جواتيمالا , وبيليز , والهندوراس , ونيكارغوا, وبنما, وكوبا, والبهاما ,كلها دول لا دين رسمي لها ,أمّا في السلفادور وهاييتي فرغم الإعتراف الخاص في الدستور بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلاّ أنه ليس لها ديناً رسميا , لا يختلف الوضع كثيراً عنة في أمريكا الجنوبية , هناك تسع دول لا دين رسمي لها من مجموع 13 دولة هي : البرازيل (الدولة الخامسة من ناحية المساحة في العالم), فنزويلا, تشيلي, الأكوادور , كولومبيا , أورغواي, سورينام, غويانا, أمّا الباراغواي, فتتمتع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فيها باعتراف خاص منذ دستور ١٩٩٢, ولكنها لا تعتبر الدين الرسمي للدولة ,بل ينص الدستور علي علمانية الدولة .
جمعا يكون عدد الدول التي لادين لها ١٢٨ دولة ,والدول السبع الأكبر من ناحية المساحة في العالم وهي روسيا, كندا,الصين , الولايات المتحدة , والبرازيل ,استراليا , والهند هم دولا لا دينية ,بالنسبة لعدد السكان , أكثر من ٨٠٪ من سكان العالم يعيشون في دول علمانية , وهذه الدول تختلف جدا في تركيبتها الاجتماعية والاثنية وفي طوائفها وتطوراتها التاريخية , ولكنها جميعا تقريبا في مستوى معيشتها ومراعاتها لحقوق الانسان وكرامة الانسان ورفاهيته والعمل من أجل مستقبله أفضل بكثير من الدول التي تعتمد دينا رسميا , في هذه الدول تحول رجال الدين الى ملحقات للسياسة أو بالعكس ,
= من صفحة /


الأحد، 24 سبتمبر 2023

غسان كنفاني: أن تعيش أطول من الكيان لوي ألداي، ترجمة جنان أبو اشتيةالخميس 21 أيلول 2023

 

غسان كنفاني: أن تعيش أطول من الكيان

الخميس 21 أيلول 2023
تصميم محمد شحادة.

النص التالي هو ترجمة للمقدمة التي كتبها المؤرّخ والكاتب لوي ألداي، لكتاب «غسان كنفاني» والذي كتبته آني كنفاني، زوجة غسان. وفي الكتاب تعرّفنا آني على غسان عن قرب، بوصفه زوجًا وأبًا، إضافة إلى كونه مناضلًا صلبًا، وقد كتبته بعد عام على استشهاده، وفي الذكرى الخمسين لصدوره أعيد نشره، وقد صدرت ترجمته إلى العربية مؤخرًا. نشرت المقدمة في موقع موندو وايز، وتنشر الترجمة بإذن من الموقع وكاتب النص لوي ألداي.

«بوجود غسان كنا نشعر أن هناك من يهتم بنا».[1]
– سميح القاسم (1939- 2014)

«أستطيع القول، من دون مبالغة، إنّ غسان كان نابغة. كان استشهاده فاجعة أصابتني في القلب، لكن عزائي أنه موجود في قلب كل إنسان حرّ وضميره».[2]
– جورج حبش (1926-2008)

إنّ مقبرة شهداء فلسطين التي تقع بالقرب من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، بلا شك مكان فريد من نوعه: إذ يرقد في جوفها اللا-مذهبي أناس من مختلف الأديان والقوميات والأعراق والتوجهات السياسية، تجمعهم تضحيتهم السامية التي قدموها بشهادتهم في سبيل القضية الفلسطينية. فالمقبرة في الواقع ما هي إلا معرض يضيء على القصص المتشابكة ومعالم نضالات الثورة الفلسطينية وأولئك الذين قاتلوا ورحلوا من أجلها. وفي هذا تجسيد لمقولة غسان كنفاني بأن فلسطين هي «قضية كل ثائر، أينما هو، قضية الجموع المضطهدة والمقموعة».[3] يليق بغسان أن يرقد بسلام هناك بعد اغتياله على يد عملاء إسرائيليين في الثامن من تموز عام 1972، بعدما حرم من أن يدفن في تراب فلسطين الحبيبة، حيث ولد في التاسع من نيسان في عام 1936.

في أحد أيام آب الحارة والرطبة، وبعد مرور ما يقارب خمسين عامًا على اغتيال كنفاني، عزمتُ على أن أجد المقبرة التي دفن فيها لأؤدي التحية للرجل البطل. عرفت غسان لأول مرة عندما أصبحت مناصرًا للقضية الفلسطينية في سنوات المراهقة، وقرأت له روايته الشهيرة رجال في الشمس في سنواتي الجامعية. ولكنني أصبحت أكثر انشغالًا بأعماله وحياته بعد اطلاعي على كتاب مؤثر بعنوان «غسان كنفاني» من كتابة أرملته، آني، والذي يسعدني أن أكتب مقدمته هنا.

عند وفاته، جسّد كنفاني عدة أمور في آن واحد ومنها أنه كان أديبًا شهيرًا، وماركسيًا-لينينيًا، وقوميًا عربيًا،[4] ورفيقًا، لاجئًا وفنانًا، بالإضافة إلى كونه زوجًا وخالًا وأبًا. لذا، كان وقع موته متفاوتًا على الناس، ولعل أحد أهم جوانب رثاء آني له هو تعبيرها الدقيق عن كون خسارته عميقة ومتعددة الأوجه. استطاعت آني فعل ذلك باستعمالها لمذكراتها بالإضافة إلى رسائل التعزية، والصور، ومقتطفات من كتابات غسان، والأعمال الفنية له ولآخرين. بفعل ذلك، يتموضع موت غسان في سياق نضال ثوري مستمر، ويبعث برسالة تحدٍ لمن اقترف هذا الفعل.

إن مقتل غسان في جوهره فاجعة بالنسبة لعائلته، خاصة لرحيل ابنة اخته لميس نجم معه، التي أحبها غسان والعائلة حبًا جمًا، عندما كانت ما تزال ابنة 17 ربيعًا.[5] كذلك، كان اغتيال غسان حدثًا مدمرًا لرفاقه في الجبهة الشعبية وغيرهم على المستوى الشخصي والسياسي. وكان أكثر من تأثر بذلك هو صديق غسان المقرب، أستاذه، وزميله، عضو الجبهة الشعبية، جورج حبش، الذي كان قد قابله لأول مرة قبل عقدين من وفاته في دمشق، حيث كان غسان الصبي لاجئًا مع عائلته عقب النكبة. يصف حبش يوم اغتيال غسان كواحد من أكثر أيام حياته إيلامًا، ويستذكر الصعوبة التي واجهها أثناء كتابته رسالة عزاء لآني، راجيًا أن تكون كفيلة بالتعبير عن ثقل الخسارة التي ألمت به.[6]

لم يكن على جورج أن يقلق، لأن رسالته، التي نشرت كاملة في رثاء آني، هي لوحة بديعة رسمت بكلمات كادت لا تكفيه للتعبير عن حب مخلص وصمود ثوري.

متألمًا لعدم قدرته على حضور الجنازة ومواساة آني،[7] يكتب حبش: «آني، إني أعرف جيدًا جدًا ما تعنيه خسارة غسان بالنسبة لك. لكن أرجوك أن تتذكري أن لديك فايز وليلى والآلاف من الإخوة والأخوات أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفوق كل هذا لديك القضية التي حارب غسان من أجلها».[8]

عندما توفي غسان خسِرت آني «إنسانًا مميزًا» كان لها زوجًا، رفيقًا، أستاذًا وأبًا محبًا لولديها.[9] تكتب في وداعها المؤثر له مخاطبة إياه «كنتَ بفكرك وبراحتيك الطيبتين الجميلتين، معطاءً لنا وللناس».[10]

كنت أجوب شوارع شاتيلا المكتظة باحثًا عن مدخل المقبرة، بينما تجول في فكري كل تلك الرسائل والمشاعر الثقيلة. اعتقدت بأني قد وجدتها، فدخلت وسألت رجلًا كان يكنس الأرض من حول أحد الأضرحة بسكينة، عما إذا كان يعلم أين يقع قبر الشهيد غسان كنفاني. هز كتفيه معتذرًا، وسرعان ما أدركت بأني في المكان الخاطئ: فكانت تلك مقبرة إسلامية قريبة، وليست مقبرة شهداء فلسطين. بينما كنت أبحث عن طريقي، توجه لي رجل في منتصف العمر على دراجة نارية وسألني عما إذا كنت احتاج إلى المساعدة. وما لبثت من إنهاء سؤالي عن مكان قبر كنفاني، حتى قال لي «اطلع»، ووجدت نفسي أجلس خلفه على الدراجة النارية، مبتعدًا عن المقبرة متجهًا نحو شارع منعرج حول نفسه، يعج بالناس. بعد مرورنا بحاجز للجيش اللبناني على مدخل شاتيلا – وهذه إهانة يومية يتعرض لها الفلسطينيون في لبنان- أوصلني إلى مدخل مقبرة شهداء فلسطين. بعدها أشار بشيء من الغموض إلى ضريح غسان، ومن ثم توارى بذات الخفة التي حضر فيها.

وقع اغتيال كنفاني خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينيات واستمرت حتى الثمانينيات، بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار (أهمها في فيتنام والجزائر).

قبل ذهابي إلى المقبرة، كنت قد شاهدت مقطعًا مصورًا من جنازة غسان، ودهشت لكمية أشجار الصنوبر في الخلفية؛ فكانت تلك صورة نادرة في مشهد بيروت العصري. فكرت في ذات الشيء من جديد عندما لاحظت بأن تلك الأشجار ما زالت واقفة في مكانها حتى بعد مرور خمسة عقود. كنت قد نسيت أن أحضر معي نظاراتي الشمسية، فاضطررت أن أغلق عيني لشدة سطوع الشمس التي انعكس ضوؤها مع لمعان حجارة القبور الرخامية الباهتة. ولكن، بعد أن بحثت لعدة دقائق في المقبرة الهادئة والتي بدت فارغة -إلا من بعض القطط التي استلقت في الظل- وجدت قبر كنفاني. حصل ذلك عندما وقع نظري على علم صغير أحمر باهت اللون كان موضوعًا على القبر، وهو علم الجبهة الشعبية. وفي ظل كل الهدوء الذي ساد، كدت لا أصدق أنني تمشيت قبلها بقليل في شوارع شاتيلا المكتظة.

حول قبره وقبر لميس الموجود في الجهة المعاكسة[11] شاهدت زهورًا، بان بعضها وكأنه زُرع للتو. عندما رأيتها تذكرت رسالة كان قد كتبها فايز ابن غسان نعيًا له واستحضر فيها أباه واصفًا إياه عندما كان: «يزرع الزهور بيدين رقيقتين»[12] كل يوم أحد معه ومع أخته الصغيرة ليلى. كما تذكرت الحديقة التي وصفتها آني بأنها كانت مفخرة غسان[13] وهي ذاتها الحديقة التي لعب فيها أبناء حبش وكنفاني في الأعياد والمناسبات الخاصة.[14] إن رسالة فايز إلى أبيه واحدة من الصفحات المؤثرة في رثاء آني لزوجها. فكلمات فايز الذي كان ما يزال ابن التاسعة عند اغتيال والده، جلية وبينة بشكل موجع. وما هي إلا تذكرة بأنّ ما وراء الصورة المثالية والمحتفى بها لمن استشهد من أجل قضية فاضلة، عائلة ثكلى، وأطفال حيارى، مضطرون أن يستكشفوا هذا العالم وحدهم دون والدهم.

عندما قرأت رسالة فايز لأول مرة، حضرتني رسالة تشي جيفارا التي كان قد كتبها لأبنائه متوقعًا رحيله قبل سنتين من مقتله، مثل غسان، على يد الرجعيين.[15] «كان أبي رجلًا طيبًا»، كتب فايز فخورًا؛ «تبع أبوكم إيمانه، وكان مخلصًا لقناعاته»، خاطب تشي أبناءه. «أريد أن أكون مثل والدي وأناضل من أجل العودة إلى فلسطين، وطن أبي» يؤكد فايز باعتزاز؛ أما جيڤارا، فيوصي أبناءه أن «يصبحوا ثوريين شرسين». في الحالتين، حرم الآباء من رؤية أبنائهم يكبرون، ثوريين أو غير ثوريين.

يوم زرت قبر غسان المتواضع، لفتت نظري ورقة مغلفة تحمل كلمات غسان: «أجرؤ على الاعتقاد بأن كتاباتي انطلقت دائمًا من الإيمان بأن الإنسان هو المسؤول عن مصيره، وهو القادر على اجتراحه أو تغييره.. وفي أحيان كثيرة قادر على إحراز شرف الموت في سبيله..» مقولة ملهمة بامتياز. لم يكن كنفاني خائفًا من الموت، كما لم يخف منه تشي صاحب الجرأة الأسطورية، التي اعتبرها البعض تهورًا. قبل موت كنفاني بمدة وجيزة، سأله صحفي عما يعني له الموت. فأجاب كنفاني: «بالطبع، الموت يعني الكثير. الشيء الأهم هو معرفة السبب. إن التضحية بالنفس، في سياق الحراك الثوري، ما هي إلا تعبير عن أعلى درجات فهم الحياة والنضال من أجل حياة يستحقها الإنسان».[16] ومثله، آمن تشي بأن الكفاح المسلح هو «الوسيلة الوحيدة للشعوب التي تناضل من أجل التحرير» واعتبر أنه «يضحي بنفسه من أجل معتقداته».[17]

عانى الرجلان من مرضين مزمنين هددا حياتيهما -كنفاني كان مصابًا بالسكري وعانى تشي من الربو- وربما كان من شأن ذلك أن يخفف من خوفهما من الموت. ولكن الصفات التي جمعتمها، ولربما عززتها ظروفهما الصحية، هي شغفهما وإرادتهما في مناهضة الظلم في حياتيهما، مهما طالتا. في أسلوبه المؤثر والمقتضب، قال حبش إنّ صديقه « كان يعرف أن حياته ستكون قصيرة، لكنه أرادها ممتلئة، حافلة وذات مغزى، وهكذا كانت».[18]

لم يكمل تشي أو كنفاني الأربعين من عمرهما، إلا أنهما استطاعا بعنادهما وإخلاصهما وتفانيهما تحقيق الكثير خلال حياتيهما القصيرتين. وكما تكتب آني، كان غسان «مشغولًا دائمًا، يعمل وكأن الموت يطرق أبوابه».[19] عندما كان ابن 36 عامًا، وفي مقابلة أجراها قبل مقتله بأسابيع عدة، كشف كنفاني عن الضغط المستمر والعمل الشاق اللذين يقعان على عاتقه في إطار تحريره لجريدة الهدف.[20] عانت الهدف بشكل مستمر من نقص الأيادي العاملة، الأمر الذي تطلب منه العمل لمدة 13 أو 14 ساعة يوميًا، وذلك في ظل تعرضها لانتقاد شديد من كل الجهات.[21]

في رثائها له، تتحدث آني عن القواسم المشتركة بين زوجها، وبين تشي، وثوريين آخرين قتلوا من قبلهم:

«حب الحياة يحتاج إلى عنف. لم يكن غسان مسالمًا. وقد قتل في صراع طبقي، مثل كارل ليبنخت، وروزا لكسمبرغ، وارنست تالمان، ولومومبا وتشي جيفارا. كما أحبوا الحياة هم، أحبها هو».[22]

 في الحقيقة، لا يكتمل الفهم العميق لمقتل غسان في غير هذا السياق. إذ وقع اغتياله خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينيات واستمرت حتى ثمانينيات القرن الماضي. حدث كل ذلك بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار (أهمها في فيتنام والجزائر)، بالإضافة إلى فترات عدم استقرار متواصل على المستوى المحلي في الولايات المتحدة وصعود قوة أيديولوجية، واقتصادية وسياسية مضادة تمثلت بالاتحاد السوفييتي، كان من شأنها تهديد الهيمنة الغربية الامبريالية عالميًا، أكثر من أي وقت مضى.

كان كنفاني أمميًا بامتياز[23] يؤمن بشدة بالطابع العالمي للنضال ضد الإمبريالية التي «ألقت بجسدها على كل أنحاء العالم. حيث يقع رأسها في شرق آسيا، أما قلبها فموضعه الشرق الأوسط، وتمتد شرايينها من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية. فأينما صعقتها، ستفتك بها، وتكون بذلك قد خدمت الثورة العالمية».[24] قتلت القوات الإمبريالية (أو مفوضوها) عددًا كبيرًا من القادة الثوريين والمثقفين خلال ثورة مضادة شرسة امتدت على مدار ثلاثة عقود عالميًا. فباتريس لومومبا (1961)، والمهدي بن بركة (1965)، ومالكوم اكس (1965)، وتشي چيفارا (1967)، ومارتن لوثر كينج (1968)، وفريد هامبتون (1969)، واميلكار كابرال (1973)، وسلڤادور أييندي (1973)، وستيڤ بيكو (1977)، ووالتر رودني (1980) وتوماس سانكارا (1987) ما هم إلا بعض ضحايا الاغتيالات التي حدثت خلال تلك الفترة الدامية.

على وجه الخصوص، كان مقتل كنفاني جزءًا من حملة عنف وقتل عالمية شنتها «إسرائيل» -بدعم كامل من الولايات المتحدة- ضد حركة التحرير الفلسطينية وداعميها. في أعقاب اغتيال كنفاني، أشار الصحفي الإسرائيلي أوري دان الذي كان حليفًا مقربًا لآرييل شارون إلى الدافع الوحشي وراء ذلك في صحيفة معريڤ الإسرائيلية قائلًا إن:

«على أعضاء «الجبهة» الفلسطينيين أن يفهموا بأن «إسرائيل» قادرة أن تضرب في أي مكان، ويجب أن يكون مقتل غسان بمثابة إنذار واضح بالنسبة لهم. يجب ألّا يتم التعامل مع مقتل غسان على أنه حدث معزول، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، على القيادة الفلسطينية أن تكون مستعدة لإرهاب شخصي. أثبت مقتل غسان بأن ذلك ممكنًا، وأنه يمكن فعل ذلك بدون أي عوائق تذكر».[25]

لم يكن أي ممن استُهدف في مثل هذه الحملة -ولم تقتصر تلك المجموعة على أعضاء الجبهة حصرًا- موهومًا بالنسبة لخطر الموت الذي لحق به. عندما قرأ كمال ناصر، الشاعر والمثقف الشهير والمتحدث باسم منظمة التحرير الفلسطينية، رثاء محمود درويش لكنفاني، شكا درويش، بدعابة تراجيدية بعض الشيء، قائلًا: «ماذا يستطيع الشاعر أن يكتب بعد اليوم؟ هل بقي شيء تكتبه عند موتي؟».[26]

بعد أقل من سنة، جاءت ساعة ناصر، كما توقع، عندما قتل مع كمال عدوان ومحمد يوسف النجار، أعضاء منظمة التحرير -بالإضافة إلى تسع ضحايا آخرين بمن فيهم رسمية، زوجة نجار- في بيروت، حيث قامت بذلك فصيلة اغتيال إسرائيلية بقيادة إيهود باراك، الذي أصبح لاحقًا رئيس حكومة الدولة الصهيونية.[27]

مرددًا مواقف ناصر وكنفاني، صرّح نجار في مقابلة كان قد أجراها قبل أسابيع من مقتله، بأنه لم يتوقع حدوث الانتصار على يد أبناء جيله من الفلسطينيين، إنما هم «يزرعون البذور، ليحصدها القادمون (..) غالبًا سنموت كلنا، قتلًا، في مواجهة عدو شرس. ولكن الشباب سيحلون مكاننا».[28]

نشر مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير في بيروت رثاء آني لزوجها. قام المركز الذي تأسس في العام 1965 بنشر العديد من الكتب والمنشورات ومواد أخرى عن القضية الفلسطينية وعن الصهيونية، بما فيها كتاب غسان «في الأدب الصهيوني»، والذي صدر في العام 1967.[29] بعد مرور ما يقارب أسبوعًا على مقتل كنفاني، أرسل الإسرائيليون رسائل مفخخة لفلسطينيين بارزين آخرين في لبنان، وكان من بينهم، المدير العام لمركز الأبحاث، أنيس صايغ. أصيب صايغ، الذي كتب افتتاحية كتاب «في الأدب الصهيوني»، بجراح خطيرة بسبب التفجير، ولكنه نجا بحياته.[30] لاحقًا، عندما اجتاحت «إسرائيل» لبنان، بعد مرور ما يقارب العقد على مقتل كنفاني، قامت قواتها بالسطو على مكتبة مركز الأبحاث ونهب ما يقارب «25 ألف مجلد (..)، بالإضافة إلى آلة طابعة ومجموعة من الأشرطة المصغرة والنصوص ومواد أرشيفية أخرى»[31] ومن ثم قامت بتفجير المكاتب، مما أدى إلى مقتل عشرين شخصًا على الأقل، بينما جرح آخرون.[32] كانت هذه الهجمات جزءًا من هجمات إسرائيلية أوسع قامت خلالها قوات الاحتلال بـ«محو أغلب المؤسسات التربوية والثقافية الفلسطينية [في لبنان] التي تمكنوا من الإمساك بها».[33]

على ما يبدو، فهم الإسرائيليون مدى خطورة انتشار تحليل تاريخي موثق للمشروع الصهيوني الاستعماري -خاصة في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية- على الاحتكار الوهمي للخطاب العام الذي تحظى به الرواية الصهيونية حتى اليوم، خاصة في الغرب. إن عدم انخراط كنفاني، وناصر وصايغ وكثير مثلهم من المتحدثين والمثقفين في القتال لم يمنحهم أي حماية. على العكس تمامًا، فبسبب فصاحتهم، وفطنتهم وموهبتهم في التواصل كانوا عرضة للخطر، وأصبحوا رجالًا مهددين. كما تكتب آني في رثائها:

«كنتَ قادرًا على تفسير أكثر الأفكار السياسية تعقيدًا، باستعمال أسهل المصطلحات؛ ولهذا السبب استمع الناس إليك، وقرأوا كتبك ومقالاتك، وسيستمرون في فعل ذلك. ولهذا السبب، أيضًا، أُجبِر أعداؤك على اغتيالك».[34]

كان كنفاني يعي أهمية المشهد الثقافي في النضال الثوري. فمن سنوات الستينيات حتى مماته كان «في آن واحد ينظّر لأدب المقاومة في سياق نضال تحرير العالم الثالث ونضال الفلسطينيين، يستند تارة إلى فكر الماوية، وتارة أخرى إلى الخطابات الواقعية الاشتراكية السوڤييتية في الإنتاج الأدبي الفلسطيني، ملهَمًا بأفكار الحداثة الأمريكية، بينما يقرأ بتمعن الأدب الصهيوني».[35]

ختم كنفاني مقدمة كتابه «في الأدب الصهيوني» بقوله الواضح إن دراسته هذه أجريت إيمانًا بمبدأ «اعرف عدوك».[36] كانت دراسته نقدًا أدبيًا من النوع الأكثر خطورة، ومن بعد خمس سنوات قتله ذلك العدو نفسه الذي أراد أن يعرف عنه.

لم تخف وطأة حملة العنف الإسرائيلية حتى بعد مرور نصف قرن على اغتيال كنفاني. قامت «إسرائيل» باغتيال عدد لا يحصى من القادة الفلسطينيين، والمثقفين والمقاتلين في السنوات التي تبعت اغتيال غسان، وما زال البعض مستهدفين حتى هذه اللحظة. إن معظم الذين قتلوا كانوا أصحاب شخصيات مبدئية مستقيمة. جمعت تلك الشخصيات، مثل كنفاني، ما بين روح القتال والصرامة الفكرية، خليط لربما تجلى مؤخرًا في شخصية باسل الأعرج، الذي قتل على يد «إسرائيل» في العام 2017.[37]

لا يمكن وصف الثناء الواسع الذي حظيت به روايات غسان وقصصه القصيرة إلا بأنه مستحق. فبأدبه المتجدد والمعقد ومتعدد الأوجه، يعلمنا كنفاني عن القضية الفلسطينية، وعن الصهيونية والضائقة الإنسانية، بطريقة لا مثيل لها. وكما كتب ناهض حتر:

«أحسب أن أحدًا لم يمنح الكتابة ساعات يومه ووهج قلبه وخلاصة عقله، كما فعل كنفاني، متألقًا، متأنقًا، جميلًا، طيبًا، ينبض بصرخات المعذبين والعشاق في آن واحد. فمن المستحيل أن تقرأ كنفاني، ثم لا تفكّر بفلسطين، ولا تفكّر بحريتك الشخصية، وبتحرير بلدك، وتحرير عقلك!».[38]

كانت تطغى كتابات كنفاني الأدبية عادة على التزاماته، ومواقفه وكتاباته السياسية، وفي بعض الأحيان كانت الأخيرة مبهمة عن عمد.[39] تشيع هذه الظاهرة غالبًا في الأنچلوسفير، وذلك ليس فقط لندرة ترجمة دراسات غسان غير الروائية، إنما هو انعكاس لمشاكل بنيوية تطغى على حركة التضامن الغربية مع فلسطين. تعزف هذه الحركة بمعظمها عن التضامن مع حركة المقاومة والتحرير الفلسطينية في كل أشكالها -بما يشمل الكفاح المسلح- وتكتفي بدعم حملة حركة المقاطعة (BDS) ووسائل سلمية أخرى للمقاومة.[40]

فلمسألة الكفاح المسلح مكانة خاصة في الحديث عن كنفاني وإرثه. وكما كتبت الديلي ستار في نعيها، كان كنفاني «المقاتل الذي لم يطلق رصاصة أبدًا»، ولكنه كان مؤمنًا بأن الكفاح المسلح -للفلسطينيين وكل الشعوب المقموعة- شرعي وضروري. لم يقصِ نفسه عن العنف الثوري للجبهة الشعبية أو أي فصائل فلسطينية أخرى خاضت الكفاح المسلح. برفضه «الأخلاقيات البرجوازية»،[41] أصرّ كنفاني باعتزاز على أن للشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل أرضه وكرامته حقًا أخلاقيًا في الكفاح المسلح. آمن كنفاني بأن ذلك «أفضل أشكال الترويج» وأنه رغم «عظمة منظومة البروباغندا الأمريكية» فإن «الأمور تحسم في النهاية» بنضال الشعوب لتحرير ذاتها من خلال الكفاح المسلح.[42]

كان إيمان كنفاني بضرورة الكفاح المسلح عميقًا، وعندما عاد من زيارة لغزة في العام 1966 كتب بأنه يشعر:

«أكثر من أي وقت مضى، كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح، وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه».[43]

للمزيد أدخل الى الرابط :  





https://www.7iber.com/culture/%d8%b9%d9%86-%d8%ba%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%83%d9%86%d9%81%d8%a7%d9%86%d9%8a/?utm_source=yarpp&utm_medium=post&utm_campaign=related


الثلاثاء، 12 سبتمبر 2023

ملاحظات عامة عن القرآن:

 كتب الباحث الحصيف والمفكر العميق الدكتور د. حسين دزيري :

1. النص القرآني يعتمد على الغموض "المقصود"، بداية من الحروف الطلاسمية في أوائل بعض السور، و استعمال ألغاز وتشفيرات، يحار فيها و"يعجز" عن فهمها أصحاب الألباب. تنقصه الدقة في التعبير في وصف الأحداث والقضايا المختلفة. معظم الآيات هي عموميات، أغلبها مبهمة وتقريبية ومعظم الضمائر لا ندري على من تعود إلا ظنا. كما أنه يحتمل تأويلات كثيرة، ظنية غير قاطعة، تستوجب حتما الاختلاف في الفهم، ومِن ثَمّ في التطبيق... نص مقتبس: "يحتوي القرآن على جمل غير كاملة وغير مفهومة بدون تفسير؛ كلمات أجنبية؛ كلمات عربية غير مألوفة؛ وكلمات مستخدمة بمعاني غير مألوفة؛ صفات وأفعال مصرفة بطريقة لا تتفق مع الجنس والعدد؛ ضمائر غير منطقية وغير متفقة مع قواعد اللغة وأحيانا لا تشير إلى شيء؛ والخبر في كثير من الأحيان بعيد عن المبتدأ بسبب متطلبات السجع".
2. كتاب مفكك، أفكاره غيره مرتبة، لا تتبع منطقا واضحا، ومواضيعه متداخلة، فنجد آيات مُقحمة بين أخرى لا توجد علاقة واضحة بينها، كما نجد في نفس الآية انتقال من موضوع إلى آخر بدون فاصلة أو توقف و لا أحد يفهم السر في ذلك، مثلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ...) (المائدة/1)، (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...)(النساء/3). (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج/5). مقتبس: "في كثير من الأحيان، لا توجد أيّة علاقة منطقية على الإطلاق بين المواضيع المختلفة في السور الطويلة. فالقرآن هو كتاب مفكك وغير منتظم. فهو مجموعة من فقرات قصيرة موضوعة في النص بدون أي اعتبار للتسلسل المنطقي أو للموضوع."
3. فيه تكرار كثير حدّ الملل، أحيانا في نفس السورة عِدّة مرات، وأحيانا موزع على المصحف وبنفس العبارات والجمل القصيرة أو الطويلة المتكررة، بحيث لو نزعنا التكرار ما بقي الثلث من المصحف، مثلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة/73) و (التحريم/9) بالضبط، حرفا بحرف. (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (البقرة/49) و (الأعراف/141) ومثلها في (إبراهيم/6). ذكرت "غفور رحيم" 49 مرة، "اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" 35 مرة، " تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" 34 مرة، " فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " 31 مرة، " بكل شيء عليم" 20 مرة، "سميع عليم" 16 مرة، " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ" 12 مرة، "وَمَا اللَّهُ (ربك) بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" 9 مرات، " مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ" 7 مرات، "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مذكر" 4 مرات، تكرار القصص و خاصة قصة موسى، الخ.
4. الأسلوب العام والغالب المتبع للإقناع بصدق الرسالة هو التخويف من "عدم تصديقها" وتكذيبها، بالعذاب الدنيوي و الأخروي و الخلود في النار. أما الدعوة إلى التدبر في الخلق، فكل ما ذكر هي أمور ظاهرة لكل الناس، ثم تُنسب إلى الله: هو الذي سخر لكم ما في السماوات و الأرض، هو الذي أنزل من السماء ماء، هو من يمسك الطيور في السماء، هو الذي خلق كذا وكذا، الخ.
5. المتأمل لمجموع النص القرآني يجد فيه تأثير البيئة الصحراوية عليه بشكل ملحوظ. طبعا المدافعون يقولون، أنه نزل على قوم وسط بيئتهم، فلابد من مخاطبتهم بما يعرفون، و لكن القرآن مرسل إلى كل البشر في كل أنحاء الأرض و في كل العصور. فنجد فيه و بكثرة، الحديث عن عادات و تقاليد ومفاهيم محلية (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا) (النحل/80)، )حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) (الرحمن/72)، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) (النجم/14)، (السدرة شجرة شوك بالصحراء تعطي النبق)، و طقس محلي (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (الواقعة/30) ، (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا =عيدان تدق في الأرض لتثبيت الخيام) (النبأ/7)، و حيوانات محلية (الإبل). فمثلا، حيوان الرنة (الآيل) أو اللاما الموجودان في الشمال هما يشبهان الأنعام لكنهما غير مذكورين من بينهم. و صعوبة العمل بأوقات الصلاة و الصيام في مناطق قريبة من القطبين، الخ.
6. القرآن (مُحدث)، جاء مرتبطا بأحداث يتفاعل معها ويعالجها عند حدوثها. حتى أنه يلجأ إلى النسخ و التبديل والتعديل والتصحيح، حسب تفاعل الناس، كما تدل عليه روايات أسباب النزول المختلفة. ولولا تلك الروايات، لما فهم المفسرون معظمه. نجد مثلا، حديث في البخاري ومسلم يروي أن الآية نزلت في أول الأمر بدون "غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ" ثم غيٌرها الرسول استجابة لابن أم مكتوم الأعمى؟؟؟ عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي (ص) حين نزلت عليه "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" ولم يذكر أولى الضرر، فقال ابن أم مكتوم: كيف وأنا أعمى لا أبصر، قال زيد: فتغشى النبي في مجلسه الوحي، فاتكأ على فخذي، فو الذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها، ثم سرى عنه فقال: اكتب "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر" فكتبتها. كذلك تبرير زواج الرسول من زوجة دعيه زيد، تبرير قطع نخل بني النضير و هم محاصرون في حصونهم، و إعلان خصومات مع أشخاص معينين (أبو لهب، أبو جهل، الوليد بن المغيرة، العاص بن وائل، ابن أبي سلول...)، الخ.
7. هناك فضاءات واسعة خصصها القرآن لقضايا لا تهم الإنسان اليوم، و تلاوتها في القرآن لا تفيد شيئا و لا حتى أي عِبر منها، مثلا: كثرة تكرار وتفصيل قصة موسى مع فرعون، بقرة بني إسرائيل، عدد أصحاب الكهف، الخصومات الشخصية للرسول، سبع آيات عن "النجوى" ثم تنسخ، كل ما قيل أنه منسوخ و باق في المصحف... الخ. كان الأولى الكلام عن قضايا أهم، كتربية و حقوق الأطفال، الحرية و حقوق الإنسان، الترغيب في العمل الدنيوي وطلب العلم الدنيوي و البناء والصناعة، بعض مبادئ نظام الحكم (السياسة) الذي تخبط فيه المسلمون منذ وفاة الرسول إلى اليوم، و سالت بسببه دماء الصحابة و من جاء بعدهم، الخ.
8. إضافة إلى الكثير من التناقضات مع العلم و الواقع والمنطق السليم، --------------------------------------------
قال في سورة النمل ان الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم اعمالهم
وتاني في نفس السورة قال و زين لهم الشيطان اعمالهم

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...