الجمعة، 19 مايو 2017

مشاهير وعلماء وفلاسفة " لا دينيين " !! لماذا؟؟؟


في تقرير نشرته ال «ديلي ميل» البريطانية مفاده أن العديد من المشاهير والعلماء والفلاسفة أعلنوا أنهم في عداد " اللادينيين " !! منهم : عالم الفيزياء الأشهر على مستوى العالم «ستيفن هوكينغ»، و" مورجان فريمان " أحد أبرز نجوم هوليود ، و «جوليا جيرارد»، رئيسة الوزراء الأسترالية السابقة، و " رافائيل نادال " أسطورة التنس الإسبانية .. والممثلة الإنجليزية الشهيرة «كيرا نايتلي»، والممثلة الإنجليزية «إيما ثومبسون» ، والكاتب أوستين كلاين ..
 هذا بالاضافة الى العديد من المشاهير الثوريين والفلاسفة والعلماء أمثال : كارل ماركس ، وفردريك انجلز وفلاديمير ايليتش لينين وماوتسي تونج ، ونيتشة وسارتر ...و رونالد فيشر، دابليو دي هاملتون، دانيال دينيت، بيرتراند راسل، نيكولاس تينبرغن ، وتشالز دوكينز ....
وفي التاريخ الاسلامي برزت أسماء الكثير ممن أُخرجوا من دائرة الايمان ، ووُجهت اليهم تهماً بالهرطقة أو الزندقة منهم : ابن المقفع ، الفارابي ، ابن سينا ، أبو العلاء المعري ، أبو بكر الرازي ، يعقوب بن اسحاق ( الكندي ) ، ابن النديم ، ابن الهيثم ، ابن طُفيل ، الطوسي ، الجاحظ ، ابن رُشد ، محمد بن الشاكر ، ثابت بن قرة ...
= والسؤال : لماذا لم يستطع الدين أن يحتفظ بهؤلاء ضمن دائرته ؟
= هل لاعتقادهم بأن نظرية الخلق التوراتية غير كافية لاقناعهم ؟
= أم هناك اشكالية وجودية واعتبارية للخالق نفسه ؟
= أم أن العلم بتفسيره لكثير من الظواهر الكونية ، قد حطم حاجز الخوف الذي تثيره الكثير من القصص الدينية !!
= أم بسبب أن العلم كاف لخلق الطمأنينة الداخلية للانسان ؟
= أم لاعتقادهم أن القيم والأخلاق الانسانية ، هي أرقى بما لايقاس بالمقارنة مع القيم والأخلاق الخصوصية التي تدعو الى تفضيل قوم على آخرين والتي هي من صميم الأديان .
= أم أن بعضهم يضع  نفسه في مكان الاله بالقول : «إننا نحن البشر من اختَرَعَ الإله، وأنه لو كان يؤمن بالإله .... فإنه هو نفسه الإله» ، " مورجان فريمان " .
= أم لاعتقادهم بأن ما تحتويه كتب الأديان الكتابية من قصص لا ترقى الى المصداقية ؟
=  أم لاعتقادهم بأن القصص التي تؤمن بها الأديان ، هي من اختراع الانسان البدائي ؟
= أم لأنهم يعتقدون أن تنوع الأديان وتفاوت الناس في عقائدهم وإيماناتهم وتصوراتهم عن الإله ، جعلهم يؤكدون أن هذه الأديان من انتاج بشري محض ، فلو كان من عند إله واحد ، فلن يوجد غير دين واحد .
= أم أنهم يعتقدون أن الدين كان ضرورياً في المجتمعات المشاعية والعبودية والزراعية ، وقد انتهت وظيفته في هذا الزمن !!
= أم لديهم اعتقادا أن الانسان يستطيع أن ينظم حياته ويدير نفسه بنفسه ، وليس بحاجة الى آلهة ليستشيرها !!
= أم لإدراكهم أن هناك سيكولوجية تكمن خلف الايمان بالآلهة ، فهناك ايمان الخوف أو القهر، وهناك ايمان  بسبب الجهل ، وهناك ايمان بسبب العجز أو المرض ، وهناك ايمان بسبب المصيبة ، وهناك ايمان بسبب الحاجة  والفقر ؟ واذا زال السبب ، زالت النتيجة !!
= أم أن لديهم رفضا للتناقض في وصف الاله بأنه قمة الرحمة وقمة الجبروت ؟
= =  أم أنهم يعتقدون أن الموت هو نهاية كل حي ، ولا يمكن تصور تكرار حياة بعد الموت !!
= أم أنهم يعتقدون بإله ، ولكنه ليس  بحاجة الى صلوات الناس ودعواتهم وسماع بكائهم ؟ 
= أم لأنهم لا يعتقدون بالوعود بأن هناك جنان وحور عين  وحياة بعد الموت !!
 =  أم لأنهم لا يعتقدون بالصورة التي تصفها الأديان للجنة ، وأن مجتمع الجنة هو اشباع للشهوات الجنسية !!
= أم لأنهم لا يعتقدون بأن هناك جحيم بهذه الصورة ، وهذه القسوة من حرق وشواء الى ما لانهاية !!
= أم بسبب ممارسات رجال الدين وأتباع الأديان ، وما سببته الأديان من حروب عبر التاريخ ؟
= أم بسبب ايمانهم بنظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين ، والتي فسرت نشوء وتطور الكائنات الحية ، وأعطت تصورا علميا لنشوء العضويات الحية ، وأنهت السيادة لنظرية الخلق التوراتية ؟
= أم لاعتقاد بعضهم أن الله أوجد هذا العالم ، وتركه وغير مَعنى بتتبعه ، ولا تعنيه النتيجة التي سيؤول اليها العالم بعد ذلك !!
= أم لاعتقادهم أن الكون وعالم الأرض ليسا بحاجة الى آلهة لكي يسير بهذا الشكل الذي هو عليه ، ولا يعتقدون أن سيرورته الزمنية من الماضي الى الحاضر كانت بسبب تدخل من آلهة ! 
= أم أنهم يعتقدون أن الدين يضيق مساحة الحرية ، ويضع قيود على حرية التفكير !!
= أم أنهم يعتقدون أن الدين يُقزم ويشوه العلاقات الاجتماعية بين بني البشر بتقسيمهم الى مؤمنين وكفار !!
= أم أنهم يتصورون أن هذا الجالس على عرش في السماء والذي تسميه الأديان " الله " – لا يتصورون أنه كائن مُرعب وسلطوي ويستمتع بتعذيب البشر في حياتهم ، وينتظرهم بعد الموت لإكمال عمله ومحاسبتهم وحرقهم مراراً وتكراراً !!
= أو أنهم يرفضون موقف الدين من المرأة لأنه يفرض عليها جملة من القيود ، ويُقزم حقوقها الاجتماعية والسياسية !!
= أم أنهم لا يريدون أن يذهبوا الى الصلاة لأنهم لا يريدون أن يسمعوا مزيداً من الخرافات والأساطير التي سمعوا مثلها الكثير وهم صغار !!
= أم أن بعضهم لم يقف موقف القطع من الأديان ، بل موقف اللا أدري ، وهو أنه غير قادر على الخروج من حالة الشك التي تعتريه ، لهذا فهو لا يؤيد ولا يرفض !!
 = أم أن البعض يعتقد أن ما هو موجود في الكون ناتج عن طبيعته ، فلا يمكن أن يكون هناك خير بحت ، أو شر بحت ، فكلاهما من طبيعة الحياة !!
= أم أن بعضهم ينطلق من مبدأ الحرية له ، ويترك الحرية للآخرين بما يعتقدون ..وهذا ما هي عليه رئيسة وزراء استراليا سابقاً : جوليا جيرارد: أحترم الأديان ولا أعتنقها ....
= أم أن البعض لا يحبون فكرة أنهم دائما مذنبون ، وهذا ما صرحت به  الممثلة الإنجليزية الشهيرة «كيرا نايتلي». تقول كيرا: إنها لا تُحب فكرة أن تكون دائمًا مذنبة، وأن تطلب الغفران، وهو نفس الرأي الذي قاسمته إياها الممثلة الإنجليزية «إيما ثومبسون»، إذ قالت في مقابلة صحافية إنها ملحدة، وإنها تعتبر الأديان مقرًا للخوف والترهيب...
= أم أن رفضهم لظاهرة التدين يرجع الى نشأتهم في وسط ديني وعاشوا  تجارب سيئة مع المتدينين .. كما أوضح ذلك الكاتب " أوستين كلاين"  في موقع «about religion»...
= أم أنهم وصلوا الى قناعة أن الأديان لا تحل مشكلة الفقر ، وكانت أداة فعالة لتزييف العلاقة بين الفقراء والأغنياء ، وأن الله فضل بعضكم على بعض في الرزق ، وهي سنة الله في خلقه !!
= أم أن الدين أداة ناجحة لنشر القدرية ، ونزع روح التمرد والثورة ضد الظلم من الجماهير !!
= أم أنهم يعتقدون أن الوعد بالجنة السماوية يحرف المسار لبناء مجتمع العدل والمساواة على الأرض ، وعليهم انتظار جنة السماء كتعويض عن عذابات الأرض !!

 == لا ندري أي من هذه العوامل ساعدت على اتخاذ هذا الموقف !!

السبت، 13 مايو 2017

هل إصلاح الأزهر ممكن؟


......
يعيش الأزهر أسوأ فتراته اليوم.
اتهمه المصريون بالفشل في مواجهة الخطاب المتطرف، لكن أشد الطعنات جاءته من الداخل.
 ففي الوقت الذي كان شيخ الأزهر يدافع فيه عن وسطية الأزهر ورفضه للتطرف والإرهاب قام رئيس جامعة الازهر أحمد حسني بتكفير المفكر اسلام البحيري في بث مباشر!
لكن أسوأ كوابيس الازهر كانت في الطريق.
 فإذا كان رئيس جامعة الأزهر قد كفر شخصا، فإن الازهري ووكيل وزارة الاوقاف سالم عبد الجليل سيكفر ما يزيد على 15 مليون مصري. ففي لقاء تلفزيوني آخر سيقول سالم عبد الجليل أن عقيدة المسيحيين فاسدة وكتبهم محرفة وانهم جميعا كفار ومصيرهم جهنم!
 تكفير المسيحيين جاء بعد سلسلسة تفجيرات ارهابية ضربت عددا من الكنائس المصرية وكشف الحبل السري الذي يربط بين التفجير والتكفير.
الفتوى على الشيخ والقنبلة على الإرهابي.
 لم تهدأ نيران تكفيرالمسيحيين حتى جاء أزهري ثالث هو الكتور عبد الله رشدي الناطق الاعلامي السابق باسم الأزهر ليدافع عن تكفير المسيحيين مدعيا أن هذا هو قول الله الذي لا يمكن رده.
 ثلاث قضايا تكفير في أسبوع واحد كشفت المستور وأوضحت ان الأزهر ليس عاجزا عن مواجهة الخطاب المتطرف فقط ولكنه أيضا مورد خصب لخطاب التكفير والعنف.
 أَعفى شيخ الازهر احمد الطيب رئيس جامعة الازهر من منصبه ومنع عبد الجليل من الخطابة وسيحاكم بتهمة ازدراء الإديان، ومنع رشدي من الخطابة ايضا، لكن الحقيقة المرة لم تعد خفية.
لا يمكن إصلاح الأزهر!
 وإذا كان تجديد الخطاب الديني ضرورة فآخر من يستطيع القيام به هو الأزهر. بل ان احد عوائق تجديد الخطاب الديني خلال المئة سنة الاخيرة كان الأزهر نفسه.
 فالأزهر هو الذي حارب الخطاب التجديدي لإسلام بحيري ومحمد عبدالله نصر واحمد صبحي منصور وسيد القمني.
 وقبلها كان الأزهر على رأس قوى التكفير والمصادرة للأفكار التجديدية لفرج فوده ومحمد سعيد العشماوي ونصر ابو زيد وحسن حنفي.
 كما وقف الازهر بشدة ضد كل محاولات التجديد الديني لطه حسين وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد ومحمد احمد خلف الله.
 كان الشيخ محمد عبده قاسيا جدا على الازهر، فقد قال في احد حواراته " .. مكثت عشر سنين أكنس دماغي مما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة..."
 كان محمد عبده واعيا بدور الازهر في إعاقة التغيير، وبعجزه عن تجديد الخطاب الديني أو حتى تبني خطاب الإعتدال والوسطية، واليوم صرنا نفهم جيدا ما كان يقصده!
 اما الدعوات الحالية لإصلاح الازهر فليس المقصود بها تجديد الخطاب الديني وانما المقصود بها تدبيج خطاب ديني موال للسلطة ومعادي لخصومها وخاصة الاخوان .
لكن الحل في الطريق المعاكس تماما.
فمن قاد مشعل التنوير كان الأزهريون الافراد لا الأزهر المؤسسة.
 كان الأزهري طه حسين رائدا في النقد التاريخي للنصوص الادبية والدينية في كتاب "في الشعر الجاهلي"، وكان الازهري خالد محمد خالد رائدا في المناداة بعلمانية الدولة والاعتماد على الاخلاق العلمية بدلا من االخلاق الدينية، وكان الازهري خليل عبد الكريم رائدا قي النقد العلمي للنص المقدس والتراث والصحابة وكتابة اول سيرة علمية اجتماعية للرسول، وكان الازهري علي عبد الرازق صاحب اجرأ كتاب في اسقاط السلطة الدينية ومؤسسة الخلافة.
لكن أزهر المجددين والتنويريين لم يعد له وجود.
 تأثر الازهر بخطاب الإسلام السياسي أو "الايديولوجيا الإسلامية" بفرعيه الكبيرين: الاخوانية والوهابية، وبدلا من تقديم خطاب بديل تبنى الازهر ابرز اطروحات الاسلام السياسي واخطرها مثل: الحاكمية والجاهلية والتكفير والتغيير بالعنف والتشدد في الفتوى.
 واستطاع "البترودولار" اختراق مؤسسة الازهر واعادة صياغة المناهج الازهرية باتجاه الإسلام الحنبلي المتصلب.
 وقد بين المستشار احمد ماهر في سلسلة مقابلات ومقالات حجم التطرف في مناهج الأزهر الذي لا زال يدرس حتى الان احكام السبي والعبودية وقتل المدنيين وجواز احراق غير المسلمين او تركهم للموت جوعا في الصحراء!
 ينطلق المطالبون بإصلاح الأزهر من فرضية مفادها ان "السلطة الدينية" للأزهر ومكانته في العالم الإسلامي قوة مهمة لا بد من الإستفادة منها في طرح خطاب ديني بديل غير متطرف. والدور المناط بالأزهر حسب هذا السيناريو هو "فرض" هذا الخطاب على الجماهير مستخدما عباءة الفتوى والحلال والحرام.
 لكن المشكلة انك لا يمكن ان تجدد الخطاب الديني بالفرض وباستغلال السلطة الدينية للمؤسسات الرسمية ولا بتكريس تبعية الدين للسلطان.
اما الأزهر فهو يقف في الطرف المناقض تماما لخطاب التجديد والإعتدال.
 اذا كانت هناك رغبة حقيقية في تجديد الخطاب الديني فالسبيل لذلك هو اسقاط "السلطة الدينية" لمؤسسة الازهر وللمؤسسة الوهابية بصفتهما السلطتان الدينيتان الأوسع تاثيرا في الوقت الحالي، وفصل الدين عن السياسة، واتاحة المجال للمفكرين التجديديين من امثال اسلام بحيري ومحمد شحرور وعدنان ابراهيم وصبحي منصور وسيد القمني ومحمد نصر وسعيد ناشيد لعرض افكارهم على وسائل الاعلام الجماهيرية.
 الاصلاح لن يتم عبر المؤسسة القائمة وانما عبر خلق تيار من رموز التجديد الديني وحمايته من التكفير والملاحقات القانونية واتاحة الفرصة للجماهير للاستماع لخطاب ديني مختلف وبديل.
 ومن الضروري تبعا لذلك تحجيم استخدام مادة "ازدراء الاديان" لكي لا تضم النقد العلمي والديني للنصوص والافكار الدينية، وتجريم التكفير قانونيا باعتباره تحريضا على القتل، وتشديد العقوبات ضد "جرائم الكراهية" وخاصة جرائم تكفير وتفسيق المعارضين والمختلفين وهي الجرائم التي يرتكبها رجال الدين المشائخ التقليدين كل يوم في طوفان البرامج الدينية.
حسين الوادعي

السبت، 6 مايو 2017

معرفة " المادية التاريخية " ضرورية لكل مثقف !!

ماذا تعرف عن “المادية التاريخية” ؟ – توفيق داود

المادية التاريخية matérialisme historique  مذهب فلسفي يعنى بدراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية في ضوء مبادئ التحليل الماركسي marxisme  بصورة عامة، ومبادئ المادية الجدلية [ر] matérialisme dialectique المعنية بظواهر الكون والطبيعة بصورة خاصة، فهي تستمد من المادية الجدلية مبادئها في تحليل الظواهر والوقائع الاجتماعية، إذ تعتمد اعتماداً أساسياً على القوانين الثلاث الأساسية المتمثلة بأن عمليات التراكم الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية، وأن التناقض بين مكونات الأشياء يعد الأساس في حركتها - وما من شيء في الطبيعة والحياة الاجتماعية إلا ويحمل في مكوناته قدراً من التناقض ينتج صراعاً مستمراً بينها - وأن الصراع بين المكونات يؤدي باستمرار إلى ما يعرف بنفي النفي، فكل مرحلة من مراحل التطور تنفي بالضرورة المراحل السابقة، ولا يمكن أن تتعايش المراحل مع بعضها إلا لفترات مؤقتة توصف بالتناقض، ولايمكن أن يكون بينها أي وفاق أو استقرار.

وينطبق الأمر على الظواهر الاجتماعية والتاريخ الإنساني، فيأخذ مفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية أهمية كبيرة في دراسة المجتمع والتغير الاجتماعي، وينظر إليها على أنها بمنزلة النظام الذي يحدد في كل مرحلة تاريخية معطاة  خصائص المجتمع وأبعاده وطبيعة المشكلات التي يعانيها الناس في ذلك الحين، إضافة إلى أنه يحدد أيضاً أنماط السلوك الإنساني وأشكال الفعل التي يمارسها الأفراد في كل مرحلة تاريخية.

إن التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي تعدّ الأساس الذي تبني عليه المادية التاريخية تحليلاتها للمجتمع تتكون على الدوام من بناءين أساسيين هما البناء التحتي، ويتكون من قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وفيه يكمن سر التطور الإنساني للمجتمعات كافة، حيث توصف قوى الإنتاج بقابليتها للتطور المستمر، في حين تقع علاقات الإنتاج في تناقض مستمر مع قوى الإنتاج إلى أن تأخذ علاقات الإنتاج أنماطاً جديدة تتوافق فيها مع قوى الإنتاج، فتدخل التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية في مرحلة جديدة من مراحل التطور، لكن مجمل البناء التحتي يدخل أيضاً في تناقض مع البناء الفوقي الذي يتكون من المؤسسات والنظم والمعايير والأخلاق والقيم والثقافة وغيرها من مكونات البناء الفوقي،  وسرعان ما تجد مكونات البناء الفوقي نفسها مرة أخرى أسيرة للتغيرات في البناء التحتي ومدعوة لأن تأخذ أنماطاً جديدة تتوافق مع مرحلة التطور الجديدة.

ويظهر مفهوم التأثير المتبادل أو الجدلية في العلاقة بين العناصر المكونة للوحدة في تحليل العلاقة بين عناصر البناء الاجتماعي بمختلف مستوياته، منها العلاقة القائمة بين عناصر البناء الفوقي والقاعدة المادية الاقتصادية في المجتمع؛ إذ تؤدي التحولات المستمرة في القاعدة المادية إلى تغيرات مماثلة في البناء الفوقي، كما تسهم التغيرات الأخيرة أيضاً في تعزيز مسار التطور في عناصر القاعدة المادية، وتساعد على إحداث تطورات كيفية وكمية متعددة، مما يجعل العلاقة بين العنصرين قائمة على مبدأ التأثير المتبادل. وفي منحى آخر، وفي إطار القاعدة المادية الاقتصادية للمجتمع يلاحظ أن العلاقة بين عناصر هذه القاعدة تأخذ الشكل ذاته، فالتطور المستمر الذي يظهر في قوى الإنتاج يؤدي إلى إحداث تغيرات أيضاً في علاقات الإنتاج التي تعد بمنزلة الإطار الاجتماعي للقاعدة المادية التكنولوجية، لكن تطور قوى الإنتاج يسهم إسهاماً فعالاً في تحسين آلية العمل، وتحسين مستوى الإنتاج، وتطويره باستمرار، وعلى هذا تأخذ العلاقة بين عناصر القاعدة المادية الشكل نفسه، وتخضع لمبدأ التأثير المتبادل، فلا يمكن فهم تطور أحد العنصرين بمعزل عن العنصر الآخر، أو بمعزل عن التأثير الذي يمارسه هذا العنصر. وتتجلى وحدة العلاقة بين السبب والنتيجة أيضاً في طبيعة العلاقة بين عناصر البناء الفوقي الذي يجسد أفكار المجتمع وآدابه وفنونه وعقائده، إضافة إلى ما يتصل بالسلطة والدولة وغير ذلك، وفي هذا الإطار يسهم كل عنصر في التأثير في العنصر الآخر ويتلقى التأثير منه، وإنه لمن الصعوبة أن يعطى لأي عنصر من هذه العناصر دور المسبب أو دور المتأثر، لأنه في حقيقة الأمر يتجسد فيه المظهران بآن واحد.

إن الناس بتعبير ماركس [ر] Marx يدخلون ضمن سياق الإنتاج الذي يقومون به في علاقات محددة ومنفصلة عن رغباتهم، تتطابق مع مرحلة بعينها من مراحل تطور قوى الإنتاج المادية، ومن مجموع علاقات الإنتاج هذه يتكون التركيب الاقتصادي للمجتمع، الأساس الراسخ الذي يقوم عليه البناء القانوني والسياسي، والذي تترافق معه أنماط محددة من الوعي الاجتماعي، ويؤثر شكل الإنتاج في مجمل العمليات الاجتماعية والسياسية والروحية، فليس وعي الناس هو الذي يقرر شكل وجودهم وطبيعته، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يقرر ويحدد أشكال وعيهم ومستوياته، فالظروف المعيشية المتماثلة التي تحيط بمجموعة من الأفراد تسهم في إيجاد مشاعر وأحاسيس متماثلة فيما بينهم، ومستويات وعي اجتماعي متقاربة يرتبط نموها بتغيرات الظروف المادية التي يعيشونها. ويصف كل من ماركس وإنغلز Engels في بيانهما الشيوعي مراحل تطور الطبقة العاملة ونموها بخطوطها الكبرى، ويظهر هذا الوصف كيفية تشكل الوعي من خلال تماثل الظروف الموضوعية المعطاة في مرحلة النمو الرأسمالي، إذ يؤدي الاتساع الكبير في استعمال الآلات وتقسيم العمل إلى خلق ظروف تجعل العامل ملحقاً بسيطاً بالآلة، فلا يطلب منه سوى القيام بأعمال بسيطة ورتيبة للغاية، فيؤدي تطور الصناعةالحديثة إلى جعل العمال يخضعون في المصانع لتنظيم أشبه ما يكون بالتنظيم العسكري، فهم بتعبير ماركس جنود الصناعة البسيطون، الخاضعون لسلسلة من كبار الضباط وصغارهم، وكأنهم في جيش عسكري.

ومع تقدم الصناعة ونموها يتزايد عدد العمال ويزداد تمركزهم، فتنمو قدراتهم، ويزداد إدراك العامل لهذه القدرات، وتسهم الظروف السيئة لأوضاعهم ومعيشتهم في اتحادهم وتشكيل الجمعيات التي تتضمن الدفاع عن مصالحهم ضد البرجوازية، وفي مرحلة متطورة من الصراع، وإزاء نمو الطبقة وتشكلها تأخذ جماعات كاملة من الطبقة الحاكمة بالتدهور نتيجة تطور الصناعة، وتتحول إلى صفوف الطبقة العاملة، وتحمل معها عناصر عديدة من الثقافة التي تغنيها بها.

ويشير ماركس في فلسفة نقد القانون عند هيغل [ر] Hegel إلى أنه ما أن تؤمن الجماهير بالنظرية وهي نتاج الوعي حتى تصبح قوة مادية توجه سلوكهم وممارساتهم، ويفسر ستالين Staline ذلك بأن الأفكار والنظريات التي تثيرها المهام الجديدة التي يوليها تطور الحياة المادية للمجتمع تشق طريقها وتصبح ملك الجماهير التي تعبئها وتنظمها ضد قوى المجتمع الزائلة، فتساعد بذلك على قلب هذه القوى التي تعوق تطور حياة المجتمع المادية.

وعلى الرغم من التحليلات الواسعة لدور الأفكار والنظريات في عملية التغيير فإن ذلك لا يعتمد على استقلالها، إنما ينطلق من ارتباطها بالشروط الموضوعية المعطاة أي بشروط الواقع. ففعالية الأفكار لا تخرج عن طبيعة الشروط التي ولدتها، إنما تخضع لها تمام الخضوع.

وما ينطبق في التحليل المادي التاريخي على مفهوم الوعي الاجتماعي، يندرج بدوره على دراسة الشخصية، فالإنسان دائماً ابن زمانه ومجتمعه وطبقته، فيتحدد جوهر الشخصية ويتضح تمام الوضوح بالمجتمع الذي تعيش فيه، وكل تشكيلة اجتماعية تضع قضية العلاقة بين المجتمع والشخصية على نحو مختلف وتحلها وفق نمط معين.

ولما كانت مراحل التطور تتمايز فيما بينها بالشروط الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيها فمن الطبيعي أن تكون هناك أشكال متباينة للشخصية، وليس شكلاً واحداً. ففي مرحلة المشاعية البدائية لم يكن الإنسان بحسب تعبير ماركس قد انفصل عن الطبيعة، ولم يكن يعي ذاته إلا عضواً في جماعة معينة، وكان ذلك مرتبطاً بتخلف قوى الإنتاج وبدائيتها، ولكن مع تقدم القوى المنتجة، وفي شروط التقسيم الاجتماعي للعمل والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج برز التباعد بين المصالح الشخصية، وظهرت أشكال الصراع، وبدأ الناس يدركون أنفسهم شخصيات، فنشأت الشخصية الطبقية بما يتوافق وطبيعة تلك المرحلة.

وبهذا النمط من التحليل تأخذ المادية التاريخية بدراسة مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي من مرحلة المشاعية البدائية التي لم تعرف فيها البشرية أي شكل من أشكال التملك، إلى مرحلة العبودية التي انتشرت فيها مظاهر تملك البشر بعضهم بعضاً، ومرحلة الإقطاعية التي سادت فيها ملكية الأرض، مع تقدم نسبي في حرية الإنسان بالمقارنة مع المرحلة السابقة، نتيجة تطور قوة الإنتاج، الأمر الذي استوجب ظهور علاقات إنتاجية جديدة، وأخيراً مرحلة التطور الرأسمالي التي انتشرت فيها أشكال جديدة من التملك لوسائل الإنتاج، مع تطور أكبر في مجالات العلم والتقانات، وتبشر المادية التاريخية بالمرحلة الشيوعية التي تعد آخر مرحلة من مراحل تطور البشرية التي تحمل في ثناياها مظاهر الصراع والتناقض لتصبح بعد ذلك خالية من أي تناقض داخلي.

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...