حينما
نطرح قضية ، أو فكرة ، أو احدى قصص الأديان الكتابية ، لا نطرحها على أنها ضمن
الحدث الواقعي ، أي لا نعتبر أنها حدثت ضمن مقدمات واقعية أفضت الى سيرورة الحدث
ونتائجه كما هي مطروحة في الكتب ، ولكننا نطرحها بتسلسلها ضمن التفكير الميثولوجي
، لا أكثر ، ومدى امكانية الحدث في الزمان والمكان !!
واذا اصطدمنا بفكرتين تختلفان في التوجه
والنتائج ، فاننا نطرحهما كما وردى في النص ، ومن ثم – أثرها على البشرية
– والهدف من ذلك استبعاد الخلط في المفاهيم ودلالاتها البعدية على تفكير الأجيال !!
فمثلا ، ورد في القرآن آية تقول ".﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى
﴾( سورة الزمر: 7 ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) – سورة النجم - وورد أيضاً
آية تقول " كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ
(3- سورة الصف )
فما
معنى ؟ ولا تزر وازرة وزر أخرى
، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) – النجم - المعنى واضح ، وهو لا يجب أن يُعاقب شخص على
جريمة لم يرتكبها ، ولا يجب أن نعاقب شخص على جريمة ارتكبها غيره مهما كانت درجة
القرابة بينهما . فلا يجب أن يعاقب شخص ما على خطأ ارتكبه أحد الوالدين ، أو على
خطأ ارتكبه أحد إخوته . وهذا المعنى لا غبار عليه . وأن ليس للانسان إلا ما سعى ،
أي كل انسان مسئول عن أفعاله ، ولن يعاقب على أفعال غيره .
ووردت
في القرآن آية تقول : كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ، أي هناك دعوة
الى الصدق في القول والفعل ، وأن يتناسب القول مع الفعل ، فلا يجب أن تقول كذا
وتفعل عكسه ، فهذا من المكروهات التي يمقتها الله !!
وبالنظر
في معنى هاتين الآيتين نجد أن هناك بعض التعارض في المعنى الذي ترمي اليه هاتان
الآيتان ، كيف ؟
" ولا تزر وازرة وزر أخرى
، والآية "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
( 39 ) –
سورة النجم - " أي لا يجب أن يعاقب الله شخصاً على خطأ ارتكبه أجداده !!
وبهذا لا يمكن أن يعاقب الله البشرية بسبب خطأ ارتكبه آدم ، وترتب عليه طرده من
الجنة ، فإذا طُرد الأب كعقاب له ، فلماذا يعاقب الله أبناء آدم ، ويحرمهم من جنته
، ويضعهم أمام امتحان إذا ما أرادوا العودة للجنة !!
إن خطأ آدم يجب أن تنحصر نتائجه على آدم نفسه ،
فليس للانسان إلا ما سعى ، أي كل شخص مسئول عن أفعاله ، فلماذا تتحمل البشرية وزر
شخص آخر ، ولو كان آدم ؟
ان في ترك البشر في الأرض ، وما فيها من زلازل
وأعاصير وصحاري وحروب وأمراض وفقر وتصارع على المعيشة ، بالمقارنة مع الجنة
الموعودة لهو تخلياً واضحاً عن الآية " ولا تزر وازرة وزر أُخرى " ، أو
الجنوح الى مقاصد بعكس ما ترمي اليه الآية شكلاً ومضمونا ، وهو القائل " كبر
مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ، وهذا يعني أن الله لا يمكن أن
يقول ما لا يفعل ويعاقب البشر على خطأ ارتكبه آدم !!
وما نراه أن
الله قذف بالبشرية في الأرض ، وحرمهم من جنانه بسبب خطأ ليس لهم ضلع فيه .
ان محاكمة البشر بتحميلهم خطيئة غيرهم فيه عدم انصاف ، والوضع الطبيعي أن يكونوا
في الجنة !!
أم أن الله قذف بهم في الأرض التي هي مسرح
الشيطان ، إبليس الذي هو أحد ملائكته ، فلماذا يمنحه القدرة على العبث بهم وتخريب
حياتهم ؟ وهو سيد الكون ، مالك المُلك بيده الخير والشر ، وهو على كل شيء قدير !!
فإذا كان هناك مالك اقطاعي ، ولديه مدير أعمال
شرير ، ويراه ، يضرب الفلاحين ويظلمهم ويعذبهم ، ولا يردعه ، وهو المالك القادر ،
الآمر ، الناهي !! وفي نفس الوقت يسكت على ظلم مدير أعماله ولو كان ممن له حظوة
عنده . فإن هذا شيء مستهجن ولا يُعقل من مالك له كل السطوة والقدرة على ردع
الأشرار !!
والسؤال : هل يستطيع الله أن يردع الشيطان ،
ويمنعه من " الوسوسة في عقول الناس ، ويدفعهم الى ارتكاب الأخطاء ، وبالتالي
يمنعهم من العودة الى الجنة الموعودة ؟ الجواب : نعم !!
ولكن لماذا يرفض " الله " ردع الشيطان
، إبليس ؟ فمن الواضح أن هذه ارادته ومشيئته !!
فمعاقبة " الله " للبشر على خطأ آدم –
حسب النصوص المقدسة - وحرمانهم من الجنة وقذفهم الى الأرض ، وجعلهم فريسة للشيطان ،
فكرة تحتاج للتوقف والتساؤل ، فهم بهذا
يُعاقبون على خطأ ليس لهم ضلع فيه ، في حين يُفترض أن يسبغ عليهم رحمته وينقلهم
الى جنته الموعودة !!
بالطبع هذا هو المأمول ، فرحمته هي العامة
الطامة ، وهي الأمل الأخير ، وهي نهاية النهايات في الالتزام بما يقول : ولا يمكن تصور
أن يعاكس الله قوله ، ويعاقب البشرية على خطأ ارتكبه آدم ، وهو القائل : ولا تزر
وازرة وزر أُخرى !!
من هنا ، فإن الله لن يخلف وعده ، ولكن يجب الابتعاد عن الأعمال الشريرة التي تضر
حياتك وتعكر علاقاتك مع الآخرين ، وعليك بالأعمال الخيرة النافعة لك وللآخرين .