السبت، 19 أبريل 2014

من فلسطين - تحية لك أيها الماركيز !!!

الجبهة الديمقراطية تنعي المبدع غابرييل غارسيا ماركيز

الجبهة الديمقراطية تنعي المبدع غابرييل غارسيا ماركيز
 
تاريخ النشر : 2014-04-19

ننعي بألمٍ شديد؛ رحيل المبدع العالمي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز، بالألم والحزن، ويهتزُّ له العالم الإنساني المتحضر كله؛ وفي قلبه قوى اليسار الديمقراطي في هذا العالم، رحل الماركيز ليلتقي بالحكيم مانديلا.. والقائد هوغو تشافيز؛ جوهر القيمَّ بأقانيم إبداعية مختلفة.. راياتهم المعاني الوضاءة.. المساواة.. والعدالة الاجتماعية بالاشتراكية.. والتسامح.. كم هو ثقيل هذا العام 2014..(!)

· مهما انبرت وتكرست المؤسسات الإعلامية المعولمة لكواسر الرأسمال ولصوص الشعوب، وأدعياء مزاعم حقوق الإنسان.. وازدواجية معاييرهم، ومعهم لصوص المال العام والفساد.. عبدة سدنة العالم الرأسمالي؛ فلن يصلوا إِلى ما يرمون مهما تباكوا او للاحتواء.. لأن الإِرث الإبداعي والكفاحي للقامات الباسقة قد عرّاهم من ورقة التوت.. والخلل الأخلاقي الانساني هتك ضمائرهم بدءاً من الآبارتهيد والفصل العنصري في جنوب إفريقيا المحررة.. وفي آخر ما تبقى في هذا العالم.. في فلسطين..

هذا ماصرح به مصدر مسؤول في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين:

وأضاف: إن مفاجأة الخبر الأليم رحيل الماركيز.. هو مثلما كتاب كبير ينفتح أمامك ولا نهاية له.. صورهُ تتحرك.. كلماته بأصواتها.. وعالم الكفاح.. وعالم الكلمة لا يعرف زوال.. عالمٌ رحيب.. رغم الشعور بالأَلم والوحشة.. يبقى الدرب.. ودرب الاستذكار والإحتفاء.. وما حققوه للثقافة الإنسانية العالمية التي تواصل مسيرتها.. عزاؤنا في التحامل على جراحنا..

إن القائد البطل والمبدع الثقافي الإنساني لا يتكامل في ذاكرة الشعوب.. إلا إذا كان إنساناً، وكلَّ ما هو إنساني ليس غريباً عنه، ومهما مرّ الزمن فإن قسمات إنسانيته عصيّة على الانكسار أو التزوير، لأنها تعبير عن الكينونة الإنسانية، فالمُثل تبقى فوق الاعتبارات العرضية، ألم يكن مانديلا في زنزانته المنفردة.. لكنه كان يتسلل في كل ليلة إِلى مدن الصفيح والطين والمعازل..!

الماركيز كتاب رواية كونية ينفتح أمامك.. لانهاية له.. إلا بتحقيق الإنسان.. الإنسان..، رحيل.. لكنه ملأ مساحات صمته اللاحق.. رحيل من المكان.. لكنه الآن مبهوراً متماهياً في اللا حدود.. الشعوب كلها تقرأه بلغاتها.. كلما سطعت شمس.. وانبلجت نهارات.. فلا حدود مسيجة بل.. مترامية.. عالمٌ يساري تتعمد شعوبه بأنوار الروح والكلمة الحقة.. لقد تعمَّد مثقفون ونخب ثقافية في مختلف المعمورة بشعوبها ولغاتها بكلمته، وتخرجت من "عباءة- معطف الماركيز".. كما خرج العديد في أميركا اللاتينية..

مضيفاً: "هانحن نتتبع الالتماعات، في قراءات مقارنة تاريخية.. هذه الالتماعات التي أنتجت في التاريخ عبر تضافرها نهضةً حضارية وثقافية استبقت التغيير، في ألمانيا الفلسفة، في الحراك الإبداعي الروسي الهائل الذي استبق الثورة البلشفية، والتركة الثقافية التي مهدت للثورة الفرنسية، ومنحت محركاتها المستندة إلى الواقع قوه اجتماعية دافعة ودافقة، مهيأةً فلاحة الأرض النظرية والمعرفية والإبداعية..

مؤكداً: "إن النبراس المبكر في أميركا اللاتينية ابتدأ مع الماركيز.. في هذه الالتماعة المضيئة تربت وتكونت نخب ثقافية على التماعات وجذوة وهامة الماركيز، مع حركة طباعة واسعة..، وواصل الماركيز كتابة عاموده اليومي في صحيفة يومية..، مستعيداً العديد من المثقفين من خانات السلطة أو "العزلة".. أو الشتات والهجرة.. إِلى دائرة النضال والشعوب.. مُشِّكلاً حضوراً نامياً دائباً متراكماً.. في سياق ثلاثة مفاهيم (المجتمع، الثقافة والنخب) في مثلث مفاهيمي استقطابي، فالثقافة ظاهرة تاريخية في أشهر تعريف لها الذي يرى فيها: (كل القيَّم المادية والروحية ووسائل إنتاجها، واستخدامها ونقلها، التي يخلقها المجتمع عبر تطوره التاريخي)..، فهي ليست ما نعيه فقط.. بل ما نحيا من أجله.. هي إشارات المستقبل..، "في هذا السياق يمكن لنا رؤية قصة عناصر المستقبل بالالتحام والترابط..

وختم بالقول: نعَزي الإنسانية جمعاء.. وشعوب أميركا اللاتينية.. وكولومبيا.. وفلسطين التي أحبته.. ونعزي أسرة الماركيز، وبالتأكيد نخص بالتعزية قائد الثورة الكوبية فيديل.. وكوبا راؤول كاسترو، البلد والرفاق الذين أحبهم الماركيز وأحبوه على درب سيمون بوليفار، ونقول لهافانا الثورة التي أحبها من قلبه، ولـِ "المدرسة الدولية للسينما والتلفزيون" في هافانا، التي اعتادت على "ورشات السيناريو" لماركيز التي تقيمها للسينما والتلفزيون؛ التي قال عنها الماركيز: "أنا أنظم هذه الورشات، لكي أرى سر الإبداع، ولكنه يفاجئني دائماً، فالحقيقة هي أن الإبداع لا يتحقق ما لم يُستحث".

نعم الإبداع هو في العمل الجماعي بما يمثل من قيمة، وبعث الحياة في المناظرات القديمة، وكسر تقاليد السيناريو الحديدي المرهوب، والتوجه نحو مفهوم أكثر انفتاحاً للدراماتورجيا السينمائية البديلة.

إنه اختباراً لجدارة الأفكار المطروحة، بالتزام دور الموجه والخبير الضامن لعدم الانسياق للترهات والهذيانات وإضاعة الوقت..

وسيبقى الماركيز من خلال نهجه ولتلاميذه بمثابة "النخاع الشوكي" الحقيقي للإبداع المنشود.. وسيبقى معنا في فلسطين.. الصوت المختلط بالكدِّ والعرق.. مع فلسطين المدعوكة تربتها بالدم المتخثر الرطب.. المحتوية للنار بجسدها.. رغم أسوار العزل العنصري.. سيبقى ربان سفينة الإبداع الواقعي.. في فلسطين.. والتي تعكس كل آلام المُخِلص.. فوق خشب الصليب.. وقد تضرجت بسحنة العنصرية وشرِّها.. من سحر اخضرار أنفاسها.. إِلى أطواق ومعازل الجحيم.. 


المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2014/04/19/525197.html#ixzz2zLmQTKsl

الجمعة، 18 أبريل 2014

كيف نفهم أساليب النضال في الماركسية ؟


الماركسية اللينينية هي أيديولوجيا ثورية هادفة الى تغيير المجتمع نحو الأفضل .وهي بهذا تتحزب للطبقات المضطَهَدة من أجل ازالة الظلم الطبقي في المجتمع , وفي غمرة النضال ضد الطبقة السائدة تقوم بمناصرة أي انسان يقع عليه أي ظلم سواء كان قوميا أو عرقيا أو دينيا في المجتمع .

 إن الماركسية تعتبر أن أي ظلم أو قهر تمارسه السلطة سواء كانت ملكية أو جمهورية أو طبقة سائدة على طبقة أو قومية أو نحلة دينية هو تكريس وترسيخ لظلم أكبر يهدف الى إطالة عمر وسيطرة الطبقة أو السلطة الظالمة سواء كانت عائلية أو ملكية أو طغمة عسكرية .

فما هي أساليب الماركسية النضالية من أجل إزالة ظلم الانسان لأخيه الانسان ؟

 إن أساليب النضال الماركسية متعددة , فهي تتدرج من النضال البسيط مثل نشر التذمر والاحتجاج داخل مصنع أو مؤسسة وصولا الى الاحتجاج العلني الجماهيري , ومن الاضراب القصير الأجل الى الاضراب الطويل الأجل وصولا الى العصيان المدني الشامل .

 وقد يتطور الاحتجاج أو الإضراب  حتى يصل الى الصدام مع السلطة , وتكون نتيجته سقوط ضحايا من المحتجين .

ولما كانت الماركسية تنطلق من الفلسفة المادية الجدلية التي تؤمن بالتغيير التدريجي التراكمي وصولا الى الطفرة , أي الإنقلاب الكيفي .من هنا كانت الطفرة , القفزة في المجتمع هي الثورة , أي الانقلاب الثوري التي من خلاله تستولي الطبقات المظلومة على زمام الإمور في الدولة , وتصبح المؤسسة العسكرية والادارية تحت سلطة كوادرها الحزبية المنظمة , تحت قيادة الحزب الثوري المسترشد بالنظرية الماركسية اللينينية.

 وانطلاقا من هذا الفهم , يجب على الحزب الماركسي اللينيني أن تكون لديه الجاهزية المادية والمعنوية لاستخدام تكتيك الصدام المسلح , حيث ان خبرة الثورات والنضالات العمالية تؤكد أن الطبقات القابضة على السلطة سواء كانت اقطاعية أو برجوازية هي التي تبدأ باستخدام السلاح ضد المحتجين , ضد المضربين , وأن أنظمة الحكم السائدة لا تتخلى عن السلطة بسهولة , وهي تستخدم السلاح ضد العمال عند أول احتجاج في المصنع أو المؤسسة الانتاجية .

 إن هذا السلوك المعروف والمؤكد يفرض على الحزب الماركسي أن يملك السلاح وأن تكون له مليشيا حزبية لديها الجاهزية التنظيمية والتكنيكية _ نوعية السلاح _ لاستخدام تكتيك المواجهة المسلحة ضد مراكز الشرطة والسجون والمراكز الحكومية التي تتحكم في تحركات  الجيش .كما ويجب حينما تحين اللحظة الحاسمة تحريك الكوادر الحزبية داخل المؤسسة العسكرية والجيش لخلق انشقاقات في الجيش لصالح الثورة  في اللحظة المناسبة وقد تكون الحاسمة حينما يكون الحزب قد عقد العزم على الاستيلاء على السلطة .

  أن الاستيلاء على السلطة هي مسألة مركزية لتطبيق المشروع الماركسي ولتغيير الأُسس الاقتصادية التي تجعل من وجود طبقات مالكة لوسائل الانتاج أمرا ممكنا وتفرض سيطرتها على المجتمع وتستأثر هي وعائلاتها بالخيرات المادية في البلاد .

  فمن أدبيات الحزب الماركسي اللينيني ,أن هناك تناقض في المجتمع بين طبقات مُستغِلة وطبقات مُستَغلَه , وأن ظروف البلاد ونوعية الحكم تفرض طريقة حل هذا التناقض .

   إن هناك أساليب نضالية متعددة تبدأ من انتهاج الاسلوب السلمي الذي من مظاهره النشاط الدعائي لصالح برنامج الحزب وعقد الندوات التوضيحية في المؤسسات الانتاجية والتعليمية والصحية , وقد يصل الى تنشيط التذمر الإحتجاجي والتحريض على الاضراب والتظاهر لتحقيق مكاسب أولية وبسيطة لصالح العمال .

  كما يجب على الحزب الدخول  في الجمعيات والمؤسسات العاملة بشكل رسمي في البلاد واستغلال الانتخابات للوصول الى المراكز المؤثرة فيها ومحاولة خلق تواصل اجتماعي بين الحزب والجماهير.

  وهناك التكتيك المسلح الثوري والذي يفرص على الحزب امتلاك السلاح وتدريب كوادر ليكون لديها الخبرة الكافية في حالة الوصول لمرحلة الصدام الذي لا مفر منه في أغلب الأحيان , والذي تحكمه ظروف تطور النضال , تطور نوعية الصدام مع السلطة الحاكمة .

  من هنا كانت ظروف كل بلد على حِدة , وحسب تطور مؤسساتها الادارية والعسكرية هي التي تحكم شكل النضال الذي يجب أن تمارسه الأحزاب الماركسية , هي التي تحكم نوعية التكتيك الذي يجب أن يُمارس لتحقيق الأهداف ولو خطوة , خطوة وجذب الجماهير الغفيرة لصالح برنامج الحزب الاجتماعي .

  ففي بلد مثل النرويج والدنمارك وغيرها من دول أوروبا والتي تطورت مؤسسات الدولة فيها الى درجة تسمح بالانتقال السلمي وتسليم أجهزة الدولة لحزب الطبقة العاملة , ففي مثل هذه الدول التي تملك قاعدة اقتصادية واجتماعية تؤهلها للانتقال السلمي من خلال تكتيك الانتخابات , يجب على حزب الطبقة انتهاج التكتيك السلمي وترجيح كفة أساليب النضال الهادئة على الأساليب العنيفة .

  أما في البلدان الأقل تطورا في مؤسسات الدولة , ـ بل هناك دول لا يسمح فيها بتكوين مؤسسات ولا جمعيات ولا نوادي ولا مؤتمرات ولا تظاهرات ولا اضرابات , ويظهر السلاح ويسيل الدم عند أقل احتجاج ـ في مثل هذه الدول لا مفر من التحضير القوي لإنتهاج تكتيك العنف الثوري المسلح والدخول للمؤسسة العسكرية والشرطة والمخابرات ومحاولة استمالة وجذب كوادر عسكرية لصالح برنامج الحزب الماركسي , واتباع إسلوب التربص الحذر , التآمري الذي يسير مع الدعاية الثورية بين الجماهير , وحينما يصل التراكم التذمري الى مداه , أي حينما تصل الجماهير الغفيرة الى قناعة أنها لم تعد تستطيع العيش ضمن هذه الظروف , لا تستطيع أن تتعايش مع السلطة القائمة , ويتكون لديها استعداد للتضحية , فهنا لا بد من الثورة , ولا يجب التأخر عنها , بل يجب عدم التردد والدخول فيها بكل قوة , والضرب بكل عنف في كل الاتجاهات لإلحاق  الهزيمة  بالطبقات  الحاكمة والاستيلاء على السلطة .   قال ماركس :  "  إننا لا نريد شفقة ولا رحمة من الطبقات البرجوازية, وحينما يأتي دورنا سيكون العنف الثوري مريرا ".

   هذا هو المنهج النضالي الذي يجب أن تسترشد به الأحزاب الماركسية اللينينية, وأن تدرس ظروفها الذاتية بوعي ومسئولية ثورية واجتماعية بوصفها الممثلة الواعية والثورية للجماهير المضطَهَدة والتي يقع عليها عبء التغيير الثوري وبناء المجتمع الجديد .

  كما يجب ألا يقع الحزب في الحرفية النظرية والتمسك بنصوص وأقوال لماركس وانجلز قيلت عن بلدان تطورت فيها الرأسمالية لدرجة عالية , فلكل بلد ظروفه الخاصة وفق مستوى تطوره .فالغرق في الحرفية النظرية أحيانا  تجعل الحزب في واد والجماهير في واد آخر, والتالي لا يستطيع القبض على اللحظة المناسبة في التطور النضالي الثوري مما يجعل الجماهير تسبقه في طموحاتها الثورية , وهذا  يتيح الفرصة لقوى أُخرى لاغتنام الفرصة وقيادة الجماهير واستلام السلطة .

 كما أن الخيلاء الثورية , اليسارية الطفولية قد تطفو على سطح الحزب وتجره الى صدام مع السلطة دون أن يكون لديه الجاهزية التنظيمية والتكنيكية والتحضير الجماهيري الكافي لهذه الخطوة , مما يُدخله في مواجهة غير متكافئة مع السلطة المسلحة , ويتم القضاء على كوادر حزبية , يحتاج الحزب الى سنوات طويلة لتعويضها .

 ينطلق النهج المعادي للماركسية , بأن هناك نصوصا قالها معلما الطبقة العاملة لا يجب الخروج عنها . إنهم يريدون للماركسية أن تكون حرفية , ميكانيكية في كل الظروف , أي ممارسة نفس الأساليب في كل المجتمعات بحرفية مطلقة . انهم يدفعون الحزب الماركسي الى حالة فقدان اتجاه في اللحظة المناسبة , وعدم المؤالفة بين الامكانيات الذاتية والظروف الموضوعية والتي تحكمها  ظروف البلد الاقتصادية و الاجتماعية والفكرية .

 انهم يدعون الحزب الماركسي في البلد المتطور – بلدان أوروبا _ أن ينتهج الاسلوب الثوري المسلح دون مراعاة لمستوى تطور مؤسسات الدولة . ويدعون الى انتهاج الاسلوب السلمي في بلد تعشعش فيه الديكتاتورية والعنف في كل مؤسسات الدولة .

  ان التربية الفكرية المتواصلة للكادر التنظيمي القائمة على ديناميكية النظرية الماركسية هي الضامن الأكبر لعدم الوقوع في مرض الحرفية الفكرية أو مرض الخيلاء الثورية , وكلاهما قد يضع الحزب في مآزق من الصعب الخروج منها .

دولة القرامطة..تجربة إشتراكية إسلامية - رياض حسن محرم

مقال أعجبني   : دولة القرامطة
 
   لا يوجد الكثير من الأدبيات التاريخية عن حركة القرامطة، ولعل السبب فى ذلك يرجع لعدة عوامل على رأسها إرتباطها بالمذهب الشيعى الإسماعيلى فى ظل مناخ سنىّ متشدد وانتشار فقهاء السلاطين فى ذلك العصر واهمالهم المتعمد لأفكار القرامطة ومحاولة طمسها مع حملة مكثفة لتشويه هذه الأفكار وإدانتها وعدم الحديث بشكل مفصّل عن تجربتهم العملانية فى الواقع والتى تتناقض بالضرورة مع الأفكار المحافظة ومع المصالح المادية للطبقة المسيطرة .

   كما أن هذه الحركة نشأت في مجتمع اسلامي محافظ يرى في الخلافة الإسلامية المرجعية الدينية والسياسية والتشريعية لذلك فإن اي خروج على هذه الخلافة انما هو خروج على الشرع والعرف والدين والأخلاق، وأكثر ما يتم تداوله عن القرامطة هو خطفهم للحجر الأسود واحتجازه لأكثر من 20 عاما وأيضا لمنعهم الحج الى مكة لحوالى 40 عاما.
القرامطة نسبة للدولة القرمطية وقد قامت إثر ثورة اجتماعية وأخذت طابعا دينيا، يعدها بعض الباحثين من أوائل الثورات الاشتراكية في العالم، ولكن فى الحقيقة فقد واكب حركة القرامطة أو سبقها قليلا حركة أخرى لا تقل أهمية هى "ثورة الزنج" فى نفس المنطقة الجغرافية تقريبا ولها نفس الأسباب والتوجهات وسنفرد لهذه الحركة مقالنا القادم.
ينسب القرامطة الى "حمدان بن الأشعث" الذى كنى بإبن قرمط لأسباب اختلف فيها المؤرخون، يذكر البغدادى انه كنى بهذا الإسم لأنه كان يقرمط فى خطه أو خطوه، وقال البعض لأنه كان قصير القامة، والذى يهمنا ان الرجل ولد فى الأهواز بإيران ثم قدم الى الكوفة وانتمى الى المذهب الشيعى الإسماعيلى قبل أن ينقلب عليه ليؤسس مذهبه الخاص داعيا الى إمام من آل البيت فلقى استحسانا كبيرا لدى قطاعات من الشيعة فى مدن العراق كالبصرة وواسط وكذلك فى البحرين والمنطقة الشرقية من الجزيرة فى الاحساء والقطيف وعمان واليمن وكذلك فى منطقة خراسان بإيران وهى المناطق التى إمتدت اليها دولتهم.


وأهم محطة فى إنتشار وتوطيد أركان الحركة القرمطية هى ظهور زعيمها في البحرين "أبي سعيد الجنَّابي" والذى استطاع أن يبسط نفوذه على البحرين وهجر، وكسب أنصارًا كثيرين، وتحول إقليم البحرين إلى مركز للقرامطة ومعقلاً لنشاطهم، وخرجت منه حملاتهم الحربية لنشر أفكارهم، وانتشروا في الأحساء وحتى اليمن. ثم ساروا إلى بعلبك وسلمية بالشام، ثم الى دمشق ، وبعدها توجهوا إلى مصر ثم المغرب وعُمان، ولم ينجح الخليفة العباسى المعتضد في القضاء على هذه الحركة؛ لأنه لم يُقدّر خطورتها حق قدرها، وصرف جهده إلى قمع ثورات كانت تبدو لديه أكثر خطورة منها.
على أن أهم ما قام به القرامطة هو قصتهم مع الحجر الأسود، يقول العالم إبن خلدون فى تاريخه.. "ثـم سار أبو طاهر القرمطي سنة تسع عشرة إلى مكة، وحج بالناس منصور الديلمي، فلما كان يوم التروية نهب أبو طاهر القرمطي اموال الحجاج وفتك فيهم بالقتل حتى في المسجد والكعبة واقتلع الحجر الأسود وحمله إلى هجر، وخـرج إليه أبو مخلب أمير مكة في جماعة من الاشراف وسالوا أبو طاهر القرمطي فلم يسعفهم وقاتلوه فقتلهم، وقلع أبو طاهر القرمطي باب البيت واصعد رجلاً يقتلع الميزاب فسقط فمات وطرح القتلى في زمزم ودفن الباقين في المسجد حيث قتلوا ولم يغسلوا ولا صلي عليهم ولا كفنوا‏،‏ وقسم أبو طاهر القرمطي كسوة البيت على اصحابه ونهب بيوت اهل مكة"..(انتهى الإقتباس).
دامت هذه الحركة قرابة قرن من الزمان، وقد بدأت من جنوبي فارس وانتقلت إلى سواد الكوفة والبصرة وامتدت إلى الأحساء والبحرين واليمن وسيطرت على رقعة واسعة من جنوبي الجزيرة العربية والصحراء الوسطى وعمان وخراسان. وقد دخلوا مكة واستباحوها واحتلوا دمشق ووصلوا إلى حمص والسلمية. وقد مضت جيوشهم إلى مصر وعسكرت في عين شمس قرب القاهرة ثم انحسر سلطانهم وزالت دولتهم وسقطت آخر معاقلهم في الأحساء والبحرين.


يقول القرطبى (لقد استغلّ القرامطة - كغيرهم من الحركات الباطنيّة الهدامة- الظروف المحيطة بهم، خاصّة وأنّ بداية دعوتهم وافقت القضاء على حركة الزنج، ولقد كانت الدولة الإسلاميّة آنذاك في بداية ضعفها وتسلّط العسكر عليها من ناحية، وانتشار الشعوبيّون في أرجائها، وعمّ الجهل في تعاليم الإسلام بين أبنائها، ولقد ركّز القرامطة في دعوتهم على الأراضي الخصبة بنظرهم، كالموالي والعبيد الحاقدين على أسيادهم والأُجراء والمزارعين الناقمين على أصحاب المهن والأراضي، لاعتقادهم بأنّهم لا يعطونهم ما يستحقّونه لقاء كدّهم وتعبهم. ولكي يستقطبونهم ابتدعوا فكرة إشاعة المال والأراضي).
كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال فيهم كلاما كثيرا نذكر منه"والمقصود ان اولئك المبتدعة من اهل الكلام، لما فتحوا باب القياس الفاسد في العقليات، والتاويل الفاسد في السمعيات، صار ذلك دهليزًا للزنادقة الملحدين إلى ما هو اعظم من ذلك من السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات، وصار كل من زاد في ذلك شيءًا دعاه إلى ما هو شر منه، حتى انتهي الامر بالقرامطة إلى ابطال الشرائع المعلومة كلها، كما قال لهم رئيسهم بالشام‏:‏ قد اسقطنا عنكم العبادات، فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة‏.‏"، كما قال فيهم ابو حامد الغزالى قولا أشنع، وقال فيهم كذلك ابن كثير وابن حنبل وآخرين، لكن الإمام أبى حنيفة النعمان قد قيل عنه رأيا مغايرا يفيد بأن أبا حنيفة كان يفتي بالقتال الى جانب القرامطة وهذه الفتوى تجعلنا نعيد النظر في كل الاتهامات الالحادية التي الحقت بالقرامطة.. فهذا يعني ان تفسيرهم للدين على غلوه لا يبعدهم عن حظيرة الاسلام.
يعتقد الأمام ابو حامد الغزالي ان افكار القرامطة هي تطوير للعقائد الفارسية القديمة فهي خليط من المجوسية والألحادية والزرادشتية ولاشك أن القرامطة أدخلوا على أفكارهم الدينية بعض مفاهيم المازدكية والزرادشتية التطبيقية ولكن تهم الإلحاد والتجديف والزندقة كانت عموما جاهزة لإتهام الخصوم والإجهاز عليهم، ومن ذلك ما نسبه البعض الى شعرائهم، حيث قيل ان احدهم نظم شعرا بعد استيلائهم على الحجر الأسود يقول فيه :-


           فلو كان هذا البيت لله ربنا  ** لصب علينا النار من فوقنا صبًا
           لأنا حججنا حجة جاهلية   **     محللة لم تبق شرقًا ولا غربًا
        وإنا تركنا بين زمزم والصفا  *    جنائز لا تبغي سوى ربها ربًا


كما اتهموا القرامطة بالتحلل وشيوعية النساء واستجابتهم لغرائزهم، ومن ذلك ما نسبه الإمام القرطبى عن تحللهم الجنسى حيث يصف بعض أعيادهم "ففي ( ليلة التشويق والآصباح)، تتقاطر ( اسر) القرامطة من رجال ونساء من كل حدب وصوب الى مكان معين للآحتفال، حتى اذا ما وصل صخب القصف في الرقص والغناء عند السكارى ذروته، اطفأت الانوار وبدأ الرجال يباشرون في تصيد النساء دون تميز" وفى ذلك قصص وروايات كثيرة تذكرنا بحكايات الف ليلة وليلة.
وفى إعتقادى ان هذا كلام يخرج عن نطاق العقل والتفكير السليم وهو فى أغلبه كلام مدسوس عليهم وان المشكلة كانت فى الأساس هو رؤيتهم الإقتصادية
النظام الإقتصادى:
لمعرفة الواقع الإجتماعى الذى كان سائدا فى ظل الخلافة العباسية فقد كان المجتمع ينقسم الى ثلاث طبقات:
1- الطبقة العليا: وتشتمل على الخلفاء والوزراء والقادة والولاة، ومن يلحق بهم من الأمراء وكبار التجار وأصحاب الإقطاع.
2- - الطبقة الوسطى: وتشتمل على رجال الجيش وموظفي الدواوين والتجار والصناع
3- الطبقة الدنيا: وتشمل أغلبية الناس من الزراع وأصحاب الحرف الوضيعة والخدم والرقيق
يقول طه حسين (عندما ظهر القرامطة في الكوفة نشأ عنهم لغط كثير، ففقراء المدينة استجابوا لدعوتهم بينما اغنيائها قاوموهم)


المؤرخ "المقدسي" زار البحرين في زمن حكم القرامطة وتجول في انحاء تلك المنطقة ووجدها عامرة بأهلها وبالاستقرار والطمأنينة والعدل ولم يلحظ وجود فقراء بينهم. وفي مصدر آخر ذكر "ان هذه الجماعة كانوا يتعاونون فيما بينهم كأسرة واحدة واذا اضطر احدهم للاستدانة من الصندوق العام تقدم له القروض الى حين اصلاح حاله، حتى ان الوافدين من الغرباء الفقراء تلقوا المعونة التي تساعدهم حتى يجدوا العمل الذي يمكنهم من تحصيل معاشهم، وكل من يحسن صنعة يتسلم مبلغا من المال لشراء ادوات لصناعته ثم يعيد المبلغ الذي اعطي له حين يتيسر له ذلك. واذا خرب بيت او تعرض لاضرار ولم يكن لصاحبه المال لاعادة بنائه، يرسل الحكام بعض الحرفيين لاصلاحه دون مقابل، وكان الناس يطحنون حنطتهم دون ان يدفعوا اجرة لمالكي الطواحين. وكان مجلس رئاسة الدولة المكون من ستة اعضاء يتخذون قراراته بحسب الاكثرية، وامتازوا بتواضعم ولطفهم، ولكن الراجح أنهم أسسوا لنظام إجتماعى يقوم على مبادئ العدل الإجتماعى وعملوا على قيام نظام حكم جديد لا وجود فيه لفقراء او اغنياء بل الجميع ينعمون بالمساواة والعدالة الاجتماعية الحقيقية وبرنامجهم فى أساسه هو برنامج اشتراكي ولكن من اسباب عدم نجاحهم في تطبيق ذلك البرنامج هو الحرب الضروس التي خاضوها مع دولة الخلافة اضافة الى عدم نجاحهم في تلك الحرب وبالتالي عدم قدرتهم على اقامة الإستقرار الذي يتطلبه تطبيق هذا البرنامج ، لقد طبقوا عمليا برنامجهم لإنشاء دولة تقوم على إلغاء الملكيات الخاصة و تأخذ بالملكيات الجماعية، و تمكنوا من إقامة مجتمع اشتراكي عسكري من طراز لم يعرف له مثيل في السابق و أعطوا للمرأة مكانة عالية مساوية للرجل ونتيجة لهذه المكانة لعبت دورا كبيرا في تأسيس الدولة ويقول الطبري في تأريخه للقرامطة "أن أغلب أتباعها كانوا من الفلاحين والفقراء" ومن مواقفهم ما نسب لأحد شعرائهم:
عجبت من الزمان واي شئ** عجيب لا اراه من الزمان
يصادر قوت جرذان عجاف** فيجعله لأوغاد سمان.


ويقوم الفكر القرمطى على مجموعة من الأسس هى :
- المساواة بين الرجل والمرأة
- عدم جواز تملك الأراضي وضرورة توزيعها بالمجان والعدل على من يحتاج من الناس .
- محاربة العصبية والقومية .
- التأكيد على مفهوم الإخاء بين كافة الناس بغض النظر عن جنسهم او دينهم.
التنظيم:
يقول الشيخ عبد القاهر الجرجانى عن اسلوب القرامطة فى إجتذاب الأتباع "اعتمدوا في نشر دعوتهم على مراحل وأقسام أسموها التفرّس، والتأنيس، والتشكيك، والتلقين، والربط، والتدليس ويشرح الشيخ بعض هذه المفاهيم بالقول:


التفرّس: أن يعرف الداعي من يدعو وكيف يدعوه، مميّزاً من يطمع في إغوائه ممّن لا يطمع فيه، وقد قالوا في وصاياهم لدعاتهم: لا تضعوا بذرتكم في أرض سبخة.
التأنيس: وهو التفرّس تقريباً، إلاّ أنّه بعد أن يزيّن للصيد مذهبه ويشكّكه فيه لما يسأله عن التأويل.. فإذا سأله المدعو عن علم ذلك أجابه بأنّ علمه عند الإمام..
التشكيك: وهو الوصول بالضحية إلى الاعتقاد بأنّ المراد بالفرائض والظواهر شيئاً آخر غير معناها اللغوي أو الشرعي..و ينهون عليه ترك الفرائض وارتكاب الموبقات.
الربط: والربط عندهم طلب المدعوّ إلى معرفة تأويل أركان الشريعة، فيتأوّلونها به، فإن قبلَها على الوجه الذي دفعوها إليه، وإلا بقي على الشكّ والحيرة فيه.
التدليس: فهو قولهم للضحية الجاهل إن الظواهر عذاب وباطنها فيه الرحمة ويستدلّون بقوله تعالى {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} [الحديد: 13]، وإنّ لكلّ عبادة أو أمر ظاهراً هو كالقشر وباطنه كاللّب، واللبّ خير من القشر.
وهذا كلام مردود عليه يفترض سوء النية فى قائله وعدائه المسبق للقرامطة ووصفه لهم بأنهم طائفة تآمرية ميكافيلية تسعى الى الحيل والخديعة لتجنيد الأنصار ولكن حقيقة الأمر أن اضطهاد الخلافة العباسية للشيعة و ملاحقتهم في كل مكان و خاصة أيام الخليفة المنصور كانت سبباً رئيسياً في هروبهم إلي أطراف الدولة العباسية و ميلهم إلي التطرف ضد كل ما هو عباسي و رغبتهم في تقويض الخلافة العباسية انتقاماً منهم. فظهرت فرق كثيرة شيعية استوطنت و أسست دويلات شيعية بعيداً عن السلطة المركزية في بغداد ، فظهر البويهيون الشيعة في فارس و الفاطميون الشيعة في بلاد المغرب و القرامطة الشيعة في الجزيرة و الصليحيون الشيعة في اليمن، وإزاء اضهاد الشيعة فقد اتخذوا مبدأ " التقية" وهو إظهار عكس ما يبطنون والظهور بمظهر المذنع بينما يخفى الإنكار.


لقد نجحت ثورة القرامطة لأنها خاطبت المستعبدين من الناس الذين تأججت في نفوسهم كل أسباب ودواعي الثورة ضد الظلم ... ولاقت أفكار حمدان بن قرمط قبولاً غير مسبوق حتى أن الذين دخلوا في دعوة القرامطة اتفقوا برضاء تام على أن يكون كل شيء مشاع بينهم ولم يبق لأحد منهم ما يمتلكه إلا سيفه وسلاحه وقد حمل القرامطة رؤية اقتصادية مفادها فكرة التكافل الاجتماعي وكانوا بمفهوم اليوم يملكون أسلوباً لمعالجة الكوارث التي تصيب المواطنين حيث كانت السلطة تعوض الفلاحين وأصحاب الحرف عما يصيبهم من خسائر كما كانت تقوم بإعادة بناء المنازل التي تصاب بالحريق أو الهدم بل أنهم أيضاً قياساً على آليات المساندة الحكومية الآن كان لديهم ما يشبه صناديق الدعم ينفق منه على من لا عمل له واستحدث القرامطة نظاماً ضريبياً يتم من خلاله تمويل المشاريع التي ينشئونها والتى كان لها دوراً في القضاء على الفوارق الطبقية وإقرار العدل الاجتماعي بين المواطنين من خلال الحد من الفقر وفي هذا السياق كان من مظاهر عدالة التوزيع قيام الدولة بتوزيع اللحوم علي المواطنين بخلاف مكونات الغذاء الأخرى ... أيضاً في مجالات التنمية الاقتصادية شيدت الدولة مطاحن حبوب للمواطنين بدون مقابل (يقال أن السبب في ذلك التخفيف عن النساء اللاتي كن يقمن بالطحن ) كما أنهم قاموا بشق قنوات الري للمزارعين وتوسعوا في زراعة النخيل.
وهكذا قامت دولة القرامطة على الإنضباط وعدالة التوزيع، ويصف المقريزي ذلك قائلاً: (أن الشاة اذا ذبحت يتسلم العرفاء اللحم ليفرقوه على من ترسم لهم، ويدفع الرأس والاكارع، والبطن الى العبيد والاماء، ويجز الصوف، والشعر من الغنم ويفرقه على من يغزله، ثم يدفعه الى من ينسجه عبياً وأكسية، وغرائز وجوالقات ويفتل منها حبال، ويسلم الجلد الى الدباغ، ثم الى خرازي القرب والروايا والمزاود، وما كان في الجلود يصلح نعالا وخفافا فأعمل منه ثم يجمع ذلك كله الى خزائن، وكان في الوقت نفسه قد جمع الصبيان في دور وأقام عليها قوما، وأجرى عليهم ما يحتاجون اليه، ووشمهم لئلا يختلطون بغيرهم، ونصب لهم عرفاء، وأخذ يعلمهم ركوب الخيل والطعان، فنشأوا لا يعرفون غير الحرب)
ومهما حاولنا الوقوف مع الرأي المضاد لعقيدة القرامطة إلا أننا نجد أنها (برغم سلبياتها وتجاوزاتها) كانت تلبي مطالب الجماعة وتنمي في الإنسان القدرة على استخدام العقل ورفض التسليم أو النقل المباشر للتعاليم الدينية وترى أن الوصول إلى الإيمان عن طريق العقل لا يعد بدعة ولا خروجا عن الدين ولسنا مع المهللين اليساريين الذين يرون الحركة أنها شيوعية بامتياز ولكن يمكن القول أنها محاولة محمودة لتطبيق العدالة الإجتماعية فى الزمان الخطأ وانها سبقت عصرها بكثير وكان ذلك السر وراء سهولة تصفيتها دمويا

السبت، 5 أبريل 2014

الوحي في الأديان الكتابية

في ميثولوجيا الشّعوب، هناك الكثير من الأفكار والقصص يجري التّسليم بها بوصفها جزء من المنظومة الفكريّة المقدّسة الموروثة عن الأجداد. ولأنّها جزء من الموروث المقدّس، فإنّها تصبح من المسلّمات التي لا يجب أن يفكّر فيها الشّخص بعقلانيّة، أو مجرّد التّساؤل عن عقلانيّتها. لهذا تُطرح جانبا خارج نطاق التّساؤل، والفلسفة وتاريخ دخولها للموروث المقدّس. ومن هذه المفاهيم التي ينطبق عليها هذا الفهم، فكرة " الوحي " في الأديان الكتابيّة.

إن التّفكير في مسألة الوحي تضع الانسان في حالة تساؤل، كيف؟ ولماذا؟ وكيف يمكن التّكرار؟

ولا بدّ من النّظر إليها، ليس بالمنظور الميثولجي الذي يتطلّب منّا الحفظ فقط ، والتّسليم دون تساؤل، بل وعدم التّفكير، لماذا وكيف. بل يجب النّظر إلى هذه المسألة بالمنظور العقلي، الذي يرمي إلى إيجاد سبب معقول للحدث، وسبب معقول للنتيجة، وسبب معقول لإمكانيّة التّكرار. فمفهوم " وحي " يتطلّب وجود ثلاثة : المُرسِل "الله "، والمُرسَل إليه " نبي "، " انسان "، والواسطة " وحي، ملاك مُشخص " يتكلّم، يقول، ينقل، رسالة من المصدر الإلهي إلى التّابع " النبي، ويكون المُتلقي في حالة عقليّة جاهزة جسديّا ونفسيّا لتلقي الرّسالة. فإذا وُجدت هذه العناصر الثلاثة وتكاملت، كانت النتيجة طبيعية، أما اذا حدث نقص، أو عدم تكامل أحد العناصر الثلاثة، فإن النتيجة لن تكتمل، ولن تصل الرسالة، أما إذا قرأنا قولا أن الرسالة وصلت، فقط، ودون كشف كيف وصلت ؟ أو أن الرسالة وصلت مرة في النوم عن طريق رؤيا أو حلم، ومرة يوصف فيها الواسطة على شكل خيال يهتز وينتقل هنا وهناك، أو شيء أبيض يقف في صحن البيت، أو صوت صادر من صخرة، أو نداء عن بُعد دون معرفة المصدر، أو على شكل طائر أو على شكل انسان له أجنحة، أو على شكل إنسان له نور يبهر العيون بحيث لا ترى حدوده الشكلية، أو تكون الواسطة هالة نورانية، مثل وميض يقترب، ثم يبتعد، ويترك المتلقي، المُستقبل، في حالة اندهاش وخوف. فمعنى هذا أننا دخلنا في الخيال والأسطورية والميثولوجيا واللامعقولية. وهنا يقف الانسان حائرا في تصديق هذا من عدمه .
لماذا يقع الانسان في حيرة في مثل هذه الأحداث ؟

لأنّك لو سألت المُتلقي، أو المُستقبل أن يصف لك ما حدث معه وما شاهده، فانّه سيقدّم لك وصفا خياليّا، وبعد مدّة لو طرحت عليه نفس السّؤال، سيكون الجواب مختلفا، ولو كان السّائل فلاحا ولا يعرف القراءة، ومن طبعه التّسليم والتوكُل، فبمجرّد سماع الحدث، سينكب على المُستقبل، المتلقي، ويقبل يديه ورأسه، ربّما ناله من البركات شيئ، وسيعتبره من أولياء الرب الصالحين، ومن المقربين إلى الرّوح القدس. ويصبح وليّ أمره وموطئ مشورته، وكاتم أسراره.
أمّا إذا كان السّائل يحمل بعض الأفكار العلميّة، ولديه فكرة عن أسباب الأحداث ونتائجها الواقعية، فسيكون له موقف آخر، أي سيفشل هذا المُستقبل في إقناعه بأن هناك تواصلا ما بينه وبين الله، الرب، الروح القدس، خصوصا إذا سمع وصفا للوحي بأشكال مختلفة. ونجد هذا الاضطراب عند الكثير من الأشخاص الذين يدّعون التواصل مع الغيب، وأنهم أولياء الله في الأرض. بالإضافة إلى هذا، فإنه تنسج الحكايات الأقرب إلى الأساطير منها إلى الواقع، وترتدي ثوب الميراث المقدس.
     ولا بد من السّؤال : من أين جاءنا مفهوم " الوحي " ؟
ورد في التّوراة على لسان الربّ يقول لهارون ومريم اللذان يرغبان أن يكلمهما الربّ كما يكلّم موسى، (فقال اسمعا كلامي، إن كان منكما نبيّ للربّ فبالرّؤيا أستعلن له، في الحلم أكلمه، وأما عبدي موسى، فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي، فما إلى فم، وعيانا أتكلم معه، لا بالألغاز، وشبه الرب يعاين ). (سفر العدد _ الإصحاح الثاني عشر – 6،7 ،8 ). وورد أيضا : " اذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها، …. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم ، لأن الرب إلهكم يمتحنكم ….وذلك النبي أو الحالم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم " ( التثنية – الإصحاح الثاني عشر 1 ، 2 ، 3 ، 5 ) .
وورد في الانجيل على لسان المسيح : " أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله) (انجيل (يوحنا 8 :45 )
وورد أيضا : " ثم إذ أُوحي اليهم في حُلم أن لا يرجعوا الى هيرودس، انصرفوا في طريق أخرى الى كورتهم " ( انجيل متى – الإصحاح الثاني 12 ) .
ـــــــ يقول بولس الرسول في غلاطية (1: 11) : أريدكم أن تعرفوا أنّ البشارة التي بشّرتكم بها ليست من مصدر بشري. فأنا لم أخذها من انسان. ويقول بطرس في رسالته الثانية (1: 21): لأنه لم تعطَ نبوّة قطّ بمشيئة انسان، بل انقاد رجال الله بالرّوح القدس فنطقوا بكلام الله.
وورد في القرآن الكريم في سورة النجم " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) .
وورد أيضا في سورة القصص : وأوحينا الى أم موسى أن ارضعيه. ( آية 7 ) .
وقال رسول الله صلعم : " ان روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها … " ، وهنا كيف يكون النفث في الروع ؟ أيكون على هيئة وشوشة، أم صوت من بعيد، أم خاطرة عقلية ؟
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى " الرؤيا " الصادقة في النوم .
هذه هي الرّوايات والأقوال والآيات التي عرفنا منها مفهوم الوحي في الأديان الكتابيّة. فما هو العامل المشترك بين هذه الأقوال والآيات ؟
اذا كان الوحي في اللغة هو الاعلام السّريع الخفي
أو الوحي بوصفه رؤيا، أو حلم.
أو الوحي بوصفه تخاطر بين شخصين.
أو الوحي بوصفه حالة إبداع ذاتي عقلي، أي الانطلاق من الذات المبدعة الى المجهول. أو الوحي بوصفه مصدرا للمعرفة الروحية الصوفية .
أو أن الوحي هو حركة عموديّة من السّماء – مسكن الآلهة، الغيب، المجهول – الى الأرض – مسكن البشر – هو حلقة الوصل بين عالم الأرض وعالم السماء، ــ الفضاء اللانهائي. أو بالعكس .
   فما هو الفرق بين الوحي وبين الرؤيا ؟
وهل الرّؤيا شكل من أشكال الوحي، حيث يقول عبيد بن عمر بأن رؤيا الأنبياء وحي .
واضح أنّ الوحي في التّوراة والإنجيل لا يعني غير الرّؤيا أو الحلم، وأنّ تواصل الرب مع بني البشر، مع ساكني الأرض يجري عن طريق الأحلام. أمّا موسى – فحسب التوراة أن الربّ كان يكلمه وجها لوجه. وفما بفم، أي مباشرة وبلا حلقة وصل أو حجاب، أي أن الرب يتشخص ويظهر على هيئة ضوء، أو شخص يتكلّم أو شيء يصدر عنه صوت مسموع .

أمّا في الاعتقاد الإسلامي فالوحي اتّخذ أشكالا مختلفة، فمرّة يصفه النبي بأنه رأى جبريل على كرسي بين السماء والأرض فسد الأفق، ومرة يأتيه ملاك يضمه بقوّة ضاق لها صدره وصعب عليه تنفسه، وأخرى يأتيه وهو نائما، أو يأتيه وهو ماشيا.
وكما جاء في صحيح البخاري : عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلعم- بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا في السماء فرفعت بصري فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت، فقلت : زملوني.
وورد على لسان النبيّ أنّه حينما سأله ورقة بن نوفل قائلا : يا محمّد، كيف يأتيك الذي يأتيك ( يقصد الوحي ) ؟ =
= قال : يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر.
   وهذا يعني أن الوحي يظهر عيانا ومُشخصا وذات ألوان .
وأنّ الوحي حينما أتي النبيّ أصابه الرّعب والفزع وحتى بعد أن تعود عليه كان يتصبب عرقه ويتغير لون وجهه فيميل الى الاحمرار المختلط بالسواد، ويغط ويتسارع تنفسه ويتربد وجهه ويعبس .فهنا لا بد من التساؤل : ما معنى الوحي ؟ وهل الوحي ممكن أن يتشخص، أي يظهر بشكل مادي منظور ؟ وهل الوحي ممكن يتحول من شيء لا مادي الى مادي منظور، وبالعكس، أي ممكن يتحول الواسطة، الوحي، من شيء مادي منظور، يُرى ويُسمع صوته الى شيء لا مادي يجلس على كرسي، ثم يزول دون أثر ؟ وضمن هذا الفهم يتم إلغاء قانون بقاء المادة، وقانون بقاء الطاقة، اذا كان كذلك، فلماذا لا يراه غير النبي ؟ وما هي أشكال الإيحاء، حيث ورد في آ ية " وأوحينا الى أمّ موسى " ( القصص – 7 ) ، ما هو الفرق بين الإيحاء الى أم موسى، والإيحاء الى النبيّ محمّد ؟ كيف كان الوحي في سورة " العلق " ، وكيف كان في سورة " التوبة ". والسّؤال : هل الوحي مقترن بالنبوّة ؟ فالنبوّة من التنبؤ، أي إعلان المخفيّ عن النّاس، والإتيان بحلول وكرامات وتفسيرات للمشاكل الحادثة في زمن معيّن.
   مع اعتبار ان " الوحي إعلام سريع خفي "، هذا يعني أن الإيحاء لا يستلزم التجسد والتشخص، بل تخاطر عقلي. واذا كان الوحي لا يتجسد، في شخص يتكلم ويصدر عنه صوتا مسموعا وبلغة مفهومة، بل بطريقة تخاطرية، على هذا تكون كل القصص والروايات التي كتبها كُتاب السيرة والتي تقول بتجسد وتشخص الوحي للنبي في غار حراء تتطلب المراجعة. والخطورة من هذا الفهم، أنه يجري اعتماد مثل هذا، وإدخاله ضمن المناهج الدراسية، وما تتركه من أثر على عقول الناشئة، ومدى فعاليتهم في البناء والتجديد والتطوير .
ومن جهة أخرى، انظر ما هو شكل الإيحاء في رواية أبي هريرة عن النبيّ اذ قال : “ بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي وأهماني، فأُوحي إلي أن انفخهما فنفختهما، فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة “.بهذا النصّ يخرج الوحي عن التّشخيص المادي المنظور،
وهل الوحي يأتي في النوم أم في الصّحو ؟ وما هو الفرق بين الوحي في هذه الحالة وبين الرّؤيا أو الحلم ؟ وما هو الوحي في النّوم، إن لم يكن حلما ؟ وما هي الأحلام غير نشاط الدّماغ أثناء النّوم في كل الاتجاهات الواقعيّة والخياليّة، والتي لا يمكن اعتمادها كمصدر يقيني للحقيقة ؟
وهل يكون الوحي عن طريق روح القدس الذي يقوم بإيصال المعلومة، أو الرّسالة عن طريق إدخالها في وعي المُرسل إليه ؟ وهنا كيف يكون النّفث في الروع ؟ أيكون على هيئة وشوشة، أم صوت من بعيد، أم خاطرة عقليّة ؟
ماذا قالوا عن الوحي ؟
قال "عالم الدّين" العراقي أحمد القبانجي، إنّ ما يقال أنّ الوحي هو نور الهي يغمر قلب الرسول، هو مجرد تعبير قد لا يخلو من غموض، عمّا يسمّيه الفارابي وابن سينا وصدر الدين الشيرازي وابن عربي وسبينوزا بالقوّة التخييلية للأنبياء والرّسل.
أي أنّ فرضيّة أن الوحي تخيّل يعكس المبتدأ والخبر، أي بدلا من أن يكون الوحي ساقطا من السّماء – الفضاء – على الأرض بما يحمله من أخبار وأوامر، تنقلب الآية ليصبح الانسان هو المبتدأ الذي ينطلق بخياله إلى السّماء الغيب. ومنهم من أطلق على الوحي بأنّه ضرب من الخيال الصّوفي، ومثل ذلك عناه محمد إقبال في وصفه للنبوّة بـ " أنّها ضرب من الوعي الصّوفي"[1] (محمد إقبال، تجديد الفكر الدّيني في الإسلام، ترجمة عبّاس محمود، دار الهدايه للطباعة والنّشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 2006، ص : 148 )
    كما أنّ هناك تخيلات قوية ينتج عنها آيات محكمات، وتخيلات ضعيفة ينتج عنها آيات ضعيفة ومتشابهة، كما ورد في الآية : (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخرٌ متشابهات) آل عمران، 7. والآية (ما ننسخ من آية أو نُنسِها نأت بخير منها أو مثلها) البقرة- 106. وهناك آيات أكثر وضوحا من آيات أخرى، بحسب ما تؤكّده الآية (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم) الزمر- 55. كما إنّ هناك آيات تدخل بها الشيطان، ممّا أخلف المعنى المطلوب، وهذا ما حدث عندما قرأ النبي سورة والنجم إذا هوى(فقرأها حتى بلغ أفرأيتم اللاّت والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشّيطان على لسانه تلك الغرانيق العُلى إن شفاعتهن لترتجى. فلمّا سمعت قريش فرحوا، ومضى النبيّ في قراءته فقرأ السّورة كلّها، فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون، وتفرَّقت قريش وقد سرَّهم ما سمعوه، وقالوا :"قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذِّكْر". ولم ينتبه النبي لذلك الا بعد حين، أي بعدما جاءه الوحي بالآية : ( ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته فنسخ الله ما يلقي الشيطان ) الحج، 52 )
    أخيرا، هل يخرج الوحي عن مستوى الزّمن والمفاهيم وأسلوب الحياة الموجود في حاضر أي نبي من الذين ورد ذكرهم في التاريخ ؟ فلم يأت أي وحي بذكر طريقة الحياة، ودرجة العمران البشري، والقدرة التدميريّة للأسلحة في هذا الزمن، والحروب الاقتصادية، أو ذكر أمراض هذا الزمن، أو ذكر أنظمة حكم برلمانية حديثة. فهذا لم يحدث، لماذا ؟ لأن لكل نبي زمانه، ولكل وحي زمانه. فمثلا حينما مرضت زوجته خديجة، أخذ النبي يطمئنها قائلا : ان بيتك في الجنة كوخ من لؤلؤ مُجتبى "، وفي رواية أُخرى : " بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب ".
ماذا يعني هذا ؟ أنّ أقصى درجات الأماني في ذلك الزّمن، هو أن ينال المرء كوخا من لؤلؤ، أو كوخا من قصب. ولو كان النبيّ في هذا الزّمن، لما كانت أُمنيته لأحبّ النّاس إلى قلبه، كوخا من قصب، أو لؤلؤ، بل لقال : فيلا بين نهرين، أو بيتا فاخرا فوق سفينة عائمة، أو فيلا خاصّة فوق جزيرة .
من هنا كان التفكير في أي زمن يتناسب مع مستوى حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية. فالوحي، لا بد وأن يتناسب مع مستوى تفكير الناس في عصرهم .
" إن الوحي مجموعة من الصور والعلامات والأصوات الغامضة والمتناثرة والفائضة عن الغيب، والتي قد تفلح مخيلة الرسول في التقاط بعضها، بعد جهد ذاتي جهيد وإصرار عنيد، قبل أن تحاول ترجمتها إلى لغة بشرية وهذا داخل سياق ثقافي وتاريخي مستنفر أصلا نحو أفق انتظار النبوة .
وإن كانت مدارج البيان تتفاوت تبعاً لتفاوت قوّة المخيلة بين لحظة وأخرى، فقد انعكس ذلك التّفاوت في الأخير على أسلوب القرآن نفسه والذي يظل في كلّ أحواله أسلوباً بشرياً وتراثياً، بل وقدامياً أيضاً إنّ القرآن هو في آخر التّحليل، كلام يعكس ثقافة الرّسول ومخيّلته ولغته وعصره ". ( من مقال : سعيد ناشيد - الأوان، أربع فرضيات حول الوحي : أنّ تعتيم وتمييع الفهم لمعنى مفهوم " وحي "، يضع المتلقي للوحي في مصاف أعلى من البشر، لأنّ له قدرة على التّواصل مع الغيب، ووضعه في موضع التّقديس والتنزيه عن الخطأ، ويحاط بقصص تقترب من الأسطوريّة، والتي لا يستطيع البشر محاكاتها، وما على النّاس إلا تقبلها كما هي دون تفكير أو تمحيص، واعتمادها ضمن المسلمات المتوارثة، والتي تصنف ضمن التراث المقدس. ويستتبع هذا سن قوانين ضمن الدستور للدولة، والذي يشمل وضع قوانين توضح إيقاع الجزاء على كل من يقترب من الوحي وأشكاله باعتباره جزء من الميراث المقدس.
وإذا اعتبر البعض أنّ الوحي مصدر للمعرفة، فأيّ نوع من المعرفة هذه، هل هي من المعرفة المختلطة بالأساطير، بالخيال، أم بأضغاث الأحلام، والتي لا تعتمد على دليل ملموس، ومتعارف عليه. أم أن الوحي هو مصدر للمعرفة العلمية اليقينية، والتي يمكن التأكد من صحتها بالتجربة والنّشاط العملي الإنساني ؟
أم أنّ الوحي هو شكل من أشكال الإبداع والخلق والاختراع ؟ مثل تفاحة نيوتن، أو نهر هيراقليطس. ومشاهدات داروين، التي أوحت له بنظريته في النشوء والارتقاء. إذا كان كذلك، فان الكثير من النظريات تم اكتشافها من خلال هذا الفهم، أي من خلال التفكير في المشاهدات الواقعية التي تواجه الإنسان في اُثناء النشاط الإنتاجي الواقعي العملي .
    من هنا فالحالة الايمانيّة التي نشأت بتأثير دعوة النبي محمد قد تعاصرت معها حالات رافضة، غير معتقدة بالدعوة، ليس اعتراضا على سمعة أو سلوك النبي الأخلاقي أو انتمائه القبلي، فقد كان أمينا ورصينا وهادئ الطبع، وينتسب إلى قريش ذات الشهرة العالية في شبه الجزيرة العربية، بل كان اعتراضهم وشكّهم ينبع من كيفية التواصل الإيحائي بين النبي والغيب، والذي حسب ما جاء على لسان خديجة منذ البداية بأنه بدأ بالرؤيا، أو ملاك يجلس على كرسي بين السماء والأرض فيسد الأفق، أو يأتيه وهو نائما أو ماشيا، أو على هيئة ملاك جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر. وهذا الوصف للوحي لم يعهده عرب شبه الجزيرة في تاريخهم .
   ورغم هذا فقد انتشرت دعوة النبي الحنيفية بقوة، لتوافقها مع ما نادى به الحنفاء من قبل، وتوسعت إلى أن وصلت إلى الشام والعراق. وهذه الدّعوة لم تكن مقطوعة الصّلة بمن سبقها أو زامنها، فقد كانت هناك العديد من حالات الكهانة القريبة الشبه بالنبوّة في شبه جزيرة العرب وأطرافها، مثل خالد بن سنان، وسطيح وشق، ومسلمة بن حبيب من بني حنيفة، وسجاح بنت الحارث بن سويد من بني تميم. وهذا يعكس التصور أن النبوة لست بالشيء الخارق، أو الحدث الذي لا يمكن أن يحدث مثله، بل هي دعوة إلى الاصلاح الاجتماعي والاعتقادي. فإذا كثر الأتباع حول داعيها الأول تكثر حوله القصص الأسطوريّة ويجري نعته بالصّفات الخارقة والكرامات من صغره وحتى بعد موته .
ففي تاريخ كلّ شعب من شعوب الأرض ظهر رجال ونساء ملكوا هذا الوصف، واقتربوا من أن يكونوا بشرا فوق العادة، وأن لهم صلات مع الغيب منحتهم قوّة وتميّزا سواء كان جسديا أو عقليا، أكسبهم أتباعا لا حصر لهم. كما أنّ الكثير من المعتقدات المنتشرة حاليا في العالم، ولها أتباع بالملايين ظهرت نادى بها أشخاص لهم سمعة أخلاقية ويتميزون بالبصيرة العقلية المؤثرة والتي بقيت آثار آراءهم ومبادئهم الى زماننا هذا، أمثال كونفوشيوس وبوذا .
     فالإيمان الدّيني المنتشر في العالم اليوم لا يستند على العقلانية السببية العلمية، بل على الموروث. فالتسلسل الوراثي البشري، يتبعه تسلسل نقلي للعقائد والأساطير مما أكسب الموروث الفكري صفة الاعتقاد السائد، والسيادية الاعتقادية للموروث أكسبته صفة القداسة التي تلغي النقد، وتعطل ملكة التفكير العقلاني. ففكرة التّسليم بصحّة الموروث تلغي ملكة التّفكير أو التمرّد عليها .
فالشّخص المولود في المجتمع المسلم أو المسيحي أو اليهودي، أو البوذي، منذ منشأه تسيطر عليه مجموعة من المسلمات الاعتقادية حول وجود الكون ووجود الإنسان ومصيره في الحياة وما بعد الموت . وليس من السّهل الخروج أو الشك في هذا الموروث .
إنّ تنوع الموروث الاعتقادي المقدّس قد أورث تمايزا بينها في الأخلاق والموقف من الآخر، وخلق الكثير من الصّراعات والصّدامات والحروب. حيث نجد أن الشّعوب تسخر من الموروث المقدّس ومعتقدات الشّعوب الأخرى لاختلاطها بالأساطير، في حين أن معتقداتها وموروثها المقدس لديها لا يصمد أمام أيّ تفكير عقلاني.
    إنّ الموروث المقدّس لدى أيّ شعب مهما كان تصورهم عنه، بانغراسه في ثقافة المجتمع يصبح له قوة الوحي الذي كان في زمن حياة الأشخاص الذين ارتدوا ثوب الكهانة أو النبوة، وظل هذا التسليم وهذا التماهي معهم إلى زماننا هذا حيث يطغى بقوّة على عقليّة ووعي أفراد المجتمع ويجعلهم ضمن عباءته الضّاغطة .
    إنّ الموروث المقدس عند المسلمين، هو الأرضيّة التي يقف عليها المسلم في موقفه ليس من الآخرين، بل من العلم أيضا، ففي الحياة العملية، هو برجماتي، كل شيء بفوائد، وتراه في المتع يغترف منها اغترافا، فهو يتزوج النساء سرّا وعلنا، ولو كان شيخا هرما، ويتعامل مع الحضارة بالدّرجة القصوى، فهو يحاول أن يملك الكثير من الماديات، ولكن في ثقافته وشعاراته، هو ديني، والحديث مع الناس ديني. إنّه متناقض دائما مع نفسه. فهو يقول إنّ الحياة معبر إلى الآخرة، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وأن لديه قناعة بالقدر والمسلمات المقدّسة، وفي نفس الوقت تجده الأكثر تكالبا على النيل من متع الحياة .
إنّ الله لم يمت كما أعلن نيتشه، إنّ الله هو منظومة اعتقادية تتوارثه الأجيال، أو هو ميراث للشعوب الأقرب إلى البربريّة منها إلى روح العصر، هو ميراث مقدّس لشعوب تبحث عن السّعادة خارج هذه الأرض، السّعادة الأخروية، وذلك لفشلهم في تنظيم حياة سعيدة. إنّ هذا الفشل يجعلهم يغرقون في الاعتقاد بالحلول الميتافيزيقية لعذاباتهم .

آدم بين المعيار الديني والمعيار العلمي

آدم بين المعيار الديني والمعيار العلمي

 كنت أقرأ موضوع عن الكمية والكيفية , فالكيفية هي مجموع الخواص للشيء , وهي التي تحدد كيفية الشيء وتميزه عن الأشياء الأُخرى , وكل كيفية لها كمية تناسبها وتعبر عنها . فمثلا : لا يمكن أن نجد اٍنسان طوله خمسة أمتار ووزنه طن .
وكنت قرأت مقالا عن ثوب آدم الذي طوله حسب ما ورد في الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ..... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) . رواه البخاري ( 3336 ) ومسلم ( 7092( .
... "وتنتشر على الشبكة العنكبوتية مجموعة صور لثوب يحاكي ثوب آدم عليه السلام الذي يماثل طول اهل الجنة وهو 60 ذراعا، وهو ثوب عجيب قياسا مع احجام بني البشر اليوم.
وهذا الثوب ـ حسب موقع فتكات ـ يثير التساؤلات ويدفع بنا الى البحث والتمحيص في واحدة من المسائل المثيرة جدا حول اذا ما كان فعلا حجم الانسان آخذ في الانكماش مع مرور الوقت؟! وكيف بامكاننا ان نفسر هذه الظاهرة ومثيلاتها؟!
كثيرا ما نقرأ في السيرة والاحاديث النبوية ان طول آدم عليه السلام 60 ذراعا، لكن الشاب السعودي حمدان المسعودي استهوته الفكرة ليصنع بمساعدة 4خياطين ثوبا يحاكي ذاك الطول،الذي يماثل طول اهل الجنة .
ويقول الشاب المسعودي الذي يقطن في قرية البدع بمحافظة تبوك شمالي السعودية ان الفكرة نشأت من قراءته لسيرة آدم عليه السلام، مؤكدا ان طول الثوب يزيد على 60 ذراعا، وقد استغرقت خياطته 18 يوما ".
واشار الى انه استخدم في صناعة الثوب 40 لفة قماش، و30 الف بكرة خيط، موضحا ان طول الثوب 29 مترا وعرضه ما بين الكتفين 9 امتار وعرضه من الاسفل 12 مترا، وفيما كان طول الكم 10 أمتار، وقطر الرقبة 6 امتار ومحيطها نحو مترين. بالصور .. ثوب آدم عليه السلام - " شبكة حوار بوابة الاقصى ".

وبالنظر الى حجم البشر الحالى والذي نادرا ما يزيد طول الانسان فيه على مترين , وعرض يتراوح بين نصف متر وسبعين سنتيمرا للبالغ . ان هذا التصور لآدم يثير التساؤلات في كل الاتجاهات المعيارية والحياتية والبيولوجية والتاريخية .
وبهذا هاجمتني عديدا من التساؤلات , فقلت لقد وُجدت الأشجار والحيوانات قبل الانسان , أي قبل آدم , وكان أضخم وأطول كائنات الأرض الديناصورات , وأكبر ديناصور يبلغ طوله من رأسه الى ذيله ما يقرب من ثلاثة طوابق , أي حوالي عشرة أمتار , ولما كان طول آدم يبلغ حوالي 30 مترا , أي حوالي تسعة طوابق ,فهذا يعني أن طول آدم يعادل ثلاثة ديناصورات متراصة فوق بعضها البعض . فكيف كان يأكل , ويتحرك بين الغابات المتداخلة والمتشابكة .
ولو افترضنا أنه كان يأكل من رؤوس الأشجار ــ كما هو حال الزرافة التي يتناسب طولها مع ارتفاع الأشجار ــ, اذا لا بد أن ينحني ليلتقط طعامه والانحناء المتكرر لا بد أن يُحدث تقوس في هذا الجسم ويُسرع في انقراضه , ولما عاش طويلا ـ عاش آدم ألف سنة ـ, اذا لا بد من وسيلة أُخرى للحصول على الطعام , حيث هذا الجسم الضخم يحتاج الى كمية كبيرة تعادل ما تحتاجه عشرة أفيال يوميا .
ولو افترضنا ان بيننا وبين آدم من 10 الى 12 ألف سنة , ونحن من نسله ونكتسب بالوراثة جيناته الوراثية , فكيف قصر طول الانسان الى هذا الحد , وهل هناك أسبابا غيبية أو بيئية أدت الى هذا , أم أن التصور أن حجم آدم يبلغ هذا ليس له سند واقعي .
ولو افترضنا كذلك أن بيننا وبين الفراعنة من 5 الى 6 آلاف سنة وأطوال المومياءات نفس طول الانسان الحالي تقريبا , وأن أحفاد آدم قصُرت أطوالهم وصغرت أحجامهم , فان 5 الى 6 آلاف سنة لم تُظهر هذا بيننا وبين الفراعنة , فكيف يمكن تفسير الفرق بين حجم وطول آدم البالغ 60 ذراعا , بالمقارنة مع حجم أحفاده من البشر الحاليين ؟ .
ان أول ظهور للبشر أو أشباه البشر ظهروا في أفريقيا ، فأين ظهر آدم , وأين عاش وأين تناسل ؟ وهل كان آدم أسود البشرة ؟
وهل تنوع الأجناس البشرية هو تباعد حياتي وتنوع اختلاف بيئي , أم أن اختلاف الأجناس البشرية دلالة على التنوع الأصلي , أو تنوع للفروع التي تطورت منها هذه الأجناس ؟
فما دام آدم أبو البشر , فلماذا لم يورثهم صفاته الجسدية , ولماذا لم تظهر جينات متنحية من آن لآخر حسب قانون "مندل " في الوراثة , ويُولد انسان يقارب طول آدم , فلو حدث هذا , فان هذا يدل على أن هناك جينات متنحية كانت منذ القدم , وظهرت الآن , مما يؤكد صحة نظرية الأصل الضخم .
ولما كان عمر أدم على الأرض لا يزيد عن 12000 ألف سنة , فما علاقة أدم بسكان الأمريكتين واستراليا ,الذي وجودهم في تلك المناطق يزيد 12000 ألف سنة, هل هم من نسله , أم هم فروع من أسلاف بشرية تطورت واتخذت هذا الشكل بحكم بيئتها واسلوبها في الحصول على الغذاء ؟
وهل كان آدم عالم , يعرف كل شيء , حيث تعلم الأسماء كلها ؟ اذا كان كذلك , فلماذا لم يُعلم ذريته هذا العلم وتلك المعرفة والخبرات الحياتية التي تعلمها , حيث هناك فرق شاسع في المعرفة بين الأجناس البشرية , وهناك تنوع متعدد الجوانب في التراث الحضاري لهذه الأجناس على الأرض . فلو كان الأصل المعرفي واحد , اذا لعرف التاريخ نوعا من التجانس المعرفي والحضاري بين البشر في كل القارات .
وبالعودة الى طول آدم , وأن أهل الجنة تبلغ أطوالهم مثل آدم , فكيف سيأكلون ويشربون وكم من الغذاء يحتاجون ما دامت الفواكه والثمار مثل ثمار الأرض , والزرع مثل زرع الأرض ؟ كما ورد في الآية " هذا الذي رُزقنا من قبل " , و " أُتوا به متشابها " – قرآن كريم " .
كل هذه التساؤلات هاجمتني فوجدت فرقا شاسعا بين المعيار الديني لطول آدم وحركته وغذاءه بالمقارنة مع أجناس البشر الحاليين , والمعيار العلمي والحياتي الذي يؤمن بالمبررات السببية الطبيعية والاجتماعية والحياتية لكل ظاهرة .
من هنا فاٍن حجم آدم ليس له أية أسانيد علمية , طبيعية وحياتية , ولم يكن كذلك , بل كان تعبيرا عن الأنسنة , أي كان آدم هو النقلة الانسانية للبشرية من مرحلة الوحشية والبربرية .
وفي هذا يقول عبد الجبار العبيدي في مقاله " لماذا تعددت الرسالات " , ايلاف , قال :
بأن آدم ليس بالضرورة أبو البشرية ، ولكنه أبو الأنسنة التي جاءت بعده حين أضاف عليها بُعدا انسانيا ، أخلاقيا ، وليس أبويا " .
ليس من المسلمات عدم وجود بشر قبل ادم ففي جامعة ام القرى قسم التاريخ يقولون ان هناك في مكه اثار لبشر قبل 200000 سنه وعمر سيدنا ابراهيم 2950 سنه قبل الميلاد , ونوح عشرة الاف سنه , وادم اثناعشر الف سنه .
وحول هذا الموضوع يطرح الدكتور " حسين مؤنس " رأيا في كتابه " الحضارة " حيث يقول : " ان الرأي العلمي اليوم يميل الى اعتبار النماذج البشرية التي وُجدت في الحفائر , مثل النياندرتال وكرومانيون أجناسا من البشر , لا علامات على طريق تطور الانسان . ويذهب العلماء على أن طول العصور التي قضاها الانسان في انتقاله من الوحشية الى البدائية , ومن البدائية الى التحضر , لم يكن وقتا ضائعا , وانما هو الوقت الذي استلزمه ليصل طبيعيا الى طور الوعي بنفسه وشعوره بمكانه على الأرض وامتيازه على غيره من الحيوان .
وقد وُجدت آثار أقدام البشر بعد أن وصلوا الى هذه المرحلة منذ 300 ألف سنة , وانتقل الانسان من العصر الحجري الأول الى الثاني خلال فترة تتراوح بين سبعين وأربعين ألف سنة , ثم دخل العصر البرونزي بعد عشرين ألف سنة و وانتقل من انتقل من جماعاته البدائية الى الحضارة قبل الميلاد بعشرة آلاف سنة " . من كتاب " الحضارة " حسين مؤنس ـ ص 94 .
من هنا فان ما طُرح حول آدم , حجمه وثوبه لا يتقابل مع هذا الطرح لا تاريخا ولا حجما .
ومن الملاحظ أن لدى كل الشعوب قصصا وأساطير عن كيفية وجودهم على سطح الأرض , ولكن ما انتشر واكتسب ثباتا وشرعية هو ما جاء في الأديان الكتابية , حيث ارتدى هذا التصور التاريخي رداء القداسة الذي لا يحتمل النفي أو الشك .واذا دخل الشك الى هذا التأريخ عن نشأة البشرية فسيدخل الى أفكار أُخرى ، تعتمد عليه , وتصبح الأيديولوجيا الدينية كلها في خطر , مما يؤثر على التركيبة الاجتماعية والبناء الفوقي والقانوني ومستوى الخوف من المجهول عند البشر , خاصة في الدول ذات الحكم الفردي , العائلي , السلطاني والملكي .
ان سيادة الأيديولوجيا الغيبية في مجتمع تجعل المبررات الدينية تحل محل الأسباب العلمية للظواهر في الطبيعة والمجتمع , وتنعدم الحلول الواقعية لمشاكل مثل الفقر والمرض والفساد والحروب .كما يؤثر هذا على تأخر البحوث العلمية في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية .

                                                **************************
  ملحق للمقال :
 بعد نشر المقال وردت تعليقات كثيرة منها من يقول أن هناك شكا في إسنادات الحديث ، ومنها من أصابه الاندهاش من فكرة أن طول آدم ستون ذراعا ، وأن الناس في الجنه سيكونون بهذا الطول .
 ومن خلال التعليقات ظهر أن بعض المؤرخين والدعاة وقعوا في اشكالية من طول آدم هذا ومنهم  -الحافظ ابن حجر (العسقلاني) استشكل شيئاً بخصوص هذا الحديث .. قال: هذا الحديث بظاهره يخالف ما عُرف ورُئِيَ من آثار الأقوام البائدة كمساكن ثمود – عقلية علمية هنا .. – وأبنية لهم في الحجر وغيره .. قال: واضح من مساكنهم ومن آثارهم أنهم لم يكونوا أعظم منا، ولا أطول منا، (مثل ما نقول الآن: المومياءات المصرية في طولنا وأحياناً أقصر قليلاً منا ... من آلاف السنين) و(يقول الحافظ ابن حجر) أنه من مساكن ثمود، أنهم كانوا في مثل قاماتنا، على أن المسافة (الزمنية) بينهم وبين أبيهم آدم أدنى من المسافة التي بينهم وبيننا (... عقلية علمية، ثم قال الحافظ ابن حجر:)، ولم يقع لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال.
  نقول: نعم، استشكل ابن حجر في فتح الباري على حديث طول آدم، ورغم أن ابن حجر نفسه لم يكن هو من أثار الاستشكال، بل كان -ابن التين- (عبدالواحد السفاقسي المالكي)، كما أشار ابن حجر نفسه في كلامه، إلا أن ابن حجر لم يستطع إزالة الإشكال، واعترف أنه قد استعصى عليه.
وبعد تحليل الاستشكال كما جاء أعلى، وكما عُدنا إليه في فتح الباري، وجدنا أنه سيظل قائما مع بقاء المعلومات الآتية مُصَدقَّة جميعاً:
1- أن ثمود أقرب إلى آدم منها إلى أمة محمد صلى الله علي وسلم.2- أن أبنية الحِجْر التي نعهدها بأبوابها الصغيرة تعود إلى ثمود. (شكل (4))3- أن طول آدم ستون ذراعاً وطول الرجل من أمة محمد دون الأربعة أذرع، كما نعهد ذلك.
وإذا صدقت هذه المعلومات جميعاً، فالجمع بينها ممتنع، فلا يمكن أن يكون آدم ستون ذراعاً ويكون من بنيه في أقل من 20 قرناً -إنسانياً- فقط بعد آدم (10 قرون بين آدم ونوح، ومثلهم بين نوح وعاد كي يتهيأ من تعداد الناس ما يبلغون به أمة مثل أمة عاد)، ثم يكون طولهم مثل طولنا، ونحن الذين بيننا وبين آدم قروناً كثيرة، كما قال الله تعالى - وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا-(الفرقان:38)
 وكان من المقبول أن تقع أطوال ثمود في منزلة بين آدم وبيننا. أما وأن أبنيتهم تقول أن أصحابها في مثل طولنا، فهذا مستحيل. وعليه لا يمكن أن تصح هذه المعلومات جميعاً. وهذا هو الإشكال الذي استعصى على ابن حجر تفكيكه، وتفنيد شيئاً منه فيذوب معه الإشكال.
=  الداعية عدنان إبراهيم في خطبة له يقول:
   " -إسمعوا الآن كيف سأشكل على هذا الحديث من باب آخر بطريقة علمية. هذا الحديث لو سمعه أي عالم متمرس في علم الأحياء، سيردُّه مباشرة، ويقول: أنتم قوم تهرفون بما لا تعرفون. تعرفون لماذا؟
   سأوضح هذا. .. . (هناك) قانون في علم الأحياء (يقول) الزيادة في وزن الجسم الحي المخلوق، تتناسب طردياً مع مكعب ... الزيادة في أبعاده الخطية، ... ولكن الزيادة التي يكتسبها الجسم؛ الهيكل، بالذات الهيكل العظمي – مقطع العظم – لمقاومة الثقل والوزن تتناسب مع مربع الزيادة في أبعاده الخطية؛ بمعنى ... آدم خلقه الله وطوله ستون ذراعاً ... في المتوسط – بين الذراع الشرعية والذراع الهاشمية – 30 متراً، يعني تقريباً أزيد منا بنحو 20 مرة. الآن، (إذا) ضوعف حجمه عشرين ضعفاً عنا – في الأبعاد الخطية، أي الطول – كم سيتضاعف وزنه التناسب هنا مع المكعب فسنقول: 20 * 20 * 20 أي 8000 مرة (و) هيكله العظمي، كم سيتضاعف كي يحتمل هذا الثقل الزائد؟ لاحظ أنه مع المربع وليس مع المكعب، (أي) 20*20، أي 400 مرة
مرة والوزن 8000 مرة، حتماً يقول لك أي عالم في البيولوجيا: مستحيل أن يُخلق هذا الخلق على الكوكب الأرضي، لماذا؟ - لأنه سينهار مباشرةً تحت ثقله ووزنه
 
    من هنا فانكشاف الكثير من المعلومات يستدعي الانسان أن يراجع معلوماته ، ويربط فيه بين المعقول والغير معقول
فهناك أسئلة يجب أن يُجاب عليها وهي : كم عمر آدم على الأرض ؟ وكم حجمه الذي يجب أن يتناسب مع الطول الذي قال به الحديث ؟ وكيف سيمشي ويعمل ويأكل ؟ وما هو الفرق الزمني بين الفراعنه وبينه ؟ وكم هو البعد الزمني بيننا وبين الفراعنة وهل حجم الفراعنة يتقارب ويتشابه مع الانسان الحالي طولا وعرضا أم يختلف ؟
فلو قارنا أدلة النقص في الطول التي ذكرها الموضوع مع أدلة أن طول آدم لم يكن هكذا لوجدنا فرقا شاسعا بين العلم وفكرة  الستون ذراعا لآدم !!!
ان من يربط هذه المعطيات ربطا واقعيا سيصل الى نتيجة واقعية ، أما من يرتكز على نصوص وفرضيات ويعتبرها من المسلمات التي لا تقبل المراجعة ، فلن يصل الى نتيجة علمية -احترم العلم

 أخيرا لنا رأي واستنتاج أخير : القرآن ليس موسوعة تاريخية تسلسلية لنجعله مرجعا لنا في كل شيء ، فكل ما ذكره القران عموميات فقط ولم يذكر شيئا عن التاريخ منذ الف وأربعمائة سنة ، فهو لم يعرف شيئا عن أنظمة الحكم وتطور الآلات والأسلحة والعمران البشري والعلم والذرة والكهرباء
فالمعقولية هي الأساس الان وليس  روايات الميراث المقدس التي كانت نتيجة ظروف ومستوى من المعرفة أدنى بما لا يقاس مع زماننا هذا  .
   لكل زمان مقال ونظام ومستوى علم وعمل

الأربعاء، 2 أبريل 2014

فتح انتكاسة أم هزيمة !!!

أكثر من عقد من التميع، عقد من تفكك العلاقات التنظيمية، واضطراب في الإحساس بالانتماء، الإفراط في العلنية وفى الجهة الأخرى تضخم في الأنصار، لا على أساس الانتماء والالتزام الفعلى بالتنظيم، بل على أساس اقتناص مصلحة معينة، والمصالح متعددة الأشكال إما مالية أو وظيفية أو مراكزية أو تجارية .قادة السلطة - فتح - التقليديين لا يموتون ولا يتزحزحون فهم إستزاريون بامتياز ، فكل موقف منهم ممكن بشرط ألا يخرج من الحكومة ، سلطة الحزب الواحد ، السلطة ألأبدية ، سلطة طول العمر ، الذي لا يداخله تصور انه سيخرج منها يوما ما ، وانتهت لديه الدوافع الثورية ودوافع العطاء للوطن، دوافع الاٍيثار للوطن، ونمت لديه دوافع التخاذل والسلب والأنانية والانهزام .العلنية المفرطة، ذوبان الحدود الفاصلة التي تميز التنظيم عن المنظمات الجماهيرية، المؤسسات السلطوية، الإدارية .
   كل هذا أدى إلى التميع التنظيمي وانهيار الهيكلية التنظيمية وتملص الأفراد من الخضوع للأوامر التنظيمية بل والاستهتار بها، والاستهتار بالتسلسل الهرمي للتنظيم.نمو مزاج الفردية والأنانية مما أفضى إلى التبعثر والبعد عن الأهداف الوطنية العليا وأزيحت هذه المهمة إلى ما يسمونه بالقيادة السياسية التي ذابت في محيط الوجاهات والوزارات الوهمية، ومنهم من استغل موقعه في السلطة وأقام شركة تجارية، أو اقتصادية أو مالية وأصبح همه الوحيد هو نمو رأس مالها باختراق كل القوانين وانعدمت نفسية البناء من القمة إلى القاعدة وتفشي الاستهتار بكل شي حتى في الشارع حيث انتشرت نفسية القبضايات والفتوات بشكل فردي وبشكل مجموعات، وذاع صيت عائلات ذات سطوة وانتشر السلاح في يد الصغير والكبير وأصبح السلاح هو الفيصل في حل أي مشكلة مهما كانت صغيرة، وانتهي القانون وساد الفلتان الأمني والإداري وساد الفساد المالي في المراكز والمقرات وليس هنالك من ضابط .وبالتالي لا يمكن لفتح أن تصلح نفسها ، لان من يريد أن يصلح يجب أن يملك القوة والإرادة للإصلاح، وهذا مفتقد في داخل فتح، وبالتالي أصبح إصلاح السلطة وفتح يجب أن يأتي من الخارج، أي من القوى الديمقراطية التي لها قوة نقدية وتشهيرية للإصلاح أو من الحركات الدينية التي لها قوة نقدية وإجبارية للإصلاح.
    وهذا ما أدركه الشعب وأعطي صوته بغزارة لحماس حتى أعضاء من فتح أصبح لديهم ألف علامة استفهام على أعضاء من فتح لديهم مراكز حساسة ولكن لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً .هذه هي فتح، وما المجموعات المسلحة الصغيرة التي تطل برأسها بين الفينة والفينة بأسماء مختلفة إلا مجموعات صغيرة ليس لها هيكلية تنظيمية وتسلسل هرمي بل مرتبطة بفرد أو أفراد لهم سمعة حسنة ولكنها جميعاً تستظل بمظلة فتح وتُستغل في الكثير من الأحيان بصورة شخصية أكثر منها وطنية، ومن ناحية التمويل المالي، فكل اعتمادهم على ما تجود به السلطة من تمويل غير منتظم، وحسب التموجات السياسية والمواقفية، هذا بالإضافة إلى تمويل خدماتي، إتاواتي من أفراد لهم مصلحة في التمسح ببعض المجموعات المسلحة لأغراض تجارية أو شخصية .هذه الهيكلية المائعة الحدود أفضت إلى نتيجة خطيرة ليس على فتح كتنظيم، بل على كامل المنظومة الإدارية لفتح وللسلطة – لأنهم لا يمكن عملياً الفصل بينهما – وهذه النتيجة الخطيرة هي الاختراق من قبل التنظيمات الدينية الناشطة بشكل جنوني للاستيلاء على مقاليد الأمور في المؤسسات السلطوية لما لها من فوائد مالية ومراكزية، وتراقب كل شيء مهما كان صغيراً، من مصاريف حفلة صغيرة إلى أعلى حركة تمس الأسلحة والدورات التدريبية وأبعادها .هذا الاختراق جعل فتح والسلطة واضحة، كل شيء مفضوح من بدايته إلى نهايته، والأخطر من ذلك أن فتح المندمجة بالسلطة لا تستطيع أن تتخذ أي إجراء عدائي ليس ضد تنظيم مثل حماس، بل ولا ضد فرد معروف بأنه نصير لحركة دينية وتعمل على الساحة بشكل أو بآخر .وبدأ قانون التراكم النقدي التشهيري يفعل فعله حيث طال النقد كل شيء في السلطة وفتح وتكشف الفساد المالي والإداري والسلوكي وأصبح النقد من العيار الثقيل، الدموي بين الأضداد – أي فتح وحماس – يفعل فعله وأتخذ أشكالاً حادة ودموية .
    وأصبح لابد من نفي شيء وإحلال شيء محله له صفات جديدة، ولكن ماذا تتميز حماس عن فتح ؟ إن فتح من الناحية الاجتماعية الطبقة الأرقى فهي تنتمي إلى البرجوازية الصغيرة الثورية في أساسها، ومع استلام السلطة واندماجها بها أصبحت عملياً البرجوازية الكبيرة والكمبرادورية التجارية .
  أما حماس ، فكل تفكيرها هو إقطاعي وكمبرادوري مغلف بالتنظير الديني النقدي الذي لا يعجبه أي شيء في المجتمع العصري من علاقات اجتماعية ولا تجارية ولا سياسية .ولكن هل تستطيع أن تغير الأساسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية للمجتمع ؟ بالطبع لا .
   إن إصلاحات حماس هي شكلية ولا تستطيع أن تغير في بنية المجتمع الاقتصادية أي شيء، فإذا أمسكت بتلابيب السلطة وطرحت المقاومة جانباً، أو صارت المقاومة شعارا ، ليس له علائم صدامية مع الاٍحتلال ، وصار العمل الإداري هو الأساس والأولي وعملت على أساس أنها الحزب الحاكم، وقضت على النقد ، وساد الإرهاب للغير من خارج حماس أصابها الاسترخاء الوطني وأصيبت بالتخمة المالية وأصابها التضخم والترهل والنفاق لذوي المراكز في السلطة، واقتربت كثيراً من فتح ما قبل الهزيمة .
    ورغم مرور عدة سنوات على ادراك هذا ، اٍلا أنه لم تظهر أية بادرة تدل على أن فتح- كوادرا وقيادات - معنية باصلاح نفسها تنظيميا واداريا . وبهذا يكون العد التنازلي قد بدأ لتصبح فتح اسما وهميا ، شكليا ، ليس له محتوى . -

قراءة في كتاب "سقوط العالم الإسلامي

صدر مؤخرا في ألمانيا وعلى هامش معرض الكتاب في فرانكفورت كتاب بعنوان "سقوط العالم الإسلامي" للأستاذ الجامعي المصري الدكتور حامد عبد الصمد الذي يعمل في جامعة ميونخ شخص فيه حجم المأساة التي تنتظر خلال السنوات الثلاثين القادمة العالم الإسلامي. ويتوقع الكاتب هذا الإنهيار مع شحّ آبار البترول نهائيا واتساع فسحات التصحّر واجتياح الجفاف لما بقي من أراض زراعية وغابات خضراء واشتداد حدة النزاعات الطائفية والعرقية والإقتصادية المزمنة والقائمة حاليا. كما سيرافق ذلك أكبر حركة نزوح سكانية للشعوب الإسلامية نحو الغرب، وبالأخص نحو أوروبا وقال الدكتور عبدالصمد أن إنهيار العالم بدأ منذ أكثر من ألف سنة وانتقد الكاتب في كتابه الإسلام قائلا: الإسلام لم يقدم للإنسانية أي شيء جديد أو أي إبداع خلاّق. وتوقع الكاتب عبد الصمد بلوغ هذا الإنهيار ذروة الشيخوخة والانحلال في العقدين القادمين، إن لم تحدث معجزة خارقة تنقذه من الموت المحتّم.
وطرح الكاتب المصري عدة أسباب من وجهة نظره للإنهيار القادم يذكر من أهمها : انعدام وجود أي اقتصاد خلاّق، وغياب أي نظام تربوي فعّال، وانحسار أي إبداع فكري بناء. ويعتبر أن مثل هذه الآفات الكارثية لا تؤدي بطبيعتها إلا إلى تصدّع البناء بكامله، واعتبر الكاتب "حامد عبدالصمد " أن هذا الهيكل بدأ فعلا بالإنهيار منذ فترة طويلة وهو الآن يعيش مرحلة التحلل النهائية وأضاف الباحث المصري أن الشعوب الإسلامية عرفت نوعا من النهضة في فترة من الزمن خاصة في القرون الوسطى عندما حصل انفتاح على الحضارات والثقافات التي احتكت بها. انفتحت عليها واستفادت من منجزاتها وعلومها. يقول مثلا، دون أي تحقيق أو تمحيص، بأن المسلمين ترجموا في فترة من الزمن أعمال الفكر اليوناني والروماني والمسيحي ونقلوه إلى الغرب، متنكرا تماما كون هذه الترجمات لم تكن إنجازا إسلاميا على الإطلاق بل في الحقيقة قام بها العلماء السريان والأشوريون الذين كانوا ينعمون بمستوى علمي رفيع عندما وصل الفتح الإسلامي إلى ديارهم. فجرى ذلك في عواصم الحضارة آنذاك في بلاد ما بين النهرين وبغداد ومنطقة أرض الشام. ولكن الإسلام الذي تبناها ونسبها لنفسه بقي عاجزا عن نقلها حتى إلى مهد انطلاقته في مكة والمدينة وباقي أطراف الجزيرة العربية .وقال أن المسلمين فشلوا لأنهم لم يكونوا لا من أهلها ولا من مبدعيها.
 وانتقد الكاتب المسلمين بقوله :أنهم ما زالوا حتى اليوم يتبجحون بأن الفضل يعود لهم في نقل حضارة الإغريق والرومان إلى الغرب، ولكنّه يتساءل: لو كانوا فعلا روّاد حضارة، لماذا لم يحافظوا عليها ويعززوها ويستفيدون منها. كذلك يتساءل ويقول: لماذا تتلاقح اليوم وتتنافس الحضارات كلها مع بعضها، تأخذ عن بعضها فتزدهر وتتقدم، إلا الحضارة الإسلامية بقيت متحجرة مغلقة على الحضارة الأوروبية التي ما زال المسلمون يتهمونها ويصفونها بحضارة الكفر، وفي الوقت نفسه يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار وينعمون بمختلف إنجازات الكفّار العلمية والتكنولوجية والطبية، دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده الكفّار قد فاتهم حتى أصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها .
 ويرى الكاتب في كتابه عدم إمكانية الإصلاح في الإسلام، معتبر ذلك من المستحيل ما دام إنتقاد القرآن ومفاهيمه ومبادئه وتعاليمه أمرا محرّما يحول دون أي تحرّك ، ويعقّم كل تفكير، ويقيّد كل مبادرة وقال حامد غامزا من القران الكريم : أي إصلاح ينتظر من شعوب تقدّس نصوصا جامدة عقيمة لا فائدة منها، وبالتالي يعتبرونها صالحة لكل زمان ومكان. وبالرغم من كل ذلك، نرى شيوخ الإسلام يرددون بكل غرور وتبجّح بأن المسلمين هم أفضل أمة أخرجها الله وأن غيرهم رعاع لا يستحقون حتى الحياة. ما هذه الشيزوفرانيا التي بليت بها هذه الأمة؟ وقال: كيف ستتمكن النخبة التنويرية العربية الإسلامية من مواجهة هذا الواقع؟ فرغم التشاؤم الذي يعيشه ويعاني منه معظم المفكرين الليبراليين المسلمين، فما زال هناك أمامهم بصيص أمل يدفعهم إلى المطالبة بمصارحة الذات بعيدا عن الكذب والنفاق والتقية والعنجهية والكبرياء ، ثم المصالحة مع الاخرين واحترام تفوّقهم الحضاري والاعتراف بفضل انتاجهم العلمي والتكنولوجي الذي يغني الإنسانية جمعاء دون استثناء. عليهم أن يدركوا أولا مدى ضعفهم ويشخصوا أسباب تخلفهم وفشلهم وبؤسهم دون خوف أو حذر أو عقد دونية ، كي يتمكنوا من إيجاد الدواء المناسب للعلل التي تقض مضجعهم .
  ولا يرى الدكتور حامد عبد الصمد في كتابه أي حل سحري لهذه الأمة التي لا تؤمن إلا بشريعة واحدة تستعبد عقول أبنائها وتخدّرها وتعقّمها، وبالتالي تقسّم العالم بين مؤمن مسلم وبين كافر غير مسلم، وبين دار الإسلام ودار الحرب .
   ويرى الكاتب انه من المستحيل للأمة الإسلامية أن تتقدم وتبدع قبل أن تتحرّر من مآسيها وعقدها ومحرّماتها، وقبل أن تنجح في تحويل دينها إلى دين روحانيّ صرف يدعو الإنسان إلى علاقة مباشرة خاصة بينه وبين خالقه، وذلك دون تدخل أي نبيّ أو إنسان أو هيئة أو مؤسسة أو مافيا دينية في كيفية إيمانه وسلوكه ذلك كله بحسب ما جاء في كتابه .العالم الإسلامي ينهار، ومن المتوقع أن يسقط خلال عقود بعد نفاد البترول وتصحر أجزاء منه بسبب التغيرات المناخية: هذه هي النبوءة المظلمة التي يعلنها الكاتب حامد عبد الصمد في كتابه الصادر حديثاً بعنوان "سقوط العالم الإسلامي"........ماذا سيفقد العالم لو اختفت الدول الإسلامية من خريطة العالم ؟ لا شيء تقريباً، يقول حامد عبد الصمد، ويضيف أن العالم الإسلامي توقف عن الابتكار وأصبح يعيش عالة على الدول المتحضرة، بل وأصبح منطقة تفريخ للتعصب والعنف. ويقول الباحث في جامعة ميونيخ في كتابه الذي صدر بالألمانية والعربية بعنوان "سقوط العالم الإسلامي" إن المسلمين مشدودون إلى الماضي، وعاجزون عن طرح أسئلة المستقبل الصعبة ، ولهذا يهربون إلى إنجازات ماضٍ مجيد.
  أثار الكتاب منذ صدوره في ألمانيا جدلاً شديداً ما بين مُتَهِم لعبد الصمد بالتسطيح والتعميم وترسيخ صور نمطية ، وبين مُشيد بـ"الكاتب الشجاع" الذي وضع أصابعه على مواطن عديدة من الداء، مُطالباً المسلمين بأن يتولوا هم بأنفسهم إصلاح مجتمعاتهم. في هذا الكتاب يعتبر عبد الصمد الإسلامَ جزءاً من مشكلة العالم الإسلامي ، أما القرآن فينظر إليه على أنه حجر عثرة في طريق تطور المسلمين لأن سطوة النص القرآني هائلة على المسلمين. وقد تلقى الكاتب عدة تهديدات بالقتل ، كما ووجه باتهامات بأنه – وهو ابن إمام مسجد في ريف مصر - يسبح في تيار معاداة الإسلام والمسلمين. حول "سقوط العالم الإسلامي" .هذه هي الحقيقة !!!منذ أحرق المسلمون كتب ابن رُشد انحرفوا عن الطريق الابداعي وانفصلوا عن العقل والعقلانية وعن المنهجية العلمية والعلوم التجريبية ، وبهذا ساروا في ذيل البشرية . هذه هي الحقيقة !!!
    فسياسيا : المسلمون وخاصة العرب لديهم أنظمة عشائرية أو شللية همها فقط سلب خيرات شعوبها ووأد كل تطلع الى الحرية والديمقراطية والدولة المدنية . ولا زالوا يحلمون بدولة الخلافة الوراثية وعثمانية القرون الوسطى.
   وفكريا ليس في أدمغتهم غير الماضي وبالتالي انفصلوا فكريا ونفسيا عن العصر .واجتماعيا لا زالت مفاهيم العشيرة والقبيلة مسيطرة على نظامهم الاجتماعي والأسري.
    وعلميا انفصال كامل عن العلوم ومنجزاتها لصالح البشرية ، وما وصلهم قاموا بتزييفه وخلطه بتشويهات وقاموا بحقنها للأجيال الناشئة .
   وتعليميا لم يستطيعوا برمجة تعليم عصري وعلمي وانتهجوا اسلوب الصم والحفظ والتسليم ، وألغوا دور العقل والابداع ، وبقيت البرامج التعليمية في المدارس والجامعات مختلطة بالأساطير والخرافات وقصص الجن والعفاريت . ولم تصلهم مفاهيم العصر مثل الديمقراطية والحرية والدولة المدنية وحقوق الانسان. هذه هي الحقيقة

ماهي الدولة ؟؟هل للدولة دين ؟

لا تزال هناك صعوبات في تعريف الدولة , فالدولة مشتقة من كلمة STATUS أي حالة أو وضع , لذلك تعددت التعريفات الغير متفق على جزئياتها من قبل الجم...